إعتداءات 2007: الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: مصر

شنت الحكومة حملة قمع ضد المعارضة السياسية، وحاولت إخماد التكهنات المتعلقة بصحة الرئيس حسني مبارك، وشرعت بهجوم متواصل ضد الصحفيين الناقدين والمدونين والعاملين مع الصحافة الأجنبية. وبحلول نهاية العام، كانت تجري حملة قمع شاملة، حيث كانت المحاكم المصرية تقاضي بحزم عدة محررين وصحفيين مستقلين بارزين. وبدت السلطات عازمة على تضييق الحدود للصحافة الحرة والمدونين، الذين تزايدت أعدادهم. في عام 2007، وضعت لجنة حماية الصحفيين مصر ضمن إحدى الدول التي شهدت أشد تراجع في حرية الصحافة، واستشهدت بزيادة كبيرة في عدد الاعتداءات على الصحافة.

وفي كانون الثاني (يناير)، قامت السلطات باحتجاز هويدا طه متولي، وهي منتجة في قناة الجزيرة، بسبب عملها في إعداد فيلم وثائقي حول التعذيب في أقسام الشرطة المصرية. وفي 1 أيار (مايو)، أصدرت محكمة في القاهرة حكما غيابيا على هويدا متولي بالسجن لمدة ستة أشهر وغرامة مقدارها 20,000 جنيه مصري (ما يعادل 3,600 دولار أمريكي). وقد أدانتها المحكمة بتهمة “الإضرار بالمصالح القومية للبلاد” وإيراد “مشاهد مخالفة للحقيقة”. وظلت متولي تنتظر حتى نهاية العام ،وهي في حالة سراح، مراجعة هذا الحكم من قبل محكمة استئناف. وخلال العامين الماضيين، قامت أجهزة أمن الدولة بمضايقات لعدة مدونين واعتقلت بعضهم لفترات قصيرة بسبب قيامهم بالكشف عن ممارسات التعذيب والمحسوبية والفساد التي ارتكبتها الحكومة.

عبد الكريم سليمان، أو كريم عامر كما يسميه المدونون، هو طالب سابق في جامعة الأزهر في القاهرة، وهي جامعة عريقة تدرس الشريعة الإسلامية السنية، وقد اتهم الجامعة بأنها تنشر الأفكار المتطرفة. كما انتقد الرئيس مبارك، وأشار له بصفة دكتاتور. وقد صدر حكم ضد سليمان بالسجن لمدة أربع سنوات في فبرايرمن أجل “نشر أخبر من شأنها تكدير السلم العام” و”الاضراربسمعة البلاد” والتحريض ضد الاسلام. وكان ذلك أول حكم يصدر في مصر ضد مدون. كما كان مقدمة لملاحقات قضائية شبيهة. ففي أواسط نيسان (إبريل)، تم اعتقال عبد المنعم محمود، وهو مدون آخر، واحتجز لعدة أسابيع. ويبدو أن جريمته هي أنه استخدم مدونته المسماة Ana-Ikhwan [أنا إخوان] للكشف عن التعذيب الذي يتعرض له المدنيون على يد قوات الأمن المصرية، وشجب ممارسة الدولة في محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وقد اتهمته السلطات بالتشهير بالحكومة والانتماء لحركة الأخوان المسلمين، وهي أكبر مجموعة في المعارضة، وتم حظرها منذ عام 1954 ولكن تم التغاضي عن وجودها كقوة سياسية تعمل خلف الستار. وعلى امتداد العام، واصلت الحكومة اعتقال أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين في حملة قمع متصاعدة. وفي أواخر الصيف، وجهت السلطات اهتمامها للصحافة المناكفة المستقلة في البلاد، والتي ظلت مصدرا لقلق متزايد بين كبار المسؤولين الحكوميين. وقد تحققت حيويتها وشعبيتها المتزايدة على حساب الصحف التي تديرها الحكومة، والتي “تراجعت بسبب ركودها … وبسبب الفساد المالي”، وفقا لما قاله الكاتب في صحيفة “الأهرام” سلامة أحمد سلامة.

