بعد مرور عام، لا زالت المساءلة غائبة بعد الهجوم المستهدف الذي شنته إسرائيل في 13 تشرين الأول/ أكتوبر وأدى إلى مقتل الصحفي عصام عبدالله وإصابة ستة صحفيين بجراح في جنوب لبنان.
بعد مرور أقل من أسبوع على حرب إسرائيل غزة، وفي تمام الساعة 6:02 بعد الظهر من يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أطلق الجيش الإسرائيلي قذيفتي دبابة تفصل بينهما 37 ثانية في جنوب لبنان. أما الهدف العسكري فكان سبعة صحفيين يعتلون تلة تبعد أكثر من كيلومتر عن أقرب مكان تحدث فيه أعمال عدائية، وكانوا يرتدون سترات مكتوب عليها بوضوح كلمة “صحافة” ويغطون الأخبار بجانب سيارة مكتوب عليها “تلفزيون”.
أدى الهجوم الإسرائيلي إلى مقتل الصحفي عصام عبدالله فوراً، وهو يعمل مع وكالة ’رويترز‘، وكان مصور فيديو مخضرماً ويتمتع بخبرة واسعة في تغطية النزاعات في بلده لبنان وكذلك في سوريا والعراق وأوكرانيا. وأصيبت الصحفية كريستينا عاصي بجراح، وهي صحفية لبنانية أيضاً وتعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية، مما أدى إلى بتر ساقها اليمنى. وأصيب أيضاً خمسة صحفيين آخرين، وهم: ديلان كولينز وهو أمريكي يعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية؛ والصحفية كارمن جوخدار والمصور إيلي بارخيا اللذان يعملان مع قناة الجزيرة، وهما أيضاً لبنانيان؛ والصحفيان ثائر السوداني وماهر نزيه اللذان يعملان مع وكالة رويترز، وهما عراقيان.
وقد أجرت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان تحقيقاً في آذار/ مارس 2024 واستنتجت أنَّ الدبابة الإسرائيلية استهدفت صحفيين “معرّفين بوضوح” مما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وذلك وفقاً لاستعراض أجرته وكالة رويترز للتحقيق الذي لم يُنشر. وجرت أربعة تحقيقات إضافية – من قبل وكالة الأنباء الفرنسية، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، ووكالة رويترز – وقد توصلت جميعها وبصفة مستقلة إلى الاستنتاج نفسه: شنت إسرائيل هجوماً متعمداً على الصحفيين. ويمثل الاعتداء المتعمد ضد المدنيين جريمة حرب بموجب القانون الدولي.
مع ذلك، وبعد مرور سنة، ما زالت إسرائيل لم تؤكد حتى أنها أتمت تحقيقها الأولي بشأن الاعتداء. وأفاد مكتب إعلام أمريكا الشمالية التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية للجنة حماية الصحفيين عبر رسالة بالبريد الإلكتروني أنَّ الجيش استخدم نيران الدبابات والمدفعية في 13 تشرين الأول/ أكتوبر لمنع “تسلل إرهابي” مشتبه به، وأنَّ الحادثة “قيد الاستعراض”. ولم تُفرج إسرائيل عن معلومات حول هوية الضباط الذين أجازوا الضربة أو نفذوها، مما يترك الناجين يملكون أسئلة أكثر من الإجابات حول الهجوم الذي قَلب حياتهم رأساً على عقب وأعاقهم عن أداء عملهم.
نمط من الاستهداف
لقد كان الهجوم الذي وقع في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مثالاً مبكراً للاستهداف المتعمد من قبل الجيش الإسرائيلي للصحفيين بسبب عملهم في أعقاب اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. ومنذ ذلك الوقت، وجدت لجنة حماية الصحفيين أنَّ أربعة صحفيين آخرين، وجميعهم فلسطينيون، استُهدفوا عمداً من قبل إسرائيل بسبب تغطيتهم في غزة، وهم: حمزة الدحدوح، ومصطفى ثريا، وإسماعيل الغول، ورامي الرفاعي. وتعكف لجنة حماية الصحفيين على إجراء تحقيقات بشأن 10 حالات أخرى يُشتبه بأن صحفيين استُهدفوا فيها.
