مناخ حرية الصحافة في مصر جدير بالشجب

إعداد محمد عبد الدايم/ منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين

الشرطة تصطدم مع متظاهرين وصحفيين خلال تظاهرة في القاهرة الشهر الماضي. (أسوشيتد برس)
الشرطة تصطدم مع متظاهرين وصحفيين خلال تظاهرة في القاهرة الشهر الماضي. (أسوشيتد برس)

إذا ما حكمنا وفقاً لما حدث خلال الأسابيع الأخيرة، فإن حرية الصحافة في مصر في وضع يرثى له. فأن يسمع المرء أن الشرطة المصرية اساءت للمتظاهرين المسالمين الذين خرجوا إلى الشوارع في 6 نيسان/إبريل وقامت باعتقال بعضهم تعسفياً، فما هو إلا أمر معتاد. وأن يقرأ المرء أن عناصر من الشرطة وفتوات يرتدون ملابس مدنية يقومون بضرب واحتجاز الصحفيين ويصادرون ويدمرون أشرطتهم وملاحظاتهم، فهو أمر يثير الاشمئزاز، ولكنه للأسف أمر متوقع أيضاً. أما أن نعلم أن عناصر من جهاز أمن الدولة قد يكونوا أنتحلوا شخصية صحفيين من أجل مراقبة المجتمع المدني ونشطاء المعارضة، فإن ذلك يمثل مستوى جديداً من الانحدار لدى الدولة المصرية.

نشرت الصحيفة اليومية المستقلة “الدستور” مؤخراً مقالاً استشهدت فيه بالصحفية والناشطة المعارضة بثينة كامل، التي قالت أنها تحادثت منذ فترة وجيزة مع شخص تعتقد جازمة أنه ينتحل صفة صحفي. وقالت بثينة كامل إن الرجل بادرها أثناء تظاهرة وقدم نفسه على أنه صحفي يعمل في الصحيفة اليومية “الأخبار” التي تملكها الحكومة، ووجه إليها أسئلة عديدة فاجأتها بأنها لا تتصل بالعمل الصحفي، وإنما تركز على الأمور اللوجستية والأمنية. وقالت لصحيفة الدستور “ لما ارتبت في الأمر، بان عليه الارتباك فورا، فعرفت طبعا أنه من عناصر أمن الدولة”.

يتفق ما روته بثينة كامل مع روايات أخرى علمت لجنة حماية الصحفيين بأمرها. يقول جمال عيد، وهو محامي حقوقي والمدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان التي تتخذ من القاهرة مقراً لها، إنه شهد العديد من مثل هذه الحالات. وقال للجنة حماية الصحفيين، “عادة ما يقومون بالاتصال ويتظاهرون بأنهم صحفيون، وأحياناً ما يحضرون شخصياً. وكانت آخر هذه الحالات قبل ثمانية أو تسعة أشهر، إذ حضر إلى مكتبي رجل يتظاهر بأنه صحفي ووجه أسئلة لا يمكن أن يكون لها علاقة بالعمل الصحفي”.

إن هذا السلوك يعتبر شائناً في أي بلد وتحت أي ظرف من الظروف، ولكن خصوصية الوضع في مصر يجعل منه أكثر إثارة للقلق، وذلك للسبب التالي:

تتميز شروط العضوية في نقابة الصحفيين المصريين بأنها تقييدية بشدة، مما يترك مئات، إن لم يكن آلاف، الصحفيين المصريين الشرعيين دون إقرار حكومي بوضعهم المهني. وعندما يقوم هؤلاء الصحفيون “غير المعترف بهم” بكتابة قصة صحفية تثير غضب شخصيات سياسية متنفذة أو شخصيات من قطاع الأعمال (وهو أمر مقدر له أن يحدث) فعادة ما تتم ملاحقتهم قضائياً بتهمة انتحال شخصية صحفي. وتحمل هذه “الجريمة” عقوبة السجن إلى مدة أقصاها ثلاث سنوات، على الرغم من أنه تصدر بحقهم في الواقع العملي أحكام بدفع غرامات باهضة.

ولذلك ففي مصر يعمل الصحفيون المزيفون على هواهم في حين يحاكَم الصحفيون الشرعيون بتهمة انتحال شخصية الصحفي.

ولا يسع المرء سوى أن يتساءل لماذا لا تتخذ نقابة الصحفيين المصريين موقفاً ضد هؤلاء المنتحلين الذين يخترقون التظاهرات والاجتماعات السياسية، وبالتالي يلطخون سمعة جميع الصحفيين. ربما كان قادة النقابة (وخصوصاً رئيسها، مكرم محمد أحمد) مشغولين بشدة بتقديم الجوائز لأعداء الصحافة بحيث لا يمكنهم إيجاد وقت لمعالجة مسألة انتحال صفة الصحفيين في بلادهم. وما أعنيه هو الآتي:

مكرم محمد أحمد هو أيضاً الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب، الذي منح جائزته السنوية خلال الأسبوع الماضي للرئيس التونسي زين العابدين بن علي، دون سواه، وذلك تكريماً له على “الدفاع عن حرية الصحافة في العالم العربي”.

ولو أخذنا حتى ولو نظرة خاطفة على سجل بن علي في مجال حرية الصحافة خلال العام الماضي فقط، لوجدنا أن حكومته حرضت على الإطاحة بمجلس نقابة الصحفيين التونسيين المنتخب بصفة ديمقراطية؛ كما استهلت حملة تشهير ضد قناة الجزيرة بسبب تغطيتها الناقدة للسياسات التونسية؛ وانهمكت بممارسات من الرقابة والانتهاكات للحريات الأسياسية للصحفيين خلال الفترة التي سبقت الانتخابات التي عقدت في تشرين الأول/أكتوبر؛ وواصلت تصفية الحسابات لدوافع سياسية ضد الصحفيين الناقدين؛ وقامت بسجن الصحفيين توفيق بن بريك، وفهيم بوقدوس، وزهير مخلوف بموجب تهم ملفقة أو أدلة مزيفة، وعمدت أحياناً إلى الإساءة أليهم؛ كما تقوم بصفة روتينية بمصادرة المنشورات المحلية والدولية التي تعتبرها مستقلة  أو ناقدة؛ كما قامت بتقييد تحركات صحفيين ومصادر أخبارهم.

وقد وصف مكرم محمد أحمد الرئيس بن علي بأنه “صديق الصحفيين العرب وصديق الإعلام في العالم والقائد الذي يشجع ويدعم الكلمة والحرية والديمقراطية ويعرف كيف يدخل القلوب بلفتته النبيلة إلى كل القضايا التي تعني الصحفيين”.

إن منح جائزة لحرية الصحافة لرئيس في فترته الرئاسية الخامسة ولم يفوّت أي فرصة لإضعاف الصحافة المستقلة، يعكس استهتاراً متغطرساً بمبادئ اتحاد الصحفيين العرب والمنتسبين إليه والذي يزعم مكرم محمد أحمد أنه يمثلها. لا عجب أذن أن نقابة الصحفيين المصريين تقاعست عن اتخاذ موقف ضد قيام عملاء أجهزة الأمن بانتحال شخصية صحفيين.