أحد أفراد قوات الشرطة يقف حارساَ خارج محكمة أمن الدولة في صنعاء، اليمن (Reuters)
أحد أفراد قوات الشرطة يقف حارساَ خارج محكمة أمن الدولة في صنعاء، اليمن (Reuters)

الاعتداءات على الصحافة في العام 2010

تحليل: 

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

 

تقرير عالمي استقصائي تعده لجنة حماية الصحفيين

القمع بذريعة الأمن القومي

بقلم: محمد عبد الدايم

أصبح الصحفي اليمني المستقل عبد الإله شايع بفضل اعتماده على شبكة واسعة من المصادر في الجيش والحكومة والجماعات الإسلامية ناقداً لاذعاً وبارزاً لجهود الحكومة في مكافحة الإرهاب. وبحلول شهر تموز/ يوليو أصبحت حكومة الرئيس علي عبد الله صالح غير قادرة على تحمل المزيد فقامت بإرسال عناصر أمن لاعتقال شايع واستجوابه بخشونة لعدة ساعات حول التقارير التي يكتبها.

الاعتداءات على الصحافة في عام 2010
تمهيد
المؤسسات الدولية تتقاعس عن الدفاع عن حرية الصحافة
الكشف عن المعتدين المتوارين الذين يهاجمون عبر شبكة الإنترنت
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:   القمع بذريعة الأمن القومي
مصر
إيران
اليمن
تركيا
تونس
السودان
المغرب
لبنان
إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة
العراق
لقطات سريعة من البلدان

وذكر شايع للجنة حماية الصحفيين بُعيد إطلاق سراحه بأن “المحققين طلبوا مني التوقف عن التحدث لوسائل الإعلام حول الحملة التي تشنها الحكومة على القاعدة، وقالوا لي إن ذلك لمصلحتي. وعندما قلت لهم إن شيئاً لن يثنين عن القيام بعملي ذكّروني بأنه يمكنهم أن يخفوني في الوقت الذي يشاءون”. وواصل الصحفي القيام بعمله موفياً بوعده حيث اشتملت أعماله على إجراء مقابلات مع قياديين في القاعدة في شبه الجزيرة العربية والظهور لمرات عديدة على شاشة قناة الجزيرة الفضائية أشار فيها إلى عيوب التكتيكات التي تستخدمها الحكومة في مكافحة الإرهاب.

وذكر صحفي يمني اشترط عدم ذكر اسمه خشية التعرض لانتقام السلطات هو الآخر أن شايع “كان دائماً يظهرهم في صورة سيئة، وذلك يجعله إرهابياً من وجهة نظرهم”. وفي 16 آب/أغسطس قام عناصر من الأمن باقتحام منزل شايع وصادروا حاسوبه وأوراقه ثم تم احتجازه وعزله عن العالم الخارجي لمدة شهر، ومن ثم وجهت إليه محكمة أمنية خاصة تهمة “التخطيط لشن هجمات إرهابية” و “تقديم الدعم الإعلامي لقيادة القاعدة”. وكان الدليل المبرز نهاية العام الماضي عبارة فقط عن مواد تقارير صحفية وفقاً لما ذكره محامي شايع، عبد الرحمن برمان.

تخلط الحكومات في مختلف بلدان المنطقة بين التغطية الإعلامية الناقدة والفاحصة لمكافحة الإرهاب وبين الإرهاب نفسه متعللة بأسباب تتعلق بالأمن القومي من أجل منع نشر الأخبار والآراء غير الموالية لها من منظارها هي. ومع ازدياد شيوع هذه الممارسة أصبح المسؤولون أكثر جرأة في استخدام دواعي الأمن القومي من أجل تقييد كافة أشكال التغطية الصحفية الناقدة.

