بقلم: شريف منصور/ منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين
قالت ديالا الدباس، وهي مقدمة برامج إذاعية أردنية، في لقاء أجريته معها “أنا أعلم بأننا ممنوعون من التحدث عن الملك وأسرته وعن الأمور الدينية، ولكنني صرت خائفة أيضاً من التحدث عن أي شخص قد يُعتبر ‘رمزاً دينياً'”.
وكانت الدباس أثناء هذا اللقاء، تجلس على كرسيها على نحو غير مريح بسبب أصابة تعرضت لها أثناء ممارستها لرياضة كرة القدم. وقد حدثت هذه الإصابة بينما كانت الصحفية في إجازة قسرية في وقت مبكر من هذا الشهر، إذ تم إيقاف برنامجها الإذاعي “كابسة” الذي يبث صبيحة كل يوم. وقد منعت هيئة الإعلام الأردنية برنامجها من البث عبر المحطة الإذاعية المحلية ‘صوت الغد’ لمدة أسبوعين بسبب خطأ في تفسير تصريح منسوب لمفتي المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة والإساءة إليه، وذلك أثناء حلقة البرنامج التي بُثت في 31 يوليو/تموز.
وأخبرتني الدباس بأنها شعرت منذ عودتها لتقديم البرنامج بزيادة في الرقابة، إذ باتت مناقشات سياسية ودينية معينة محظورة على نحو متزايد. وقد عبّر عن هذا الاعتقاد عدة صحفيين ومحليين ممن قابلتهم في الأردن في الأسبوع الماضي لمناقشة المناخ الإعلامي عشية الانتخابات البرلمانية التي ستجري في 20 سبتمبر/أيلول.
وفي هذا الأسبوع، أصدرت هيئة الإعلام، وهي الوكالة الحكومية المسؤولة عن فرض قوانين الصحافة وأنظمتها، تعميماً لوسائل الإعلام يمنعها من نشر أي أخبار عن الملك أو العائلة المالكة سوى ما يصلها من دائرة الإعلام في الديوان الملكي. وقال التعميم إن المخالفين سيكونون “تحت طائلة المسؤولية”، ودون أن يحدد العقوبات التي يواجهها الصحفيون في هذه الحالة.
ظل هذا النوع من الرقابة الحكومية مستمراً منذ عامين، وهو يجري في سياق تصاعدٍ في اعتقال الصحفيين في عامي 2014 و 2015. وأشار العديد من الصحفيين الذين تحدثت معهم إلى أن مجموع أوامر حظر التغطية الإعلامية بلغ 15 أمراً منذ عام 2014 حسبما أورد الموقع الإلكتروني الإخباري المحلي ‘حبر’. وكانت لينا عجيلات، محررة موقع ‘حبر’ والعضوة في المجموعة الاستشارية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين، قد حضرت عدة اجتماعات أجريتها مع مسؤولين رسميين أثناء زيارتي إلى الأردن.
ولا يتضمن الإحصاء الذي أعده موقع ‘حبر’ الأمر الصادر في 28 أغسطس/آب الذي يحظر التغطية الإعلامية بخصوص احتجاز الداعية الإسلامي أمجد قورشة. ولكنه يتضمن أمراً صدر في يونيو/حزيران يحظرالنشر بخصوص اعتقال المعلّق الإعلامي اليساري ناهض حتر. وقال عدة صحفيين ممن التقيت بهم إن هاتين الحالتين هما جزء من محاولات الحكومة للسيطرة على الحوارات العامة من أقصى اليمين وأقصى اليسار بغية فرض “الاعتدال” على المنافسة السياسية عشية الانتخابات التي ستجري قريباً.
وكانت السلطات الأردنية قد احتجزت قورشة منذ يونيو/حزيران بسبب سلسلة من مقاطع الفيديو التي نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك مقطع فيديو نشره على صفحته على موقع فيسبوك في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 وطلب فيه من قادة الجيش والمخابرات عدم المشاركة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى مقاطع فيديو غير مؤرخة نشرها على موقع ‘يوتيوب’ تظهره يخاطب الطلاب ويمتدح قادة غير محددين في تنظيم الدولة الإسلامية. وتم تجديد احتجازه ست مرات على خلفية اتهامات غير محددة. وعندما أصدرت هيئة الإعلام في هذا الأسبوع أمراً يحظر التغطية الصحفية بخصوص هذه القضية، تذرعت بقانون المطبوعات والنشر، حسبما أوردت تقارير إخبارية محلية.
