إعداد موظفي برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين
عندما اعتُقل الصحفي المصري علاء عبد الفتاح مجدداً في أيلول/ سبتمبر 2019 لإعادة نشره تغريدةً تحتوي مزاعم بشأن إساءة تصرف من قبل ضابط في أمن الدولة، انتهى به الأمر في السجن تحت رقابة السلطات التي حذّرته قبل أشهر بأن يتوقف عن النشر، وإلا “فسيندم”. بالرغم من ذلك، لم يتوقف علاء عن الكتابة، لاجئاً إلى كتابة رسائل بقلم رصاص وتم تهريبها من السجن.
أخيراً، صدر كتاب علاء عبد الفتاح “أنت لم تُهزَم بعد“، والذي يضم مجموعة من كتابته بما يتضمّن مقالاتٍ وتغريداتٍ ورسائل مهرَّبةً من السجن. يوفر الكتاب، المُترجم من العربيّة، للقراء باللغة الإنجليزية أول فرصة لقراءة أفكار وتغطيات الصحفي الذي لا يزال قيد الاحتجاز منذ عام 2014.
الشهر الماضي، زارت سناء سيف، شقيقة علاء عبد الفتاح، الولايات المتحدة الأميركيّة للترويج للكتاب والدعوة إلى الإفراج عن شقيقها. جلست سيف مع “لجنة حماية الصحفيين” بغرض مقابلة، في مقر اللجنة في نيويورك، لمناقشة الكتاب وإضراب علاء عن الطعام، والمظالم التي تعّرض لها هو وأسرته منذ اعتقاله للمرة الأولى في عام 2011.
راسلت “لجنة حماية الصحفيين” وزارة الداخلية المصريّة، المشرفة على الشرطة ونظام السجون في مصر، بالبريد الإلكتروني، للحصول على تعليق منها، لكنّها لم تتلقَ أي إجابة.
تم تحرير هذه المقابلة لغرض الاختصار والوضوح.
هل يمكنكِ أن تخبرينا عن كتاب علاء الجديد “أنت لم تُهزَم بعد”؟ ما أهميته للقراء بالإنجليزية؟
عندما كان ذلك ممكناً، كان علاء يكتب سابقاً للموقع الإلكتروني الإخباري المحلي المستقل ’مدى مصر‘ ولصحفٍ أخرى، واستمر بالكتابة في السجن. أخيراً، قرر بعض أصدقاء الأسرة جمع كتاباته، بما في ذلك رسائل المُهرّبة من السجن، وترجمتها إلى الإنجليزية وإصدارها على شكل كتاب للقراء باللغة الإنجليزية.
عنوان الكتاب هو “أنت لم تُهزم بعد”، ويشير الضمير “أنت” إلى القارئ. هُزمت الثورة المصرية التي انطلقت عام 2011 بوضوح، ويرى علاء أن هناك قيمةً في مواجهة هزيمتنا والتعلّم منها، لذا فإن الكثير مما كتبه يتعلق بهذا الأمر. نحن نعتقد أن هزيمتنا قد تكون مصدر إلهام للآخرين، خصوصاً أولئك الذين لم يُهزموا بعد.
عندما زرتُ علاء في السجن آخر مرة، أخبرني بأنه مسرور جداً بصدور كتابه. سبب سجنه يعود إلى رغبة السلطات في سجن صوته، لذا، بصدور الكتاب، يتحرّر صوته أيضاً.
إلى أي مدى تتمكنين أنت وأسرتك من التواصل مع علاء؟
يُسمح بزيارة السجن مرة واحدة شهرياً لمدة 20 دقيقة. حيث يسمح فيها لشخص واحد فقط بالتواجد خلال الزيارة التي تجري عبر هاتف بين السجين والزائر ويفصل بينهما جدار زجاجي، كي لا نتمكن من احتضان علاء. لا يسمح لنا بإمضاء وقتٍ طويلٍ معه، إلا أن الأوقات التي نقضيها معه هي دوماً ذات جودة.
