Protestors holding signs
ناشطون يدينون العنف ومحاولات اختطاف الصحفيين الباكستانيين في كراتشي بباكستان في 12 كانون الثاني/ يناير 2018. (وكالة أسيوشيتد برس/ فريد خان)

قلما يجد الصحفيون المعرضون للخطر والمضطرون للفرار من بلدانهم خيارات سريعة وآمنة

بقلم اليزابيث ويتشل

في عام 2018، علِق الصحفي محمد شبعاط الموجود في درعا بسوريا بين القوات المتقدمة الموالية للرئيس بشار الأسد والحدود المغلقة مع إسرائيل والأردن. وعلى الرغم من الخطر الرهيب الذي كان يتهدد هذا الصحفي وعدداً كبيراً من زملائه إلا أن الأمر استغرق لجنة حمالة الصحفيين والمنظمة الشريكة لها ما يزيد عن سنة من المفاوضات المكثفة مع نحو 20 بلداً من أجل العثور على ملاذات آمنة لـ 69 صحفياً معرضاً للخطر حددتهم اللجنة بمن فيهم محمد نفسه.

عندما يُجبر الصحفيون على الهرب من أوطانهم، تُضطرهم بعض العوامل، من قبيل التهم الجنائية وعدم الحصول على تأشيرات، إلى سلوك طرق محفوفة بالمخاطر غالباً ما تحط بهم في بيئات غير محمية. فما أن ينجح الصحفي بالهرب من الخطر الذي ينتظره حتى تنبري له مجموعة جديدة من التحديات. وقد عملت لجنة حماية الصحفيين على مئات من مثل هذه الحالات منذ انطلاق برنامج مساعدة الصحفيين قبل 20 عاماً، ووجدت أن المنفى يصبح بحد ذاته شكلاً من أشكال الرقابة. ويتعرض بعض الصحفيين للتخويف المباشر من قبيل الاعتداءات الشخصية في أوطانهم الجديدة أو تهديد أفراد أسرتهم الذين تركوهم في أوطانهم، فيما يُجبر عدد أكبر منهم على ترك المهنة بسبب الصعوبات التي تحول بينهم وبين العثور على عمل فضلاً عن عقبة اللغة في بيئاتهم الجديدة.

وتوصل تقرير صدر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 عن لجنة خبراء قانونيين إلى أن معظم الصحفيين المعرضين للمخاطر “يعجزون عن الانتقال إلى أماكن آمنة في الوقت المناسب لأن عدد المسارات المفتوحة ضئيل جداً وأن المتاح منها بالفعل بطيء ومرهق ووعر المسالك إلى حد يجعله أبعد ما يكون عن أن يشكل مخرجاً عملياً وفعالاً. ودعت لجنة الخبراء الدول إلى “العمل بنوع جديد من التأشيرات العاجلة للصحفيين المعرضين للخطر”، مما يتيح للصحفيين للهرب بسرعة من الخطر الذي يكاد يداهمهم في بلدانهم الأصلية والحصول على ملاذ مؤقت. وقد أيدت لجنة حماية الصحفيين على هذه التوصية كونها وجدت -من واقع تجربتها لأكثر من 20 عاماً في مساعدة المئات من الصحفيين على الخروج من دائرة الخطر- أنه عندما ينجح الصحفيون في السفر بسرعة إلى بيئات آمنة وداعمة فإن احتمالية متابعتهم مزاولة المهنة والعودة إلى أوطانهم في نهاية المطاف أكبر بكثير. 

Three men sitting at table
من اليسار إلى اليمين: الصحفيون السوريون: موسى الجمعات، ومحمد شبعاط، وأيهم غريب يعملون في غرفة أخبار موقع بيننا في العاصمة الإسبانية مدريد في نيسان/ أبريل 2021. (بيننا/ عقبة محمد)

