إعتداءات 2008: الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: مصر

لعبت مصر دورا قياديا في وضع ميثاق إقليمي يهدف إلى تقييد البث الفضائي في جميع أنحاء العالم العربي. وبناء على طلب من الرئيس المصري حسني مبارك، مدد البرلمان العمل بقانون الطوارئ المستمر العمل به منذ 27 عاما، وهو ما يحفظ لسنتين إضافيتين أداة رئيسية لخنق حرية التعبير. في هذه البيئة، لا يزال الصحفيون يدافعون عن أنفسهم في مواجهة سلسلة من الدعاوى القضائية ذات الدوافع السياسية التي رفعها أعضاء في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم وغيرهم من تاموالين للحكومة.

وبعد أربع سنوات من وعد مبارك بتحرير القوانين المقيدة لوسائل الإعلام الإخبارية، لا يزال الوضع قمعيا بالنسبة للصحافة.

أهم خطوة إلى الوراء من قبل الحكومة جاءت في شباط/فبراير، عندما بادر وزير الإعلام المصري أنس الفقي ونظيره السعودي إياد مدني بتقديم خطة عربية لتنظيم البث الفضائي. ترتب على هذه المبادرة إصدار وثيقة “مبادئ تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني الفضائي في المنطقة العربية”، واعتمدها مجلس وزراء الإعلام العرب بجامعة الدول العربية. وتسعى تلك المبادئ إلى منع نشر المواد التي لها “تأثير سلبي على السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية” أو تتعارض مع “مبادئ التضامن العربي”. وتحث الوثيقة كل دولة من الدول الـ 22 الأعضاء اتخاذ “التدابير التشريعية اللازمة للتعامل مع الانتهاكات.”

تصرفت السلطات المصرية بروح الوثيقة الجديدة في نيسان/ابريل، عندما رفعت شركة “نايل سات” للبث الفضائي المملوكة للدولة قناة الحوار ومقرها لندن، من على حزمة القنوات التي تبثها شركة نايل سات. و كانت قناة الحوار تقدم برامج حوارية مثل “حقوق الناس”، الذي كثيرا ما دعا الناشطين في مجال حقوق الإنسان، و “أوراق مصرية” ، الذي استضاف منتقدين بارزين للحكومة. وقال أمين بسيوني رئيس مجلس إدارة النايل سات إن المسئولين عن القناة لم يطلبوا تجديد العقد “في الوقت المناسب.”

وفي أيار/مايو ، وافق البرلمان على تمديد العمل بقانون الطوارئ الذي يجري العمل به منذ اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981. وقد أدانت جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية التمديد، مشيرين إلى أن الرئيس مبارك وعد بإلغاء هذا التدبير. كما أكد المجلس القومي لحقوق الإنسان – المدعوم من الدولة، والتي يترأسه الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي – أن التمديد لم يكن له ما يبرره. يعطي قانون الطوارئ رئيس الجمهورية الصلاحيات لتعليق العمل بالحريات الأساسية، ويتيح للسلطات الأمنية اعتقال الأشخاص لفترات طويلة دون محاكمة، ويسمح للمسئولين بفرض رقابة على الصحف أو حتى إغلاقها باسم الأمن القومي.

وقد شهدت قاعات المحاكم المصرية على مدار السنة معارك ضارية من أجل حرية الصحافة. ثمة موجة مذهلة من الدعاوى القضائية، والاتهامات الجنائية، والاستدعاءات التي يقدر عددها بالمئات تم رفعها ضد العديد من الكتاب والمحررين والمدونين المصريين خلال العامين الماضيين. بعض الصحافيين واجه أكثر من عشر دعاوى قضائية، وهو ما تطلب منهم المثول في المحاكم ومراكز الشرطة عدة مرات في الأسبوع. في الغالبية العظمى من الحالات، لم يتم تقديم البلاغات من قبل الحكومة نفسها بل على يد افراد موالين لها. محامو الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم كانوا هم أصحاب النصيب الأوفر من هذه الدعاوى، مستفيدين من إحدى الممارسات القانونية المصرية المعروفة باسم الحسبة، والتي تمكن المواطنين من رفع دعاوى قضائية باسم المصلحة العامة.