“على الرغم من الأدلة الكثيرة بشأن ارتكاب جريمة حرب، إلا أنه بعد مرور عام على الاعتداء، لم تواجه إسرائيل أيّ مساءلة على استهداف الصحفيين”.
– جودي غينسبرغ، الرئيسة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين
من المرجح أنَّ العدد الكلي للصحفيين المستهدفين أكبر نظراً للتحديات العديدة في توثيق الحرب التي أودت بحياة 128 صحفياً، 126 منهم من جراء نيران إسرائيلية. وثمة عقبات أمام تقييم الاستهداف المتعمد للصحفيين بسبب عملهم، وذلك بسبب العدد الكبير لحالات قتل الصحفيين وتواترها، والتدمير الواسع النطاق للهياكل الأساسية الإعلامية، والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، ونقص إمكانية الوصول المستقل إلى غزة أمام وسائل الإعلام الأجنبية. وقد وثّقت لجنة حماية الصحفيين أيضاً نمطاً يتمثل في مقتل أفراد عائلات صحفيين بعد تلقي الصحفيين لتهديدات.
ولم توجَّه أية اتهامات ولم يتم إخضاع أيّ أحد للمسؤولية على خلفية هذه الوفيات، ولم يَكشِف جيش الدفاع الإسرائيلي عما إذا كان قد فتح تحقيقات بشأن أيّ من حالات قتل الصحفيين.
وكان هذا الاعتداء جزءاً من نمط من الإفلات من العقاب لإسرائيل على قتل الصحفيين. ففي أيار/ مايو 2023، نشرت لجنة حماية الصحفيين تقريراً وجد أنَّ إسرائيل لم تُخضِع جيشها للمساءلة أبداً بشأن مقتل 20 صحفياً على امتداد 22 عاماً.
وقالت السيدة جودي غينسبرغ، الرئيسة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين، “إنَّ الاعتداء الذي وقع في 13 تشرين الأول/ أكتوبر والذي أودى بحياة الصحفي عصام عبدالله وتسبّب بإصابة ستة صحفيين بجراح رغم أنهم محددون بوضوح كصحفيين هو استمرار لنمط تنتهجه إسرائيل منذ عقود باستهداف الصحفيين وبإفلات تام من العقاب. وعلى الرغم من الأدلة الكثيرة بشأن ارتكاب جريمة حرب، إلا أنه بعد مرور عام على الاعتداء، لم تواجه إسرائيل أيّ مساءلة على استهداف صحفيين. ومع ارتكاب هجمات مستهدفة ضد الصحفيين منذ أكثر من عقدين من الزمن ودون مواجهة أية تبعات، فإنَّ الجيش الإسرائيلي يتصرف وكأنه يحظى برخصة لمواصلة هذا النمط الفتاك”.
عدد كبير من الأدلة من يوم فظيع
وعلى العكس مما يجري في غزة، حيث باتت إمكانية الوصول المستقل أمام الإعلام مقيّد بشدة، كانت إمكانية الوصول إلى لبنان متاحة نسبياً في وقت وقوع الاعتداء. وقد تمكّنت وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان من جمع مجموعة كبيرة من الأدلة، بما في ذلك صور فوتوغرافية، ومقاطع فيديو، وإفادات شهود عيان؛ كما حلّلت وسائل الإعلام والمنظمات الشظايا المتناثرة على الأرض وتلك التي أصابت السيارة التابعة لوكالة رويترز، واستعرضت تقرير الطبيب الشرعي بخصوص مقتل عصام عبدالله، وأجرت تحليلاً صوتياً، ومقابلات مع مسؤولين حكوميين وأمنيين وخبراء عسكريين وخبراء في الأدلة وعاملين طبيين.
وقد أدى الصحفيون الذين تعرضوا للهجوم في ذلك الوقت، ومن دون قصد منهم، دوراً رئيسياً في جمع الأدلة، إذ كانوا يبثون تغطية حية إلى ثلاث وكالات أنباء دولية في وقت الحادثة. وهذا يتضمن مقطع فيديو صوره ديلان كولينز الذي يعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية، إذ بدأ التصوير في تمام الساعة 5:05 بعد الظهر، وذلك قبل حوالي ساعة من الهجوم الأول. وقد ظلت الكاميرا تصوّر بعد الضربة الأولى حتى تضررت بعد 37 ثانية بسبب الضربة الثانية.
