لوحة جدارية لصحفية قناة "الجزيرة" العربية، شيرين أبو عاقلة، التي قُتلت على يد جندي إسرائيلي في بلدة جنين بالضفة الغربية، على جدار في مدينة غزة في 15 أيار/ مايو 2022. (صور أسوشيتد برس/ عادل حنا)

نمط فتاك: 20 صحفياً قتلوا بنيران القوات الإسرائيلية خلال 22 سنة دون أن يُحاسب أحد

في 11 أيار/ مايو 2022، قُتلت مراسلة قناة ’الجزيرة‘ العربية، شيرين أبو عاقلة، في إطار نمط فتاك مستمر منذ عقود. وثّقت لجنة حماية الصحفيين منذ أكثر من 22 سنة ما لا يقل عن 20 حالة قُتل فيها صحفيون على يد قوات الدفاع الإسرائيلية. ورغم التحقيقات العديدة التي أجرتها قوات الدفاع الإسرائيلية، لم تُوجَّه اتهامات لأي أحد ولم يخضع أحد للمساءلة بشأن هذه الوفيات. وقد أدى الإفلات من العقاب في هذه الحالات إلى تقويض شديد لحرية الصحافة وتعريض حقوق الصحفيين للخطر. تقرير خاص صادر عن لجنة حماية الصحفيين.

المزيد في هذا التقرير
خريطة تفاعلية
انظر الشريط الجانبي: ميدان تغطية صحفية فتاك للصحفيين الفلسطينيين
انظر الشريط الجانبي: كيف تحقق إسرائيل في مقتل الصحفيين
صحفيون قتلوا على يد الجيش الاسرائيلي
المساهمون: أورلي هالبيرن، مراسلة ومحللة. تحرير: نعومي زيفيلوف وروبرت ماهوني. (المعلومات الكاملة هنا)
توصيات لجنة حماية الصحفيين

شرعت الصحفية التلفزيونية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة في 11 أيار/ مايو 2022 بما سيصبح مهمتها الصحفية الأخيرة. ففي تمام الساعة 6:31 صباحاً، سارت في طريق في أحد أحياء مدينة جنين في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، وكان برفقتها صحفيان فلسطينيان والمنتج علي السمودي، وكانوا جميعاً يرتدون سترات تحمل شارة “صحافة” باللغة الإنجليزية بأحرف بيضاء كبيرة على الصدر وعلى الظهر، وكانوا يرون أمامهم عدة مركبات عسكرية إسرائيلية.

كان الصحفيون قد توجهوا إلى الموقع لتغطية تبعات مداهمة إسرائيلية على مخيم اللاجئين في جنين بعد سلسلة من الهجمات الفتاكة التي شنها فلسطينيون في إسرائيل. ثمة مقطع فيديو سجله مستخدمون لمنصة “تيك‌ توك” ونشرته صحيفة “واشنطن بوست” وهو يُظهر أبو عاقلة، الصحفية المخضرمة التي تعمل في قناة “الجزيرة”، وزملاءها في الشارع. وفي الدقائق السابقة، كانت المنطقة هادئة نسبياً وكان السكان المحليون يقومون بأنشطتهم اليومية، فيما عدا أصوات عيارات نارية من مكان بعيد.

فجأةً، دوّت ست رصاصات، أصابت إحداها السمودي في كتفه. انحنى الصحفيون للاختباء ثم أُطلقتدفعة ثانية من الرصاص. أصابت رصاصة أبو عاقلة خلف رأسها في الفجوة الموجودة بين خوذتها وسترتها الواقية من الرصاص، مما أدى إلى مقتلها فوراً. أجريت عدة تحقيقات مستقلة من قبل مؤسسات إخبارية أمريكية، بما فيها صحيفة “نيويورك تايمز” وصحيفة “واشنطن بوست” ووكالة “أسوشيتد برس“، إضافةً إلى المجمع البحثي “بيلنغكات” الذي يتخذ من هولندا مقراً له، وجميعها خرجت بالنتيجة ذاتها: إنّ عنصراً من قوات الدفاع الإسرائيلية قام على الأرجح بإطلاق الرصاصة. ووجدت محطة “سي أن أن” دليلاً على أن هذا الاعتداء مقصود. كما وجدت المجموعة البحثية “فورينزك آركيتيكتشر” التي تتخذ من لندن مقراً لها، ومنظمة “الحق” المعنية بحقوق الإنسان التي تتخذ من رام الله مقراً لها دليلاً على أن الجيش الإسرائيلي استهدف أبو عاقلة وزملاءها الصحفيين بنيّة القتل.

وبعد خمسة أشهر من مقتل أبو عاقلة، استنتج تقرير أجرته قوات الدفاع الإسرائيلية أن هناك “احتمالية عالية” بأن أحد جنودها أطلق النار على الصحفية “دون قصد” بينما كان يطلق النار على مسلحين فلسطينيين، ولكن التحقيق لم يستبعد احتمالية أن الصحفية أصيبت برصاص أطلقه مسلحون فلسطينيون. لغاية الآن، لم يُحاسب أحد.

لم يكن قتل الصحفية أبو عاقلة، وهي إحدى الصحفيين المحبوبين الأكثر شهرة في العالم العربي، واقعة منعزلة. فمنذ عام 2001، وثّقت “لجنة حماية الصحفيين” (CPJ) مقتل ما لا يقل عن 20 صحفياً على يد قوات الدفاع الإسرائيلية، وأغلبهم – 18 – فلسطينيون؛ فيما كان الصحفيان الآخران مراسلين صحفيين أوروبيين؛ ولم يكن بين القتلى أي إسرائيليين. ولم تُوجّه اتهامات ضد أي أحد ولم يخضع أحد للمحاسبة على خلفية هذه الوفيات.

عشية الذكرى السنوية الأولى لمقتل شيرين أبو عاقلة، راجعت “لجنة حماية الصحفيين” هذه الحالات الـ 20، ووجدت نمطاً في الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصمماً للتملص من المسؤولية. فقد أخفقت إسرائيل عن إجراء تحقيقات كاملة بشأن أحداث القتل هذه، ولم تجرِ تحقيقات معمقة إلا عندما يكون الضحية أجنبياً أو عندما يكون الصحفي القتيل موظفاً لدى مؤسسة إعلامية بارزة. وحتى في تلك الحالات، سارت التحقيقات ببطء شديد واستغرقت أشهراً أو سنوات وانتهت بتبرئة الأشخاص الذين أطلقوا النيران. ويقول الجيش باستمرار إن جنوده أطلقوا النار للمحافظة على سلامتهم أو إنهم تعرضوا لهجوم، كما امتنع الجيش عن تعديل قواعد الاشتباك. في 13 حالة على الأقل، نبذ الجيش إفادات الشهود والتقارير المستقلة. كما يتغاضى الجيش عن تضارب المصالح في التسلسل القيادي العسكري فتظل التحقيقات العسكرية سرية، ولا يَنشر الأدلة التي تستند إليها نتائج تحقيقاته. وفي بعض الحالات، تصف السلطات الإسرائيلية الصحفيين بأنهم إرهابيون، أو تبدو بأنها لا تكترث أبداً بمقتل الصحفيين. والنتيجة واحدة دائماً – فما من أحد يُحاسب.

وقال حجاي إلعاد، المدير التنفيذي لمنظمة “بتسيلم” الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان إن الجهود الإسرائيلية للنظر في تصرفات الجنود، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمقتل صحفيين فلسطينيين، لا تعدو عن كونها “مسرحية تحقيق” بدلاً من إجراء تحقيق جدي.

وقال إلعاد لـ”لجنة حماية الصحفيين”: “هم يريدون أن يظهر التحقيق بمظهر الموثوقية، وهم ينظرون في الدفوع القانونية ويستغرق الأمر وقتاً طويلاً والكثير من المكاتبات والأخذ والرد. ولكن في المحصلة وبعد كل هذه المناورات تكون النتيجة إفلاتاً تاماً وشاملاً من العقاب لقوات الأمن عندما تستخدم قوة فتاكة غير مبررة ضد الفلسطينيين”.

إن الجيش الإسرائيلي مسؤول عن 80% من حالات قتل الصحفيين والعاملين الإعلاميين في الأراضي الفلسطينية والموثقة في قاعدة بيانات “لجنة حماية الصحفيين“. أما الـ 20% الباقية – خمس حالات – فقد تُوفي فيها الصحفيون لأسباب مختلفة. ففي عام 2007، قُتل صحفيان فلسطينيان على يد مسلحين يرتدون زي الحرس الرئاسي الفلسطيني؛ وقُتل صحفي فلسطيني فيما يبدو أنه انفجار غير مقصود في موقع أمني للسلطة الوطنية الفلسطينية في عام 2000. وفي عام 2014، قُتل مراسل صحفي إيطالي ومترجم فلسطيني يعاونه، وذلك بينما كانا يتابعان فريقاً من المهندسين الفلسطينيين يعملون على إبطال صواريخ إسرائيلية لم تنفجر، وقد تفجّر أحدها.

وتشمل أبحاث “لجنة حماية الصحفيين” بعضاً من السنوات التي شهدت أشد مستويات العنف والقمع ضمن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وذلك منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000، إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة ضد المقاتلين الفلسطينيين. وقد حدثت جميع الوفيات في الضفة الغربية، وهي منطقة خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وفي قطاع غزة، وهو شريط ساحلي خاضع لحصار عسكري إسرائيلي. ولم يُقتل أي صحفي ضمن الحدود الإسرائيلية المعترف بها دولياً.

وما حالات القتل هذه سوى جزء من القصة. فقد أصيب العديد من الصحفيين بجراح، وفي عام 2021 قصف الجيش الإسرائيلي مبانٍ في غزة تأوي مكاتب لأكثر من عشر مؤسسات إعلامية محلية ودولية، بما في ذلك وكالةأسوشيتد برسوقناةالجزيرة“.