لقد عمدت الحكومات في مختلف الدول ابتداءً من مصر وحتى تركيا إلى سنِّ قوانين مبالغة للأمن القومي تجرِّم تغطية أنباء الإرهاب وفي الغالب كافة الموضوعات ذات الطابع السياسي الحساس. ومن خلال القوانين والسياسات تعمل دول كإسرائيل واليمن على فرض قيود على الدخول إلى مناطق النزاع باسم الأمن القومي. وفي إيران، يُساء استخدام تكتيكات الأمن القومي بمستوى لا يضاهيها فيه أي بلد آخر، حيث تم سجن عدد كبير من الصحفيين بتهم تتعلق بمناهضة الدولة، وهي تهم ناشئة في الواقع عن التقارير والتعليقات السياسية. وفي بلدان أخرى، من السودان إلى البحرين، استخدمت السلطات المضايقات والتهديدات وتقييد الحركة من أجل الحد من التغطية المستقلة للقضايا الحساسة. وكانت الغاية من ذلك إخفاء الأنشطة المثيرة للجدل والسياسات الخاطئة وقمع المعارضة السياسية وتصفية الحسابات مع المنتقدين.

تمتلك جميع الحكومات الحق في ضمان أمنها القومي وهو واجب من واجباتها عن طريق حماية التكتيكات العسكرية والأسرار الوطنية ومحاربة الأعمال التي تهدد مواطنيها. ولكن الأبحاث الذي أجرتها لجنة حماية الصحفيين تثبت أن بعض حكومات المنطقة أساءت استعمال قوانين الأمن القومي للانتقام من الصحفيين الذين ينتقدونها. وتُظهر إحصائية لجنة حماية الصحفيين لعدد الصحفيين السجناء في عام 2010 أن 37 مراسلاً ومحرراً صحفيا من المنطقة – من أصل 72 على مستوى العالم – كانوا قيد الاحتجاز على نحو غير صحيح بتهم مناهضة الدولة، بحلول 1 كانون الأول/ ديسمبر. لقد شكلت إساءة استخدام تهم الأمن القومي السبب الأكبر لسجن الصحفيين على صعيد المنطقة والصعيد العالمي.

وتظهر بيانات لجنة حماية الصحفيين خلال العقد المنصرم عودة النشاط لعملية توجيه التهم بمعاداة الدولة من قبل حكومات المنطقة. وكان استخدام مثل هذه التهم – التي تتراوح بين التجسس والقيام بأعمال هدامة والإرهاب- شائعاً نسبياً بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة. وقد وجد إحصاء لجنة حماية الصحفيين ما مجموعه 19 صحفياً كانوا قيد الاحتجاز بتهم مناهضة الدولة في المنطقة بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2001 بينما تم سجن 16 صحفياً في العام الذي يليه. ومن ثم هبط الرقم بقية سنوات العقد المنصرم إلا أنه ارتفع من جديد في 2009 وهو العام الذي وُجهت فيه تهم معاداة الدولة في 16 قضية.

تقول رولا ميخائيل المديرة التنفيذية لمؤسسة مهارات، وهي جماعة تدعم حرية الصحافة والديمقراطية وتتخذ من بيروت مقراً لها، إنه في ظل “غياب حكم القانون، وثقافة المقاومة للسياسات المتعسفة تشجعت الحكومات على مصادرة الحريات. لقد تبنى كثير من حكومات المنطقة منهج ‘إن لم تكن معي فأنت ضدي’ فيما يتعلق بالصحفيين”.

فرض اليمن خلال السنوات الخمس الماضية تعتيماً شبه تام على التغطية الإعلامية من منطقة صعدة شمال غرب البلاد حيث تدور رحى الحرب. لقد مكَّن بعد منطقة صعدة وكون الطرق الواصلة إليها محدودة العدد تتم مراقبتها رقابة شديدة الحكومة من تطبيق حظر على التغطية الصحفية وصفته منظمة هيومان رايتس ووتش بأنه الحظر “الأقوى في العالم”. وقد بررت الحكومة إجراءاتها باعتبارها تدابير لمواجهة التمرد إلا أنها لم تقدم أي توضيح أكثر تفصيلا.