“أعتقدُ أننا لمسنا بوضوح أنَّ السترة التي تحمل علامة ’صحافة‘ ما عادت تحمي المرء، بل قد تجعله هدفاً”.
– الصحفي ديلان كولينز
وفي مقطع فيديو نشرته لجنة حماية الصحفيين يوم الخميس، يسرد كولينز تتابُع الهجوم بناء على المقاطع المصورة التي التقطها لوكالة الأنباء الفرنسية. (المقاطع المصورة الإضافية لما جرى في أعقاب الهجوم التقطها تلفزيون العربي والمؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشنال).
سيارة تابعة لكادر تلفزيوني تحترق بعد إصابتها بقذيفة إسرائيلية في لبنان يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر، مما أدى إلى مقتل مصور الفيديو الذي يعمل مع وكالة رويترز للأنباء، عصام عبدالله.
(الصورة: أسوشيتد برس/ حسن عمار)
في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، استعد الصحفيون السبعة من وكالة الأنباء الفرنسية وقناة الجزيرة ووكالة رويترز للقيام بعملهم في تغطية أخبار يوم آخر للنزاع الذي أخذ يتطور بسرعة والذي بدأ قبل أسبوع من ذلك، بعد أن شنّت حركة حماس المقاتلة هجوماً ضد إسرائيل. وفي المنطقة الحدودية بين شمال إسرائيل وجنوب لبنان، ما انفك الجيش الإسرائيلي يتبادل القصف منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مع حزب الله، وهو جماعة ميليشيا لبنانية. وفي وقت العصر من يوم الهجوم على الصحفيين، كان الصحفيون يلتقطون صوراً ومقاطع فيديو للمصادمات التي تحدث في منطقة بعيدة عنهم. وحوالي الساعة 4:45 بعد الظهر، تجمعوا في منطقة مفتوحة على أعلى تلة لتغطية القصف الذي كان يجري على بعد حوالي 2 كيلومتر من مكان وجودهم.
وقد اتخذ الصحفيون عدة احتياطات أمنية، فقد كانوا جميعاً يرتدون خوذات وسترات واقية من الرصاص مكتوب عليها كلمة “صحافة”. وكان صحفيا وكالة رويترز قد تحقّقا بهذا الشأن من المنسق الأمني وأطلعوه على إحداثيات المكان قبل وصولهم إليه.
وقال كولينز، “كنا مرئيين من الأعلى، وكانت إحدى السيارات تحمل علامة ’تلفزيون‘، وكنا ظاهرين لعدة مواقع عسكرية إسرائيلية على امتداد الحدود الإسرائيلية، وكانت تظهر علامات ’صحافة‘ بوضوح أمامها. لقد كانوا يعلمون بأننا موجودون هناك منذ لحظة وصولنا”.
قُتل عصام عبدالله فوراً في الضربة الأولى التي أدت أيضاً إلى إصابة كريستينا عاصي بجراح مما جعلها تفقد الشعور بساقيها. وبدأ كولينز بوضع ضمادات على ساق كريستينا لوقف النزيف، وحينها سقطت قذيفة ثانية من دبابة إسرائيلية على مجموعة الصحفيين.
وأفاد ماهر نزيه للجنة حماية الصحفيين، وهو يعمل مع وكالة رويترز، “لقد غيّر هذا الهجوم حياتي بأكملها. فبعد الحادثة، واجهتُ أزمة في الصحة العقلية، وليس ذلك بسبب الخوف، ولكن من التفكير في أنه إذا حدث لي ذلك فما الذي سيجري لأطفالي وحياتي وأسرتي؟ ولم أكن قادراً على النوم أثناء الليل. ولماذا حدث كل ذلك؟ فنحن صحفيون، ونحن لا نحمل أسلحة، بل نقوم بتغطية الأخبار، ونحن لا نصنع الأخبار، وهذا أمر معروف عالمياً، ومن المفترض أن يكون الصحفي محمياً من قبل الجميع”.