ومن بين الصحفيين الـ 69 الذين ساعدتهم لجنة حماية الصحفيين، أطلق أربعة صحفيين سوريين –استقروا في إسبانيا- في أوائل عام 2021 أول صحيفة إلكترونية يديرها لاجئون في البلاد، وهي صحيفة ’بيننا‘، التي كُرست من أجل خدمة مجتمع متحدثي اللغة العربية الآخذ في التنامي في إسبانيا. بيد أن هذا النجاح تطلّب ثمناً باهظاً. وبمناسبة قرب حلول اليوم العالمي للاجئين، تدعو لجنة حماية الصحفيين حكومات الدول حول العالم إلى استحداث تأشيرات مستعجلة للصحفيين تسمح لهم بالهرب بسرعة وتجنب الخطر الذي يتهددهم في بلدانهم الأصلية، والحصول على ملاذ مؤقت والاستمرار في العمل. وفيما يلي خمسة أسباب تدعو إلى ذلك وُضحت بدراسة حالات إفرادية مستمدة من أعمال اللجنة في مساعدة الصحفيين ومن مقابلات حديثة وتقارير سابقة.

  1. تؤدي العقبات أمام الحصول على تأشيرات إلى إيقاع الصحفيين في أوضاع خطيرة

سواء أكان الغرض من الرحيل هو الهرب من حملات التضييق الحكومية القاسية أو من موجات العنف المعادي للصحافة، تبقى القدرة على الرحيل بسرعة عاملاً حاسماً من أجل النجاة بالنفس، مما لا يترك وقتاً للسير في عملية الإجراءات الطويلة للحصول على تأشيرة. وليس الوقت هو المشكلة الوحيدة. إذ تعمل الظروف نفسها التي وضعت الصحفيين في دائرة الخطر ضد صالحهم عندما يتعلق الأمر بالوفاء بالمتطلبات الصارمة لمنح التأشيرات –من قبيل دليل إثبات على العودة- الذي تطلبه معظم البلدان.

بالمقابل، يلجأ الصحفيون المعرضون للخطر إلى السفر عبر الحدود إلى بلدان مجاورة عبر التي يسهل اختراقها، فيظلون عالقين فيها لفترات طويلة بانتظار عملية إعادة التوطين الطويلة وغير الأكيدة التي تديرها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويواجهون المتاهة القانونية في البلد الجديد. وأعرب صحفيون للجنة حماية الصحفيين عن شعورهم بأنهم عرضة للهجمات والإبعاد والإعادة القسرية، هذا إضافة إلى اضطرارهم للعيش في ظروف قاسية.

People using computers
غرفة الأخبار لمحطة صوت بورما الديمقراطية المستقلة، في عام 2019. (لجنة حماية الصحفيين/ شون كريسبن)

دراسة حالات إفرادية:

  • هرب زيريهون تيسفاييه، وهو مراسل إثيوبي للشؤون السياسية لقناة ’أديس نيجير‘ الناقدة للحكومة والمتوقفة حالياً عن البث، عام 2009 عندما نما إلى علمه أن الحكومة تعتزم اعتقال معظم العاملين في الصحيفة. وقد فر تيسفاييه إلى كينيا البلد المجاور باعتباره الخيار الوحيد المتاح له من غير تأشيرة. وأمضى تيسفاييه أربع سنوات يعيش في كرب وشدة وخوف دائم من أن تتمكن السلطات الإثيوبية من معرفة مكانه في نيروبي. وفي نهاية المطاف أعيد توطينه في الولايات المتحدة. وذكر تيسفاييه للجنة حماية الصحفيين أنه لم يتمكن منذ مغادرته لإثيوبيا من استئناف العمل بمهنته كصحفي، رغم أنه قام بالتغطية وأعمال ترجمة غير مدفوعة الأجر لمشاريع ذات صلة بالإعلام، وبالتالي فقد عمل بوظائف مختلفة لكسب رزقه.
  • اعتقلت السلطات التايلاندية في أيار/ مايو 2021 ثلاثة صحفيين من ’صوت بورما الديمقراطي‘ بزعم دخولهم البلاد بصورة غير مشروعة. وكان هؤلاء الصحفيون قد فروا من ميانمار حيث اعتقل المجلس العسكري هناك عشرات الصحفيين منذ الانقلاب في شباط/ فبراير، ومن ضمنهم العديد من الصحفيين التابعين لصوت بورما الديمقراطي. وصدرت بحق الصحفيين الثلاثة أحكام بالسجن لسبعة أشهر مع وقف التنفيذ وتم نقلهم إلى بلد ثالث آمن، بحسب ما أعلنه صوت بورما الديمقراطي في 7 يونيو/ حزيران.
  1. التحديات المهنية التي تفرضها عملية اللجوء

