من إعداد جاستن شيلاد، باحث متقدّم في لجنة حماية الصحفيين معني بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وإغناثيو ميغيل ديلغادو، ممثل لجنة حماية الصحفيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وم. الحايس، مراسلة لجنة حماية الصحفيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وشريف منصور منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين
في أوائل شباط/ فبراير 2011، كان علاء عبد الفتاح يقف في ميدان التحرير في العاصمة المصرية يوثّق أحداث الثورة الوليدة المؤيدة للديمقراطية ويشارك فيها، وقد أطاحت الثورة بالحكومة وأحدثت تحولاً في مصر والمنطقة برمتها. واليوم، يقبع علاء خلف القضبان بسبب اتهامه بمناهضة الدولة ونشر أخبار كاذبة. وتعتقد أسرة علاء أن هذه الاتهامات نجمت جزئياً عن رغبة السلطات في الانتقام منه بسبب عمله. وفي أواخر سنة 2020 كان علاء واحداً من بين 27 صحفياً محتجزاً في السجون المصرية، وبهذا العدد من الصحفيين المحتجزين باتت مصر إحدى البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين في العالم، حسب آخر إحصاء للصحفيين السجناء أجرته لجنة حماية الصحفيين.
وقد اتّبعت بلدان عديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المسار الذي اتّبعته مصر. فبعد عشر سنوات من انطلاق ثورات الربيع العربي، لم تثمر الثورات التي طالبت بإصلاحات ديمقراطية إلا عن مزيد من القمع الحكومي في البحرين والجزائر والمغرب وبلدان أخرى. وفي غضون ذلك، احتدمت نيران الحروب الأهلية في سوريا واليمن، ولغاية سنة 2017، في العراق. وكان لهذا التفجر التاريخي للثورات نتائج عميقة ومتنوعة ما زالت تتطور، وقد تركت أثرها على حرية الصحافة وجعلت مهنة الصحافة المهنة الأكثر فتكاً وخطورة على مزاوليها المحليين وعلى المراسلين الأجانب في المنطقة على حدٍ سواء.
وعلى امتداد العقد المنصرم استخدمت السلطات في مختلف بلدان المنطقة وسائل جديدة وأخرى تقليدية لإسكات التغطية المستقلة واستهداف الصحفيين بصفة فردية. وفيما يلي عرض لسبعة اتجاهات وثقتها لجنة حماية الصحفيين على صعيد حرية الصحافة خلال السنوات العشر الماضية التي تلت انطلاقة الربيع العربي:
سجن الصحفيين
لغاية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020، كان هناك 89 صحفياً سجيناً في 10 بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو أعلى رقم تسجله المنطقة منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين بإحصاء أعداد الصحفيين السجناء سنة 1992. ومعظم هؤلاء الصحفيين محتجزون على خلفية اتهامات تتعلق بمناهضة الدولة ونشر أخبار كاذبة؛ فيما يُحتجز كثيرون آخرون دون توجيه أية اتهامات ضدهم. ففي مصر، تُوجَّه لمعظم الصحفيين المحتجزين اتهامات، ولكن لا تصدر بحقهم أحكام بل تستمر السلطات في اعتقالهم لشهور أو سنوات بانتظار محاكمتهم.
وتستخدم السلطات احتجاز الصحفيين كأسلوب لمنع تغطية القضايا السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان ولإسكات صوت تلك التغطية وتكميم الأفواه المعارضة. وتلجأ هذه السلطات إلى السجن أيضاً لقمع تغطية أية اضطرابات: إذ جرى اعتقال صحفيين في مصر والبحرين وسوريا أثناء توثيقهم لأحداث الثورات.
وتميزت مصر والسعودية بحدوث طفرات كبيرة في أعداد الصحفيين السجناء. ففي عام 2012، أي العام الذي تلا الثورة المصرية الأولى، لم تُحصِ لجنة حماية الصحفيين أي صحفي في السجون المصرية، ولكن في عهد حكومة عبد الفتاح السيسي – الذي تولى حكم مصر إثر انقلاب سنة 2013 ومن ثم انتُخب رئيساً في السنة التي تليها – زجّت السلطات المصرية بأعداد هائلة من الصحفيين خلف القضبان. وفي السعودية، لم يكن هناك أي صحفي في السجن سنة 2011، ولكن السلطات اعتقلت صحفيين سنة 2012 في أعقاب احتجاجات تطالب بإصلاحات، وفي أواخر عام 2020 كان هناك ما لا يقل عن 24 صحفياً في السجون السعودية.