“إذا نظرنا إلى حقائق الهجوم – ضربتان نحو الهدف نفسه يفصل بينهما 37 ثانية وتبعهما زهاء دقيقتين من إطلاق نار من سلاح من عيار 0.50 – فمن المستحيل القول إنه كان ناجماً عن خطأ”.
– الصحفي ديلان كولينز
تحدّث الصحفي ثائر السوداني أيضاً عن تأثير الحادثة، وذلك أثناء مقابلة أجرتها معه لجنة حماية الصحفيين؛ ولم تتمكن اللجنة من مقابلة جوخدار أو براخا بسبب تصاعد القتال في لبنان مؤخراً.
كلّفت منظمة هيومان رايتس ووتش خبراء لإجراء تحليل صوتي للهجوم، وقد وجدوا أنه قبل 25 دقيقة من وقوع الهجوم كانت طائرة مسيرة قد حلّقت حول المجموعة 11 مرة. وحدّدت منظمة العفو الدولية طائرة مروحية إسرائيلية من نوع أباتشي تحلّق فوق المكان قبل الهجوم، وذلك في مقطع مصور التقطته قناة الجزيرة، إضافة إلى مقطع التقطه كادر تلفزيون العربي من موقع آخر في قرية علما الشعب، وتشير هاتان الحقيقتان إلى أنَّ إسرائيل امتلكت قدرات مراقبة أتاحت لها رؤية الصحفيين.
ثمة شظية كبيرة من قذيفة مدفعية، باتت الآن بحوزة القضاء اللبناني، وقد تم تصويرها بالقرب من جثة عصام عبدالله. وقد كَلّفت وكالة الأنباء الفرنسية ستة خبراء أسلحة بتحليل الصور، وقد استنتجوا جميعاً بأنَّ الشظية ناتجة عن قذيفة دبابة من عيار 120 ملم مزودة بزعنفة لتثبت مسارها، وأنَّ الجيش الإسرائيلي هو الجهة العسكرية الوحيدة في المنطقة التي تستخدم هذه القذائف في دبابات ميركافا التابعة له.
أمّا آخر تحقيق أجراه المجتمع المدني بخصوص الهجوم، فقد ظهر في تقرير صدر في آذار/ مارس 2024 عن المنظمة الهولندية ’أبحاث العلوم التطبيقية‘، والتي كلّفتها وكالة رويترز بتحليل الأدلة. ولم تقتصر استنتاجاتها على أنَّ كادر دبابة إسرائيلية أطلق القذيفتين، بل أنه من “المرجح” أيضاً أن أفراد الكادر فتحوا نيران رشاش آلي نحو الموقع لمدة دقيقة و 45 ثانية.
وقال كولينز، “إذا نظرنا إلى حقائق الهجوم – ضربتان نحو الهدف نفسه يفصل بينهما 37 ثانية وتبعهما زهاء دقيقتين من إطلاق نار من سلاح من عيار 0.50 – فمن المستحيل القول إنه كان ناجماً عن خطأ”.
وبينما تشير الأدلة إلى أنَّ هذه النيران الإسرائيلية كانت متعمدة، لكن ثمة أسئلة عديدة تظل دون إجابات للصحفيين المتأثرين – وأبرزها، لماذا؟
وقالت كريستينا عاصي، “هل كان قراراً جماعياً؟ وهل كان قراراً عسكرياً؟ أم كان قراراً شخصياً؟ فمَن وراء الهجوم؟ أريد أن أعرف من قرّر كبس الزر واستهداف هؤلاء الصحفيين وقتل عصام وتغيير حياتي بأكملها. أريد أن أعرف الوجه، أو الاسم، أو شيئاً ما. أي شيء”.
الإفلات من العقاب يستمر
وقال ناطق باسم قوات الدفاع الإسرائيلية لوكالة رويترز إنَّ الجيش يحقق في الهجوم الذي وقع في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، وذلك من خلال آلية تقصي الحقائق والتقييم في هيئة الأركان العامة، وهي عملية التقييم الأساسية لأي تحقيق.