يُعتبر الصحفيون مدنيين بموجب القانون الدولي، وبالتالي يتعين على القوات العسكرية أن تتخذ إجراءات لضمان سلامتهم أثناء الأعمال العدائية. مع ذلك، وبينما يحظر القانون الدولي استهداف المدنيين، فإنه يقر أيضاً بأنه لا يمكن تجنب الوفيات تجنباً كاملاً، ولا يتطلب القانون من القوات العسكرية إجراء تحقيقات بهذا الشأن كلما حدث ذلك. في الواقع، لم تعلن إسرائيل أبداً عن إجراء تحقيقات بشأن ما لا يقل عن خمس حالات – أي ربع العدد الإجمالي – من الحالات التي وردت في قاعدة بيانات “لجنة حماية الصحفيين” بشأن قتل الصحفيين على يد قوات الدفاع الإسرائيلية. وقال جيفري كورن، وهو خبير في القانون العسكري في “جامعة تكساس تيك” الأمريكية وزميل في المعهد اليهودي للأمن الوطني الأمريكي (منظمة غير ربحية مؤيدة لإسرائيل): “هذا لا يعني أنه لا توجد أوضاع يكون إجراء تحقيق بشأنها أمراً ملائماً وضرورياً لتحديد ما إذا كان أحد ما قد اتخذ قراراً غير معقول بخصوص استخدام القوة”.

نشأ نظام التحقيق العسكري الإسرائيلي الحالي عن لجنة توركيل التي تشكلت في عام 2010، وهي لجنة حكومية تأسست جزئياً لضمان قيام إسرائيل بالتحقيق في تصرفاتها العسكرية وفقاً للقانون الدولي. وقد تأسست اللجنة وسط مخاوف بأن مسؤولين إسرائيليين قد يُعتقلون في الخارج بسبب جرائم حرب مزعومة. وبغية تجنب الخضوع للمحكمة الجنائية الدولية، والتي بموجب مبدأ التكامل للمحكمة الجنائية الدولية، يمكن أن تمارس الولاية القضائية عندما تكون النظم القانونية الوطنية غير قادرة أو غير راغبة في التصرف، احتاجت إسرائيل أن تعزز مؤسساتها لتثبت أنه بوسعها التعامل مع مثل هذه المزاعم في الوطن.

ومنذ عام 2014، فتح الجيش الإسرائيلي “تقييمات لتقصي الحقائق” بشأن “حوادث استثنائية” احتاج فيها الجيش إلى مزيد من المعلومات لتحديد “ما إذا كان يوجد أساس معقول للاشتباه بحدوث انتهاك للقانون مما يبرر إجراء تحقيقات جنائية”، وفقاً لقوات الدفاع الإسرائيلية. وحال انتهاء التقييم، يُسلّم إلى المحامي العام العسكري الذي يقرر ما إذا كان يتوجب إجراء تحقيق جنائي في القضية المعنية. وقد بدأ الجيش الإسرائيلي منذ عام 2014 تقييمات لتقصي الحقائق بشأن مقتل خمسة صحفيين، بمن فيهم الصحفية أبو عاقلة. كما فتح الجيش تقييماً لتقصي الحقائق بشأن القصف الواسع النطاق الذي أدى إلى مقتل ثلاثة صحفيين أثناء “عملية الجرف الصامد” العسكرية. (وقبل عام 2014، فتح الجيش تحقيقات أولية أو أجرى معاينة أساسية بشأن حالات أخرى قُتل فيها صحفيون).

وأثارت جماعات حقوق الإنسان، ومراقب الدولة الإسرائيلي نفسه، مخاوف بشأن استقلالية تلك التقييمات الخاضعة لسرية تامة وبشأن البطء الشديد في سيرها، والتي قد تستغرق أشهراً أو سنوات، وبعد مرور هذه الفترة تكون ذكريات الشهود قد تضاءلت كما قد تختفي الأدلة أو تُدمّر، ويكون بوسع الجنود المتورطين أن ينسقوا إفاداتهم. وخلال السنوات التسع التي كان نظام التقييمات هذا سارياً فيها، لم يفتح المحامي العام العسكري أي تحقيق جنائي بخصوص مقتل صحفي. (فتحت إسرائيل تحقيقاً عسكرياً جنائياً بخصوص مقتل الصحفي البريطاني جيمس ميلر في عام 2003، ولكنها أقفلته دون أن تحاكم الجندي المعني). كما تجاهلت إسرائيل المزاعم بأن أنظمة التحقيقات لديها معيبة؛ وتقول قوات الدفاع الإسرائيلية إن إسرائيل هي “دولة ديمقراطية ملتزمة بسيادة القانون”.

إن التحقيقات بشأن الأنشطة العسكرية هي موضوع خلافي في إسرائيل، حيث يوجد نظام للتجنيد الإجباري ويُنظر إلى الجنود بصفة عامة على أنهم أبناء وبنات الأمة. وفي عام 2017، خرجت تظاهرات جماهيرية عندما حوكم الجندي الإسرائيلي إيلور أزاريا بتهمة القتل خارج إطار القضاء بعد أن قتل مهاجماً فلسطينياً كان قد تم تحييده. وقلصت السلطات التهمة الموجهة إلى أزاريا من القتل العمد إلى القتل غير العمد وأفرج عنه بعد أن أمضى تسعة أشهر من مدة الحكم المخفّفة بالسجن لمدة 14 شهراً.

وقال شلومو زيبوري، وهو رئيس محامي الدفاع السابق في وحدة المحامي العام العسكري الإسرائيلية وكان قد مثّل جنوداً في قضايا جنائية، لـ”لجنة حماية الصحفيين”، إنه يجب الموازنة بين التحقيقات وبين الأهداف العسكرية، إذ قد يبدأ الجنود في الإفراط في التفكير في تحركاتهم في الميدان إذا كانوا يخشون مواجهة محاكمات. وقال: “لقد مثّلتُ جندياً كان يخدم في الجيش بينما كان يخضع للتحقيق لقيامه بقتل فلسطيني وجرح آخر. وقد ألقى شخص نحوه زجاجة حارقة ولم يستجب لأنه كان مصدوماً من التحقيقات التي خضع لها على يد الشرطة العسكرية ولم يرد أن يخضع لتحقيقات مرة أخرى”. وأعرب زيبوري أيضاً عن قلقه على مستقبل هذا الجندي، وقال “إذا أدنته فإنك ستدمر حياته. فهناك أكثر من 50 مهنة لن يتمكن من العمل بها في الحياة المدنية لمدة 17 سنة في حالة إدانته”.

وقال جيفري كورن لـ”لجنة حماية الصحفيين” إن “الشروع في تحقيق جنائي بخصوص كل حادثة قتل، حتى عندما يكون الدليل بشأن المسؤولية الجنائية “غامضاً” أو غير كافٍ، قد يؤثر على قدرة الجنود على أداء عملهم في الميدان، إذ سيفترض الجنود أن كل إصابة يتعرض لها مدني ستخضع للتحقيق. وفي مقابل ذلك، عندما تشير الأدلة بصفة موثوقة إلى حدوث انتهاك للقانون أو السياسة ولا تقوم بأي شيء حيال ذلك، فإنك تخلق حافزاً للآخرين كي ينتهكوا القواعد”.

ظلت إسرائيل تؤكد التزامها مراراً وتكراراً بحقوق الصحفيين بعد الأحداث التي يُقتل فيها صحفيون. وقال الجيش في تصريح أرسله بالبريد الإلكتروني إلى “لجنة حماية الصحفيين”: “تضع قوات الدفاع الإسرائيلية أهمية كبيرة على المحافظة على حرية الصحافة والعمل المهني للصحفيين”. وكثيراً ما يكرر المسؤولون الإسرائيليون الزعم بأن إسرائيل “لا تستهدف الصحفيين”. لكن يتعين على السلطات الإسرائيلية أن تثبت أن القتل كان متعمداً كي تفتح قضية جنائية بشأن سلوك الجندي أو الضباط المسؤولين عنه.  وثمة العديد من الجرائم الأقل شأناً ضمن القانون العسكري في البلد والتي يمكن أن تنطبق على تصرفات الجنود، بما في ذلك القتل غير العمد، بَيْد أن إسرائيل لم تحاكم أي جندي بتهمة القتل العمد أو القتل غير العمد لصحفي.

وقالت كلير سيمونز التي شاركت في إعداد توجيهات للدول التي تحقق في انتهاكات للقانون الدولي والتي نشرتها مؤخراً اللجنة الدولية للصليب الأحمر وأكاديمية جنيف: “ثمة التزامات على الدول ويمكن أن تمتثل لها أو ألا تمتثل لها، ولكنني أعتقد أيضاً أن الدول الديمقراطية مطالبة بأكثر من مجرد الحد الأدنى القانوني”. وقالت إنه بوسع المواطنين في الدول الديمقراطية أن يبثوا رسالة إلى الحكومات: “نحن نطالب بأن تكونوا خاضعين للمساءلة عن التصرفات التي تنهمكون فيها، وأن يكون أداؤكم أفضل في حماية الأرواح في النزاعات المسلحة”.

حتى الآن، أدى نقص المساءلة إلى خلق بيئة أكثر خطورة للتغطية الإعلامية للمراسلين المحليين والأجانب على حد سواء. وقال غولاوم لافالي، رئيس جمعية الصحافة الأجنبية في إسرائيل، في تصريح أرسله إلى “لجنة حماية الصحفيين”: “ثمة العديد من المراسلين الصحفيين الذين يغطون مداهمات وتوترات مماثلة – والتي تزايدت بشدة منذ مقتل شيرين [أبو عاقلة] – خائفون من التعرّض لإطلاق النار. فإذا كان يمكن قتل مراسلة صحفية تملك جواز سفر أمريكياً ودون أية تبعات قانونية، بات الصحفيون يخشون من أن مصيراً مشابهاً ينتظرهم. وهذا الشعور بالضعف هو شعور قوي بصفة خاصة بين الزملاء الفلسطينيين، فبعضهم يخشى من أن يتم استهدافهم”.

وأرسلت “لجنة حماية الصحفيين” عدة طلبات إلى المكتب الصحفي التابع لقوات الدفاع الإسرائيلية لإجراء مقابلة مع مدعين عامين ومسؤولين عسكريين، إلا أن الجيش رفض إجراء مقابلات رسمية مع “لجنة حماية الصحفيين”.