حتى عندما يتغلب الصحفيون على ما يحيط بمسألة الحصول على التأشيرة من عقبات، تظل تواجههم تحديات ضخمة في البلدان المضيفة. ومن بين ما يواجهونه من صعوبات الحصول على تصريح بالإقامة لفترة طويلة بما يكفي حتى تصبح عودتهم آمنة. ويصعب الحصول على تمديد للتأشيرة أو تصويب أوضاع، الأمر الذي لا يترك للصحفيين في غالبية الأحيان خياراً سوى تقديم طلب للجوء أو تجشم عناء العودة إلى بلدانهم بما تتضمنه من أخطار، مثلما حدث في حالة المراسلة العراقية سحر حسين علي الحيدري التي لقيت حتفها.

وعلى الرغم من ميزة السلامة طويلة الأمد التي يجلبها اللجوء تبقى هذه الخطوة بالنسبة لمعظم الصحفيين الملاذ الأخير. وتستغرق عملية اللجوء –التي تختلف إجراءاتها من بلد لآخر- سنوات دون أي ضمانة بنجاحها في النهاية. وعند البدء بعملية اللجوء يصبح السفر محظوراً عموماً إلى أن يتم منح اللجوء؛ فإذا كان الصحفي خارج البلاد من دون أسرته فإن السير في طريق اللجوء يعني الفراق الطويل. ويعني كذلك الانتظار الطويل قبل الحصول على تصريح عمل، وكل هذا يعني -مقروناً بصعوبة الولوج إلى سوق العمل الإعلامي في بلد جديد- أنه على الصحفيين في المنفى البحث عن عمل خارج نطاق المهنة لتأمين نفقات معيشتهم.

Tibetan filmmaker Dhondup Wangchen speaking at podium
مخرج الأفلام الوثائقية التبتي دوندب وانغتشين يتحدث أثناء حفل توزيع الجوائز الدولية لحرية الصحافة من لجنة حماية الصحفيين في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، في مدينة نيويورك. (غيتي إميجيز للجنة حماية الصحفيين/ وكالة الأنباء الفرنسية/ ديا ديبسوبيل)

دراسة حالات إفرادية:

  • توجّه الصحفي الباكستاني كييا بالوتش إلى النرويج عام 2017 لدراسة الصحافة والحصول على فترة راحة من التهديدات التي كان يتلقاها. وأثناء غيابه عن باكستان تدهورت أحوال الصحفيين هناك عام 2020، إذ اتهمته مذكرة حكومية زُعم أنها مسربة بمزاولة أنشطة مناهضة للدولة. وبظهور هذه التهديدات الجديدة، كافح بالوتش من أجل تمديد إقامته، إلا أن آخر طلب له للحصول على تأشيرة طالب جوبه بالرفض. وذكر بالوتش للجنة حماية الصحفيين أنه يخشى أن يعزز تقدمه بطلب لجوء من وضعه كعدو للدولة مما سيجعل من عودته في نهاية المطاف إلى بلده أكثر خطورة.
  • بعد ست سنوات من السجن وثلاث سنوات من العيش تحت الرقابة المشددة، رأى مخرج الأفلام الوثائقية التبتي دوندب وانغتشين عام 2017 أن الوقت قد حان للهرب من الصين. وبما أنه لم يكن يمتلك جواز سفر وكانت اتصالاته خاضعة للمراقبة اللصيقة، اعتمد وانغتشين على المهربين الذين أخذوه عبر فيتنام وتايلاند. ومن هناك ذهب إلى سويسرا ومن ثم إلى الولايات المتحدة حيث استغرقه الأمر سنة أخرى للحصول على اللجوء. وعلى الرغم من حصوله على التقدير الدولي عن أعماله –بما في ذلك جائزة لجنة حماية الصحفيين لحرية الصحافة لعام 2012- ذكر وانغتشين للجنة حماية الصحفيين أنه كافح من أجل تأمين العلاج الطبي والعثور على عمل في الولايات المتحدة.
  1. التهديدات والاعتداءات الشخصية تلاحق الصحفيين في منافيهم