وبعد اكتمال “تقصي الحقائق” يُحال الموضوع إلى النائب العسكري العام لتحديد ما إذا كان الأمر يستدعي فتح تحقيق جنائي. وفي أيار/ مايو 2023، وجدت لجنة حماية الصحفيين أنه خلال السنوات التسع التي عمل فيها نظام التقييم هذا، لم يفتح النائب العام العسكري أيّ تحقيق جنائي بخصوص قتل صحفيين. وكان مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان قد شكّك باستقلالية النائب العام العسكري ونزاهته نظراً “لدوره المزدوج” في “التحقيق في الانتهاكات التي تُرتكب أثناء العمليات نفسها التي يقدم لها النائب العام العسكري استشارات قانونية”.
ووجهت لجنة حماية الصحفيين أسئلة حول هذا الهجوم إلى قوات الدفاع الإسرائيلية التي أجابت عبر رسالة إلكترونية بالقول، “في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، أطلقت منظمة حزب الله الإرهابية نيراناً من عدة مواقع على امتداد الخط الأزرق [الذي يفصل لبنان عن إسرائيل والمناطق التي تحتلها إسرائيل]، بما في ذلك إطلاق صاروخ مضاد للدبابات أصاب السياج الأمني الإسرائيلي المجاور لبلدة حانيتا. وبعد إطلاق الصاروخ المضاد للدبابات مباشرة، اشتبه جنود قوات الدفاع الإسرائيلية بتسلل إرهابيين إلى منطقة إسرائيلية، واستجابة إلى ذلك، استُخدمت نيران دبابة ومدفعية لمنع التسلل. وبعد بضع ساعات من ذلك، تم استلام تقرير أفاد بأن صحفيين في المنطقة أصيبوا بجراح أثناء هذه الحادثة. والحادثة قيد الاستعراض حالياً”.
وكما هي الحال بخصوص هجوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر، كانت غالبية الحالات التي أشار إليها تقرير “نمط فتاك” تخصّ صحفيين كانوا محددين بوضوح بأنهم أعضاء في وسائل الإعلام، أو كانوا في داخل سيارات تحمل شعار ’صحافة‘ في الوقت الذي قُتلوا فيه. وقد وجدت لجنة حماية الصحفيين في هذا التقرير أنَّ الجيش الإسرائيلي غالباً ما يتأخر لمدة أشهر أو حتى سنوات لإجراء تحقيق في حالات القتل، وغالباً ما يُهمِل الأدلة ومزاعم شهود العيان.
وأوردت صحيفة جيروسالم بوست أنَّ النائب العام العسكري ينظر في 300 حالة اشتباه بوقوع جريمة حرب. وأرسلت لجنة حماية الصحفيين رسالة إلى النائب العام العسكري في نيسان/ أبريل 2024 طلبت فيها فتح تحقيق جنائي بخصوص الهجوم الذي وقع في 13 تشرين الأول/ أكتوبر وحالات قتل مستهدف أخرى، وذلك في أعقاب تصريح علني من النائب العام العسكري أقرّ فيه بوجود “سلوكيات غير مقبولة” من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية في غزة، وثمة تحقيقات تجري بشأن بعض هذه السلوكيات لتحديد ما إذا كانت تستدعي فتح تحقيق جنائي. بيد أنَّ النائب العسكري العام لم يُجب أبداً على الرسالة ولم يقرّ باستلامها.
لا تتمتع المحكمة الجنائية الدولية حالياً بولاية للتحقيق في حالات القتل هذه إذ أنَّ لبنان وإسرائيل ليسا عضوين في المحكمة، كما لم يقم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإحالة الأمر إلى المحكمة لمنحها الولاية القضائية اللازمة.
وقام كولينز، وهو مواطن أمريكي، بإبلاغ السفارة الأمريكية في بيروت بشأن الهجوم بينما كان يتلقى العلاج في المستشفى بسبب الجراح التي أصيب بها. وهو الناجي الوحيد الذي يحمل جنسية بلد متحالف مع إسرائيل.
لم تعلن الولايات المتحدة عن فتح تحقيق بشأن الهجوم. وقد تباطأت الولايات المتحدة في إجراء تحقيق في حادثة بارزة شبيهة عندما قُتلت الصحفية الفلسطينية-الأمريكية شيرين أبو عاقلة في عام 2022 على يد قوات الدفاع الإسرائيلية بينما كانت تغطي الأخبار من مدينة جنين في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.