فيما يلي النتائج الرئيسية التي استخلصتها لجنة حماية الصحفيين حول حالات قتل الصحفيين على يد قوات الدفاع الإسرائيلية:

إسرائيل تستبعد الأدلة ومزاعم الشهود

تُعتبر قصة شيرين أبو عاقلة حالة دراسية للكيفية التي تستبعد فيها إسرائيل عادة الأدلة التي ترِد في الأخبار وفي ميادين أخرى. ففي مرحلة مبكرة من التحقيق، أصدرت قوات الدفاع الإسرائيلية نتائج أولية أثارت احتمالية أن جندياً ربما قتل الصحفية بينما كان يرد على إطلاق نار من فلسطينيين. إلا أنّ المنظمات الإخبارية أوردت بسرعة تناقضات في هذا السرد.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إنها راجعت أدلة “تناقض المزاعم الإسرائيلية بأنه إذا كان جندي إسرائيلي قد قتلها بالفعل، فذلك لأنه كان يطلق النار على مسلح فلسطيني”. وأشارت وكالة “أسوشيتد برس” إلى أن “التواجد الوحيد المؤكد لمسلحين فلسطينيين كان على الجانب الآخر من الموكب [العسكري الإسرائيلي] على بعد حوالي 300 متر… بعيداً، وكان يفصله عن مكان أبو عاقلة بنايات وجدران. وتقول إسرائيل إن مسلحاً واحداً على الأقل كان موجوداً بين الموكب وبين الصحفيين، ولكنها لم تقدم أي دليل أو إشارة إلى موقعه”. وأظهرت تحقيقات إضافية أجرتها صحيفة “واشنطن بوست” ومحطة “سي أن أن” والمجمع البحثي “بيلينغكات” غياب نشاط المسلحين الفلسطينيين في المنطقة في وقت إطلاق النار على أبو عاقلة.

وقد نُشرت جميع هذه التحقيقات قبل أشهر من إصدار قوات الدفاع الإسرائيلية لبيانها الختامي بهذا الشأن. وبينما زعم الجيش أنه استعرض “مواد من المنظمات الإعلامية الأجنبية”، يبدو أنه استبعد كلياً هذه النتائج. ووفقاً للجيش، فهناك “احتمالية عالية” بأن أبو عاقلة “أصيبت عن طريق الخطأ بنيران قوات الدفاع الإسرائيلية التي أطلقت الرصاص نحو مشتبهين وُصفوا بأنهم مسلحون فلسطينيون أثناء تبادل لإطلاق النيران شكّل تهديداً للحياة، ورصاصات عشوائية واسعة النطاق كانت تطلق نحو جنود قوات الدفاع الإسرائيلية”. ولم تستبعد قوات الدفاع الإسرائيلية احتمالية أن أبو عاقلة قُتلت برصاص أطلقه مسلح فلسطيني.

وقالت قوات الدفاع الإسرائيلية أيضاً إنّه “لم يتم التعرّف على السيدة شيرين أبو عاقلة في أي لحظة من اللحظات، ولم يكن هناك أي إطلاق نار مقصود من جنود قوات الدفاع الإسرائيلي في أي لحظة من اللحظات بأسلوب يهدف إلى إلحاق الأذى بالصحفية”. ولكن بعد أسابيع من صدور البيان الأخير لقوات الدفاع الإسرائيلية نشرت منظمة “فورينزك آركيتيكتشر” ومنظمة “الحق” الفلسطينية المعنية بحقوق الإنسان تقريراً مشتركاً أعاد بناء ملابسات مقتل أبو عاقلة. ووجدت المنظمتان أنه “وفقاً لعملية إعادة البناء الرقمية والبصرية لخط رؤية مطلق النار، لا شك أن سترة الصحافة التي كانت ترتديها الصحفية كانت مرئية بوضوح خلال الحادثة. ولم تَرُد قوات الدفاع الإسرائيلية علناً أبداً على تقرير المنظمتين، والذي يزعم بأن الجيش استهدف الصحفية بالقتل.

وتساءلت جمعية الصحافة الأجنبية في إسرائيل أيضاً لماذا يقوم جندي تتوفر له رؤية محدودة، حسبما قالت قوات الدفاع الإسرائيلية، بإطلاق النار نحو صحفيين يمكن تحديدهم بوضوح دون إطلاق رصاص تحذيري، “وإذا كان ذلك يندرج تحت إجراءات العمل المعتادة، فكيف يمكن للجيش الوفاء بتعهده المعلن بحماية الصحفيين واحترام حرية الصحافة؟” وطالبت الجمعية إسرائيل بنشر النتائج الكاملة لتحقيقها، وهو ما لم تفعله أبداً.

استبعدت إسرائيل أدلة في قضايا بارزة أخرى. ففي عام 2002، خرج المصور الصحفي الإيطالي رافائيل سيريلو الذي كان يعمل مع صحيفة “كورير ديلا سيرا”، من مبنى في رام الله لالتقاط صور لدبابة من بعد 200 ياردة (حوالي 182.88 متراً) وأصيب بست رصاصات. وقال الصحفي أميديو ريسوشي الذي كان موجوداً في مكان الحدث في مقال نشره في صحيفة “فيتا” الإيطالية: “لا شك أن الرصاصات أتت من الشارع الذي لم يتواجد فيه أي أحد ما عدا الدبابة الإسرائيلية”. وقال مسؤول في المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية لصحيفة “بوسطن غلوب” الأمريكية: “من تلك المسافة، أنا متأكد من أن ذاك الشخص بدا وكأنه يتخذ وضعية إطلاق النار وأنه على وشك إطلاق الرصاص”. مع ذلك، كان الموقف الرسمي لقوات الدفاع الإسرائيلية أنها لم تقتل الصحفي، ثم قالت لاحقاً أنه لا يوجد “أي دليل أو معرفة من القوة [العسكرية] بأنها أطلقت النيران نحو المصور الصحفي”.

مصورون صحفيون يحملون صورة للمصور الإيطالي رافاييل سيريلو الذي قتل برصاص إسرائيلي في 13 آذار/ مارس  2002، أثناء فعالية جرت في رام الله بالضفة الغربية لإحياء ذكراه في الأسبوع التالي لمقتله. (وكالة الأنباء الفرنسية/ عاطف صفدي)

وفي عام 2003، عندما قُتل الصحفي نزيه دروزة الذي كان يعمل مع “تلفزيون أسوشيتد برس الإخباري” (APTN) بينما كان يصوّر اشتباكاتٍ بين شباب فلسطينيين وجنود إسرائيليين، كلفت وكالة “أسوشيتد برس” محققين بإجراء تحقيق مستقل “واستنتج التحقيق بأن الرصاصة القاتلة لا يمكن أن تكون قد أتت إلا من الموقع الذي كان يقف فيه جندي إسرائيلي”، بحسب نائب رئيس وكالة “أسوشيتد برس”، جون دانيزيوسكي.

وقال دانيزيوسكي لـ”لجنة حماية الصحفيين” عبر رسالة إلكترونية إن نايجل بيكر، مدير المحتوى الإخباري في “تلفزيون أسوشيتد برس الإخباري” آنذاك، توجّه إلى إسرائيل وعرض نتائج التحقيق على ضابط إسرائيلي، وأشار الضابط أن قوات الدفاع الإسرائيلية تجري تحقيقاتها الخاصة، ولكن “لم تسمع وكالة “أسوشيتد برس” أبداً عن نتائج مثل هذا التحقيق أو ما إذا كان قد جرى تحقيق بالفعل”.

ووجد تقرير صدر عن منظمة “مراسلين بلا حدود” في عام 2003 أن قوات الدفاع الإسرائيلية قامت بمحاولات ظاهرية للنظر في مقتل الصحفي، لكن جرت مقابلات “غير رسمية” فقط مع الصحفيين الذين كانوا متواجدين في المكان، وقد استُدعي أحدهم للقاء مع مسؤول عسكري فيما يبدو أنه سعي لتهدئة التوترات.

وقال دانيزيوسكي، “إن وكالة ’أسوشيتد برس‘ كانت وما تزال غاضبةً بسبب إطلاق الرصاص هذا”.

القوات الإسرائيلية فشلت في احترام شارات الصحافة

كما في حال أبو عاقلة، كانت غالبية الصحفيين القتلى الـ 20 – ما لا يقل عن 13 منهم – معرّفين بوضوح بوصفهم أعضاء في وسائل الإعلام أو أنهم كانوا داخل سيارات تحمل شارات “صحافة” في الوقت الذي قُتل فيه الصحفيون. (قُتل جميع الصحفيين الـ 20 أثناء أدائهم لعملهم، ما عدا واحداً كان في منزله عندما قُصف المنزل). ولم يقتصر الأمر على أن جهود الصحفيين للتعريف بأنفسهم لم تنجح بحمايتهم، بل عمد مسؤولون أحياناً إلى التشكيك بهوية الصحفيين بسبب مظهرهم.

ففي نيسان/ أبريل 2008، على سبيل المثال، كان المصور الصحفي فضل شناعة الذي كان يعمل مع وكالة “رويترز” يرتدي سترة واقية من الرصاص زرقاء اللون تحمل شارة “صحافة” وكان يقف قرب سيارة مكتوب عليها كلمة “تلفزيون” وكلمة “صحافة” عندما أطلقت دبابة قذيفة تطلق شظايا فوق رأسه. وقد اخترقت الشظايا صدره وساقيه في عدة أماكن مما أدى إلى وفاته. وقال ديفيد شليزنغر، مدير تحرير وكالة “رويترز” آنذاك: “لقد أظهرت الشارات على سيارة فضل شناعة بوضوح ودون لبس بأنه كان صحفياً مهنياً يؤدي واجبه”، وطالب بإجراء تحقيق في مقتل الصحفي.