يظل الصحفيون يواجهون التهديدات والمضايقات بعد رحيلهم إلى بلدان كانوا قد افترضوا أنها آمنة لهم. وقد اتضح للجميع المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الحكومات المستبدة في مطاردة منتقديها عندما عمدت سلطات بيلاروسيا في أيار/ مايو 2021 إلى تحويل مسار طائرة ركاب تجارية وإجبارها على التوقف في منسك من أجل اعتقال الصحفي الذي يعيش في المنفى، رامان براتاسيفيتش. وقد وثقت لجنة حماية الصحفيين الكثير من الهجمات الأخرى التي استهدفت صحفيين في المنفى، بما في ذلك التهديدات بالقتل وعمليات الاختطاف والاعتداءات وحتى جرائم القتل. إن الحملات التي تشنها الدول لتشويه سمعة الصحفيين بعد فرارهم إلى بر الأمان والتهديدات والإجراءات القانونية ضد أفراد أسرهم الذين يعيشون في البلدان الأصلية للصحفيين تتم أيضاً لتكون بمثابة رسائل تذكير مرعبة للصحفيين بأن تقاريركم قد تتسبب في الانتقام منكم حيثما كنتم.

وإلى ذلك، قد يصبح الصحفيون الذين تتم إعادة توطينهم في بلدان وسط جاليات من أبناء شعبهم في المهجر عرضة لمخاطر الهجمات من قبل أبناء جالياتهم. كما توصّل بحث أجرته لجنة حماية الصحفيين ومنظمات أخرى إلى أن الحكومات المستبدة تستخدم تكنولوجيا المراقبة للتجسس على الصحفيين الذين يعيشون خارج البلاد.

وتُظهِر هذه المخاطر ضرورة أن تتخذ الدول المضيفة تدابير تحمي الصحفيين المقيمين على أراضيها من التهديدات الأمنية ومحاولات تسليمهم بموجب اتفاقيات تبادل المطلوبين الفارين، إضافة إلى توفير ملاذ آمن لأفراد الأسرة المباشرين. وينبغي، حيثما تعذر ذلك، أن يتمكن الصحفيون من طلب إعادة التوطين في بلد آخر.

Turkish editor Can Dündar sitting in chair
رئيس التحرير التركي جان دوندار أثناء مقابلة مع وكالة أسيوشيتد برس بالعاصمة الألمانية برلين، في 7 نيسان/ أبريل 2017 (أسيوشيتد برس/ ماركوس شرايبر).

دراسة حالات إفرادية:

  • انتقل الصحفي التلفزيوني السوري زاهر الشرقاط إلى مدينة غازي عنتاب التركية القريبة من بلدته عقب استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية عليها عام 2013. بيد أنه، وفي نيسان/ أبريل 2016، قام مسلح ملثم بإطلاق الرصاص على زاهر في الشارع فأرداه قتيلاً. وأعلن تنظيم الدولة عن مسؤوليته عن قتل الصحفي، في واحدة من أصل أربع عمليات اغتيال لصحفيين سوريين كانوا يعيشون في تركيا أعلن التنظيم عن مسؤوليته عنها في الفترة ما بين 2015 و2016.
  • توجَّه جان دوندار، رئيس تحرير صحيفة ’جمهورييت‘ التركية والحائز على الجائزة الدولية لحرية الصحافة، إلى برلين عام 2016 هرباً من تهم مناهضة الدولة وسط حملة الإجراءات الصارمة التي يتخذها الرئيس رجب طيب أردوغان على الإعلام. وفي ألمانيا، حيث تقطن جالية تركية كبيرة، يتعرض جان للتهديدات من مؤيدي أردوغان بصفة مستمرة مما دفعه إلى طلب حماية الشرطة في بعض الأوقات. ولم يحُل هروب جان من تعاظم التهم الموجهة إليه، وفي كانون الأول/ ديسمبر 2020 أُدين وحُكم غيابياً بالسجن لمدة لا تقل عن 27.5 سنة.
  1. تجريم الصحفيين يزيد من صعوبة العثور على ملاذ آمن لهم

