زيادة كلفة الإفلات من العقاب، تخليداً لاسم ماغنيتسكي
سيرغي ماغنيتسكي هو محامٍ روسي ومستشار في شؤون الضريبة، وتوفي في نوفمبر/ تشرين الثاني وكان يبلغ من العمر 37 عاماً، وذلك بعد أن أمضى عدة أشهر في سجن بوتيركا في موسكو، والمعروف بظروفه الفظيعة. وقد صدر تقرير مستقل عن لجنة موسكو للرقابة العامة، وهي منظمة غير حكومية روسية ترصد أوضاع حقوق الإنسان في مرافق الاحتجاز، وخلُص التقرير إلى أن ماغنيتسكي أُبقي في ظروف مريرة وحُرم من العناية الطبية لمعالجة مشاكل صحية خطيرة كان يعاني منها. وكان ماغنيتسكي قد كشف عن فساد حكومي واسع النطاق قبل اعتقاله في عام 2008 بتهمة الاحتيال.
ويليام برودر هو أحد مؤسسي شركة الاستثمار الدولية ‘آرميتاج كابيتال مانيجمنت’ ومديرها العام، وقد أطلق حملة مكثّفة لتحقيق العدالة بشأن موت صديقه ومحاميه ماغنيتسكي. وأدت الحملة إلى سن قانون أمريكي هو ‘قانون سيرغي ماغنيتسكي للمساءلة وسيادة القانون لسنة 2012’ الذي يتطلب من الحكومة الأمريكية عدم منح تأشيرات سفر لأي فرد يتحمل مسؤولية عن موت ماغنيتسكي، وتجميد ممتلكات هؤلاء الأشخاص. كما يخضع لهذه العقوبات جميع المذنبين بارتكاب “انتهاكات جسيمة” ضد نشطاء حقوق الإنسان وغيرهم من المبلغين عن المخالفات.
أثار هذا القانون سخط السلطات الروسية مما دفعها لوضع إجراءات انتقامية تتضمن حظر تبني أطفال من روسيا لأشخاص من أمريكا، وحظر إصدار تأشيرات سفر لأشخاص أمريكيين يُزعم بأنهم مذنبون بارتكاب إساءات لحقوق الإنسان، بما في ذلك قائدين عسكريين في القاعدة البحرية الأمريكية في خليج غوانتانامو. ويقول النقّاد في كلا البلدين إن القانون الأمريكي هو عبارة عن شكل جديد لممارسة وضع قوائم سوداء، ويمهد الطريق لأن تطغى المصالح الشخصية على الإجراءات القضائية السليمة، وذلك باسم حقوق الإنسان. أما المؤيدون (بمن فيهم بعض المواطنين الروس، وفقاً لاستطلاع أُجري في عام 2012) فيرون أن القانون هو وسيلة لإخضاع الشخصيات الروسية المتنفذة للمساءلة.
وتضم “قائمة ماغنيتسكي” حالياً أكثر من عشرين شخصاً، بمن فيهم شخصان يُشتبه بارتبطهما بجريمة اغتيال الصحفي بوول كليبنيكوف الذي يعمل في مجلة ‘فوربز’، والتي ارتُكبت في عام 2004. وينظر الكونغرس الأمريكي حالياً في مشروع قانون ‘المساءلة العالمية لحقوق الإنسان’، وإذا أقر الكونغرس هذا القانون فسيُطبق قانون ماغنيتسكي على أي بلد. وثمة ضغوط متزايدة لإقرار تشريع شبيه في أوروبا.
أجرت لجنة حماية الصحفيين مقابلة مع ويليام بوردر، الذي يعتقد أنه يمكن استخدام هذا النهج من أجل زيادة كلفة الإفلات من العقاب لأولئك الذين يعتدون على الصحفيين.