بيد أن لدى أفيشاي مانديلبيلت، الذي كان المحامي العام العسكري آنذاك، تفسيراً آخر لشارة الصحافة التي كان يرتديها شناعة، فقد كتب إلى وكالةرويترز” بعد أربعة أشهر، أن السترة الواقية التي كان يرتديها شناعة كانت “شائعة الاستخدام بين الإرهابيين الفلسطينيين” وأنه وضع “جسماً أسودَ” ينطوي على تهديد – أي الكاميرا – على منصب ثلاثي القوائم (ترايبود)، وأضاف بأن هذين كانا سببين من بين عدة أسباب تدل على أن قرار الجندي بفتح النيران نحو شناعة كان قراراً “سليماً”.

وقال محمد شناعة، شقيق المصور القتيل، لـ”لجنة حماية الصحفيين” إنه لم يحصل على أي إجابات أو أي نوع من الاعتذار من الجيش الإسرائيلي: “لقد أطلقوا الرصاص عليه لأنهم لم يريدوه أن يغطي ما كان يجري في المنطقة”. وقال ناطق باسم وكالة “رويترز” لـ”لجنة حماية الصحفيين” إن الوكالة تظل “حزينة بشدة من جراء خسارة الزميل فضل شناعة”.

وبعد عشر سنوات من مقتل فضل شناعة في نيسان/ أبريل 2018، كان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، أفيغدور ليبرمان، أكثر صراحة في مساعيه لتبرير قيام قناص من قوات الدفاع الإسرائيلية بإطلاق الرصاص على صانع الأفلام السينمائية في غزة، ياسر مرتجى، والذي كان يرتدي خوذة وسترة عليهما شارة “صحافة”. وقال ليبرمان، مشيراً إلى الدعوات بإجراء تحقيق بأنها “مسيرة غباء” وفقاً لصحيفة “جيروزاليم بوست”، “لقد رأينا عشرات الحالات قام فيها نشطاء حماس بالتنكر كعاملين طبيين وصحفيين”.

الصحفي الفلسطيني ياسر مرتجى مصاباً بجراح قاتلة إثر تعرضه لرصاص أطلقه الجيش الإسرائيلي، أثناء نقله إلى المستشفى وسط مصادمات مع الجنود الإسرائيليين خلال احتجاجات عند الحاجز الحدودي في جنوب قطاع غزة في 6 نيسان/ أبريل 2018. (رويترز/ إبراهيم أبو مصطفى)

كان مرتجى يغطي مسيرة العودة الكبرى، وهي احتجاج على امتداد أشهر طالب فيه المتظاهرون الفلسطينيون – وقام بعضهم بإلقاء زجاجات حارقة وحجارة وإطارات مشتعلة نحو الجنود الإسرائيليين – بالعودة إلى وطنهم التاريخي في داخل إسرائيل ورفع الحصار عن غزة. وقَتل الجنود الإسرائيليون مئات الفلسطينيين، بمن فيهم مرتجى والمصور الصحفي أحمد أبو حسين الذي كان يرتدي سترة تحمل شارة ’صحافة‘ أيضاً. وقد أصيب عشرات الصحفيين بجراح، مما دفع تحقيقاً أجرته الأمم المتحدة في عام 2019 إلى الاستنتاج بأنه “ثمة أساساً معقولاً للاعتقاد بأن القناصين الإسرائيليين تعمدوا إطلاق النار على الصحفيين”.

وقال الصحفي ياسر قديح، وهو مصور صحفي مستقل في غزة وأصيب بجراح مهددة للحياة بعد أن أصابه قناص إسرائيلي برصاصة في بطنه بينما كان يغطي مسيرة العودة الكبرى وكان يرتدي سترة تحمل شارة ’صحافة‘: “لقد كان واضحاً تماماً أننا كنا مستهدفين”. وأعرب عن اعتقاده بأن زملاءه المراسلين كانوا متيقظين لارتداء شارات صحفية – وقد يكون ذلك عرّض سلامتهم للخطر، وقال: “كان هناك عدد كبير من الصحفيين وكانت الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي يسعيان لإبقائهم بعيداً. لقد كان الجيش الإسرائيلي يستهدف مواقع الصحفيين عمداً”.

المسؤولون الإسرائيليون يردّون بترويج سرديات زائفة

يعمد المسؤولون الإسرائيليون بعد مقتل أي صحفي على يد القوات الإسرائيلية إلى ترويج سرديّة مضادة للتغطية الصحفية. في حالة أبو عاقلة، بدأ المسؤولون بتوجيه اللوم إلى الطرف الآخر حتى في الوقت الذي أوردت فيه تقارير الأخبار إفادات شهود عيان وتصريحات وزارة الصحة الفلسطينية التي أشارت إلى أن الصحفية قُتلت على يد القوات الإسرائيلية. ونشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد ساعات من مقتل أبو عاقلة تغريدة قالت فيها إن “إرهابيين فلسطينيين يطلقون نيران دون تمييز، أصابوا على الأرجح” شيرين أبو عاقلة. ونشرت الوزارة مع التغريدة مقطع فيديو يُظهر مسلحين، ووجدت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” أن مقطع الفيديو التُقط في مكان بعيد عن المكان الذي قُتلت فيه أبو عاقلة. وقال الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، ران كوتشاف، لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن أبو عاقلة “على الأرجح” تُوفيت بنيران أطلقها فلسطينيون، وبدا أنه يملح إلى تورط الصحفيين بالعنف إذ قال للإذاعة: “إنهم مسلحون بالكاميرات، إذا سمحت لي بقول ذلك”، ثم أضاف بأن الصحفيين “كانوا يؤدون عملهم”.

ردة فعل إحدى زميلات صحفية “الجزيرة” العربية شيرين أبو عاقلة، والتي قُتلت برصاص جندي إسرائيلي في 11 أيار/ مايو 2022. (وزعتها قناة الجزيرة عبر وكالة رويترز) 

وبحلول مساء ذلك اليوم، بدأ المسؤولون الإسرائيليون يتراجعون عن تصريحاتهم، ووعد وزير الدفاع آنذاك، بيني غانتز، بأن إسرائيل ستجري تحقيقاً شفافاً بمقتل الصحفية. ومع ذلك، كانت الهيئة المكلفة بإجراء التحقيق الأولي تخضع لإشراف ميني ليبرتي، وهو عضو في التسلسل القيادي للوحدة التي كانت تقوم بعمليات عسكرية في جنين في ذلك اليوم. ويقود ليبرتي كتيبة “أوز” التابعة لقوات الدفاع الإسرائيلية والتي تشمل وحدة “دوفيديفان” لقوات النخبة. وحدد الجيش الإسرائيلي تلك الوحدة، والمعروفة بعمل أفرادها بملابس مدنية في الأراضي الفلسطينية، كمصدر محتمل للنيران التي قتلت أبو عاقلة، حسب صحيفة هآرتس“.

وفي حالة المصور الصحفي ياسر مرتجى الذي قتل بنيران إسرائيلية في عام 2018، أمضى مسؤول إسرائيلي عدة أسابيع وهو يسعى للتشهير بالصحفي. ووصف وزير الدفاع آنذاك، ليبرمان، الصحفي بأنه “عضو في الذراع العسكري لحركة ‘حماس’ ويحمل رتبة موازية لرتبة نقيب في الجيش، وكان ناشطاً في ‘حماس’ لسنوات عديدة” – وهو زعم كرره ناطقان رسميان باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عبر موقع “تويتر”. إلا أن ليبرمان لم يقدّم أي دليل. وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن مرتجى كان قد خضع لتدقيق من الحكومة الأمريكية للحصول على منحة من “وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة” لدعم شركة الإنتاج التي يملكها “عين للإنتاج الإعلامي”. كما زعم ليبرمان أن مرتجى استخدم طائرة مسيرة حلقت فوق الجنود الإسرائيليين بينما أظهره مقطع فيديو يحمل مثبّت كاميرا يدوياً. (وقال الجيش الإسرائيلي للصحفي راف سانشيز الذي كان يعمل آنذاك مع الصحيفة البريطانية “ذا ديلي تيليغراف” إن لا علم لديه بأن مرتجى يعمل مع ‘حماس’).

اتهام الصحفيين بالإرهاب

لم يكن ياسر مرتجى الصحفي الوحيد الذي اتهمته السلطات الإسرائيلية بممارسة أنشطة عسكرية. ففي حالة بارزة، قتل الجيش الإسرائيلي صحفيين اثنين مرتبطين بوسيلة إعلام تديرها حركة “حماس”، ولكنه لم يوضّح أبداً لماذا اعتبرهما هدفاً عسكرياً مشروعاً. وقالت قوات الدفاع الإسرائيلية إن حسام سلامة ومحمد الكومي وهما مصوران صحفيان كانا يعملان في “تلفزيون الأقصى” هما “عنصران في حركة حماس”، إلا أن تحقيقاً أجرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” وجد أنه لا دليل على أنهما مقاتلان، وأشار التحقيق أن حركة “حماس” لم تنشر اسميهما في قائمة المقاتلين القتلى. وبعد أن دعت “لجنة حماية الصحفيين” إلى إبراز أدلة تبرر مهاجمة هذين الصحفيين، أجاب ناطق باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن بعد شهرين برسالة اتهم فيها “تلفزيون الأقصى” بأنه “يمجد الموت ويدعو إلى العنف والقتل”. ولم تقل الرسالة لماذا لم يستحق الصحفيان الحماية المدنية الممنوحة للصحفيين بصرف النظر عن آرائهم.

نساء فلسطينيات وقريبات للمصور محمود الكومي الذي كان يعمل مع “تلفزيون الأقصى” التابع لحركة “حماس”، يرثينه في جنازته في قطاع غزة في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012. وهو قُتل بصاروخ إسرائيلي مع المصور حسام سلامة الذي كان يعمل مع “تلفزيون الأقصى” أيضاً. (رويترز/ محمد سالم)

في حالة أخرى، قالت قوات الدفاع الإسرائيلية إن حامد شهاب، وهو سائق لدى وكالة الأنباء “ميديا 24” التي تعمل في غزة، كان ينقل أسلحة في سيارة تحمل شارة “تلفزيون” عندما قُتل بغارة جوية إسرائيلية في عام 2014. ومن جديد، لم تقدّم قوات الدفاع الإسرائيلية أي دليل، وقالت إنه “على ضوء الاستخدام العسكري للسيارة لغاية نقل الأسلحة، فإن الشارة التي تحملها السيارة لم تغيّر قانونية الغارة الجوية”.