الصحفي ديلان كولينز الذي يعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية يتحدث عبر هاتفه الخلوي بعد إصابته بجراح من جراء قصف إسرائيلي في جنوب لبنان في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وقد أدى الهجوم الإسرائيلي، والذي تبيّن لاحقاً بأنه هجوم مستهدف، إلى مقتل مصور صحفي يعمل مع وكالة رويترز وإصابة ستة صحفيين آخرين بجراح.
(الصورة: أسوشيتد برس/ حسن عمار)
وفي تموز/ يوليو 2022، رفض الرئيس بايدن طلباً من أسرة أبو عاقلة للقاء معها أثناء زيارته إلى إسرائيل والضفة الغربية المحتلة. ووجهت أسرة أبو عاقلة رسالة مفتوحة إلى الرئيس بايدن تحدثت فيها عن “الألم، والغضب، والشعور بالخيانة” فيما يخص “الرد البائس على القتل خارج إطار القضاء” الذي ذهبت ضحيته شيرين أبو عاقلة. وبعد ذلك، في تموز/ يوليو 2022، التقت العائلة مع وزير الخارجية الأمريكي آنتوني بلينكن في واشنطن العاصمة لمناقشة القضية.
انقضت سنتان تقريباً منذ أطلق مكتب التحقيق الاتحادي الأمريكي تحقيقاً في قضية أبو عاقلة، مع ذلك لم يعلن المكتب حتى الآن عن إطار زمني لإنهاء التحقيق. وفي الشهر الماضي، أفادت تقارير بأن الجيش الإسرائيلي مزّق يافطة تحمل صورة شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية المحتلة، وذلك أثناء مداهمة لمكاتب قناة الجزيرة، التي كانت تعمل فيها شيرين.
وقال كولينز، “أشعر بالقلق من أنَّ ما حدث لنا في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، ورغم الكمية الهائلة من الأدلة البصرية والمادية بشأن القضية، سيندرج ضمن النوع نفسه من النمط الفتاك، وأننا سنواجه ذلك الإفلات من العقاب وأنَّ القضية ستُطرح جانباً ويطويها النسيان”.
وقالت السيدة غينسبرغ، “بينما لا تزال التجربة التي مرّ بها كولينز غير معروفة على نطاق واسع لغاية الآن، إلا أنه بوسع الولايات المتحدة أن تختط مساراً مختلفاً الآن، إذ تتوفر للسلطات فرصة لتحقيق مساءلة سريعة وجدية في أعقاب الهجوم الفتاك الذي وقع في 13 تشرين الأول/ أكتوبر على يد قوات الدفاع الإسرائيلية ضد صحفيين، وذلك بأن تقود تحقيقاً فورياً ومستقلاً وشفافاً يؤدي إلى إخضاع مرتكبي الاعتداء للمساءلة”.
الحملة لتحقيق العدالة
حملت كريستينا عاصي الشعلة الأولمبية في مدينة فانسن بفرنسا في تموز/ يوليو 2024 لتكريم الصحفيين الذين قتلوا أثناء أدائهم لعملهم، وكان برفقتها كولينز. وقالت كريستينا أثناء الفعالية “كل هذا من أجل صديقي العزيز عصام عبدالله وجميع الصحفيين الآخرين الذين خسرناهم في هذه السنة. هذه كله لهم ولتكريمهم وتكريم ذكراهم. وأنا سأُبقِي ذكرى عصام حية في كل ما أفعله، وهذا كله من أجله”.
تسعى أسرة عصام عبدالله إلى تحقيق العدالة عبر المؤسسات الدولية. وقال محامي الأسرة في 23 تموز/ يوليو 2024، أثناء إعلان تقديم طلب إلى اللجنة الدولية المستقلة المعنية بالتحقيق في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وفي إسرائيل، “بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على مقتل عصام عبدالله، لم تؤكد قوات الدفاع الإسرائيلية نتيجة تحقيقها، أو أيّ نتائج توصلت لها”. ويحثّ الطلب اللجنة أن تصدر توصيات إلى إسرائيل لتقديم تعويضات إلى أسرة عصام عبدالله، وتوصيات إلى إسرائيل ولبنان لإجراء تحقيقات جنائية بشأن ملابسات مقتل عصام عبدالله وملاحقة المسؤولين عن ذلك.