يتجلى هذه الوسيلة في قضية رؤساء تحرير المستقلين الأربعة الذين اتهموا بـ”نشر معلومات كاذبة من شأنها الإخلال بالنظام العام”. تم توجيه هذه الاتهامات إليهم بسبب مقالاتهم التي تنتقد مبارك وكبار مساعديه، بمن فيهم ابنه ووريثه المحتمل جمال. كان رؤساء التحرير الأربعة قد أدينوا في عام 2007، وحكم على كل منهم بالسجن لمدة سنة، وتم تداول قضيتهم على مدار العام أمام محكمة الاستئناف وأثارت اهتماما دوليا. كان اثنان من محامي الحزب الوطني الديمقراطي اتهموا كلا من إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة الدستور اليومية، ووائل الإبراشي رئيس التحرير السابق لصحيفة صوت الأمة الأسبوعية، وعادل حمودة رئيس تحرير صحيفة الفجر الأسبوعية، وعبد الحليم قنديل رئيس التحرير السابق لصحيفة الكرامة الأسبوعية بنشر معلومات كاذبة عن مبارك وكبار مساعديه.

وخلال جلسة الاستئناف في حزيران/يونيو استدعت المحكمة عواطف عبد الرحمن، أستاذة الاعلام في جامعة القاهرة كشاهد خبير، وقد شهدت بأن السلطة القضائية كانت أقل تسامحا في عصر مبارك مما كانت عليه في عهد الاحتلال البريطاني منذ أكثر من 80 عاما. وقالت أن أحكام الإدانة ينبغي أن تلغى “حمايةً لسمعة النظام”. كما حثت عبد الرحمن السلطات المصرية على مواءمة تشريعات البلد طبقا للمعايير الدولية لحرية التعبير، ووقف “استخدام قانون العقوبات لتجريم حرية التعبير وحرية الصحافة.” وفي أواخر العام كان استئناف الحكم لا يزال قيد التداول.

واجه عيسى حكما بالسجن في قضية أخرى بارزة. ففي 28 أيلول/سبتمبر، أصدرت محكمة استئناف القاهرة حكما عليه بالسجن لمدة شهرين بتهمة “نشر معلومات كاذبة” عن صحة الرئيس مبارك البالغ من العمر 80 عاما. كان عيسى من بين عدد من الصحافيين الذين كتبوا عن غياب مبارك من دون تفسير في صيف 2007 – وهي التغطية التي تم انتقادها علنا من قبل زوجة الرئيس سوزان مبارك. وفي خطوة غير مألوفة، وجهت جهات الادعاء الحكومية اتهامات مباشرة ضد عيسى.

وبعد إدانة واسعة النطاق في مصر وجميع أنحاء العالم للحكم بتأييد الحبس بحق عيسى، أصدر الرئيس مبارك عفوا رئاسيا عنه. وقد رحبت لجنة حماية الصحفيين ومنظمات أخرى بالقرار ودعت مجددا إلى رفع التجريم عما يسمى بجرائم الصحافة. ولم يزل عيسى يواجه الاتهام في أكثر من عشر قضايا أخرى في نهاية العام.

أقام أحد رجال الدين البارزين في البلاد دعوى سب وقذف ناجحة ضد اثنين من الصحفيين. ففي تشرين الأول/أكتوبر ، قضت محكمة جنائية في محافظة الجيزة بتغريم عادل حمودة رئيس تحرير صحيفة الفجر والكاتب محمد الباز مبلغ 80 ألف جنيه مصري (14341 دولارا) لكل منهما بتهمة الإساءة إلى سمعة الشيخ محمد سيد طنطاوي، الإمام الأكبر وشيخ الأزهر. تعود القضية إلى مارس 2007 عندما نشرت الصحيفة مقالا ساخرا يدعي أن الشيخ كان يخطط لزيارة الفاتيكان. وقد رافق المقال صورة تظهر طنطاوي في زي البابوية، وفقا لما ذكرته التقارير الإخبارية. وكان طنطاوي اتخذ موقفا علنيا عدائيا ضد وسائل الإعلام في عام 2007 عندما قال أن من تثبت إدانتهم بالتشهير “ينبغي أن يجلدوا 80 جلدة”.

تم احتجاز صحفي ومساعد إعلامي في ظل تضاؤل أو انعدام الإجراءات القانونية الواجبة. كان حسام الوكيل، مراسل جريدة الدستور ، قد اعتقل في أيلول/سبتمبر بينما كان يغطي احتجاجا على إغلاق مدرسة خاصة في الإسكندرية، بحسب ما أكده محاميه خلف بيومي للجنة حماية الصحفيين. بقي الوكيل رهن الاحتجاز لمدة شهر تقريبا على خلفية مزاعم بـ “الاعتداء والإساءة إلى أحد مأموري الضبط القضائي”، و”عرقلة حركة المرور في الشارع” ، ولم توجه إليه التهمة رسميا حتى نهاية العام المنصرم.