في آب (أغسطس) بدأ الصحفيون المستقلون يصدرون تكهنات حول الوضع الصحي للرئيس مبارك الذي يبلغ من العمر 79 عاما، بعد أن احتجب عن الأنظار لمدة عدة أيام دون أن تقدم حكومته أي تفسير لذلك. ووجه وكيل نيابة أمن الدولة تهمة ضد إبراهيم عيسى، محرر جريدة “الدستور” المستقلة ، بأنه نشر تقارير حول صحة مبارك “من شأنها تكدير السلم العام والإضرار بالمصلحة العامة”. وأوردت وسائل الإعلام الرسمية وجماعات محلية لحقوق الإنسان إن إبراهيم عيسى سوف يمثل أمام محكمة أمن الدولة في 1 تشرين الأول (أكتوبر). وأعربت لجنة حماية الصحفيين عن انشغالها العميق وأشارت إلى أن تلك المحاكم كانت معروفة بعدم إصدارها أية أحكام بالبراءة وعدم سماحها بالاستئناف. وقامت السلطات لاحقا بتحويل قضية عيسى إلى محكمة جنح القاهرة، حيث كانت قيد النظر في أواخر العام.

واعتبر العديد من الصحفيين أن محاكمة عيسى كانت تصفية حسابات مع جريدة “الدستور” التي تعد من أبرز الأصوات الناقدة لنظام الرئيس مبارك الممتد منذ 26 عاما. وكانت “الدستور” قد منعت من الصدور في عام 1997 ثم عادت من جديد في عام 2004 على أثر وعود حكومية بفتح النظام السياسي (وهو العام نفسه الذي قطع به الرئيس مبارك وعودا بإصلاح القوانين التي تفرض أحكاما بالسجن على الصفحيين، وهي وعود لم تتحقق).

في الوقت الذي تحرك فيه وكلاء النيابة ضد إبراهيم عيسى، شنت الصحافة المدعومة من الحكومة حملة مكثفة ضد الصحفيين المستقلين الذين أثاروا الأسئلة حول صحة الرئيس مبارك.

مرسي عطا الله، رئيس مجلس إدارة صحيفة “الأهرام” الحكومية، كتب في صحيفته بأن “أعداء” مصر يلجأون إلى الشائعات ويستغلون “الفوضى التي عمت قطاع الصحافة”. وأضاف إن هذه “الفوضى هي التي سمحت تحت غطاء حرية الصحافة بالدوس على التقاليد والأخلاق والأعراف، وتجاوز الخطوط الحمراء”.

كما أصدرت السيدة الأولى، سوزان مبارك، توبيخا غير مألوف أثناء مقابلة مع قناة “العربية” الفضائية، وقالت إن صحة زوجها “ممتازة” وأنه “يجب أن يكون هناك عقوبة للصفحي أو البرنامج التلفزيوني، أو الصحيفة التي تقوم بنشر شائعات”. وأعلن المجلس الوطني للصحافة الذي تسيطر عليه الحكومة ويصدر التراخيص والخطوط الإرشادية للصحف، إنه شكل لجنتين لتقييم التغطية الصحفية حول صحة الرئيس مبارك، “ولتحديد طبيعة الإجراءات القانونية التي يجب اتخاذها”.

وكان إبراهيم عيسى أحد أربعة محريين صحفيين مستقلين معارضين أدينوا خلال محاكمات منفصلة بتهمة “نشر أخبار كاذبة”. إذ أدين أيضا في تلك المحاكمات وائل الأبراشي محررالمجلة الأسبوعية “صوت الأمة”، وعادل حمودة محرر أسبوعية “الفجر”، وعبد الحليم قنديل، المحرر السابق للأسبوعية المعارضة “الكرامة”. وكان المحررون الأربعة قد نشروا مقالات تستنكر التعليقات التي أدلى بها مبارك حول جماعة حزب الله الشيعية، وتنتقد مسؤولين كبارا من ضمنهم نجل الرئيس، جمال مبارك.

