نشر بتاريخ 3 أكتوبر، 2006
انبلج فجر يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2001 عن سماء تحجبها الغيوم في نقطة عبور شامان الباكستانية إلى أفغانستان، وحينها كان مراسل قناة الجزيرة عبد الحق صدّاح والمصور سامي محي الدين الحاج متلهفين للعبور ومتابعة سيرهما. ففي الجانب الآخر من الحدود، كانت قوات طالبان قد فرت من قندهار، وكان حكمهم قد انتهى من الناحية الفعلية على أثر الهجمات الجوية الأمريكية الشديدة والهجمات البرية الأفغانية. وكانت مهمة هذا الفريق الإخباري من قناة الجزيرة هي تغطية الأحداث التي تبعت ذلك.
وكما يتذكر عبد الحق صداح اليوم، لم يتمكن هو وسامي الحاج من الابتعاد عن النقطة الحدودية، فعندما أظهرا جوازي سفرهما، ظهر الغضب على ضابط الحدود الذي كان ينظر في وثائقهما. أخذ الضابط يتكلم بحدة وقال إنه بإمكان عبد الحق صداح المرور، ولكن هناك مشكلة مع جواز السفر التابع لسامي الحاج. ويستذكر صدّاح، أن الضابط أظهر ملاحظة مكتوبة باللغة الإنجليزية من الاستخبارات الباكستانية تطلب من حراس الحدود احتجاز سامي الحاج للاشتباه بارتباطه بتنظيم القاعدة.
شعر الصحفيان بالحيرة، فخلال الشهرين السابقين قام سامي الحاج بعبور نقطة شامان الحدودية مع فريق إخباري آخر تابع لقناة الجزيرة ودون أية مشكلة. وقبل بضعة أيام من ذلك فقط، سافر صدّاح والحاج عبر الحدود إلى سبينبولداك، حيث أجرا تغطية إخبارية حول الأضرار التي لحقت بالطريق الأفغاني الرئيسي الذي يربط بين شامان وقندهار.
ظن سامي الحاج أن هناك سوء فهم ما. فالأمر المكتوب الذي قدمه ضابط الحدود أورد رقم جواز سفره السوداني القديم، الذي كان قد فقده قبل ذلك بعامين. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، وصل إلى الحدود مسؤول استخباراتي باكستاني عرف على نفسه باسم الرائد نديم، وأخبر الصحفيين إنه لا داعي للقلق. ويقول صداح إنه في الصباح التالي غادر المسؤول الاستخباراتي بسيارته مصطحبا معه سامي الحاج.
قال عبد الحق صداح للجنة حماية الصحفيين “منذ ذلك اليوم، لم أر سامي”. ولم يره كذلك زملاؤه الآخرون أو أسرته أو أي من أصدقائه.
وهكذا بدأ سامي الحاج رحلة طويلة ساقته من باكستان إلى أفغانستان ومن ثم إلى زنزانة احتجاز تبلغ 8 أقدام طولا وسبعة أقدام عرضا [2,5 متر طولا، و 2 متر عرضا تقريبا] في القاعدة البحرية الأمريكية في خليج غوانتانامو في كوبا، ولا يزال موجودا هناك مع 450 محتجزا آخرين وصفتهم إدارة الرئيس بوش بأنهم “مقاتلون أعداء”.
تصف قناة الجزيرة سامي الحاج بأنه أحد سجناء الضمير، ولكنه من الناحية الفعلية غير معروف في أوساط وسائل الإعلام الأمريكية، وهو الصحفي الوحيد بصفة مؤكدة المسجون في غوانتانامو. ويزعم الجيش الأمريكي إن الحاج كان يعمل مبعوثا ماليا للثوار الشيشان، وإنه ساعد أشخاصا متطرفين وأشخاصا من القاعدة. وقد دعا أسامة بن لادن ضمنيا في رسالة صوتية إلى إطلاق سراحه.
ومع ذلك، يتواصل احتجاز سامي الحاج منذ خمس سنوات تقريبا استنادا إلى أدلة سرية؛ ولم تتم إدانته كما لم توجه له أية اتهامات. وحتى هذه السنة (عندما اضطرت وزارة الدفاع الأمريكية للكشف عن اسماء المحتجزين بسبب قضية قانونية رفعتها وكالة أسوشيتد برس) لم يقر الجيش بأن سامي الحاج كان محتجزا لديه. وقال المحامي الذي يدافع سامي الحاج، والذي منعته السلطات من حضور جلسات موكله، إن المزاعم الموجهة لموكله لا أساس لها، وإن النظام العدلي في غوانتانامو هو نظام زائف.