وفي قضية المعلق السياسي والكاتب اليساري ناهض حتر، الذي كتب سابقاً لمواقع إخبارية إلكترونية بما فيها صحيفة ‘الأخبار’ وموقع ‘ميسلون’، فقد سلّم نفسه للسلطات الأمنية في 13 أغسطس/آب 2016 بعد أن صدرت بحقه مذكرة اعتقال بتهمة “الإساءة إلى الأديان” وفق المادة 278 من قانون العقوبات، حسبما أوردت التقارير. وتأتي هذه التهمة على خلفية قيام حتر بنشر رسم كاريكاتيري على صفحته على موقع فيسبوك في 12 أغسطس/آب يصوّررجلاً ملتحياً
في فراش مع امرأتين في الجنة، ويأمر الله أن يجلب له طعاماً وخمراً. وفي 14 أغسطس/آب، أصدر المدعي العام أمراً يحظر التغطية الإعلامية حول القضية، ويحذر بملاحقة المخالفين، حسبما أوردت وكالة الأنباء الحكومية ‘بترا’.
حاولتُ أثناء زيارتي لعمان أن ألتقي مع رئيس هيئة الإعلام، أمجد القاضي، إلا أن مكالماتي الهاتفية ورسائلي الإلكترونية ظلت دون إجابة. وقال ناطق رسمي من مكتبه بأن القاضي مشغول بتنظيم مؤتمر إعلامي إقليمي. ومع ذلك تمكنّت من الالتقاء مع عدة مسؤولين رسميين للبحث بشأن التزام الأردن بحرية التعبير والوعود الحكومية بضمان الحريات الإعلامية في أعقاب الربيع العربي، حينما دعا ملك الأردن إلى حريات “سقفها السماء”.
وجدد المسؤولون الرسميون الالتزامات الحكومية الشفهية بحرية الصحافة وأعربوا عن استعدادهم لإصلاح القوانين التقييدية عند انعقاد المجلس النيابي المقبل. ودافعوا عن دور الحكومة كفيصل في الحوار العام في الوقت الذي يواجه فيه البلد تحديات، بما فيها مكافحة الإرهاب، والاقتصاد الذي تراجع من جراء التدفق الكبير للاجئين من البلدان المجاورة.
وقال وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، موسى معايطة، “إن الحكومة منفتحة على إعادة النظر في أي موضوع يتعلق بالحريات العامة إذا رأينا أي خطأ أو حاجة للتحسين”. وأضاف المعايطة بأنه ينبغي على مجموعات حقوق الإنسان أن تدرك بأن “انتشار التطرف والإرهاب، والذي الحق ضرراً شديداً بالمنطقة والعالم، يجبرنا على تحمل مسؤوليات جديدة وأن نلتزم التزاماً راسخاً باعتبار الحق في الحياة وترسيخه وتعزيزه بوصفه الحق الإنساني الأول والأكثر أهمية”.
وأكد لي محمد المومني، وهو وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق باسم الحكومة، بأن الأردن ملتزم التزاماً عميقاً بحرية التعبير، وقال “إن حرية الصحافة هي أحد أركان الأمن الوطني. وقد أكد الجميع على ذلك، بدءاً من جلالة الملك إلى رئيس الوزراء”. وبرر المومني العدد المتزايد من أوامر حظر النشر بالقول إن الدولة بحاجة إلى الحفاظ على قوانينها كي تحمي “حرمة المحاكمات الجارية”، وأن الحكومة مضطرة لإيقاف التحريض العرقي والديني وضمان أن المواطنين محميون من خطاب الكراهية، لا سيما في حالتي الصحفيين الدباس وحتر.