وقال أحمد شهاب، شقيق السائق القتيل، لـ”لجنة حماية الصحفيين” في هذه السنة إن شقيقه “لم يرتبط بأي علاقة مع أي طرف فلسطيني”، وأضاف إن شقيقه كان في إجازة استعداداً لعقد قرانه عندما اتصلت به وكالة “ميديا 24” تطلب منه المساعدة في التغطية الصحفية للعملية العسكرية الإسرائيلية “الجرف الصامد”. وبعد ثلاثة أيام من العمل، زار والديه لمدة ساعة فقط أثناء شهر رمضان؛ وبعد أن غادر المنزل، قاد السيارة متوجهاً إلى منزل أحد الزملاء، لكنّه قُتل في الطريق.

وفي حالة أخرى في عام 2004، قال الجيش الإسرائيلي لـ”لجنة حماية الصحفيين” إن محمد أبو حليمة الذي كان طالباً صحفياً يعمل في محطة “إذاعة جامعة النجاح” في نابلس، أطلق النار على القوات الإسرائيلية التي ردت على مصدر النيران. ولكن المنتج الذي يعمل مع أبو حليمة قال إن الصحفي القتيل كان على اتصال بالهاتف معه قبل لحظات من مقتله وإنه كان ببساطة يصف المشهد من حوله.

إسرائيل تفتح تحقيقات بعد ضغوط دولية

يبدو المدى الذي تجري فيه إسرائيل تحقيقات أو تتظاهر فيه بأنها تجري تحقيقات في حالات قتل الصحفيين مرتبطاً بالضغط الخارجي. ويحظى الصحفيون الذين يملكون جوازات سفر أجنبية – من قبيل أبو عاقلة التي تحمل الجنسية الأمريكية – بدرجة أكبر من الاهتمام الدولي قبل أن يشرع الجيش بإجراء تحقيق. وتبدو الأرجحية أقل بأن يجري المسؤولون الإسرائيليون تحقيقات بشأن مقتل الصحفيين الفلسطينيين المحليين، فيما عدا أولئك الذين يتمتعون بروابط دولية قوية. ولكن ثمة حدود لما يمكن للضغط الدولي أن يحققه.

صانع الأفلام الوثائقية البريطاني جيمس ميلر في 1 أيار/ مايو 2003، قبل يوم من مقتله على يد الجيش الإسرائيلي في رفح بجنوب قطاع غزة. (مجموعة صور وكالة الأنباء الفرنسية)

ففي حالة الصحفي البريطاني جيمس ميلر، واجهت إسرائيل تهديداً بطلب بريطاني لتسليم جنودها لمواجهة محاكمة في بريطانيا، وحدث توتر دبلوماسي بينها وبين الحكومة البريطانية. وفي عام 2003، أصيب ميلر برصاصة في العنق أطلقها جندي من حاملة جنود مدرعة في قطاع غزة، ولكن في عام 2005 برّأ الجيش ساحة جنوده. وبعد أن وجدت لجنة محلفين بريطانية أجرت تحقيقاً في عام 2006 بأن ميلر قُتل عمداً، كتب النائب العام البريطاني آنذاك، بيتر غولدسميث، رسالة إلى المسؤولين الإسرائيليين حدد لهم فيها موعداً نهائياً لبدء إجراءات قانونية ضد الجنود المتورطين في الجريمة، وإلا سيحاكمون في بريطانيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، حسبما أفادت صحيفةهآرتس“. وفي عام 2009، دفعت إسرائيل حوالي 1.5 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 2.2 مليون دولار) تعويضاً لأسرة ميلر. وبعد دفع إسرائيل المبلغ، قالت وزارة العدل البريطانية إنها لن ترفع دعوى قانونية ولن تقدم طلباً لتسليم للجنود، يحسب صحيفةهآرتس“.

وزعم الجيش الإسرائيلي في البداية، والذي لم يعترف أبداً بمسؤوليته عن مقتل ميلر، أن الجنود ردوا على إطلاق نيران بعد أن تعرضوا لقنابل صاروخية. وفي مقطع فيديو للحادثة، أطلقت رصاصة وبعدها صرخ شخص من الكادر الذي يعمل مع ميلر، “نحن صحفيون بريطانيون”. ثم أطلقت رصاصة ثانية يبدو أنها أصابت ميلر. وحققت الشرطة العسكرية الإسرائيلية في الحادثة، بيد أن المحامي العام العسكري الإسرائيلي، مانديلبيلت، أغلق التحقق بعد أن قرر أنه لا توجد أدلة كافية لمحاكمة الجندي. (كما بُرّئ الجندي من تهمة الاستخدام غير الملائم للسلاح وذلك ضمن تحقيق تأديبي منفصل).

وقال الجيش إن التحقيق “كان غير مسبوقٍ لناحية مداه” وتضمّن اختبارات للذخائر، وتحليلاً لصور الأقمار الصناعية، واختباراً على جهاز الكشف عن الكذب للأشخاص المتورطين. مع ذلك، كشف تسريب تقرير داخلي للجيش الإسرائيلي إلى صحيفة “ذا أوبزيرفر” البريطانية عن تلاعب بالأدلة، واختفاء أشرطة فيديو المراقبة العسكرية، وأن جنوداً سُمعوا وهم “يكذبون”. وقال التقرير إن الضباط افترضوا بأن الجنود قالوا الحقيقة، وفسروا التناقض في إفاداتهم بأنها نابعة من “تشوّشهم الناجم عن القتال”.

وقال مايكل سفارد، وهو محامي أسرة ميلر في إسرائيل، لـ”لجنة حماية الصحفيين”: “كان هذا التحقيق تخبطاً غير معقول، وحيثما نظرنا نجد أنه كان مسعى من الجيش لتبييض صفحة الجنود، ولم يكن هناك أي نية لمعرفة حقيقة ما جرى. ولولا أن الضحية يحمل الجنسية البريطانية وتدعمه هيئة صحفية قوية، لما كان وزير الدفاع قد التقى معنا وتحدث معنا للتفاوض حول هذا الأمر”.

المسؤولون يبرّئون الجنود أثناء التحقيقات على ما يبدو

غالباً ما يدلي المسؤولون الإسرائيليون، بمن فيهم المكلفون بالتحقيق في حالات قتل الصحفيين، بتصريحات عامة تبرّئ الجنود قبل اكتمال التحقيقات. في حالة أبو عاقلة، شرع يائير لابيد، وهو صحفي سابق وكان وزيراً للخارجية آنذاك، في هجوم صحفي إذ كتب في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن الاتهامات بأن إسرائيل استهدفت الصحفية هي “دعاية سياسية فلسطينية”. وظل مقاله هذا موجوداً لمدة ثلاثة أشهر قبل أن تُصدر قوات الدفاع الإسرائيلية بياناً استنتجت فيه أنه “لا توجد شبهة بحدوث مخالفة جنائية”.

صحفيون فلسطينيون يحملون صوراً لمصور وكالة “رويترز” فضل شناعة، والذي قتل بعد إصابته بقذيفة دبابة إسرائيلية في 16 نيسان/ أبريل 2008، أثناء تظاهرة في مدينة غزة في 21 آب/ أغسطس 2008 طالبت الحكومة الإسرائيلية بتحمل المسؤولية عن مقتل الصحفي. (وكالة الأنباء الفرنسية/ محمد عبد)

وبالمثل، قبل ثلاثة أشهر من إكمال الجيش لتحقيق بشأن مقتل الصحفي فضل شناعة الذي يعمل مع وكالة “رويترز” في عام 2008، قال ناطق باسم قوات الدفاع الإسرائيلية إن الجنود “تصرفوا وفقاً للأوامر، ويمكننا القول بكل تأكيد إنّ الجنود لم يكونوا قادرين على تحديد أن الضحية عاملٌ إعلامي. وليس لدى قوات الدفاع الإسرائيلية أي نية باستهداف العاملين في الصحافة”. وحدد المحامي العام العسكري، مانديلبيلت، لاحقاً أن عملية القتل كانت “سليمة” ويعود ذلك جزئياً إلى تهديدات منفصلة واجهها الجنود في ذلك اليوم.

ووفقاً لحجاي إلعاد، المدير التنفيذي لمنظمة “بتسيلم”، يُعتبر تعبير الجندي عن الخوف كافياً لإقناع المحققين العسكريين، وقال لـ”لجنة حماية الصحفيين”: “بصفة عامة، يدرك العديد من الجنود أن كل ما عليهم قوله هو أنهم شعروا بالتهديد لذا فإنهم أطلقوا النار. وعندما يقول جندي ذلك فإنه يضمن تقريباً أن الأمر سينتهي وستُقفل القضية”.

وفي حالة واحدة على الأقل، شرع المسؤولون الإسرائيليون بتحقيقات لتحقيق هدف صريح بتبرئة المتهم. فقد قال ضابط إسرائيلي لم يُكشف عن اسمه لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية إن التحقيقات التي تجريها قوات الدفاع الإسرائيلية بخصوص عدة حالات قتل جرت في غزة في عام 2018، بما فيها مقتل المصور الصحفي ياسر مرتجى، “ستعمل على دعم الجنود”. وقالت الصحيفة “أكد مسؤولو قوات الدفاع الإسرائيلية أنه تم تشكيل فريق التحقيق لمساعدة الجنود الإسرائيليين على تفادي الملاحقة القانونية في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ولا يجوز تفسير تشكيل الفريق بأنه يعني بأن تصرفات الجنود كانت غير مبررة على نحوٍ ما”.