في عام 2005، قرر المحامي كلايف ستافورد سميث الدفاع عن سامي الحاج، وهو المدير القانوني لمجموعة “ريبريف” (Reprieve) المعنية بحقوق الإنسان والتي تتخذ من لندن مقرا لها. ويقول كلايف سميث إنه “لا يوجد أي دليل إطلاقا على وجود أي تاريخ إرهابي لسامي الحاج”، ويؤكد أن مواصلة احتجاز سامي الحاج ينبع من اعتبارات سياسية، وأن التركيز الرئيسي للمحققين الأمريكيين لم يكن النشاطات الإرهابية المزعومة لسامي الحاج، وإنما الحصول على معلومات استخباراتية عن قناة الجزيرة وموظفيها.
وبصرف النظر عن الحقيقة، فقد أثار احتجاز سامي الحاج أسئلة حول معاملة الجيش الأمريكي للصحفيين أثناء الحرب العالمية التي تشنها على الإرهاب. وفي عام 2005، فإن احتجاز الولايات المتحدة لسامي الحاج إضافة إلى أربعة صحفيين آخرين على الأقل في العراق وضعها في المرتبة السادسة ضمن الدول التي تقوم بسجن الصحفيين، وقد سبقها في المرتبة أوزباكستان وبورما. وفي العراق، تم احتجاز كل من الصحفيين الأربعة طوال أشهر دون توجيه أي اتهامات، وقد أفرج عنهم في النهاية دون توجيه أية تهمة لأي منهم.
يطالب مناصرو سامي الحاج بتوفير محاكمة عادلة له. وفي حزيران/يونيو، حكمت المحكمة الأمريكية العليا بأن المحاكم العسكرية الخاصة التي أقيمت لمحاكمة محتجزي غوانتانامو هي محاكم منافية للقانون. وقالت المحكمة إنه يجب على إدارة الرئيس بوش ضمان الحد الأدنى من الإجراءات القضائية بحسب ما ينص القانون العسكري الأمريكي والقانون الدولي، أو يتعين عليها الحصول على موافقة الكونغرس بشأن المحاكم الخاصة. وبحلول شهر أيلول/سبتمبر، أقر الكونغرس الأمريكي خطوطا إرشادية توفر للمحتجزين الحق بالاستعانة بمحامي والقدرة على الاطلاع على الأدلة المستخدمة ضدهم. ولكن ما زالت هذه الخطوط الإرشادية تسمح بالاحتجاز لفترة غير محددة، وتسمح باستخدام أدلة تستند إلى أقوال شخص بخصوص ما سمعه من شخص آخر، واستخدام الأدلة التي يتم الحصول عليها قسرا.
وفقا لما أوردته قناة الجزيرة، أمضى سامي الحاج الأيام الـ 23 التالية لاعتقاله في شامان، محتجزا لدى مسؤولي الاستخبارات الباكستانية قبل نقله إلى مدينة كويتا القريبة، حيث تم تسلميه هناك إلى القوات الأمريكية.
إثر ذلك نقل سامي الحاج إلى القاعدة الجوية الأمريكية التي تم تأسيسها حديثا في باغرام، خارج العاصمة الأفغانية كابول، حيث بقي هناك 16 يوما، وكانت هذه الأيام وفقا لأقواله “أطول أيام عمري”. قال الحاج للمحامي ستافورد سميث إنه تعرض لضرب مبرح على يد الجنود الأمريكيين الذين اتهموه بأنه يقوم بتسجيل أشرطة فيديو لبن لادن لحساب قناة الجزيرة. وقد أنكر الحاج هذه التهمة، وقال ستافورد سميث إنه يتوقع أن القوات الأمريكية خلطت بينه وبين مصور آخر يحمل الاسم ذاته. هذا، ولم يجر التصريح علنا بهذا الاتهام بعد ذلك.
في 23 كانون الثاني/يناير 2002، نقلت القوات الأمريكية سامي الحاج إلى قندهار حيث بقي هناك حتى 13 حزيران/يونيو، وحينها تم نقله مكبلا ومكمما إلى خليج غوانتانامو مع عشرات من السجناء الآخرين. وقد وصف الحاج من خلال حديثه مع محاميه ومن خلال الرسائل التي كتبها من السجن ظروفا صعبة في غوانتانامو، كما اتهم القوات الأمريكية بحرمانه من النوم وكان هذا أسلوبا من الأساليب التي اتبعت في التحقيق. وقال إنه يعاني من مرض الروماتيزم، كما تم حرمانه من الدواء لمنع عودة سرطان الحنجرة.