حالات ينبغي متابعتها
محمد إبراهيم، هو مدون مصري معروف أيضاً باسم محمد أكسجين، وقد اعتُقل في أيلول/ سبتمبر 2019 في مركز للشرطة حيث كان يسجل تواجده وفقاً لشروط وضعهِ تحت المراقبة التي خضع لها بعد اعتقاله سابقاً. ويواجه محمد اتهامات بمناهضة الدولة ونشر أخبار كاذبة.
عبد الجليل السنغاسي، هو مدون بحريني انتقد في كتاباته انتهاكات حقوق الإنسان والتمييز الطائفي وقمع المعارضة السياسية. اعتُقل عبد الجليل في آذار/ مارس 2011 وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة “التآمر لقلب نظام الحكم الملكي”. وفي الآونة الأخيرة، حرمت السلطات البحرينية السنغاسي من العلاج الطبي من مرضه في السجن.
طل الملوحي، مدونة سورية اعتُقلت قبل الربيع العربي، أي في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2009 وأمضت حكماً بالسجن مدته خمس سنوات بتهمة إفشاء أسرار الدولة وحكماً آخر لثلاث سنوات على خلفية تهمة ملفقة بحيازة مخدرات. ويُنظر إلى طل الملوحي التي لا تزال معتقلة دون تهمة في الوقت الراهن على أنها رمز للنضال من أجل حرية التعبير في سوريا.
الرقابة على الإعلام الإلكتروني
استخدمت السلطات في عدة بلدان قوانين جديدة ومبهمة للرقابة بهدف فرض قيود على الإعلام الإلكتروني، الأمر الذي وثّقته لجنة حماية الصحفيين. ويُعد حجب المواقع الإلكترونية أمراً شائعا في المنطقة؛ ففي الأردن، حجبت السلطات مواقع إلكترونية بزعم افتقارها للتسجيل المناسب؛ وفي مصر والجزائر، حُجبت مواقع إلكترونية بزعم نشرها “أخباراً كاذبة”، كما حجبت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين مواقع إلكترونية تمولها قطر. ولا تقدم السلطات دائماً تفسيراً أو تعطي تنبيها قبل حظر المواقع؛ وفي عام 2017 حجبت السلطات المصرية مواقع إخبارية دون إشعار مسبق؛ وفي الجزائر لم تعلن أية هيئة حكومية سنة 2020 عن مسؤوليتها عن حجب المواقع.
وقد صنّفت لجنة حماية الصحفيين السعودية وإيران في تقاريرها الصادرة حول الرقابة على الإعلام للسنوات 2012 و2015 و2019، بوصفهما من بين أكثر بلدان العالم فرضاً للرقابة المشددة (يُذكر أن تقرير عام 2019 هو أحدث تقارير لجنة حماية الصحفيين الصادرة بهذا الخصوص). فبموجب نظام جديد صدر عام 2011 في السعودية، يتوجب على المواقع والمدونات الجديدة الحصول على ترخيص من وزارة الثقافة والإعلام، حسبما وثقت لجنة حماية الصحفيين. وتطبِّق السلطات الإيرانية واحداً من أشد نظم الرقابة على الإنترنت في العالم مع حظر مواقع إخبارية ومواقع للشبكات الاجتماعية، حسب تقرير أصدرته لجنة حماية الصحفيين عام 2018.
حالات ينبغي متابعتها
حجبت السلطات المصرية في نيسان/ أبريل 2020 الموقع الإلكتروني ’درب‘، وهو موقع إخباري مستقل يملكه حزب معارض، وذلك بعد شهر واحد من إطلاقه. ولم تذكر السلطات السبب وراء حظر الموقع فيما لم تعلن أية هيئة حكومية عن مسؤوليتها عن الحظر. وقد تأكدت لجنة حماية الصحفيين في بداية عام 2021 أن الوصول إلى الموقع لا يزال غير ممكن من داخل مصر.