لكنّنا، خلال الجائحة [كوفيد-19]، لم نتمكن من معرفة أخبار علاء إلا من خلال الرسائل، وفي مرحلة ما قرروا [السلطات] منع الرسائل أيضاً. في إحدى المرات، قررنا أنا وأمي وشقيقتي الاعتصام أمام بوابة السجن للمطالبة بالحصول على رسالة من علاء. لم نكن نعلم إذا كان بخيرٍ أم لا، كنا نسمع أخباراً مثيرة للقلق حول وضعه داخل السجن.
في اليوم التالي، حضرتْ مجموعة من النساء بملابس مدنية حاملاتٍ الحجارة والعصي الخشبية. توجّهنَ نحونا بينما كنا ننتظر، وبدأنَ بضربنا وسلبنَ مقتنياتنا. أَصِبتُ إصابةً بليغة، وقد حدث كل ذلك تحت سمع وبصر الحراس الذين يُفترض بهم حماية الأمن في السجن. في وقت لاحق، عرفتُ أن الشرطة هي من أرسلت أولئك النساء، وأنهنّ تلقينَ أوامر بمضايقتي أنا تحديداً.
وفي اليوم التالي، توجهنا إلى النيابة العامة لرفع شكوى رسمية، حيث أخبروني أن عليهم الكشف عن إصابتي، لذا ذهبت معهم بينما ظلت أمي تنتظرني، إلا أنني وجدت نفسي قيد الاعتقال. فاقتادوني فوراً إلى جلسة استماع طارئة حيث وُجهت إليّ تهمة نشر أخبار كاذبة حول نقص الإجراءات الوقائية المتعلقة بكوفيد-19 في السجن وإهانة موظفين رسميين أثناء أدائهم لوظيفتهم، وذلك في إشارة إلى حراس السجن الذين وقفوا متفرجين بينما كنت أتعرض للضرب. كما اتُهمتُ بارتكاب جريمتين إرهابيتين.
صدر ضدي حكمٌ بالسجن لمدة سنة ونصف بعد إدانتي بتهمتَي نشر أخبار كاذبة وإهانة موظف حكومي. لم تَرفع النيابة العامة التهمتين المتعلقتين بالإرهاب إلى المحكمة، وما زلتُ أواجه التهمتين لغاية الآن. أخبروني أيضاً أن بوسعهم استخدام هاتين التهمتين ضدي في أي وقت لإعادتي إلى السجن.
لماذا تواصلين نشاط المناصرة عبر الإنترنت من أجل علاء في الوقت الذي تواجهين فيه هذا الخطر؟
لقد سُجنت ثلاث مرات، وثمة تفاصيل مختلفة لكل مرة منها، لكنّ الأمر كلّه يتعلق في نهاية المطاف بأنني لم أصمت حيال الظلم الذي يواجهه شقيقي. في كل مرة أخرج فيها من السجن، يخبرونني أن بوسعي عيش حياتي بسلام إن توقفتُ عن الكتابة والحديث عن علاء.
في الواقع، ليس أمامي أيّ خيارٍ سوى مواصلة التحدّث عنه. يمكنني التفكير في الامتناع عن الحديث إذا كان موقف الطرف الآخر معقولاً إلى حد ما، كما لو كنتُ قدّمت تنازلاً – فسيخرج أخي من السجن. ولكن وفقاً لجميع الحوارات غير الرسمية التي عقدوها [السلطات] معي، لا يبدو أن أي تنازل مني سيكون كافياً للإفراج عن علاء. من الواضح أنهم يريدون إبقاءه في السجن.
كيف تصفين ظروف احتجاز علاء؟ هل يمكن أن تحدّثينا عن إضرابه الأخير عن الطعام؟
من خبرتي الشخصية، ظلت ظروف الاحتجاز تتدهور على مر السنوات. ولكن بالنسبة لعلاء تحديداً، كانت السنوات الثلاث الماضية أسوأ بكثير من أي شيء اختبرناه سابقاً.
