مشيعون يحملون جثمان الصحفية رشا عبدالله الحرازي التي قُتلت بتفجير سيارتها بعبوة ناسفة بمدينة عدن جنوب اليمن، خلال تشييع جنازتها في العاصمة اليمنية صنعاء في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. ويفلت مرتكبو الجرائم التي تستهدف الصحفيين من العقاب في ظل المنظومات القضائية غير الرسمية المشتتة في اليمن حيث يبلغ الصحفيون السجناء عن وقوع انتهاكات فضلاً عن صدور حكم بإعدام أربعة منهم. (رويترز/ خالد عبدالله)

النظام القضائي اليمني غير غير التابع للدولة يسوم الصحفيين التعذيب والقتل

بقلم جستن شيلاد، باحث متقدم في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين

في 1 كانون الأول/ ديسمبر كان أربعة صحفيين يمنيين ينتظرون دورهم في طابور الإعدام في العاصمة اليمنية صنعاء بجرم نشر أنباء كاذبة.

وقبل اعتقالهم في عام 2015، كان هؤلاء الصحفيين –وهم عبد الخالق عمران وأكرم الوليدي وحارث حميد وتوفيق المنصوري- يعملون في مؤسسات إعلامية مختلفة من ضمنها صحيفة المصدر المستقلة ومؤسسات إعلامية مرتبطة بحزب الإصلاح، أحد أطراف الحكومة الائتلافية اليمنية الهشة. ولكن لم تدرجهم لجنة حماية الصحفيين في إحصائها السنوي للصحفيين السجناء في سجون السلطات الحكومية بسبب عملهم، وذلك لأن هؤلاء الصحفيين الأربعة كانوا محتجزين لدى حركة أنصار الله، وهي الجماعة المسلحة المعروفة باسم الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومؤسساتها منذ سبع سنوات، بما في ذلك المحكمة التي أصدرت حكمها بإعدام الصحفيين في نيسان/ أبريل 2020.

وقد سبق للحوثيين أن مضوا قدماً في تنفيذ مثل هذه الأحكام؛ ففي أيلول/ سبتمبر 2021 قام فصيل إعدام تابع للجماعة بإعدام تسعة رجال رمياً بالرصاص، مما أثار موجة استنكار عالمية. وقد ألقى هذا التهديد بظلاله المرعبة على صنعاء وأجزاء أخرى من اليمن لوجود العشرات من المحكوم عليهم بالإعدام بانتظار تنفيذ الحكم، ومن ضمنهم نشطاء من أقليات دينية وبعض المعارضين السياسيين للحركة.

ووثقت لجنة حماية الصحفيين اعتقال صحفي آخر واحد على الأقل في صنعاء عام 2021 ولا تزال تحقق في تقارير غير مؤكدة عن آخرين احتجزهم الحوثيون، ولكن الحوثيين ليسوا الجماعة الوحيدة التي تبسط سيطرتها على الأرض في اليمن. فمدينة عدن الساحلية وأجزاء أخرى من الجنوب تخضع لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي الذي تشكّل عام 2017 ويهدف إلى استعادة استقلال جنوب اليمن الذي كان دولة مستقلة قبل توحيد اليمن عام 1990.

وقد وجدت لجنة حماية الصحفيين أن الصحفيين في هذه المناطق الجنوبية عانوا سابقاً من الاعتداءات والاعتقال لمدد طويلة وخصوصاً بسبب تغطيتهم للانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات الموالية للمجلس الانتقالي، كقوات الحزام الأمني، أو بسبب التغطية الناقدة لدولة إمارات؛ الداعم العسكري للمجلس الانتقالي. ويعارض المجلس الانتقالي الحوثيين ولكنه يصطدم أيضاً بشكل متكرر مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتحالف متعدد الجنسية الذي يحاول التوسط لإنهاء هذه الحرب الأهلية المستديمة – التي أدت إلى إزهاق أرواح نحو 233,000 شخص وتصفها الأمم المتحدة بأنها الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم.

وطلبت لجنة حماية الصحفيين عبر رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها إلى محمد عبد السلام، المتحدث الرسمي باسم الحوثيين، التعليق على التطورات، لكنها لم تستلم أي رد حتى لحظة نشر هذه السطور. من ناحية ثانية، قال المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي، محمد صالح، للجنة حماية الصحفيين عبر تطبيق للتراسل إن المجلس يحترم حرية الصحافة ويسمح للصحفيين الناقدين بالعمل بحرية، واصفاً المزاعم التي تتحدث عن وقوع انتهاكات بأنها حملة لتقويض قضية استقلال الجنوب.