حجبت السلطات الجزائرية في تموز/ يوليو 2019 الموقع الإخباري المستقل (Interlignes) لمدة أربعة أشهر، ومن ثم حجبته مرة ثانية في نيسان/ أبريل 2020. ولم تقم السلطات قبل حجب الموقع بإشعار القائمين عليه بهذه الشأن، وقد تأكدت لجنة حماية الصحفيين في بداية عام 2021 أن الوصول إلى الموقع لا يزال غير ممكن.
تجريم العمل الصحفي
خلال السنوات العشر الأخيرة، لجأت حكومات المنطقة وعلى نحو متزايد إلى توجيه اتهامات بنشر “أخبار كاذبة” واستخدام القوانين المتعلقة بمناهضة الدولة وممارسة الإرهاب، بدلاً من قوانين النشر والإعلام.
وتتصدر مصر قائمة دول العالم في سجن الصحفيين بتهمة نشر أخبار كاذبة. ويفرض قانون مصري سُنَّ عام 2018 عقوبات على المطبوعات التي تنشر “أخباراً كاذبة” بتغريمها أو تعليق صدورها. وفي الآونة الأخيرة، حظرت الحكومة المصرية على القنوات الإخبارية نشر معلومات مستمدة من مصادر غير رسمية بشأن جائحة كوفيد-19، إضافة إلى قضايا “حساسة” أخرى، وذلك كوسيلة لكبت التغطية المستقلة حول الأزمة.
وفي المغرب، كثيراً ما يُعاقَب الصحفيون على خلفية اتهامات مرتبطة بقانون مكافحة الإرهاب أو غيرها من التهم الجنائية انتقاماً منهم بسبب عملهم. وقد اعتقلت السلطات المغربية منذ عام 2016 صحفيين محليين على خلفية اتهامات بمناهضة الدولة بسبب تغطيتهم للاحتجاجات المناوئة للحكومة في منطقة الريف في شمال البلد، حسبما وثّقت لجنة حماية الصحفيين. (ورحّلت المغرب صحفيين أجانب كانوا يعملون على هذا الموضوع). وفي عامي 2019 و2020، اعتقلت السلطات ما لا يقل عن ثلاثة صحفيين يعملون في وسائل إعلامية مستقلة بتهم إضعاف أمن الدولة والاغتصاب والإجهاض غير المشروع، فيما تحقق السلطات مع صحفي معتقل آخر إذ تتهمه بممارسة غسيل الأموال، ودون أن تقدم دليلاً مناسباً، حسبما وثّقت لجنة حماية الصحفيين.
وفي أواخر عام 2019، أدت التظاهرات المناوئة للحكومة في الجزائر إلى الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي مارس رقابة شديدة على الصحافة. بيد أن خليفته، عبد المجيد تبون، عمَد هو الآخر على ملاحقة الصحفيين، إذ سجنت السلطات صحفييّن اثنين بموجب قوانين مناهضة الدولة، بحسب الإحصاء الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين سنة 2020 لعدد الصحفيين السجناء. كما قامت الحكومة في عام 2020 بتجريم نشر “الأخبار الكاذبة”.
حالات ينبغي متابعتها:
بالإضافة إلى الاتهامات بنشر “أخبار كاذبة”، غالباً ما تتهم الحكومة المصرية الصحفيين “بالانضمام إلى جماعة إرهابية”. وقد وجهت إلى مراسل قناة الجزيرة، محمود حسين جمعة، كلتا التهمتين وهي تحتجزه منذ كانون الأول/ ديسمبر 2016.
وفي الجزائر، حُكم عام 2020 على خالد دراريني، مراسل منظمة مراسلون بلا حدود وقناة ’تي-في5 موند‘، بالسجن سنتين بتهمتين تتعلقان بمناهضة الدولة، بما في ذلك “تحريض تجمع غير مسلح” و “الإضرار بالوحدة الوطنية”.