أما القلة القليلة من المراسلين المحليين الذين مكنتهم سعة الحيلة من شق طريقهم نحو صعدة فقد تم اعتقالهم فوراً واتهامهم بممارسة أنشطة معادية للدولة؛ إذ تم اعتقال عبد الكريم الخيواني، رئيس تحرير موقع “الشورى” الإخباري المعارض ووجهت إليه تهم “الانتماء إلى خلية إرهابية” و “وتنفيذ عمليات إرهابية” و “تصنيع متفجرات”. وعلى الرغم من أن الدليل المقدم ضد الخيواني كان يتألف من مادة صحفية فقط إلا أنه أُدين بالتهمة وحُكم عليه عام 2008 بالسجن مدة ست سنوات ولكن أُطلق سراحه في وقت لاحق من السنة ذاتها بموجب عفو رئاسي. كذلك واجه محمد المقالح وهو رئيس تحرير موقع “الاشتراكي” الإخباري المعارض وضعاً مشابهاً بعد أن غطى عمليات قصف جوي نفذتها الحكومة في صعدة وأدت إلى مقتل نحو 100 من المدنيين وجرح مئات آخرين. وعلى الرغم من أن قوات الأمن اعتقلت المقالح في أيلول/ سبتمبر 2009، إلا أن الحكومة أنكرت احتجازه لديها مدة خمسة أشهر قبل أن تقدمه في النهاية للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة بتهمة دعم المتمردين. وقد أُطلق سراحه “لأسباب إنسانية” في آذار/ مارس 2010 بعد تدهور صحته تدهوراً حاداً.

وقال الخيواني إن “الحكومات تريد قبل كل شيء المحافظة على الوضع السياسي القائم، وستذهب إلى أبعد مدى من أجل القيام بذلك بما في ذلك توجيه التهم الزائفة للصحفيين بارتكاب جرائم خطيرة عندما يهدد عمل هؤلاء الوضع القائم”.

في أواخر عام 2008، وقبل بضعة أسابيع من الحملة العسكرية الإسرائيلية التي استمرت 22 يوماً على غزة، فرضت إسرائيل حظراً شاملاً على دخول الصحفيين إلى المناطق المحتلة. وطالبت لجنة حماية الصحفيين والعديد من الجماعات المؤيدة لحرية الصحافة إسرائيل برفع هذه القيود منوهة إلى أن مبادئ جوهانسبرغ لعام 1995 الخاصة بالأمن القومي وحرية التعبير وحرية الوصول إلى المعلومات تبيح فرض تلك القيود فقط عندما تتمكن الحكومة من إثبات أن مجرد تواجد الصحفيين يشكل تهديداً واضحاً على حياة أشخاص آخرين. كما أن المحكمة الإسرائيلية العليا عارضت الحظر التام وأمرت الجيش بمنح الصحفيين بعض القدرة على الوصول إلى المناطق المحتلة.

وقد صدت الحكومة الإسرائيلية طلبات الجماعات الدولية والمحكمة العليا في بلدها من خلال المساواة بين تغطية وجهات النظر الفلسطينية وتقديم المساعدة الفعلية لما سمته لإرهاب. وقد صرح دانييل سيمان مدير المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية لصحيفة “نيويورك تايمز” بأن ” أي صحفي يدخل غزة يصبح ورقة توت وواجهة تختبئ وراءها منظمة حماس الإرهابية، وإنني لا أرى سبباً يوجب علينا المساعدة في ذلك”. وفي كانون ثاني/ يناير 2009 قصفت القوات الإسرائيلية محطة تلفزيون “الأقصى” التي تديرها حماس ومجلة “الرسالة” الأسبوعية. وفي ردها على استفسارات لجنة حماية الصحفيين حول هذه الهجمات قال الجيش إنه “لا يستهدف مواقع مدنية إلا إذا تم استخدامها للقيام بأنشطة إرهابية”. ولم يقدم الجيش أية أدلة تدعم صحة كلامه.