التحقيقات بطيئة وغير شفافة

عادةً ما يستغرق الجيش الإسرائيلي أشهراً أو حتى سنواتٍ للتحقيق في مقتل الصحفيين، وهو بطيء في الإجابة على المجموعات التي تسعى للحصول على إجابات. وقد طلب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الذي يتخذ من غزة مقراً له من الجيش الإسرائيلي التحقيق في مقتل ياسر مرتجى بعد ستة أيام على مقتله، وفقاً لإياد العلمي، مدير برنامج الدعم القانوني في المركز الفلسطيني. وفي رسالة إلكترونية إلى “لجنة حماية الصحفيين”، قال العلمي إن الجيش طلب من المركز الفلسطيني تقديم تقارير طبية وإفادات من شهود عيان، وقد قام المركز الفلسطيني بذلك. وبعد حوالي سنتين، أجاب الجيش الإسرائيلي طالباً أسماء الشهود الذين لديهم استعداد للإداء بشهاداتهم. ويسّر المركز الفلسطيني تقديم هذه الشهادات ولبّى طلبات أخرى، ولكن جهوده ذهبت سدى، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2021 طلب المركز من الجيش الحصول على نتائج التحقيق، إلا أنه لم يسمع من الجيش أبداً بعد ذلك.

ورفعت منظمة أخرى تتخذ من غزة مقراً لها وهي مركز الميزان لحقوق الإنسان، طلباً إلى الجيش للتحقيق في مقتل الصحفي أحمد أبو حسين وذلك بعد يوم واحد من وفاته وبعد أسبوعين من إصابته برصاص جندي إسرائيلي في نيسان/ أبريل 2018. وقالت ميرفت النحال، وهي مسؤولة وحدة المساعدة القانونية في مركز الميزان، لـ”لجنة حماية الصحفيين” إنّ الجيش أكد استلام الطلب ولكنه لم يطلب أبداً مقابلة الشهود. وبعد سنتين من ذلك، أبلغ الجيش مركز الميزان أنه أقفل القضية بسبب عدم وجود نية إجرامية لدى الجنود، حسبما قالت النحال.

متظاهرون فلسطينيون أثناء مسيرة العودة الكبرى في غزة في 30 آذار/ مارس 2018. قتل الجيش الإسرائيلي صحفيين اثنين أثناء التظاهرات، هما ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين. (رويترز/ إبراهيم أبو مصطفى)

وعندما طلبت “لجنة حماية الصحفيين” من قوات الدفاع الإسرائيلية الاطلاع على نتائج تحقيقاتها بشأن مقتل أبو حسين ومرتجى – تفصل بضعة أسابيع فقط بين الحادثتين – تلقت اللجنة إجابتين ذات صياغة متطابقة بأن الصحفي المعني كان “موجوداً في مسرح أعمال شغب عنيفة” و “ليس ثمة اشتباه يبرر فتح تحقيق جنائي”.

كما طلبت “لجنة حماية الصحفيين” الاطلاع على التحقيقات الكاملة بشأن مقتل أبو حسين ومرتجى وغيرهما من الصحفيين الذين ترد أسماؤهم على قائمة “لجنة حماية الصحفيين”، إلا أن قوات الدفاع الإسرائيلية لم توفر التحقيقات، كما لم تجب عن سؤال “لجنة حماية الصحفيين” بشأن السبب الذي يدفع الجيش للإبقاء على هذه التحقيقات سرية.

وفي بعض الحالات، لا تعلم أسر الضحايا أبداً ما حدث في ما عدا ما يصدر عن وسائل الإعلام. وقالت رجاء أبو حسين، وهي والدة الصحفي القتيل أحمد أبو حسين، إنّ الجيش الإسرائيلي لم يتصل بها أبداً بخصوص التحقيق، وأن “الإجابة المعتادة التي يقدمها الجيش الإسرائيلي عندما يقتل المدنيين هي أن الجيش لم يفعل أي شيء خاطئ”، وأضافت أنها لا تثق بأن يقوم الجيش بالتحقيق مع نفسه.

وقالت لـ”لجنة حماية الصحفيين”: “أتمنى أن التقي بالشخص الذي قتل ابني، وسأسأله ’لماذا استهدفت ابني؟‘ وأعتقد أنني لن أجد إجابة، فهو قناص، وهو يقتل”.

عمليات القتل التي ترتكبها قوات الدفاع الإسرائيلية تقوّض التغطية الصحفية المستقلة

أدت عمليات قتل الصحفيين على يد قوات الدفاع الإسرائيلية إلى زيادة المخاوف بشأن السلامة بين الصحفيين الفلسطينيين والأجانب. وقال الصحفي ياسر قديح الذي يعمل في غزة إنّ مقتل مرتجى في عام 2018 “زرع الخوف في قلوبنا جميعاً”، إذ باتت أسر الصحفيين ترجوهم أن يتوقفوا عن تغطية الأخبار من تظاهرات مسيرة العودة الكبرى بسبب الاستخدام الواسع النطاق لرصاص القناصين.

وتصاعدت هذه المخاوف بعد مقتل أبو عاقلة. وقال حافظ أبو صبرا، وهو مراسل صحفي فلسطيني يعمل مع قناة “رؤيا” الأردنية: “أنا شخص لا أخاف، ولكن لدي طفلة عمرها 5 سنوات تقول لي دائماً إنها لا تريدني أن أذهب إلى العمل كي لا أُقتل مثل شيرين في جنين”. وأضاف: “الجميع خائفون الآن، خصوصاً بعد ما حدث لشيرين. قبل ذلك، كانوا يطلقون قنابل صوتية ورصاصاً مطاطياً نحونا. ولكن باتوا الآن يطلقون ذخائر حية، ويمكنك أن تخسر حياتك”.

وقال أبو صبرا، “هذا يؤثر على تغطيتنا الصحفية بالفعل. نحاول أن نتجنب الأماكن التي تحدث فيها اشتباكات. كما نحاول أن نظل قريبين من سيارات الإسعاف والمستشفيات وأن نكون بعيدين عن التظاهرات. لذا، فقد بتنا أبعد كثيراً عن الأحداث. يستخدم الناس مقاطع مصورة يلتقطها السكان المحليون في المنطقة، وهكذا يعرفون الأخبار”.

غيّر مقتل أبو عاقلة أيضاً حسابات بعض المنظمات الإخبارية الأجنبية التي تعمل مع صحفيين محليين. ويقول مستشار أمني لوكالة إخبارية دولية، “لقد اتخذنا نهجاً أكثر حذراً بكثير، خصوصاً بعدما حدث لشيرين. فإذا كنا نتعامل مع صحفيين محليين يقومون بالتغطية الصحفية الأولية وكنا نعلم بأي عمليات تحدث في المنطقة فإننا نحجم عن أي مخاطرة بهذه الأمور”. وقد طلب هذا المستشار عدم نشر اسمه خشية من حرمان الصحفيين الذين يعملون مع الوكالة التي يعمل بها من دخول إسرائيل والأراضي الفلسطينية في المستقبل.

وقال المستشار الأمني إنّ منظمته الإخبارية أعادت تصنيف إسرائيل والأراضي الفلسطينية في السنوات الأخيرة من مواقع ذات “خطر متوسط” إلى “خطر مرتفع” بسبب المضايقات من قوات الأمن وكذلك بسبب المستوطنين وغيرهم من القوميين المتطرفين الإسرائيليين الذين لم يواجهوا “سوى استجابة ضئيلة من السلطات”. ويجب على الكوادر التي تعمل في الميدان حالياً أن تتّبع بروتوكولات مشددة للتواصل والسلامة. كما أنها تتجنب السفر بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية في الليل، ويعود ذلك جزئياً إلى الخشية من أن الفلسطينيين قد يعتقدون خطأ بأنهم مستوطنون ومن ثم يهاجمونهم.

شاب فلسطيني يلقي حجراً نحو مركبة للجيش الإسرائيلي أثناء مصادمات بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية مسلحاً فلسطينياً خلال مداهمة في بلدة جنين بالضفة الغربية في 28 أيلول/ سبتمبر 2022. (رويترز/ رنين سوافطة)

وأشار المستشار الأمني إلى قضايا برزت مؤخراً بشأن الوصول إلى المنطقة. فقد تم إيقاف صحفيين فلسطينيين عند نقاط التفتيش في الضفة الغربية وأُبلغوا بأن ليس بوسعهم الوصول إلى مواقع العمليات العسكرية “بغية حمايتهم”. وقال نضال اشتية، وهو مصور فلسطيني يعمل مع وكالة الأنباء الصينية “شينخوا” وكان قد أصيب سابقاً برصاصة في عينه بينما كان يغطي الأخبار، إن هذه القيود اشتدت بعد مقتل أبو عاقلة، “لذا ليس ثمة حرية للقيام بالتغطية الصحفية”. ويعمل نقص التغطية الإخبارية المستقلة لمصلحة الحكومة، حسبما قال المستشار الأمني، “فهي الجهة الوحيدة التي لديها سرد تقوله، ’هذا ما حدث على الأرض‘”.

وعندما تمكّن اشتيّة من تغطية عملية عسكرية في جنين في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، قال لـ”لجنة حماية الصحفيين” إنه وزملاءه تعرضوا لإطلاق نيران من قبيل القوات الإسرائيلية بينما كانوا يصورون من داخل مبنى قيد الإنشاء. وقال: “كنا ملتصقين بالحائط لمدة ساعة، ومرتعبين من التعرض للرصاص”. بثت وسائل الإعلام الفلسطينية طلبهم للنجدة، وسمعته أميرا هاس، وهي صحفية إسرائيلية مخضرمة تعمل مع صحيفة “هآرتس”. وقالت لـ”لجنة حماية الصحفيين “إنها اتصلت بمكتب الناطق الرسمي للجيش وأخبرت الجندي المناوب، “تصرف بسرعة، فنحن لا نريد شيرين أبو عاقلة أخرى، أنريد ذلك؟” وبعد فترة وجيزة، سُمح للصحفيين، ولم يكونوا قد أصيبوا بجراح، بمغادرة المنطقة.

وأفادت وحدة الناطق الرسمي باسم قوات الدفاع الإسرائيلية كما أفادت الشرطة لصحيفةهآرتس” بخصوص هذه الحادثة أنه لا علم لهما “بأي اتهامات بإطلاق نار استهدف عاملين إعلاميين”.