بيئة فتاكة للعمل الصحفي
منذ انطلاق ثورات الربيع العربي، أدت النزاعات في مختلف أنحاء المنطقة إلى زيادة خطورة التغطية الإعلامية ومن ثم زيادة حادّة في أعداد الصحفيين الذين قتلوا أثناء أدائهم لعملهم. وحسب تقصيات لجنة حماية الصحفيين، قُتل 154 صحفياً منذ عام 2011 من جراء نيران متقاطعة أو خلال تغطيتهم للأحداث في مهمات خطرة في اليمن وسوريا والعراق. ويمثل هذا الرقم أكثر من نصف العدد الإجمالي للصحفيين الذين قُتلوا في العالم كله (258) وسط مثل هذه الظروف وخلال الفترة نفسها.
وكانت سوريا البلد الأشد فتكاً بالصحفيين من بين هذه البلدان الثلاثة، وبفارق كبير، وهذا التصنيف جديد نسبياً على سوريا إذ لم تسجّل مقتل أي صحفي في الفترة ما بين عامي 1992 و2010، لكن شهد هذا البلد خلال العقد الماضي مقتل 110 صحفياً جراء تقاطع النيران أو أثناء أداء مهمات خطرة. ويعود سبب مقتل معظم هؤلاء إلى عمليات القصف والغارات الجوية التي تشنها القوات العسكرية، بما في ذلك الجيش السوري وحلفاؤه، والقوات التركية.
أما في اليمن والعراق فقد كانت الاشتباكات بين الجماعات السياسية، بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية والمليشيات وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، هي المسؤولة عن معظم حالات مقتل الصحفيين جراء تقاطع النيران أو التغطية الإعلامية في مهامات خطرة.
حالات بارزة
محمد أبازيد (المعروف أيضاً باسم جورج سمارة)، وهو مراسل لعدة وسائل إعلامية مؤيدة للمعارضة السورية، منها إذاعة ’نبض سوريا‘ والهيئة السورية للإعلام. قُتل أبازيد بصاروخ في مدينة درعا جنوب غرب سوريا أثناء تغطيته لغارات الطيران السوري والروسي في آذار/ مارس 2017.
شفاء زكري إبراهيم (المعروفة أيضاً باسم شفا غاردي)، مراسلة محطة ’رداو‘ الكردية. قُتلت شفاء في شباط/ فبراير 2017 بانفجار قنبلة مزروعة على جانب الطريق غرب مدينة الموصل أثناء تغطيتها للعملية العسكرية التي نفذها الجيش العراقي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
أديب الجناني، مراسل لمحطة ’تلفزيون بلقيس‘ اليمنية، الذي قُتل في هجوم تعرض له مطار عدن الدولي في كانون الأول/ ديسمبر 2020 أثناء تغطيته لوصول الحكومة اليمنية حديثة التشكيل إلى عدن قادمة من السعودية.
جرائم القتل المستهدفة والإفلات من العقاب
شهدت المنطقة خلال العقد الماضي مقتل 50 صحفياً، بما في ذلك جريمتا قتل دُبرتا على مستوى رسمي رفيع لم تتم مساءلة مرتكبيهما. وتعرِّف لجنة حماية الصحفيين حالات قتل الصحفيين بأنها تلك التي يُستهدفون فيها كانتقام مباشر منهم بسبب عملهم.
وفي أسوأ جرائم القتل صيتاً وسمعة، قام مسؤولون رسميون بقتل صحفيين بطريقة بدت وكأنها صُممت لتهزأ من فكرة العدالة. ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2018، قام مسؤولون في أجهزة الجيش والاستخبارات السعودية بقتل جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وكان هذا الصحفي يكتب في صحيفة ’واشنطن بوست‘. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2020، أعدمت الحكومة الإيرانية الصحفي روح الله زم، محرر قناة ’آماد نيوز‘ على منصة ’تليغرام‘، بعد قيام عناصر استخباراتية باعتقاله في العراق. وكان كلا الصحفييِّن قد انتقد حكومته من خارج البلاد وغطى أخبار الاحتجاجات الداخلية وحركات الإصلاح المحلية.