في نيسان/أبريل ، تم اعتقال المترجم محمد صلاح احمد مرعي بينما كان يعمل مع جيمس باك وهو مصور أمريكي كان يغطي أعمال الشغب في مدينة المحلة الكبرى الصناعية شمالي البلاد. أطلق سراح باك في اليوم التالي بعد تدخل السفارة الأمريكية، ولكن مرعي بقي رهن الاحتجاز لمدة ثلاثة أشهر تقريبا قبل أن يطلق سراحه دون توجيه اتهام. وقد احتجت لجنة حماية الصحفيين على هذا الاحتجاز المطول في رسالة إلى وزير الداخلية المصري حبيب العادلي.

تم اقتحام محطتين تلفزيونيتين، على خلفية ما ذكرت السلطات أنه انتهاكات للإجراءات التنظيمية في كلتا الحالتين، على الرغم من أن الشرطة تحركت فقط بعد ما أنتجت المحطتان مواد إعلامية تمس بالنظام الحاكم. ففي نيسان/أبريل، داهمت الشرطة مكاتب شركة القاهرة للأخبار، التي تقدم الدعم الفني لهيئات البث، وصادرت معدات الإرسال. وجاءت هذه المداهمات بعد أن بثت قناة الجزيرة لقطات أنتجتها شركة القاهرة للأخبار تصور الاضطرابات الاجتماعية في المحلة الكبرى، بما فيها مشاهد للمتظاهرين وهم يمزقون ملصقات عليها صورة الرئيس مبارك. وقد تم تغريم نادر جوهر صاحب شركة القاهرة للأخبار مبلغ 150 ألف جنيه مصري (27000 دولارا) لتشغيله معدات بث دون الحصول على إذن، وهو الحكم الذي استأنفه جوهر.

وبناء على ادعاءات مماثلة بالعمل من دون تصريح، داهمت الشرطة في تموز/يوليو مكتب محطة تلفزيون “العالم” الإيرانية الحكومية، وصادرت أجهزة كمبيوتر و اجهزة تصوير، وأشرطة فيديو. وتزامنت مداهمة المكتب مع إنتاج فيلم إيراني يصور اغتيال السادات من منظور إيجابي. كان قرار السادات باستضافة شاه إيران المنفي محمد رضا شاه بهلوي أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1979.

في تشرين الثاني/نوفمبر، منعت محكمة في القاهرة وسائل الإعلام من تغطية محاكمة رجل الأعمال الملياردير هشام طلعت مصطفي، المتهم بالتحريض على قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم التي تردد أنها كانت عشيقته. وكانت صحيفة المصري اليوم اليومية، وصحيفة الوفد اليومية قد خرقتا حظر النشر في القضية، ومن ثم تواجهان اتهامات لم يتم الفصل فيها بنهاية العام المنصرم. وكانت أجهزة الأمن قد صادرت في وقت سابق نسخا من اثنتين من الصحف اليومية المستقلة وهما الدستور و البديل كانتا تحملان تغطيات عن هذه القضية، وفقا لما ذكرته التقارير الإخبارية.

ثمة تطورات تم رصدها في قضيتين بارزتين تعود وقائعهما إلى عام 2007. ففي شباط/فبراير، أيدت محكمة استئناف بالقاهرة حكما بالإدانة بحق صحافية بقناة الجزيرة بتهمة الإساءة إلى سمعة مصر. فبينما أسقطت المحكمة عقوبة الحبس لمدة ستة أشهر ضد الصحفية هويدا طه متولي ، أبقت على الحكم بغرامة قدرها 20 ألف جنيه مصري (3607 دولارا). كانت متولي قد أدينت في عام 2007 بعد أن عثرت السلطات على لقطات غير “ممنتجة” يظهر فيها أناس يعيدون تمثيل حالات تعذيب قيل انها حدثت في مراكز الشرطة المصرية. كانت متولي – وهي منتجة تلفزيونية مصرية الجنسية – بصدد استخدام مشاهد إعادة تمثيل وقائع التعذيب تلك في إنتاج فيلم وثائقي عن اعتدائات الشرطة.

المدون عبد الكريم سليمان ، الذي حكم عليه في عام 2007 بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة الإساءة إلى الإسلام وإهانة الرئيس مبارك ، كان في حالة صحية سيئة في سجن برج العرب، بحسب ما ذكرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومقرها القاهرة في آب/أغسطس. محاكمة سليمان – المعروف أيضا باسم كريم عامر – تعد أول حالة لمدون يقدم إلى المحاكمة بسبب كتاباته، وكان لها أثر سلبي على المدونين الآخرين. وقال وائل عباس للجنة حماية الصحفيين – وهو أحد أبرز المدونين في مصر – إن “بعض المدونين اختاروا التوقف عن التدوين بعد ما حدث لكريم وتصاعد حدة التخويف والتهديد لكل من يعمل على مسألة حرية التعبير”.