وفي حالة الدباس، كانت القضية تتعلق بتخفيف الضغط في التعامل مع ما يبدو أنه قضية حساسة في الأردن: ما إذا كان المجتمع مستعداً للانخراط في نقاش مفتوح بشأن التحيزات والآراء المتطرفة التي يحملها البعض إزاء العلاقات بين الأديان بين الأغلبية الكبيرة من المواطنين المسلمين والنسبة الصغيرة من المواطنين المسيحيين، حسبما أفاد الوزيران. وكانت الدباس قد انتقدت مفتي المملكة بسبب فتوى أصدرها تسمح بتعزية غير المسلمين، بما في ذلك العازف الموسيقي المسيحي الشاب شادي أبو جابر الذي يبلغ من العمر 17 عاما، والذي توفي بحادث سير في يوليو/تموز. وقالت الدباس بأنها امتعضت من تدخل المفتي، إذ تعتقد بأن هذا التدخل يمنح شرعية للزعم بعدم جواز تعزية المسيحيين.
تمثّل قضية ناهض حتر تجسيداً لنقص الالتزام بحرية الصحافة من قبل الحكومة والمعارضة. وقال كل من المومني والمعايطة إن الحكومة تحتجز الصحفي لحماية حياته. أما حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو حزب معارض تابع للفرع الأردني من جماعة الإخوان المسلمين، فقد طالب السلطات بفرض “أقصى العقوبات” ضد حتر، وذلك في بيان أصدره الحزب في 12 أغسطس/آب، كما تشكلت مجموعة على موقع فيسبوك تدعى “حملة إعدام ناهض حتر”.
وأشار حزب جبهة العمل الإسلامي إلى تراجع حرية التعبير كأحد الأسباب التي تدفعها لخوض المنافسة الانتخابية في الانتخابات المقبلة، وقال إن “السماء هي السقف” لحرية التعبير. وعندما تحدثتُ مع نائب الأمين العام للحزب، علي أبو السكر، قال إن تلك المواقف سترشد وتوجه الأجندة التشريعية للحزب فيما إذا تم انتخابه، ووعد بطرح تعديلات على قوانين الإعلام وتوسيع حرية الصحافة. ولكن عندما أثرت قضية حتر، قال إنه لا توجد “حرية مطلقة” وإن الحرية “تأتي من المسؤوليات والضوابط”، بما في ذلك حظر “الإساءة إلى الأديان”.
أما الأمل الوحيد المتبقي أمام مناصري حرية الصحافة، فهو أن الحكومة ستواصل إيلاء الانتباه للانتقادات من المجتمع الدولي، وستعمل مع البرلمان لتحسين القوانين وللإيفاء بالتزامات الأردن لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كجزء من إجراءات الاستعراض الدوري الشامل.
وقال باسل الطراونة، وهو منسق حقوق الإنسان في الأردن، إنه يدرك وجود نواقص في القوانين وفي تنفيذها، إلا أنه يعمل على اقتراح تغييرات بخصوص 37 قانوناً وأكثر من 70 نظاماً كجزء من استراتيجيات الإعلام وحقوق الإنسان للسنوات العشر المقبلة في البلد. وكرر هذا الوعد أيضاً محمد النسور، منسق حقوق الإنسان في وزارة العدل، والذي قال إن الوزارة عاكفة على إجراء مراجعة جدية للقوانين التي تؤثر على الصحافة.
وأخبرني كل من الطروانة والنسور إن استراتيجيات الإعلام وحقوق الإنسان “مدعومة من الملك”. إلا أن العديد من الصحفيين شككوا في الالتزام بالإصلاح. وقالت الدباس “حتى لو جرت تعديلات قانونية، فستحتوي على مادة تسمح لهم بأن يفعلوا ما يحلو لهم … أما سياسة حظر النشر فلن تتغير لأنه لا توجد لدينا ديمقراطية حقيقية”. وقال باسل عكور، مؤسس ومحرر موقع ‘جو 24‘، إن ما حققته الحكومة من سلطة فيما يتعلق بإسكات الصحفيين خلال السنوات القليلة الماضية “لا يمكن إلغاؤه”.
[تغطية من عمان، الأردن]