لقد أصبح الاستخدام المتنامي للأسباب المرتبطة بالأمن القومي مسألة مريحة بالنسبة للسلطات، حسب معمر عرابي المدير العام لتلفزيون “الوطن” الذي يتخذ من رام الله مقراً له، حيث قال عرابي إن “ذريعة الأمن هي واحدة من أسهل الطرق لإسكات” الصحفيين الناقدين. يتعرض الصحفيون الفلسطينيون بوجه خاص لإساءة المعاملة تلك لأنهم يخضعون لقيود أمنية تفرضها السلطات في كل من إسرائيل والضفة الغربية وغزة. خذ مثلاً طارق أبو زيد الذي اعتُقل في الضفة الغربية في آب/أغسطس 2009 فقط لمجرد أن الجهة التي يعمل لديها هي تلفزيون “الأقصى” وهي محطة منعتها الحكومة التي تقودها حركة فتح بسبب ما تراه الحكومة تغطية موالية لحركة لحماس. وفي شباط/ فبراير الماضي تمت محاكمته في محكمة عسكرية بتهمة “الحط من مكانة السلطة ومقاومة السياسة العامة للسلطة الفلسطينية”، وتم الحكم عليه بالسجن 18 شهراً، إلا أنه أُطلق سراحه في تشرين الثاني/ نوفمبر بأمر إداري من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

وذكر صحفيون فلسطينيون للجنة حماية الصحفيين أنه يتم بصورة روتينية رفض منحهم تصاريح صحفية تصدرها إسرائيل كي يتمكنوا من المرور عبر المئات من نقاط التفتيش المنتشرة بكثافة في الضفة الغربية. وقال معمر عرابي إنه يذكر أن تصريح الصحافة أُعطي مرة واحدة فقط لصحفيي تلفزيون “الوطن” الثلاثين طيلة السنوات الأربعة عشر من عمر تلك المحطة المستقلة. وقال إن الاستثناء الوحيد كان حصوله “على تصريح لمرة واحدة ولمدة ثلاث ساعات” ليستقل رحلة بالطائرة إلى الولايات المتحدة. ويقول عرابي إن السبب المعطى للرفض الروتيني لطلبات التصاريح هو “دائماً الأمن – ولا يتم إعطاء أي تبرير زيادة عن ذلك”.

وأوضح معمر عرابي بأن الخشية من العقاب الذي يتم تنفيذه باسم الأمن القومي تدفع بعض الصحفيين إلى ممارسة الرقابة الذاتية أو إعداد تقارير موالية، وقال إن “الكثير من الصحفيين يضطر إلى إتباع خط الحكومة سواء أكانت حكومة السلطة الفلسطينية [التي ترأسها فتح] أو حكومة حماس، بينما يحاول هؤلاء تحاشي القيود المتعددة التي تفرضها إسرائيل”. وأضاف بأنه “في ظل هذه العملية، فإن الصحفيين وجودة التقارير الصحفية هما الضحيتان في النهاية”.

كما تستغل الحكومات منطلقات الأمن القومي لتصفية الحسابات مع منتقديها ومعارضيها السياسيين؛ فمنذ حزيران/ يونيو 2009 في إيران وفي الأشهر الأخيرة من عام 2010 في البحرين تم استخدام هذه المنطلقات لمنع تغطية أخبار المعارضة السياسية.

وفي أعقاب الاضطرابات الاجتماعية التي اندلعت بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع حول نتائجها في حزيران/ يونيو 2009، شنت إيران حملة قمع هائلة ضد وسائل الإعلام المستقلة والمعارضة. وقد أدى الجهد المنظم لقمع أي صوت ينحرف عن موقف الحكومة إلى سجن أكثر من 100 صحفي ومدون خلال السنة ونصف السنة التي تلت الانتخابات المتنازع حول نتائجها. وعلى الرغم من أن الكثير من الصحفيين قد أُطلق سراحهم بعد اتهامهم بمخالفات صغيرة نسبياً إلا أن آخرين واجهوا تهماً أشد خطورة، مثل تهمة ممارسة أنشطة معادية للدولة، وتحمل هذه الاتهامات أحكام بالسجن لمدد طويلة وفي بعض الحالات قد تؤدي إلى عقوبة الإعدام.