وتسلط جريمتا قتل الصحفيين خاشقجي وزم بهذه الوحشية الضوء على اتجاه أوسع من الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين. ويتراوح مرتكبو هذه الجرائم ما بين جهات رسمية فاعلة باتت ضعيفة ولكنها لا تزال خطيرة، كالحكومة السورية، وجهات فاعلة من غير الدول مثل تنظيم الدولة الإسلامية الذي قام بتصوير جرائم القتل التي نفذها بحق صحفيين مرموقين، بمن فيهم الصحفيان الأمريكيان جيمس فولي وستيفن سوتلوف، وعرضها أمام العالم بأسلوب سينمائي بشع. ولا يزال كثير من الجناة مجهولاً. وقد احتلت سوريا والعراق المرتبتين الثانية والثالثة، على الترتيب، على المؤشر العالمي للإفلات من العقاب لعام 2020، وهو مؤشر تصدره لجنة حماية الصحفيين سنوياً، ويسلط الضوء على البلدان التي يُقتل فيها صحفيون فيما يظل القتلة أحراراً طلقاء.
حالات ينبغي متابعتها
قُتل رائد فارس، مؤسس إذاعة ’راديو فريش‘ ومديرها، إضافة إلى حمود الجنيد، وهو مصور فوتوغرافي ومراسل للمحطة، وذلك على يد مسلحين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 أثناء توجههما لتغطية تظاهرة خرجت في كفرنبل بسوريا. وقال زميل لهما إنهما كانا قد تلقيا تهديدات من جماعات مسلحة بسبب قيام المحطة ببث الموسيقى واستخدام نساء كمذيعات.
قتلَ مسلحون بالرصاص كاوه كارمياني، محرر الموقع الإخباري ’رايل‘ أمام منزله مدينة السليمانية بكردستان العراق في كانون الأول/ ديسمبر 2013. وحكمت محكمة جنائية على قاتله توانا خليفة بالإعدام، غير أن نشطاء محليين قالوا إن الحكم لم يأخذ في اعتباره الطرف الذي استفاد من هذه الجريمة.
ممارسات الاحتجاز والقتل من قبل جهات فاعلة من غير الدول
أصبحت الجهات الفاعلة من غير الدول، كالميليشيات، لاعباً بارزاً في الميدان السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد أدى نشوءها إلى مزيد من التهديد لحرية الصحافة.
وفي عام 2014، استولت جماعتان مسلحتان، هما تنظيم الدولة الإسلامية والحوثيون، على مساحات واسعة في العراق وسوريا واليمن وأصبحتا سلطتين بحكم الأمر الواقع، مستفيدتين من الضعف الذي أصاب سلطة الدولة وحالة الفراغ في السلطة الذي انبثق عن النزاع المسلح. وقامت الجماعتان أيضاً بإحكام قبضتيهما بشدة على وسائل الإعلام؛ فعلى سبيل المثال، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على القنوات الإعلامية في الموصل، بما فيها قناتا ’الموصلية‘ و ’سما الموصل‘، واعتقل الكثير من الصحفيين فيما أجبر كثيرين آخرين على العمل السري، وذلك لفرض تعتيم إعلامي بحكم الأمر الواقع.
وقد انتهى المطاف بكثير من الصحفيين الذين تجرأوا على تقديم تغطية ناقدة لأي من الجماعتين بالسجن أو القتل. وحسبما وثّقت لجنة حماية الصحفيين، اعتقل الحوثيون عشرات الصحفيين اليمنيين، فيما حُكم على أربعة صحفيين بالإعدام وما زالوا في السجن.
وقتلَ تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات 65 صحفياً في العراق وسوريا واختطفت كثيرين غيرهم، ولا يزال 19 منهم مفقودين. ولكن لم يشعر الصحفيون المحليون بقدر أكبر من الأمان بعد طرد تنظيم الدولة من العراق وسوريا سنتي 2017 و2018، حسبما وثّقت لجنة حماية الصحفيين.
لقد أدى النزاع في سوريا إلى نشوء عدد هائل من جماعات المعارضة المسلحة التي لا تكن الاحترام لحرية الصحافة؛ إذ اعتقلت هيئة تحرير الشام، المنبثقة عن تنظيم القاعدة والتي تسيطر على مناطق واسعة من شمال غرب سوريا، بعض الصحفيين ولا يزال واحد منهم على الأقل محتجزاً لديها، كما يُشتبه في أنها تقف وراء مقتل صحفيين اثنين على الأقل.
ولإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، اعتمد العراق إلى حد كبير على الميليشيات الشيعية المنضوية تحت قوات الحشد الشعبي التي باتت تمثل الآن التهديد الرئيسي للصحفيين العراقيين. وشهدت ليبيا أيضاً مقتل صحفيين على يد فاعلين من غير الدول؛ إذ قُتل ما لا يقل عن خمسة صحفيين على يد ميليشيات وجماعات مسلحة، بما في ذلك على يد تنظيم الدولة الإسلامية، منذ عام 2011.
حالات ينبغي متابعتها
اعتقل تنظيم الدولة الإسلامية في شهر حزيران/ يونيو 2014 كامران نجم في شمال شرق العراق، وهو مصور صحفي من كردستان العراق ومؤسس وكالة ’ميتروغرافي‘ للصور، ولا يزال مفقوداً.
لا يزال الصحفيون اليمنيون عبد الخالق عمران وأكرم الوليدي وحارث حميد وتوفيق المنصوري محتجزين لدى الحوثيين منذ أكثر من خمس سنوات حيث صدر بحقهم حكم بالإعدام في نيسان/ أبريل 2020 بتهمة نشر أخبار كاذبة دعماً للسعودية. ولا يزال الصحفيون الخمسة قيد الاحتجاز.
مراقبة الصحفيين والقنوات الإعلامية
في أعقاب تظاهرات عام 2011 التي هزّت المنطقة، ضاعفت السلطات من جهودها لمراقبة أنشطة الصحفيين وغيرهم ممن ترى أنهم يشكلون تهديداً محتملاً لسلطتها. وقد استقدمت الحكومات خبراء في المراقبة من الولايات المتحدة من أجل تطوير بناها التحتية للمراقبة وتعاونت مع الحلفاء ومع أعداء الأمس، كإسرائيل، من أجل بيع وشراء تقنيات المراقبة، حسبما وثّقت لجنة حماية الصحفيين.
وأصبحت الإمارات العربية المتحدة المركز الإقليمي للمراقبة؛ حيث يُزعم أن مسؤولين حكوميين استخدموا تقنيات من مجموعة ’إن إس أو‘ (NSO Group)، وهي شركة تتخذ من إسرائيل مقراً لها، ضد صحفيين لهم صلات بقطر، فيما أنشأت الإمارات العربية المتحدة أداة مراقبة بمساعدة من موظفين حكوميين سابقين في الولايات المتحدة، حسبما وثّقت لجنة حماية الصحفيين في كانون الأول/ ديسمبر 2020 وكانون الثاني/ يناير 2019، على الترتيب. (وقد طلبت اللجنة من مجموعة ’إن إس أو‘ عبر البريد الإلكتروني في كانون الأول/ ديسمبر التعليق على ذلك، لكن المجموعة امتنعت عن إعطاء تعليق يمكن نسبته إلى متحدث رسمي مع ذكر الاسم).
ويُشتبه كذلك في قيام حكومات أخرى في المنطقة باستخدام برمجيات خبيثة في استهداف الصحفيين: إذ يُزعم أن السعودية راقبت هواتف أشخاص عددين ممن وردت أسماؤهم في قائمة الأسماء الموجودة في هاتف خاشقجي قبل أن يقوم عملاؤها بقتله.
حالات ينبغي متابعتها
اعُتقل مراسل موقع ’لو ديسك‘ (Le Desk) عمر راضي بتهمة مناهضة الدولة في عام 2020. وذكرت منظمة العفو الدولية أن السلطات المغربية استخدمت تقنيات إسرائيلية لاختراق هاتفه في السنة التي سبقت اعتقاله، الأمر الذي أنكرته السلطات المغربية.
اعتُقل في عام 2020 الصحفي المغربي والمناصر لحرية الصحافة معاطي منجب، وكانت لجنة حماية الصحفيين قد أجرت لقاء معه عام 2019 بعد أن أفادت العفو الدولية أنه استُهدف بمحاولة لتثبيت برمجيات خبيثة على هاتفه.