الطريق إلى العدالة

خلاصة

لقد وصل الكفاح ضد الإفلات من العقاب إلى مفترق طرق مهم حالياً. وهناك وعي حالياً على الصعيدين المحلي والدولي بالخطر الشديد الذي يواجهه الصحفيون وحق الجمهور في الحصول على المعلومات عندما تمتنع السلطات الرسمية عن مجابهة العنف الذي يستهدف الصحافة. وقد تعززت مطالبة مناصري حرية التعبير بتحقيق العدالة من خلال التأييد الذي حصلوا عليه من الأمم المتحدة، وإعلانها عن اليوم الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين.

إلا أن الوضع الحالي هو وضع حرِج – فالمكتسبات المتواضعة قد تتراجع أمام التهاون في هذا الأمر.

لقد بحث هذا التقرير في التحديات الهائلة التي ينطوي عليها إحداث تحوّل في مناخ الإفلات من العقاب، خصوصاً في المناطق التي تعاني من النزاعات أو انتشار الجريمة وفي المناطق التي عمل فيها الفساد والمحسوبية والاضطراب السياسي على توهين سيادة القانون. ويظهر تحليل لجنة حماية الصحفيين للمعدلات الدولية للإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين خلال السنوات السبع الماضية أن هذه المعدلات قد تفاقمت في معظم الحالات. ومع ذلك ثمة بعض العلامات المشجعة في البيانات، إذ يبدو أن عدد أحكام الإدانة للمشتبه بوقوفهم خلف هذه الجرائم قد ازداد قليلاً، إلا أن هذا الرقم يظل صغيراً بالمقارنة مع مجموع الضحايا الجدد في كل عام.

ويكمن في صُلب هذه المشكلة نقص الإرادة السياسية لتحقيق العدالة في مئات القضايا التي قُتل فيها صحفيون من جراء إطلاق الرصاص أو التفجيرات أو الضرب بسبب التغطية الصحفية التي كانوا يقومون بها. وفي الحالات القليلة التي مورست فيها الإرادة السياسية، وعادة ما يكون ذلك استجابة لضغوطات محلية ودولية كبيرة، تحقق تقدم على شكل تحقيق جزئي للعدالة، وفي حالات نادرة تحقيق كامل للعدالة للضحايا. إلا أن العرف السائد هو أن يفلت الجناة من قبضة العدالة – من سياسيين وعناصر في الجيش وغيرهم من الشخصيات التي تتمتع بالنفوذ في المجتمعات.

وتلمس لجنة حماية الصحفيين يومياً الآثار المدمرة لللإفلات من العقاب في قصص الرقابة الذاتية والمنفى والاضطرابات – إلا أنها ترى أيضاً أن ثمة سبلاً لمكافحة الإفلات من العقاب.

فمع مرور الوقت، وفي حالات نادرة ولكنها مهمة، تمكنت الجهود الشجاعة التي بذلها أقارب الضحايا وأصدقاؤهم للمطالبة بتحقيق نتائج وفي التشكيك بالتحقيقات المنقوصة؛ والاهتمام الإعلامي المتواصل والحملات الإعلامية؛ والضغوط الدبلوماسية من المجتمع الدولي؛ والملاحقة القضائية أمام المحاكم الوطنية والإقليمية، تمكنت من دفع العدالة إلى الأمام أو من إقناع الحكومات بالقيام بخطوات أكثر شمولاً.

متظاهرون يحتجون على مقتل الصحفي العراقي هادي المهدي، والذي لقي حتفه من جراء إطلاق رصاص. ولم يُعاقب أي شخص على هذه الجريمة. (وكالة أسوشيتد برس/كريم كاظم)
متظاهرون يحتجون على مقتل الصحفي العراقي هادي المهدي، والذي لقي حتفه من جراء إطلاق رصاص. ولم يُعاقب أي شخص على هذه الجريمة. (وكالة أسوشيتد برس/كريم كاظم)

وكما يُظهر التقرير، هناك طائفة من الإجراءات بوسع الدول أن تتبناها لضمان سير الإجراءات القضائية على نحو آمن ونزيه، ومن بينها حشد أجهزة التحقيق والادعاء الوطنية (وهذا يتطلب في بعض البلدان أن تنخرط سلطات الحكومة الاتحادية في التحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين أو حرية التعبير)، ونقل مكان انعقاد المحاكمات، وتحسين برامج حماية الشهود، وإصلاح القضاء للحد من حالات إساءة استخدام السلطة من قبل المتهمين الذين يتمتعون بالنفوذ، وتأسيس هيئات مستقلة لدراسة التحقيقات المنقوصة. من بين المتطلبات الأساسية للتنفيذ الناجح للتحقيقات هي توخي الشفافية والمساءلة أمام الضحايا وعموم الجمهور، وعقد مشاورات وثيقة مع وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية. ومن بين الأمثلة الجيدة على ذلك ما قامت به لجنة التحقيق الصربية بشأن مقتل الصحفيين، حيث عمل الصحفيون جنباً إلى جنب مع سلطات التحقيق للنظر في القضايا القديمة ونجحوا في العثور على أدلة جديدة مما قاد إلى اعتقال مشتبه بهم في قضية واحدة على الأقل.