وفي الشهر الماضي، طالبت لجنة حماية الصحفيين بالاشتراك مع 10 منظمات أخرى معنية بحرية الصحافة وحقوق الإنسان هذه اللجنة الدولية المستقلة أن تجري تحقيقاً وتحقّق المساءلة بشأن قتل عصام عبدالله. ودعا محامو الأسرة وبعض الصحفيين الناجين ولجنة حماية الصحفيين وشركاء غيرهم، إلى نشر التقرير الكامل الذي أجرته قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. ووفقاً لوكالة رويترز، والتي اطّلعت على نسخة من التقرير، استنتج عناصر حفظ السلام أنَّ الهجوم يشكل انتهاكاً للقانون الدولي ولقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو قرار أقرّ بالإجماع وحدّد شروط الوقف الدائم لإطلاق النار لحرب لبنان التي جرت في عام 2006.
وفي وقت تقديم الأسرة لطلبها هذا، قالت عبير عبدالله، شقيقة الصحفي القتيل، عن جريمة قتل شقيقها، “إنَّ الدليل واضح، وليس ثمة تبرير لهذه الجريمة، ومع ذلك ما زلنا ننتظر العدالة لعصام، وننتظر تحقيق المساءلة. ولن نتوقف حتى نحقق ذلك”.
(ملاحظة من المحرر: تم تحديث الفقرة 13 من هذا التقرير لتوضيح الإطار الزمني لتبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله).
انضمّت أميليا إيفانز إلى لجنة حماية الصحفيين في كانون الأول/ ديسمبر 2023، وهي محامية دولية في مجال حقوق الإنسان، وأمضت أكثر من عشر سنوات تعمل في منصب المديرة التنفيذية لمشروع ‘ذا شيفتنغ باور بروجيكت‘ [The Shifting Power Project] (الذي كان يُعرف سابقاً باسم ‘معهد النزاهة المتعددة أصحاب المصلحة‘ [Institute for Multi-Stakeholder Integrity])، وهو منظمة غير ربحية معنية بحقوق الإنسان تركّز على تصويب التفاوت في القوة وإنهاء الإساأت التي ترتكبها الشركات. أجرت إيفانز خلال السنوات الـ 15 الماضية تحقيقات وأعدت تقارير حول قضايا متعلقة بالشركات وحقوق الإنسان في عدة بلدان، خصوصاً في منطقة وسط أفريقيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. عملت سابقاً مشرفة في عيادة حقوق الإنسان الدولية في كلية الحقوق في جامعة هارفرد، وحصلت على زمالات عديدة ركزت على العدالة الاقتصادية وحقوق الإنسان. حصلت إيفانز على درجة الماجستير في القانون من كلية الحقوق في جامعة هارفرد، ودرجة البكالوريوس في القانون (مع مرتبة الشرف)، ودرجة البكالوريوس في تطبيقات الكمبيوتر (الشؤون الاقتصادية والمالية) من جامعة فيكتوريا في ويلنغتون بنيوزيلندا. عملت كذلك في صنع أفلام وثائقية.
انضمت زوي سيمبولون إلى لجنة حماية الصحفيين كمسؤولة اتصال متقدمة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022. وعملت قبل ذلك كمتخصصة في الاتصال في مركز ‘تيرنينغ بوينت‘، وهو مركز أبحاث معني بالإدمان يتخذ من استراليا مقراً له، حيث قادت أنشطة الاتصال بخصوص حملة المناصرة ‘لنعيد التفكير في الإدمان‘. عملت سيمبولون أيضاً في منظمة ‘غرامين أمريكا‘ في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نهضت بمسؤوليات الإعلام والتواصل، وساهمت في حملات لمنظمات تدفع بحقوق طالبي اللجوء واللاجئين، وفي حملات معنية بالسياسات المتعلقة بالصحة العقلية. وقد حصلت على درجة البكالوريوس في التواصل من جامعة فيكتوريا، وشهادة تعليم عالي في حقوق الإنسان من جامعة سيدني.