وفي الموعد الذي أجرت فيه لجنة حماية الصحفيين تعدادها السنوي للصحفيين السجناء، أي في الأول من كانون أول/ ديسمبر، كان يوجد في الحبس ما لا يقل عن 25 صحفياً – من أصل 34 كانوا قيد الاعتقال – بتهمة تعريض الأمن القومي للجمهورية الإسلامية للخطر. وخلُص البحث الذي أجرته اللجنة إلى أن تهمة “نشر معلومات مناهضة للنظام” هي أكثر التهم التي يتم توجيهها للصحفيين في إيران منذ حزيران/ يونيو 2009. إلا أنه وبعد مراجعة الأعمال التي قام بها الصحفيون وقادتهم إلى مواجهة تلك التهم والإدانات تبيَّن أن تلك الأعمال كانت عبارة عن نشاطات مثل فضح عمليات اغتصاب السجناء وتعذيبهم، ونشر تقارير عن الاحتجاجات في الشوارع، وإجراء مقابلات مع رجال دين ومحللين سياسيين ينتقدون النظام، وتغطية أنشطة المعارضة السياسية.

ويمضي محمد دواري -الصحافي الحائز على جائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين لعام 2010 ورئيس تحرير موقع “سحام نيوز” الإخباري الإصلاحي- حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات بسبب توثيقه لمزاعم بالاغتصاب والتعذيب في سجن كاهيرزاك. وقد قررت المحكمة أنه مذنب بتهمة “التمرد بهدف زعزعة الأمن القومي”. وتم اعتقال المؤلف والصحفي المعروف والمدافع عن حقوق الإنسان عماد الدين بغي استناداً إلى تهم أمنية بعد أن بثت هيئة الإذاعة البريطانية مقابلة عمرها سنتين كان قد أجراها مع آية الله حسين منتظري، وهو رجل دين كان يتمتع ذات يوم بنفوذ كبير والذي أججت وفاته عام 2009 مشاعر منتقدي الحكومة. وقد حُكم على باغي بالسجن ست سنوات بسبب تلك المقابلة وقد عانى من مشكلات صحيحة خطيرة أثناء احتجازه.

وصرح مدير الحملة العالمية لحقوق الإنسان في إيران هادي غائمي للجنة حماية الصحفيين بأن “الشفافية والمساءلة هما من أكثر احتياجات المجتمع الإيراني إلحاحاً. وللأسف، أصبح القضاء الإيراني أداة لمنع الصحفيين من توفير تلك الأشياء”. وقال إن “الصحفيين الذين يضغطون من أجل المساءلة والشفافية يتم اتهامهم على نحو روتيني ‘بالعمل ضد الأمن القومي’ أو ‘الدعاية ضد النظام'”.

وفي البحرين، قالت السلطات إنها كانت تعمل على تفكيك “شبكة إرهابية” لتبرير الاعتقالات التي طالت مئات الأشخاص ابتدأت في شهر آب/أغسطس واستمرت لغاية الانتخابات البرلمانية في تشرين أول/ أكتوبر. وكان من بين المعتقلين ناشطون سياسيون ومدافعون عن حقوق الإنسان، واثنين من المدونين الصحفيين على الأقل كانا ينتقدان سياسات الحكومة التي تهمش الأغلبية الشيعية في البلاد.

وجاءت الخطوة التالية من الحكومة لتجعل من عملية التحقق المستقلة من تبعات حملتها الصارمة أمراً شبه مستحيل؛ فقد أصدر النائب العام علي البوعينين أمراً مقيداً لحرية الصحافة يمنع فيه وسائل الإعلام من تغطية أنباء الاعتقالات. وقد لاحظ أحد محامي الدفاع استثناء واحداً لذلك، وهو: إمكانية أن تنشر الصحف البيانات الحكومية بشأن القضية. وقد وُجهت للمعتقلين، ومن ضمنهم المدونيَن علي عبد الإمام وعبد الجليل السنكيس تهم عديدة من بينها “التحريض على أعمال إرهابية” ومحاولة “قلب وتغيير نظام الحكم في البلاد”.

وذكر صحفي بحريني اشترط عدم ذكر اسمه أنه “بسبب حظر النشر في هذه القضية فإنه لا يمكنني حتى التعليق في العلن، وإلا فستسحبني تلك الدوامة أيضاً”.