بعض هذه الحلول يتطلب موارد كبيرة وتشريعات وتطوير طويل الأجل للقدرات المؤسسية إضافة إلى تحسينات كبيرة في الحوكمة. إلا أن هناك خطوات فورية يمكن القيام بها ولا تتطلب تخصيص مبالغ كبيرة أو تغييرات سياسية جوهرية. فبوسع الحكومات التي أعلنت عن عزمها على إجراء تحقيقات خاصة في مثل هذه القضايا أن تعلن عن نتائج هذه التحقيقات، بل يجب عليها القيام بذلك. ويمكن البدء بنتائج اللجنة التي عينها رئيس إقليم كردستان للتحقيق بمقتل الصحفي زرادشت عثمان، والتحقيق القضائي الباكستاني بشأن مقتل الصحفي حياة الله خان. ويجب أن يكون من الأمور المعتادة عند وقوع مثل هذه الجرائم، أن تشترك في التحقيق أرفع سلطات التحقيق في البلد المعني وتوسيع التحقيقات كي تشمل العقول المدبرة التي تقف وراء الجرائم؛ ويمكن رؤية هذا التوجه في البرازيل حيث صدرت أحكام إدانة في أربع قضايا خلال السنتين الماضيتين – بما في ذلك إدانة العقل المدبر في واحدة من هذه القضايا. وهذه الأمور المذكورة أعلاه، لا تعتبر عصيّة على التنفيذ في سياق الالتزامات التي أعلنت عنها الحكومات لمعالجة مسألة أمن الصحفيين ومكافحة الإفلات من العقاب وتعزيز سيادة القانون.

يجب أن يكون الوفاء بالالتزامات التي وضعتها الأمم المتحدة لمكافحة الإفلات من العقاب أمراً مهما للدول الأعضاء، أبتداءً من تقديم استجابات شاملة وعلنية لطلبات المدير العام لليونيسكو لتوضيح الوضع القضائي لقضايا الصحفيين القتلى. ويجب على الحكومات أيضاً أن تضع سقف توقعات مرتفع للاحتفال السنوي باليوم الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين وذلك من خلال اتخاذ موقف ضد الإفلات من العقاب وإجراء تقييم نزيه للتقدم المُحرز في الكشف عن مرتكبي جرائم القتل بحق الصحفيين. ويجب أن يشهد كل عام تقدماً ملحوظاً من قبل الدول التي تعاني من مستويات عالية من العنف الذي يستهدف الصحافة ومن ظاهرة الإفلات من العقاب، ويجب على الأمم المتحدة أن تشير بعبارات صريحة إلى هذا التقدم أو انعدامة. ومن المهم أيضاً أن يتحقق إدماج كامل لهذه الشواغل في المجالات الأوسع لعمل الأمم المتحدة، مثل الأهداف الإنمائية وسيادة القانون.

لقد أتاحت خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب فرصاً جديدة للدفع بالعدالة وتحسين التنسيق بين الدول والمجتمع المدني ووسائل الأعلام والجهات الفاعلة في الأمم المتحدة. وقد حدثت بدايات واعدة، ولكن ثمة خطر أن تتعثر هذه المساعي ما لم تُبذل جهود أكبر لدعمها، مالياً وسياسياً، وما لم تعمل طائفة واسعة من وكالات الأمم المتحدة على تحديد مساهماتها الملموسة لهذه الخطة. وفي الوقت نفسه، بوسع وسائل الإعلام أن تؤدي دوراً مهما في الإبلاغ عن سيرورة هذه العملية وإبقاء الضوء مسلطاً على قضايا الصحفيين ضحايا جرائم القتل.

لقد أصبح الكفاح من أجل العدالة كفاحاً دولياً، إلا أن اندفاعه إلى الأمام سيتحقق بالتدريج، قضية إثر قضية. فمع كل مشتبه به يتم الكشف عنه، ومع كل جانٍ يُودع السجن، ومع كل قضية متعثرة يُعاد إحياؤها، تزداد الرسالة وضوحاً بأنه لا يمكن استهداف الصحفيين دون تبعات. هذه الرسالة سوف تنقذ الأرواح وستحسّن من التدفق الحاسم للمعلومات التي تكمن في صميم مجتمعنا العالمي.

التوصيات >>

<< الفصل 5