لم يتم الإعلان عن اختفاء سامي الحاج حتى 18 أيلول/سبتمبر 2002، حيث أعلنت قناة الجزيرة في بيان صحفي أن مصورا يعمل لديها قد احتجز في غوانتانامو. وتقول قناة الجزيرة إنها حاولت طوال أشهر حل المسألة من خلال اتصالات غير علنية مع مسؤولين باكستانيين وأمريكيين، خشية من أن الإعلان عن احتجازه سوف يزيد من صعوبة الإفراج عنه. وقد حذرت الاستخبارات الباكستانية أحد مراسلي الجزيرة وأمرته بالتوقف عن الاستعلام عن سامي الحاج، في حين ظل المسؤولون الأمريكيون صامتين.
وقال وضاح خنفر، المدير العام لقناة الجزيرة، “في الحقيقة لم نستلم أي تفاصيل رسمية من الأمريكيين حول الاتهامات المحددة ضد الحاج”.
إن وجه سامي الحاج مألوف لدى المشاهدين العرب الذين يتابعون القناة الأخبارية الأكثر شهرة في العالم العربي. وتجري الجزيرة تغطية إخبارية منتظمة حول تطورات قضيته، كما خصصت قسما من موقع الإنترنت الرائج التابع لها لقضية المصور السجين، كما بثت خلال هذا العام فلما وثائقيا استغرق 53 دقيقة حول تفاصيل قصته. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذا الاهتمام، يظل الحاج لغزا للكثيرين.
عدد قليل فقط من موظفي الجزيرة كانوا يعرفون سامي الحاج معرفة جيدة أثناء فترة عمله القصيرة في المحطة. ووفقا لجميع الروايات، لم يكن لديه أية خبرة صحفية على الإطلاق قبل انضمامه لهذه المحطة الأخبارية التي تعد إحدى أكثر المؤسسات الإخبارية تأثيرا في العالم.
ولد سامي الحاج عام 1969 ونشأ في وسط السودان، ووفقا لأقوال شقيقه الأصغر، عاصم، أظهر اهتماما شديدا بالإعلام، ويستذكر شقيقه أنه “أحب القراءة والكتابة والتصوير الفوتوغرافي”. وقال عاصم كما أكد شخص آخر من أفراد الأسرة إن سامي الحاج درس اللغة الإنجليزية في الهند.
وقال عاصم، إن شقيقه شعر بالإحباط من ندرة فرص العمل في الصحافة في السودان، فقرر عدم السعي للحصول على مهنة في الإعلام ووجد وظيفة في الإمارات العربية المتحدة. وفي أواخر عقد التسعينات، عمل مساعدا إداريا في شركة للمشروبات الخفيفة تدعى “يونيون بافيريجز” تتخذ من إمارة الشارقة مقرا لها وتصنع المشروبات لأسواق الشرق الأوسط وآسيا. وقال محاميه ستافورد سميث إنه عمل أيضا في شركة للاستيراد والتصدير تدعى “رومات إنترناشنال”. وتظهر السجلات العامة إن شركة “يونيون بافيريجز” وشركة “رومات إنترناشنال” تتبعان لمجموعة من الشركات يملكها محمد عبدالله العمران، وهو من مواطني الإمارات العربية المتحدة.
في الوقت نفسه تقريبا، التقى سامي الحاج الفتاة التي ستصبح زوجته، وتدعى أسماء وهي من أذربيجان. تزوجا عام 1998، وأنجبا طفلا يدعى محمد، ويبلغ من العمر حاليا 6 سنوات، وبعد ذلك استقر مع عائلته في العاصمة القطرية، الدوحة.
قالت أسماء إن زوجها بدأ العمل مع قناة الجزيرة في نيسان/إبريل 2000 بعد أن استجاب لإعلان عن وظيفة شاغرة. وقالت للجنة حماية الصحفيين إنه كانت لديه طموحات، ومعرفة بالكمبيوتر، ومعرفة ممتازة باللغة الإنجليزية. قال محامي الحاج وصحفيون من قناة الجزيرة إنه بدأ العمل بالقطعة بوصفه متدربا. وأوردت الجزيرة إنها قررت إرساله في البداية للمساعدة في تغطية الشيشان، ولكنه لم يسافر إلى هناك أبدا.