بات إيداع الصحفيين في السجون في جميع أنحاء العالم أمراً روتينياً، وذلك على خلفية اتهامات بمناهضة الدولة أو اتهامات جنائية تهدف إلى تشويه سمعتهم، أو اتهامات ملفقة من قبيل حيازة مخدرات، أو حتى دون اتهامات بل بسبب عملهم. وقد وجدت لجنة حماية الصحفيين أنه من المحتمل أن يتعرض الصحفيون الذين يواجهون اتهامات أو لديهم سوابق جنائية إلى الإيقاف على المعابر الحدودية، وقد يتعرضون للمتاعب قبل الموافقة على منحهم التأشيرة أو اللجوء. ويكون هؤلاء الصحفيون أيضاً عرضة للتسليم إلى بلادهم بموجب اتفاقيات تبادل المجرمين. كما يتيح تجريم العمل الصحفي للحكومات القمعية ذريعة لسحب جوازات السفر من الصحفيين أو حتى سحب الجنسية من أساسها، مما يزيد من تعقيد إمكانية حصول الصحفيين في المنفى على وضعية قانونية في البلد الجديد أو إيجاد عمل أو القدرة على السفر. 

Azerbaijani journalist and press freedom activist Emin Huseynov
الصحفي الأذري والناشط في مجال حرية الصحافة أمين حسينوف. (أمين حسينوف)

دراسة حالة إفرادية:

  • في عام 2014 توارى الصحفي الأذري والناشط في مجال حرية الصحافة أمين حسينوف عن الأنظار هرباً من الاتهامات الجنائية بالتهرب الضريبي والضلوع في “أعمال تجارية غير قانونية بخصوص عقود مِنَح غير مرخصة”. ولجأ حسينوف، الذي كان يعلم بأنه ممنوع من السفر، إلى السفارة السويسرية ومكث فيها أكثر من سنة قبل التمكن من ترتيب خروج آمن له من البلاد. وردت أذربيجان بتجريد حسينوف من جنسيته. ومن جانبه، رفع حسينوف الذي يتمتع بوضعية لاجئ في سويسرا، دعوى قضائية على حكومة أذربيجان من خلال المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان متهماً إياها باستخدام التجريد من الجنسية لإسكات الأصوات المعارضة والناقدة.
  1. الحلول الأفضل تعني فرصاً أفضل لمواصلة العمل في المجال الصحفي

توصّلت لجنة حماية الصحفيين من خلال عملها لسنوات على قضايا الصحفيين في المنفى إلى أنه عندما تتوفر للصحفيين المعرضين للمخاطر سبل عاجلة مناسبة للوصول إلى ملاذات آمنة مؤقتة وشبكات الدعم المهنية، فسيكونون في موقع أفضل يؤهلهم لمواصلة عملهم بل وتعزيزه. وقد أبرمت لجنة حماية الصحفيين شراكة مع جماعات إقليمية ومؤسسات أكاديمية وبرامج أخرى بهدف توفير بيئات حسنة الدعم لاحتضان الصحفيين. وقد توصل استعراض لحالات تابعتها لجنة حماية الصحفيين إلى أن أرجحية بقاء الصحفيين، في مثل هذه الأحوال، في مجال عملهم نفسه ومن ثم العودة في النهاية إلى أوطانهم هي أكبر بكثير مقارنة بنظرائهم الذين لا يجدون خياراً أمامهم سوى الهرب نحو أوضاع غير مستقرة أو دخول معترك إعادة التوطين بإجراءاته المرهقة أو التقدم بطلب اللجوء.

وخلال العقد الماضي، وفي أكثر من 90 بالمئة من الحالات التي تمكنت فيها لجنة حماية الصحفيين من ترتيب أوضاع صحفيين مع جماعات مضيفة ومؤسسات، عاد الصحفيون المعنيون إلى بلادهم في غضون بضع سنوات.