إليزابيث ويتشيل: ماذا جرى عندما بدأتَ بطرح أسئلة والسعي لتحقيق العدالة بشأن مقتل سيرغي ماغنيتسكي في روسيا؟
ويليام برودر:عمدَتْ الحكومة الروسية إلى رص صفوفها لحماية جميع الأشخاص المتورطين في تعذيب سيرغي ومقتله والمتورطين في الجرائم التي كَشفَ عنها. وقد صدرت أحكام ببراءة جميع المتورطين في حين نال المتواطئون ترقيات وحاز بعضهم على تكريم خاص من الدولة.
إ.و.: متى توصلت إلى القناعة بأنه ينبغي عليك التوجه إلى خارج روسيا سعياً لتحقيق أي قدر من العدالة؟
و.ب.: لقد اتضح الأمر بصورة جلية بعد شهر أو شهرين من مسعاي. وقد برزت نقطة جوهرية بعد ستة أسابيع من مقتل سيرغي. فقد استنتجت لجنة موسكو للرقابة العامة أن سيرغي قد اعتقل على خلفية اتهامات ملفقة وأنه تعرض للتعذيب في السجن. وأصدرت اللجنة تقريراً مفصلاً وأرسلته إلى وزيري العدل والداخلية الروسيين. ومع مرور الأسابيع لم تحدث أية استجابة. وكانت توجد أدلة كافية لمحاكمة الجناة، ولكن لم تكن توجد أية نية للقيام بذلك.
إ.و.: أين توجهت في البداية؟
و.ب.: نصحتني منظمات حقوق الإنسان أن أتوجه إلى وزارة الخارجية [الأمريكية] وإلى الاتحاد الأوروبي. وكان الجميع متعاطفين، ولكن لم يكن هناك أي أحد مستعد للقيام بإجراءات – وفي أفضل الحالات كانوا مستعدين لإصدار تصريحات.
إ.و.: يفرض قانون ماغنيتسكي عقوبات على الأفراد المسؤولين عن مقتل ماغنيتسكي. كيف قررت السعي في هذا النهج؟ هل كانت هناك أية سوابق في هذا المجال؟
.و.ب: لقد نظرنا إلى العمليات التي تشبه العدالة إلى حد ما والتي بوسع الغرب أن يقوم بها – أي فرض قيود على إصدار تأشيرات السفر وتجميد الممتلكات. وكان هذا الأمر غير مسبوق. وكانت سلطات الولايات المتحدة وأوربا قد فرضت عقوبات على أنظمة الحكم غير الصديقة مثل نظامي الحكم في إيران وفي بيلاروسيا، إلا أنها لم تفرض عقوبات أبداً ضد بلدان تربطها بها علاقات طبيعية، مثل روسيا.
إ.و.: ماذا كانت الاستجابة لهذه الفكرة؟
و.ب.: عندما عرضتُ الفكرة على وزارة الخارجية [الأمريكية] في أبريل/نيسان 2010، قوبلت بالسخرية. فقد كانت الوزارة حينها منهمكة في “إعادة ترتيب” العلاقات مع روسيا ولم ترغب أبداً في التعامل مع شخص يطالب بفرض عقوبات على روسيا بسبب مقتل محاميه.
إ.و.: ما الذي تغيّر؟
و.ب.: أتيحت لي فرصة لإثارة هذه القضية أمام المجلس التشريعي [الأمريكي]. فقد ذهبت لمقابلة السيناتور بين كاردين الذي يمثل ولاية ماريلاند، وهو مهتم بحقوق الإنسان من خلال عمله في لجنة هيلسنكي لحقوق الإنسان. وقام السيناتور بتحليل الأدلة ثم نشر قائمة تضم 60 مسؤولاً روسياً على الموقع الإلكتروني للفرع الأمريكي للجنة هيلسنكي، ممن يعتقد بأنه يجب أن يخضعوا لقيود من حيث منح تأشيرات السفر. وهذا أدى إلى سلسلة من التطورات أدت في نهاية المطاف إلى إقرار قانون ماغنيتسكي.