ويجسد اليمن نموذجاً ينطوي على التعقيدات التي يواجهها الصحفيون عندما تتولى جماعات من غير الدولة إنشاء قوات أمنية وسجون وحسب، وتسيطر على المحاكم والإجراءات القضائية. وتكون النتيجة نشوء نظام عدالة موازٍ منزوع النزاهة على الرغم من تجمله ببعض من شكليات الالتزام بالأصول القانونية، حسبما أفاد أشخاص عملوا في مثل هذه المنظومات أو تابعوها عن كثب. إلا أن النظم العدلية التي تعمل عن بُعد لا توفر المساءلة، وعندما تقوم جهات فاعلة من غير الدول معروفة بممارسة العنف بملء الفجوة التي تتركها الدولة في طور تفككها، سيتواصل ارتكاب الجرائم ضد الصحفيين وسيستمر إفلات الجناة من العقاب.

وذكر محامي الصحفيين الأربعة الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام، عبد المجيد فارع صبرا، للجنة حماية الصحفيين أن قوات الحوثيين تداهم المؤسسات الإعلامية التي لا تتوافق معها في الرأي وتغلقها، لذلك ينبغي النظر إلى المحاكمات –المغلقة في وجه الصحافة وبقية المراقبين- في إطار السياق الأعم لعدوانية الجماعة تجاه الصحافة المستقلة.

وقال إن “الإجراءات المتخذة من قبل الحوثيين ضد حرية الرأي والتعبير بصفة عامة وضد حقوق الصحفيين بصفة خاصة هي إجراءات مرعبة. إذ لم تقم أية سلطة بتنفيذ تدابير مماثلة لهذه في جمهورية اليمن منذ أن تم تبني الدستور [عام 1991]”.

وتكاد أحوال الصحافة في ظل المجلس الانتقالي الجنوبي لا تختلف كثيراً عنها تحت حكم الحوثيين. إذ اعتقلت قوات المجلس الانتقالي عادل الحسني، وهو صحفي ومعاون لديه صلات واسعة مع وسائل الإعلام الدولية، في عدن في أيلول/ سبتمبر 2020 واحتجزته دون توجيه تهمة لنحو نصف سنة. وقد ذكرت لجنة حماية الصحفيين في وقت سابق من هذا العام بأن عادل تعرض للضرب والتعليق من السقف والحرمان من النوم أثناء احتجازه.

وعلمت لجنة حماية الصحفيين من مصدر مطّلع على قضية الحسني أن التجربة التي مر بها الحسني شائعة في المناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي، حيث تعتدي قوات الأمن جنسياً على المعتقلين وتعذبهم وتحتجز الكثير منهم في مرافق احتجاز في أماكن مجهولة. وقد طلب مصدر هذه المعلومات عدم ذكر اسمه خوفاً من تعرضه للانتقام.

وقد قامت منظمة غير حكومية محلية، هي مواطنة لحقوق الإنسان، على نحو مستقل بتوثيق عدد كبير من حالات التعذيب وإساءة المعاملة في سجون غير رسمية تُدار من قبل جميع أطراف النزاع في اليمن، فيما كشفت وكالة أسيوشيتد برس حالات تعذيب جنسي على يد ضباط إماراتيين أو حراس يمنيين في أربعة سجون على الأقل في عدن.

وعن بقية المعتقلين في جنوب اليمن، قال المصدر نفسه “إنهم يقبعون في سجون سيئة وهم محرومون من أية حقوق في الدفاع. ومنهم من هو محتجز منذ سنوات دون تقديمه للمحاكمة [أو] إجراءات قضائية”.

من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي منصور صالح للجنة حماية الصحفيين إن جميع السجون الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي تدار وفقاً للقوانين القائمة.

وفي الآونة الأخيرة، كانت عدن أيضاً مسرحاً لجريمتي قتل أودتا بحياة صحفييّن: الأولى إطلاق النار على نبيل حسن القعيطي من قبل رجال يرتدون ملابس عسكرية في حزيران/ يونيو 2020، والثانية الهجوم الذي أسفر عن مقتل رشا عبدالله الحرازي الشهر الماضي بعبوة ناسفة زرعت في سيارتها والذي أدى أيضاً إلى إصابة زوجها، محمود العتمي، بجروح بليغة. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن هذا الهجوم الذي وقع قبل شهر واحد من عدم تجديد مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تفويض فريق الخبراء البارزين، وهي الآلية المستقلة الوحيدة على المستوى الدولي المكلفة بالتحقيق في مثل هذه الانتهاكات.

وقال منصور صالح إن المجلس الانتقالي يحقق في مقتل رشا الحرازي واتهم الحكومة اليمنية بإيواء الأشخاص المسؤولين عن مقتل القعيطي.

ولكن، قد لا يتم التحقيق مطلقاً في هذه الجرائم على النحو المناسب في ظل هذه المؤسسات القضائية المتناثرة في اليمن، لاسيما إذا أخذنا بالاعتبار الانتهاكات التي تعتري المجريات القضائية في عدن والتي تحدث عنها المصدر للجنة حماية الصحفيين.

وقال “لا وجود على الإطلاق للشفافية والنزاهة في النظام”.