Mexican reporter Patricia Mayorga
الصحفية المكسيكية باتريسيا مايورغا (باتريسيا مايورغا)

دراسة حالات إفرادية:

  • في عام 2017، قُتلت ميروسلافا برياتش فيلدوسيا في المكسيك، وهي زميلة مقربة من باتريسيا مايورغا الصحفية في مجلة ’بروسيسو‘. وكان لدى مايورغا التي كانت تغطي أخبار الجريمة والفساد أسباب جيدة تدفعها إلى الاعتقاد بأنها ستكون الشخص التالي، فانتقلت وابنتها إلى البيرو من خلال برنامج ’سيف هاوس‘ بضيافة المنظمة الإقليمية ’إنستوتوتو بريسنا إي سوسيساد‘ وبدعم من لجنة حماية الصحفيين. وتمكنت مايورغا -الحائزة على الجائزة الدولية لحرية الصحافة عام 2017- من مواصلة التغطية والعمل مع صحفيين آخرين من المنطقة. ثم عادت إلى المكسيك عام 2020 وهي تقوم الآن على تدريب الصحفيين المستقلين.
  • عانى أحمد نوراني هو صحفي في الموقع الإخباري الاستقصائي المستقل ’فاكت فوكاس‘ وأحد مؤسسيه من اعتداء وحشي وتهديدات فضلاً عن إدراجه فعليا على القائمة السوداء، وذلك قبل أن يقرر أن الوقت قد حان لمغادرة باكستان. وفي عام 2020 حصل على تنسيب أكاديمي في الولايات المتحدة من خلال شركة ’ألفرد فريندرلي برس بارتنرز‘ وبدعم من شبكة أكاديميون في خطر (Scholars at Risk) والآلية الأوروبية لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان (Protect Defenders EU) ولجنة حماية الصحفيين. وعلى الرغم من تقليص أنشطة هيكل الدعم بسبب جائحة كوفيد-19، إلا أنه ساعد نوراني على استغلال وقته لمواصلة عمله على إعداد تقرير استقصائي يميط اللثام عن تعاملات مالية مزعومة مثيرة للجدل لمسؤولين عسكريين كبار سابقين.

توصيات

كانت طلبا النقل المستعجل إلى بلد آخر هو طلبات الدعم الأكثر شيوعاً التي تلقاها فريق العمل ببرنامج مساعدة الصحفيين التابع للجنة حماية الصحفيين منذ تأسيس البرنامج عام 2001. لا يجد الصحفيون العاملون في أماكن خطرة في أغلب الأحيان خياراً سوى الرحيل برفقة عائلتهم هرباً من التهديدات. وهم يعتمدون عادةً على منظمات المجتمع المدني لمساعدتهم في معالجة حالاتهم وفي التدخل لدى الحكومات.

وتؤدي الحكومات دوراً مهماً في ضمان النقل الآمن والناجح للصحفيين المعرضين للخطر من بلدانهم. ويشتمل هذا الدور على الدعم المالي لبرامج الطوارئ والتنسيق مع المجتمع المدني والحكومات الأخرى بشأن خيارات الانتقال. ولكن من الضروري أيضاً أن تطبق الحكومات سياسات تسمح بانتقال الصحفيين العاجل إلى بلدانها.

وعليه تتقدم لجنة حماية الصحفيين بالتوصيات التالية:

توصيات إلى الحكومات الوطنية:

  • استحداث تأشيرات مستعجلة خاصة للصحفيين تتيح إخلاءهم بسرعة ونقلهم إلى أماكن آمنة. وينبغي منح تلك التأشيرات للأفراد المعرضين للمخاطر لأسباب ترتبط مباشرة بعملهم في التغطية الصحفية و/أو نشر الأخبار. وينسجم هذا مع توصيات اللجنة رفيعة المستوى للخبراء القانونيين بشأن حرية الإعلام.
  • شرح طبيعة هذه التأشيرات ومتطلباتها للمجتمع المدني والمنظمات الإعلامية وإنشاء عملية تتيح لهذه المنظمات تقديم الحالات المراد النظر فيها.
  • وكي توفر التأشيرات الحماية، ينبغي أن تكون عملية استصدارها سريعة بالدرجة المناسبة (لا تزيد عن 15 يوماً) وأن تشمل –عند الاقتضاء- أفراد الأسرة المعرضين للخطر. وفي الحالات التي يُقدر أنها دقيقة، يتم النظر في الانتقال الفوري مع استعراض ثانوي لحالة التأشيرة.
  • تدريب طاقم العاملين في السفارات والقنصليات على إصدار التأشيرات المستعجلة الخاصة وتزويدهم بالموارد الكافية لضمان المعالجة المناسبة للحالات. ويتم، حيثما أمكن، منح السفراء صلاحية مباشرة في عملية اتخاذ القرارات بخصوص هذه التأشيرات.
  • إنشاء عمليات تتيح للصحفيين استئناف قرارات رفض منح التأشيرة.
  • إدراك أن الاتهامات الجنائية ضد الصحفيين تُستخدم عادة كشكل من أشكال المضايقة والتنكيل وضمان أن تتيح عملية التأشيرات النظر الكامل في حالات من هذا النوع.
  • بغية تعزيز قدرة الصحفيين الذين أُجبروا على العيش في المنفى على القيام بعملهم، ينبغي أن تتضمن التأشيرات المستعجلة المؤقتة بنوداً تتعلق بمنح تصاريح عمل.
  • توفير تدابير لحماية الصحفيين المقيمين داخل حدود الدولة من التهديدات الأمنية ومحاولات تسليمهم بموجب اتفاقيات تبادل المتهمين على أساس اتهامات جنائية وُجهت إليهم بسبب عملهم الصحفي.
  • وضع بروتوكولات خاصة تسمح بتنفيذ طلبات التأشيرات المستعجلة للصحفيين في بلد ثانٍ. ومن شأن ذلك أن يضمن احتفاظ الصحفيين الذين لا يزالون عرضة لخطر كبير في منفاهم بإمكانية الاستفادة من عملية الحصول على التأشيرات المستعجلة، وتوفير مسار بديل للصحفيين الذين لا يستطيعون الاتصال بحرية مع السفارات أثناء تواجدهم في أوطانهم أو الذين يتعين عليهم محاولة عبور الحدود دون أن تكشف سلطات بلادهم أمرهم.

توصيات للمفوض السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة

  • منح وضعية اللجوء للصحفيين المعرضين للخطر بصرف النظر عن البلد الذي يقدمون طلبهم منه.
  • الإقرار بأن الصحفيين، وبسبب كونهم أصحاب ظهور علني، يظلون عرضة للمخاطر ضمن بعض مجتمعات اللاجئين والإسراع بتنفيذ طلبات إعادة توطينهم و/أو تزويدهم فوراً بتدابير الحماية المتاحة.

توصيات إلى المؤسسات الإعلامية والمعاهد الأكاديمية والمؤسسات

  • ينبغي على المؤسسات الإعلامية دعم الصحفيين في المنفى عن طريق إنشاء برامج التدريب الداخلي والوظائف المؤقتة وبرامج النصح والإرشاد.
  • وينبغي أن تنشئ المؤسسات الإعلامية بروتوكولات إخلاء للموظفين المستقلين والنظاميين الذين يتعرضون للتهديد وأن تقيم مراكز ارتباط أمنية للتنسيق مع منظمات المجتمع المدني وحشد الدعم لمنح التأشيرات. وينبغي ألا يقتصر ذلك على الصحفيين والمحررين والمصورين الفوتوغرافيين فقط، بل يجب أن يشمل المترجمين والسائقين وغيرهم من العاملين بوظائف مساندة.
  • ينبغي أن تنشئ المعاهد الأكاديمية برامج زمالة وفرص بحث ومنح دراسية للصحفيين المعرضين للخطر.
  • ينبغي أن تقدِّم المؤسسات الدعم لبرامج الزمالة وللمواقع الإعلامية في المنفى ومشاريع الأبحاث التي تتيح للصحفيين مواصلة ممارسة المهنة أثناء عيشهم في المنفى.

تغطية إضافية من قبل مديرة وحدة الحالات المستعجلة في لجنة حماية الصحفيين ماريا سالازار فيرو وممثل اللجنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إغناسيو ميغيل ديلغادو كوليبراس.