واستخدم المسؤولون السودانيون والأتراك أيضاً تهم الإرهاب لقمع المعارضين السياسيين، فعندما أيد الصحفي السوداني المخضرم الحاج علي وراق في كتاباته مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي جرت في نيسان/ أبريل وأشار إلى إمكانية حدوث تزوير للانتخابات، سارعت الدولة إلى اتهامه “بشن حرب على الدولة”. وقد غادر وراق البلاد لأسباب تعود بصورة جزئية إلى تعرضه للمضايقات، لكن صحفيين في جريدة “رأي الشعب” واجهوا مصيراً أشد قسوة؛ ففي أيار/مايو أثارت الجريدة حفيظة الحكومة بنشرها مقالة تزعم أن أيران أنشأت مصنعاً للسلاح داخل السودان وأنه يزود المتمردين بالسلاح. ومن ثم تم الحكم على ثلاثة من صحفي رأي الشعب بالسجن بمدد تتراوح بين سنتين وخمس سنوات بعد إدانتهم بتهم “الإرهاب والتجسس” و “التحريض على الفتنة”. وزعم أحد الصحفيين أثناء المحاكمة أنه تعرض للتعذيب خلال الاعتقال.

ووفقاً لإحصاء لجنة حماية الصحفيين لعام 2010، تم في تركيا حبس أربعة صحفيين بموجب قانون مكافحة الإرهاب. وقد تبيّن من البحث الذي أجرته اللجنة أنهم جميعاً قد احتجزوا بسبب كتابتهم عن حزب العمال الكردستاني المحظور، سواء بعبارات مؤيدة أو محايدة. وتعتبر السلطات مثل هذه الكتابات “دعاية” بموجب القانون ومن ثم تصف هؤلاء الكتاب بأنهم أعضاء في تلك الجماعة المحظورة أو متعاونين معها. ويخوض حزب العمال الكردستاني نزاعاً مسلحاً منذ ثلاثة عقود مع الحكومة التركية. وتصنف أنقرة هذه الجماعة بأنها حركة إثنية انفصالية وهي مدرجة على قائمة الجماعات الإرهابية في كل من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

امتدت ممارسة عملية اعتقال الصحفيين استناداً إلى مزاعم أمنية لا أساس لها لتصل إلى الجيش الأمريكي الذي اعتقل ما لا يقل عن 14 صحفياً في العراق وأفغانستان وغوانتانامو لفترات طويلة من الزمن بدأت عام 2001. ولم يتم إبراز أدلة تؤيد التهم الجنائية في أي من القضايا، وفي نهاية المطاف تم إطلاق سراح جميع الصحفيين. وقد احتُجز مصور وكالة “أسيوشيتد برس” والحائز على جائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين عام 2008 بلال حسين من قبل الجيش الأمريكي مدة سنتين دون توجيه تهمة قبل أن يُطلق سراحه في نيسان/ أبريل 2008 عقب قرار بأنه “لم يعد يشكل تهديداً حتمياً للأمن”. وكان حسين – وهو أحد أفراد فريق التصوير في وكالة “أسيوشيتد برس” الذي فاز بجائزة بوليتزر- قد تعرض للنقد لالتقاطه صوراً للمتمردين وهم يقاتلون القوات الأمريكية.

لقد وفرت الاعتقالات الأمريكية التي اجتذبت تغطية كبيرة في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية الغطاء بصورة جزئية لحكومات المنطقة لتحذو حذوها. وقالت رولا ميخائيل من مؤسسة مهارات إن “قوانين الطوارئ وأمن الدولة ومكافحة الإرهاب – كل هذه الأشياء كانت موجودة دائماً، ولكن الحكومات استشعرت فرصة جديدة للقمع بموجب هذه الذرائع وقد استغلت الحكومات تلك الفرصة”. وقالت “لقد أصبح الالتفاف على القانون مباحاً” بموجب قواعد مكافحة الإرهاب، وقد استخدمت الاعتقالات التي نفذتها القوات الأمريكية ضد الصحفيين في العراق وأماكن أخرى لتبرير تلك الممارسات.