إ.و.: على مَنْ ينطبق القانون؟
و.ب.: في البداية، كان القانون ينطبق على أي شخص متورط في اعتقال سيرغي ماغنيتسكي على خلفية الاتهامات الملفقة، وتعذيبه ومقتله. وهذا أدى إلى ردود فعل متسارعة في موسكو. وبعد نشر مشروع القانون، طالب العديد من الضحايا بإشمال قضاياهم في هذا القانون. وعلى إثر العديد من هذه المطالبات، أضاف كاردين 65 كلمة إلى مشروع القانون كي يشمل في هذا التشريع جميع مرتكبي إساءات حقوق الإنسان في روسيا.
إ.و.: ماذا كان تأثير القانون لغاية الآن؟
و.ب.: يوجد حالياً 30 اسماً على القائمة، وأنا أتوقع أن تُضاف إليها أسماء عديدة لاحقاً. ولدينا الآن قانون اتحادي يفرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في روسيا. والعمل جارٍ حالياً في الكونغرس الأمريكي على سن قانون ماغنيتسكي عالمي سيشمل دولاً أخرى. وأنا أعتقد أن هذا النهج سيصبح الوسيلة الجديدة للتعامل مع الإساءات لحقوق الإنسان. ونحن نعيش في عالم مختلف عما كان عليه قبل ثلاثين عاماً، عندما ظل الخمير الحمر في كمبوديا ولم يغادروها. ولكن مرتكبي الإساءات لحقوق الإنسان يرغبون في السفر؛ فالأشرار يتمتعون بالإبقاء على أموالهم في بلدان أكثر أمناً. وحرمانهم من القدرة على القيام بذلك هو وسيلة لمعاقبتهم. ولا مبرر لأن يتمكن المذنبون بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان في بلدانهم أن يتمكنوا من العيش في منزل جميل بالقرب من هايد بارك [في وسط مدينة لندن].
وحالما تصبح هذه الوسيلة مطبقة على نطاق واسع، فيمكن استخدامها بطريقة تسمح للدولة بالحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع بلدٍ ما، وفي الوقت نفسه معاقبة أفراد محددين بسبب انتهاكاتهم لحقوق الإنسان. ونحن نأمل بأن يصبح هذا الإجراء ممارسة معتادة – وإذا أخذت الحكومات وعلى نحو روتيني بمعاقبة الأفراد المسؤولين عن الإساءات لحقوق الإنسان، فسيبدأ الأشرار بالتساؤل ما إذا كانوا مستعدين لتحمل تبعات ارتكاب الإساءات.
إ.و: يقول منتقدو قانون ماغنيتسكي أن هذا القانون يمثل مساراً محفوفاً بالمخاطر – إذا أنه يفتح الباب لإساءة استغلاله واستخدامه من أجل تحقيق مكتسبات شخصية. فهل تعتقد أن هذا نقد مشروع؟
.و.ب: لا، إطلاقاً. فالعقوبات لا يحددها أشخاص مثلي، وإنما تحددها أدلة موثقة تراجعها وزارتا الخارجية والمالية في الولايات المتحدة. ولن تعاقب الحكومة الأمريكية أي شخص إلا أذا رأت أن الدليل سيُقبل أمام محكمة مُنشأة بموجب القانون. ومن واقع خبرتنا، وجدنا أنه من الصعوبة بمكان إضافة اسم شخص ما على قائمة ماغنيتسكي، وذلك لأن العملية دقيقة جداً ونزيهة جداً.
.إ.و: كيف يمكن لمناصري حقوق الإنسان أن يستخدموا هذا القانون في مكافحة الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين؟ وكيف بوسعهم، على سبيل المثال، إضافة اسم شخص للقائمة؟
.و.ب: إن الحكومة [الأمريكية] هي الجهة التي تقوم بإضافة الأسماء، ولكن بوسع منظمات المجتمع المدني تقديم المساعدة من خلال التوثيق وجمع الأدلة ضد الأشخاص الذي يرتكبون الانتهاكات، وبوسعها إثارة ما يكفي من الاحتجاج بحيث تجلب انتباه الحكومة. قد لا تمثل هذه العقوبات عدالة حقيقية لجرائم مثل التعذيب والقتل، ولكنها أفضل كثيراً من الإفلات المطلق من العقاب، وهو ما يحدث في معظم الأماكن حالياً.