رفع هذه الدعوى القضائية الخلافية محامون ينتمون للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، والذي يرأسه الرئيس مبارك، بينما يوجه سياساته نجله جمال، والذي يعتبره العديدون بأنه سيكون الرئيس المقبل. وقد أثارت أحكام الإدانة استنكارا واسعا بين الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر وبلدان عربية أخرى. وقال تحالف يضم 33 منظمة للمجتمع المدني في بيان صحفي مشترك، “يبدو أن الحكومة ما عادت تحتمل هامش الحرية المعتاد المتوفر للصحافة والمنظمات غير الحكومية، وأنها تخطط لمصادرة ذلك الهامش”.

وقد تم تنظيم تظاهرة في 20 أيلول (سبتمبر) في القاهرة لإدانة هذه الملاحقات القضائية، وشارك فيها صحفيون ونشطاء للدفاع عن الحقوق السياسية، وتحدث إبراهيم عيسى أمام المتظاهرين وقال ساخرا وموجها الشكر للرئيس مبارك لأنه وهبه “شرف أن يكون ضمن أشد معارضيه” والتخطيط لسجنه. وقال عيسى، “لا بد لليل الطويل في مصر أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر. لقد ذهب العديدون إلى السجن لمساعدة مصر في طريقها للحرية”.

وأثناء التظاهرة ذاتها، تحدث جلال عارف، وكان حينها نقيب الصحفيين المصريين، وحذر مما دعاه “الاعتداءات التي لم تكن تستهدف بضعة صحفيين فحسب، بل الديمقراطية والحياة السياسية والثقافية بأكملها”. وتحدث أيضا حسام عيسى، وهو خبير قانوني بارز، ووصف الحكم الصادر من المحكمة ضد المحررين الصحفيين الأربعة بأنه “هراء”. وقال إنهم خضعوا لمحاكمات لأنهم ببساطة وقفوا ضد الفساد والخطة المتصورة لتمهيد السبيل أمام جمال مبارك ليحكم مصر.

ولكن حلقة الصحفيين الذين جرت محاكمتهم بسبب عملهم ظلت تتوسع. ففي 24 أيلول (سبتمبر)، أدانت المحكمة ثلاثة محررين صحفيين يعملون لصحفية “الوفد” اليومية المعارضة، بتهمة القذف، وحكمت عليهم بالسجن لمدة عامين، وذلك بحسب ما أوردت الصحيفة. وقد تم توجيه اتهامات لرئيس التحرير أنور الهوراي، ونائب رئيس التحرير محمد غلاب، والمحرر السياسي عامر سالم بموجب المادة 102 من القانون الجنائي، والذي يسمح باحتجاز أي شخص ينشر أخبارا “تشهيرية تقلق السلم العام، وتنشر الرعب بين المواطنين، أو تتسبب بالأذى أو الضرر للمصلحة العامة”. وقد تم الإفراج عن المحررين الثلاثة حتى النظر بالاستئناف.

هذه الدعوى القضائية أيضا رفعها محامون مرتبطون بالحزب الحاكم، إذ اتهموا محرري الصحيفة “بنشر أخبار زائفة ونسبتها خطأ لوزير العدل، مما أساء للقضاء المصري والقضاة”، وذلك حسب ما أوردته صحيفة المصري اليوم. وكانت صحيفة “الوفد” قد تعرضت في مقال صدر في كانون الثاني (يناير) لمثول وزير العدل ممدوح مرعي أمام اللجنة البرلمانية، حيث شكك بقدرات قضاة المحاكم العادية.

وفي 22 تشرين الأول (أكتوبر)، نظمت 22 صحيفة مستقلة ومن صحف المعارضة إضرابا استمر ليوم واحد احتجاجا على تصاعد الاعتداءات ضد الصحافة المستقلة. وقد استغل شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي هذه المناسبة لتوجيه انتقادات للصحافة المستقلة، إذ أوردت وكالة أسوشيتد برس عن طنطاوي قوله “إن الشريعة الإسلامية ساوت بين الجميع في عقوبة جريمة القذف التي فيها عدوان أثيم على الأطهار الأخيار من الرجال والنساء”.

وفي 11 تشرين الأول (أكتوبر) أعربت نقابة الصحفيين المصريين عن صدمتها جراء تصريحات الشيخ طنطاوي. وقالت النقابة يبدو إنه “يشارك من موقعه الرفيع في حملة التحريض المتصاعدة ضد الصحافة والصحفيين وأصحاب الرأي”.