سبلٌ قليلة للانتصاف لعائلات الصحفيين داخل إسرائيل

رفعت عائلة أحد الصحفيين الفلسطينيين المدرجين على قائمة “لجنة حماية الصحفيين”، وهو المصور الفوتوغرافي المستقل عماد أبو زهرة، دعوى في محكمة إسرائيلية بشأن وفاة ابنها الصحفي، لكن الدعوى لم تسفر عن أية نتائج. وكان عماد الذي عمل أيضاً كمرافق للصحافة الأجنبية يلتقط صورة لناقلة جنود مدرعة إسرائيلية كانت قد اصطدمت بعمود كهرباء عام 2002 في مدينة جنين بالضفة الغربية عندما فتحت دبابات إسرائيلية النار فاردته قتيلاً وجرحت زميلاً له.

وقالت والدته، هيام أبو زهرة، لـ”لجنة حماية الصحفيين”: “كان ابني يقول لي بأنه محمي باعتباره صحفياً وأن أحداً لن يؤذيه. لكنه فارق الحياة ومعه كاميرا ولم يكن يستخدم سلاحاً لأنه كان يريد أن يُري الناس ما الذي يحدث في الحقيقة”.

أقامت عائلة أبو زهرة دعوى ضد دولة إسرائيل لدى محكمة الصلح في تل أبيب لمطالبتها بالتعويض عن الضرر الناتج عن وفاة الصحفي. وبحسب وثائق المحكمة، شهد زملاء عماد بأن فلسطينيين ألقوا فاكهة وخضروات على الجنود الإسرائيليين قبل أن يقوم هؤلاء بفتح النار على الصحفي. بيد أن القاضي اعتمد رواية الدولة للأحداث وقال إن الجنود كانوا مجبرين على “إطلاق النار بالنظر إلى الخطر الذي كان يتهدد حياتهم وسلامتهم” جراء قيام مجموعة من الأشخاص –كما تزعم الرواية– برشق الجنود بالحجارة والزجاجات الحارقة (المولوتوف) واستخدام أسلحة نارية صغيرة ضدهم. وبالتالي رفض القاضي الدعوى التي تقدمت بها العائلة وألزمها، في عام 2011، بدفع رسوم المحكمة وقيمتها 20,000 شيكل (حوالي 5,800 دولار في ذلك الوقت).

أطفال الصحفي القتيل نزيه دروزة الذي كان يعمل مع “تلفزيون أسوشيتد برس الإخباري”، وهم (من اليسار إلى اليمين) سامي ورزان وسامح، يحملون صوراً لوالدهم والكاميرا التي كان يستخدمها، وذلك أثناء تظاهرة صامتة جرت في 26 نيسان/ أبريل 2003 في المكان الذي قُتل فيه الصحفي قبل أسبوع من ذلك في مدينة نابلس بالضفة الغربية. (رويترز/ عابد عمر قصيني) [ملاحظة المحرر: تم تعديل هذا الشرح للتعريف الصحيح عن أطفال دروزة.]

قال سامح دروزة، ابن المصور الصحفي نزيه دروزة الذي كان يعمل مع “تلفزيون أسوشيتد برس الإخباري” والذي قُتل عام 2003، إن عائلته حاولت رفع دعاوى قضائية داخل المنظومة الإسرائيلية لكنها تخلت عن الفكرة في نهاية المطاف لأن التكلفة كانت باهظة. وأضاف بأن غياب العدالة قد “فتح الباب أم تكرار قتل الصحفيين، ومن أكبر الأمثلة على ذلك قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة”.

تتجه شبكة “الجزيرة” التي كانت شيرين أبو عاقلة تعمل بها إلى أبعد من المنظومة العدلية الإسرائيلية. ففي أواخر العام الماضي، تقدمت الشبكة الممولة من دولة قطر بطلب رسمي إلى المحكمة الجنائية الدولية – التي قالت عام 2015 إنها تتمتع بولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية – مطالبةً إياها بالتحقيق في مقتل أبو عاقلة ومحاكمة الأشخاص المسؤولين عما وصفته قناة “الجزيرة” بأنه “جريمة قتل بشعة”. كذلك، يحقق مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي بالحادثة، غير إن إسرائيل قالت إنها لن تتعاون مع التحقيق.

ودعت شبكة “الجزيرة” في بيان أصدرته قبيل حلول الذكرى السنوية الأولى لمقتل شيرين أبو عاقلة الصحفيين والحكومات في شتى أنحاء العالم إلى التحرك كي “يُحاسب الجناة ويجليوا إلى العدالة وضمان ألا يدفع أي صحفي آخر حياته ثمناً لمجرد قيامه بواجبه”.

في غضون ذلك، واصلت قناة “الجزيرة” تغطية أخبار الاحتلال الإسرائيلي في غياب المراسلة التي صاغت وعي جيل من مشاهدي التلفزيون. وكانت شيرين أبو عاقلة قد نشرت مقالة في عام 2021 كتبت فيها عن مدينة جنين التي لقيت حتفها فيها بعد عام من ذلك، ووصفتها بأنها تجسيد للروح الفلسطينية. واليوم، أصبح موقع مقتلها مزاراً؛ حيث غطت صور شيرين الشجرة التي سقطت عندها المراسلة التي كانت ذات يوم تسير في الطرقات المجاورة حاملة الميكروفون بيدها.

صحفيون قتلوا على يد الجيش الاسرائيلي

الصف الأعلى، من اليسار: محمد البيشاوي، رافائيل سيريلو، عماد أبو زهرة، عصام تلاوي

الصف الثاني: نزيه دروزة، جيمس ميلر، محمد أبو حليمة، فضل شناعة

الصف الثالث: باسل نبيل إبراهيم فرج، حسام سلامة، محمد الكومي، حامد شهاب

الصف الرابع: خالد رياض حمد، محمد نور الدين الديري، رامي ريان، سامح العريان

الصف الخامس: ياسر مرتجى، أحمد أبو حسين، يوسف أبو حسين، شيرين أبو عاقلة

(انقر على الأسماء للاطلاع على مصادر الصور)

المساهمون في إعداد التقرير

أورلي هالبيرن، المراسلة والمحلّلة لهذا التقرير. هي صحفية استقصائية ومنتجة تلفزيونية عملت في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا إذ غطت مناطق النزاعات، بما في ذلك في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، العراق، وأفغانستان. وعملت في مؤسسات بث عالمية وكتبت لوسائل إعلام دولية كبرى، بما في ذلك مجلة “تايم”، وصحيفة “واشنطن بوست” و “فورين بوليسي”. وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط والإسلام من الجامعة العبرية في القدس. وتتحدث الإنجليزية والعبرية والعربية.

نعومي زيفيلوف، محررة التقارير في “لجنة حماية الصحفيين”، وحررت هذا التقرير. قبل انضمامها إلى “لجنة حماية الصحفيين” عام 2020، عملت في التغطية الصحفية لستّ سنوات من إسرائيل والأراضي الفلسطينية، في البداية كمراسلة في الشرق الأوسط لصحيفة “فورورد”، ولاحقاً كمراسلة مستقلة لوسائل إعلام من قبيل محطة الإذاعة الوطنية الأمريكية “إن بي آر”، ومجلة “ذي أتلانتيك”، ومجلة “فورين بوليسي”. عملت سابقاً مديرة تحرير بالنيابة للقسم الثقافي في صحيفة “فورورد” في مدينة نيويورك. تنحدر من أوغدين بولاية يوتا الأمريكية، وبدأت مسيرتها المهنية الصحفية في الغرب الأمريكي إذ غطت الأخبار لصحف أسبوعية في مدن سولت ليك سيتي، كولورادو سبرينغ، دينفر، ودالاس. تحمل شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من كلية كولورادو، وماجستير الآداب في الصحافة السياسية من كلية الصحافة بجامعة كولومبيا.

روبرت ماهوني، مدير المشاريع الخاصة في “لجنة حماية الصحفيين”، وشارك أيضاً في تحرير هذا التقرير. هو صحفي وكاتب ومدافع عن حرية الصحافة، ظلّ في طليعة الكفاح من أجل حرية الصحافة وسلامة الصحفيين والحق في التغطية الصحفية منذ انضمامه إلى “لجنة حماية الصحفيين” في عام 2005. عمل بين عامي 1978 و2004 مع وكالة “رويترز” للأنباء في أوروبا وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، وقد ترأس مكتب الوكالة في القدس وفي غرب أفريقيا وفي ألمانيا، كما عمل محرر أخبار في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وكان مقره في لندن. وبعد أن عمل لفترة كصفحي مستقل ومدرب صحفي، انضم إلى “لجنة حماية الصحفيين” حيث ساعد في قيادة المنظمة وتوسيع أنشطتها في مجال التغطية والمناصرة، خصوصاً في ما يتعلق بالتقاطع بين التقنيات الحديثة وحرية الصحافة. وقد ساعد في بناء فريق الاستجابة إلى الطوارئ للتصدي إلى الاحتياجات المتزايدة للصحفيين في مجال السلامة. أصبح نائباً للمدير التنفيذي في عام 2007 ومديراً تنفيذياً في عام 2022. وهو يكتب في الصحافة ويشارك في مقابلات مع وسائل إعلام ومطبوعات بصفته خبيراً في حرية الإعلام والتهديدات التي يواجهها الصحفيون على صعيد العالم. في عام 2022، شارك مع المدير التنفيذي السابق لـ”لجنة حماية الصحفيين”، جويل سايمون، في تأليف كتاب “وباء المعلومات المضللة: كيف جعلت الرقابة والأكاذيب العالم أكثر مرضاً وأقل حرية“.

سمير الشريف، صحفي محلي ومدير إنتاج يعمل من القدس، قام بتغطية إضافية لهذا التقرير. يعمل بالعربية والإنجليزية والعبرية، وعمل في دعم صحفيين أجانب من وسائل إعلام دولية متنوعة لأكثر من 12 سنة، كما أشرف على الشؤون اللوجستية والإدارية وجهود التنسيق لعدة مشاريع مع مجلة “ناشونال جيوغرافيك”، وعمل مع عدة مؤلفي كتب ومع معدّي أفلام متنوعة.