أمضى علاء خمس سنوات في السجن قبل أن يُطلق سراحه بإفراجٍ مشروطٍ يتضمن وضعه تحت المراقبة، حيث كان يمضي كل ليلة قيد الاحتجاز من الساعة السادسة مساءً حتى الساعة السادسة صباحاً. ولكن كان بوسع علاء دائماً أن يكتب إن تمكّن من الحصول على ورقة وقلم. على سبيل المثال، عندما كانت تخطر له فكرة يريد أن يكتب عنها أثناء الأشهر الستة التي أمضاها تحت المراقبة، كان يقوم بجمع المواد المطلوبة عنها ويدرسها قبل الساعة السادسة مساءً ثم يكتب ما يريد أثناء فترة الاحتجاز. وحتى حينها، داهم عناصر من جهاز أمن الدولة زنزانته مرّاتٍ عدّة داخل مركز الشرطة، حيث كانوا يعصبون عينيه ويهددونه بإعادته إلى السجن.
عندما أعيد اعتقال علاء بعد أن شارك تغريدة تتهم الضابط أحمد فكري بقتل سجين سياسي في سجن طرّة شديد الحراسة، أدخلوه [علاء] إلى السجن نفسه، وتحت سلطة الضابط نفسه [فكري].
في اليوم الأول الذي أعيد فيه إلى السجن، قام الضباط بما يُطلَق عليه اسم “التشريفة“، حين يقومون بإذلال السجين وتعذيبه. كان الضابط أحمد فكري موجوداً. لاحقاً، حرموه من حقوقه الأساسية. إذ لا يتاح لعلاء رؤية ضوء الشمس، أو تنفس هواء نقي، أو الكتب، أو حتى قلماً وورقة. وعندما يسمحون له بإرسال رسالة لنا، فإنهم يعطونه قلماً وورقة ويطلبون منه أن يكتب لنا فوراً، بغاية رصد ما يكتبه.
في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، كان علاء قد ضاق ذرعاً بحرمانه من حقوقه وأعرب عن أفكار تنطوي على الانتحار، وهو أمر غريب على طبيعته. ولكن بدلاً من أن يستسلم لهذه الحالة النفسيّة، قرر أن يكافح وأن يقاوم. بدأ علاء إضراباً عن الطعام في 2 نيسان/ أبريل للتعبير عن احتجاجه على كل هذه الممارسات غير المعقولة.
[ملاحظة من المحررين: لم تتمكن لجنة حماية الصحفيين من التحقق بصفة مستقلة من مزاعم التعذيب، إلا أنها تتماشى مع السرد الذي قدمه سجناء مصريون. كان عبد الفتاح قد وصفَ “التشريفة” في مقال نشره في موقع ’مدى مصر‘ في عام 2019. لم تردّ وزارة الداخلية المصرية التي تشرف على الشرطة ونظام السجون على طلب تعليق بالبريد الإلكتروني من “لجنة حماية الصحفيين” على المزاعم ضد أحمد فكري والمسؤولين عن سجن طرّة.]
كيف تأثرتْ أسرة علاء من جراء احتجازه مرات عديدة على امتداد أكثر من عقد من الزمن؟
عندما أفرج عن علاء إفراجاً مشروطاً وتحت الرقابة، انبعثت فينا الحيوية، خصوصاً ابنه الذي يبلغ من العمر 12 عاماً حالياً ولم يرَ أباه كثيراً. أثناء فترة الإفراج المشروط، تمكّن علاء وابنه من إقامة علاقة قوية وحميمة. أثناء فترة سجن علاء الأولى التي امتدت خمس سنوات، كان ابنه صغيراً، ولم يكن علاء موجوداً بالنسبة إليه. ولكن الآن بات الأمر أصعب كثيراً على ابنه الذي يعرف مَن هو والده، ويُحرم منه.
بالنسبة لنا جميعاً، كانت تلك الفترة منعشة، خصوصاً الساعات الست القصيرة التي كان علاء يقسمها بيننا جميعاً أثناء النهار قبل عودته إلى مركز الشرطة مساءً. أتذكر أنني تفاجأتُ بقدرته على الانخراط بحياتنا بسهولة وسرعة بعد أن غاب عنّا كل هذه المدة. لا أزال أتذكر اللحظة الأولى التي دخل فيها المنزل بعد الإفراج عنه. لم يكن قد رأى كلبي من قبل، لكنّهما حيّا بعضهما بحرارة وكأنهما يعرفان بعضهما منذ مدة طويلة. إنّه [منزله] فقط حيث ينتمي!