وانتقلت عدوى هذه الممارسة إلى الحكومة العراقية؛ فقد اعتُقل سعد الأوسي رئيس تحرير الصحيفة الأسبوعية الناقدة “الشاهد” وتم اقتياده إلى مكان غير معروف بعد أن اتهم رئيس الوزراء نوري المالكي بالمحاباة في تعيين كبار المسؤولين في الحكومة. وقد تم أخذ الأوسي من منزلة في بغداد في نيسان/ أبريل على يد “قوة مختلطة من الشرطة والجنود” وفقاً لما ذكره أفراد عائلته لصحفيين محليين. وذكر صحفيون وأنصار لحرية الصحافة للجنة حماية الصحفيين أن الأوسي محتجز في مرفق سري تابع لقوة مكافحة الإرهاب. ولم تكن قد وجهت له أية تهمة بارتكاب جريمة حتى أواخر العام الماضي.

تستخدم الحكومات في مصر وسوريا قوانين الطوارئ السارية منذ زمن طويل لاعتقال الصحفيين لفترات مفتوحة دون الالتزام بالإجراءات القضائية السليمة. ويظهر بحث اللجنة أن 11 مدوناً صحفياً على الأقل في سوريا قد تمت أدانتهم بجرائم معاداة النظام بموجب قانون الطوارئ في السنوات الأخيرة. وقد تم في أواخر شهر كانون أول/ ديسمبر 2009 اعتقال طل الملوحي التي كانت كتاباتها عبر شبكة الإنترنت ناقدة على نحو موارب، وأتاح قانون الطوارئ للسلطات احتجازها في الحبس الانفرادي مدة 10 أشهر قبل اتهامها في نهاية المطاف بالتجسس لصالح الولايات المتحدة حسب ما ذكرته صحيفة “الوطن” الخاصة نقلاً عن مصدر أمني لم يُذكر اسمه. ولم يتم الإعلان عن تهم رسمية أو أدلة داعمة حتى أواخر العام الماضي.

تظهر قضيتا مدونيّن مصريين الطريقة التي تواصل بها القاهرة استغلالها لقانون الطوارئ ساري المفعول منذ اغتيال أنور السادات عام 1981. كان مسعد سليمان، المعروف على الإنترنت باسم مسعد أبو فجر، يكتب بانتظام عن حرمان بدو سيناء من حقوقهم. وتمت تبرئة أبو فجر الذي اعتُقل بموجب قانون الطوارئ من جميع التهم في شباط/ فبراير 2008، إلا أن السلطات عمدت إلى تطبيق أحكام قانون الطوارئ للاستمرار في احتجازه لغاية تموز/ يوليو 2010 رافضة 16 أمراً من المحاكم بإخلاء سبيله. واعتُقل المدون هاني نظير في تشرين أول/ أكتوبر 2008 بعد كتابته لمقالات عن الأقلية المسيحية في مصر. وقد احتُجز هو الآخر بموجب قانون الطوارئ برغم العديد من الأوامر القضائية بالإفراج عنه. ثم تم أخيراً إطلاق سراحه في تموز/ يوليو 2010.

يقول محمد عبد القدوس رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين المصريين إنه “حتى عندما لا يكون للقضايا صلة بالإرهاب يتم التعامل معها كما لو كانت كذلك لأن ذلك يمنح السلطات حرية أوسع للتصرف”.

وقال عبد القدوس إن السلطات ومن خلال توسيعها لتعريف الأمن القومي ليشمل الشواغل السياسية الضيقة وعن طريق تطبيقها لقوانين الإرهاب على التغطية الإعلامية للإرهاب لا تؤذي مواطنيها فحسب بل المجتمع الدولي أيضاً، “فهي، على الصعيد الداخلي، تحرم الناس من حق أساسي وهو حق حرية التعبير، وعندما يحدث ذلك فإن الحرمان من بقية الحقوق يتبعه”. كما أن الحرمان يطال الجمهور الدولي كونه يُحرم من التقارير المعززة بالقرائن وهو أمر جوهري لفهم الأحداث. وأضاف عبد القدوس بأن “الأخبار تصبح عندئذٍ غير موثوقة ومنقوصة ومشبوهة”.

محمد عبد الدايم منسق برنامج الشرق الأوسط و شمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين, و قد كتب أيضاً تقريراً خاصاً صدر في عام 2010 بعنوان “قمع وحشي مقنع بالقانون في اليمن.” 



محمد عبد الدايم محمد عب