شريف منصور هو منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “لجنة حماية الصحفيين”، ووفّر أيضاً تغطيةً إضافية لهذا التقرير. هو ناشط مصري-أمريكي معني بالديمقراطية وحقوق الإنسان. قبل انضمامه إلى “لجنة حماية الصحفيين”، عمل مع مؤسسة “فريدوم هاوس” في واشنطن العاصمة، حيث أدار تدريبات في مجال المناصرة لناشطين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في عام 2010، شارك في تأسيس “الجمعية المصرية للتغيير”، وهي مجموعة غير ربحية تتخذ من واشنطن العاصمة مقراً لها وتعمل على تعبئة المصريين في الولايات المتحدة لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر. شارك في مراقبة الانتخابات المصرية مع مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، كما عمل صحفياً مستقلاً. وفي عام 2004، حظي بتكريم من “مركز الكلمة لحقوق الإنسان” على عمله في الدفاع عن حرية التعبير في مصر. كتب منصور عدة مقالات وأجرى دراسات بحثية حول المجتمع المدني ودور وسائل الإعلام الجديدة والمجتمع المدني في تحقيق الديمقراطية. واعتبرته شبكة “دبلوماتيك كورير” في عام 2013 ضمن أهم 99 شخصية شابة في مجال العلاقات الخارجية. نال شهادة البكالوريوس في التربية من جامعة الأزهر بالقاهرة ودرجة الماجستير في العلاقات الدولية من كلية فليتشر في جامعة تافت. يتحدث العربية بطلاقة.

إيميلي شيفر أومر-مان وفّرت استعراضاً خبيراً وأبحاثاً إضافية لهذا التقرير. هي محامية دولية في مجال حقوق الإنسان وتتمتع بخبرة تزيد عن 15 سنة في تحدّي السياسات والممارسات العسكرية الإسرائيلية نيابةً عن مشتكين فلسطينيين في المحاكم الإسرائيلية والدولية. عملت بين عامي 2005 و2017 محامية متقدمة في مكتب مايكل سفارد للمحاماة، ومديرة قانونية “لمشروع مساءلة القوات الأمنية” التابع لمنظمة “ييش دين” الذي وفّر تمثيلاً قانونياً لأكثر من 500 شخص من ضحايا القتل والإصابات وجرائم أخرى ارتكبها الجنود أو شرطة الحدود في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. تعمل أيضاً مُحاضِرة غير متفرغة في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون في الجامعة الأمريكية بواشنطن العاصمة، وتتلقى بانتظام دعوات لإلقاء محاضرات والتعليق على تطبيق القانون الدولي على الاحتلال الإسرائيلي.

ديفيد كورتافا قام بالتحقق من الوقائع لهذا التقرير. هو صحفي في مجلة “ذا نيويوركر” حيث وفّر تغطية صحفية للمجلة حول مواضيع متعددة، بما في ذلك “مخيمات التنقية” التي تديرها روسيا في شرق أوكرانيا – وهي مادة غلاف نُشرت أخيراً بدعم من “مركز بولتزر”.

ملاحظة من المحرر: بعد الموعد النهائي ، رد مكتب الإعلام في أمريكا الشمالية التابع لقوات الدفاع الإسرائيلية على طلب لجنة حماية الصحفيين للتحقق من الوقائع بشأن دور العقيد ميني ليبرتي في الإشراف على التحقيق في وفاة شيرين أبو عاقلة. ليبرتي هو عضو في التسلسل القيادي للوحدة العسكرية التي حددها جيش الدفاع الإسرائيلي كمصدر محتمل لإطلاق النار الذي أدى إلى مقتل أبو عاقلة.وفيما يلي الإجابة التي تلقتها لجنة حماية الصحفيين:

 يتألف جيش الدفاع الإسرائيلي من نوعين من الألوية بينهما اختلافات هيكلية رئيسية: الكتائب “العضوية” والكتائب “الإقليمية“. اللواء “العضوي” مسؤول عن قواته من خلال إطار وظيفي للمجندين، بينما يكون اللواء “الإقليمي” مسؤولاً عن المساحة المادية التي تنفذ فيها القوات نشاطها العملياتي.

 خلال الأنشطة العملياتية ، تخضع القوة العضوية لقيادة اللواء الإقليمي.

 بالتالى، فيما يتعلق بالظروف التي أدت إلى مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة ، كان قائد كتيبة ‘ميناش’ الإقليمي مسؤولاً عن قيادة جنود وحدة ‘دوفديفان’ الذين عملوا في المنطقة. أما العقيد ‘مينى ليبرتي’ ، قائد لواء ‘اوز’ ، وهو لواء عضوي ، بالتحقيق في الحادث على أساس أنه لم يقود القوة التي عملت في المنطقة.

 توصيات لجنة حماية الصحفيين 

يشكّل نمط قتل الصحفيين على يد الجيش الإسرائيلي تهديداً كبيراً لحرية الصحافة ويقوّض قدرة الصحفيين على تغطية الأخبار بحرية وأمان. تدعو لجنة حماية الصحفيين إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى تنفيذ التوصيات التالية من أجل حماية الصحفيين، وإنهاء الإفلات من العقاب في حالات قتل الصحفيين، ومنع أي حالات قتل أخرى لصحفيين في المستقبل.

إلى إسرائيل

  • فتح تحقيقات جنائية بخصوص قضايا قتل ثلاثة صحفيين: شيرين أبو عاقلة (2022)، أحمد أبو حسين (2018)، وياسر مرتجى (2018).
  • ضمان إجراء تحقيقات سريعة ومستقلة وشفافة وفعالة بشأن حالات قتل الصحفيين التي يُحتمل أنها غير مشروعة، والتي تمثل جرائم حرب محتملة؛ والإعلان عن تقييمات تقصي الحقائق أو غيرها من التحقيقات الأولية بشأن كافة حالات قتل الصحفيين أو إصابتهم منذ عام 2001؛ والسعي إلى إجراء استعراض مستقل لهذه التحقيقات بغية تحديد ضرورة إجراء تحقيقات جنائية محتملة.
  • يجب على أي تحقيقات بشأن الهجمات ضد الصحفيين من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي أو قوات الأمن الإسرائيلية أن تتبع المعايير الدولية، من قبيل المعايير المحددة في “دليل عن منع ممارسات تنفيذ أحكام الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام بإجراءات موجزة” المعروف أيضاً بسم “بروتوكول مينيسوتا“. ينص البروتوكول على أنه بموجب القانون الدولي، يتطلب الواجب بإجراء تحقيق بحالة وفاة من المحتمل أنها غير مشروعة التزاماً بأن يكون التحقيق سريعاً؛ فعالاً وشاملاً؛ مستقلاً ومحايداً؛ وشفافاً.
  • إتاحة إمكانية الوصول دون قيود إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية لمنظمات حقوق الإنسان والمحققين المعيّنين من قبل الأمم المتحدة—بما في ذلك المبعوثون الخاصون للأمم المتحدة واللجنة الدولية المستقلة المعنية بالتحقيق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وفي إسرائيل—لإجراء تحقيقات بشأن الانتهاكات المشتبه بها للقانون الدولي من قبل جميع الأطراف، والإقرار بتوصياتها وتنفيذها من أجل تحسين قدرة الصحفيين على تغطية الأخبار بحرية وأمان.
  • استعراض قواعد الاشتباك المعتمدة لدى قوات الدفاع الإسرائيلية وإصلاحها من أجل منع استهداف الصحفيين في المستقبل، وبما يتماشى مع توصيات الأمم المتحدة لإيقاف الاستخدام غير المبرر للقوة الفتاكة. ويجب أن تتضمن هذه التعليمات المعدّلة توجيهات إلى جميع قوات الأمن، علناً وسراً، بأن استخدام القوة الفتاكة ضد الصحفيين – وهم مدنيون يؤدون عملهم – هو أمر محظور، والتوضيح لهذه القوات بأنه يتوجب عليها الامتناع عن إطلاق النار على أفراد يرتدون شارة الصحافة.
  • التعاون التام مع التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي بشأن مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة.
  • التعاون مع تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية الناتجة عن الدعاوى القانونية التي تزعم أن قوات الأمن الإسرائيلية ارتكبت جرائم حرب ضد الصحفيين وأن السلطات الإسرائيلية تقاعست عن إجراء تحقيقات ملائمة بشأن مقتل عاملين إعلاميين.

إلى الولايات المتحدة

  • توفير تحديث معلومات علني وشامل، اشتدت الحاجة إليه، بشأن وضع التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، وهي مواطنة أمريكية. انطلق هذا التحقيق، بحسب التقارير الإعلامية، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ولم يُعلن عن تطوراته لغاية أيار/ مايو 2023.
  • الاستفادة من شراكة الولايات المتحدة مع إسرائيل من أجل:
  1. ضمان تعاون إسرائيل الكامل مع تحقيق وزارة العدل الأمريكية بشأن مقتل الصحفية أبو عاقلة.
  2. الضغط على السلطات الإسرائيلية لاستعراض قواعد الاشتباك المعتمدة لدى قوات الدفاع الإسرائيلية وإصلاحها لمنع حدوث حالات قتل للصحفيين في المستقبل.

إلى المجتمع الدولي

  • يجب على لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن تواصل الضغط على إسرائيل بشأن توصياتها بتعديل قواعد الاشتباك من أجل منع استخدام القوة الفتاكة غير المبررة.
  • يجب على الحكومات، لا سيما الحليفة لإسرائيل، أن تُخضع إسرائيل للمساءلة بشأن التزاماتها الدولية بحماية سلامة العاملين في الصحافة وإنهاء الإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في الأراضي الفلسطينية. ويجب على الحكومات أن تحث إسرائيل على التعاون الكامل مع أي تحقيق دولي بشأن قتل الصحفيين أو استهدافهم من قبل القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
  • يجب على “التحالف من أجل حرية الإعلام“، وهو مجموعة من أكثر من 50 دولة عضو بالأمم المتحدة تعهدت بدعم حرية الإعلام، أن يشجع إسرائيل على إنهاء الإفلات من العقاب في حالات قتل الصحفيين وتعديل قواعد الاشتباك المعتمدة لدى قوات الدفاع الإسرائيلية لمنع حدوث حالات قتل للصحفيين في المستقبل.