فوزي البشرى هو مراسل قديم في قناة الجزيرة وسوداني الجنسية، وقد أصبح صديقا لسامي الحاج ويتذكره كشخص هادئ قليل الخبرة ولكنه متحمس كي يثبت كفاءته. ويتذكر فوزي البشرى: “لقد كان رجلا دون مؤهلات”. ومع ذلك قال البشرى ومراسلون آخرون يعملون في الجزيرة إنه ليس خارجا عن المألوف أن تقوم الجزيرة بتدريب صحفيين مبتدئين.
تقول معظم الروايات إن الفرصة الكبيرة هبطت على سامي الحاج بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر والهجوم الأمريكي الذي تبعها لإسقاط نظام طالبان في أفغانستان. وقال المدير السابق للمحطة، محمد جاسم علي، إن قناة الجزيرة التي كانت تضع قيمة كبيرة على الصور التي تنفرد ببثها من مناطق الحرب، وظفت الحاج من خلال عقد عمل في الوقت الذي احتاجت فيه لمزيد من المصورين. وأضاف، “لقد حصل سامي على بعض التدريب في التصوير، كما دربناه على تشغيل جهاز فيديو تليفوني”، وأشار إلى أنه كان من الصعب إيجاد أشخاص مستعدين للذهاب إلى “المناطق الساخنة” مثل أفغانستان.
كان سامي الحاج متحمسا لإثبات مهارته. وقال عدة موظفين في الجزيرة إنه تطوع للذهاب إلى أفغانستان في الوقت الذي لم يبدِ فيه سوى عدد محدود من الموظفين استعدادهم للذهاب إلى أفغانستان. وقال فوزي البشرى إنه نصح زميله قليل الخبرة بعدم الذهاب، ولكن سامي أصر على الذهاب. ويقول البشرى، “أذكر إنني قلت له ‘أنت ذاهب إلى حرب، وليس إلى نزهة'”. “وقال سامي ‘حسنٌ، ولكن ذلك سيتيح لي الفرصة كي أثبت نفسي'”.
كان أفراد أسرة سامي يشعرون بالقلق أيضا. وقال شقيقه عاصم، “ولكن بعد نقاش طويل قال سامي … ليس بإمكانه أن يرفض لأنه جديد في العمل”.
في تشرين الأول/أكتوبر 2001، كان سامي قد وقع عقده الجديد مع الجزيرة، وانضم إلى فريق عمل برئاسة المراسل الصحفي يوسف الشولي وتوجه إلى جنوب شرق أفغانستان الذي كان تحت سيطرة الطالبان. ويتذكر الشولي إن أعضاء الفريق عملوا معا لفترة شهرين تقريبا، وعادة ما كانوا يعملون 15 ساعة يوميا. عمل الحاج على توثيق التبعات التي لحقت بالمدنيين بسبب القصف الأمريكي، مستخدما كاميرا محمولة وجهاز فيديو تليفوني، وهذا أحد الأمور المألوفة في تغطية قناة الجزيرة للحروب، وكانت الصور التي التقطها من الصور القليلة التي خرجت من جنوب شرق أفغانستان في ذلك الوقت. ويستذكر الشولي إن الحاج كان يتأثر عاطفيا إلى حد البكاء من نتائج القصف.
وفقا لقناة الجزيرة، قامت قوات طالبان باحتجاز الشولي والحاج لفترة قصيرة بسبب قيامهما بتغطية إخبارية دون تصريح. ولكن حصل التعليق غير المحدد لمسيرة الحاج المهنية في شامان.
خلال الجزء الأكبر من السنوات الخمس الماضية، ظلت الظروف المحيطة باحتجاز الحاج أمرا سريا. في أيلول/سبتمبر 2002، أرسلت لجنة حماية الصحفيين رسالة إلى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ناشدت فيها وزارة الدفاع إعطاء تفاصيل حول احتجاز الحاج. ولكن لم تتلق لجنة حماية الصحفيين أي إجابة. كما لم يجب الناطق باسم وزارة الدفاع، برايان ويتمان، على الطلبات من أجل التعليق على هذا المقال.
بناء على طلب لجنة حماية الصحفيين، قامت وزارة الدفاع الأمريكية بتوفير نصوص نزعت عنها صفة السرية للجلسات التي تتعلق بسامي الحاج. وتلقي هذه الوثائق، إلى جانب المعلومات التي قدمها محامي الحاج، بعض الضوء على القضية.
لقد وجه مسؤولون عسكريون ما يبدو بأنه عدة مزاعم مثيرة للقلق ضد الحاج، وذلك وفقا لخلاصة المراجعة القضائية لوضعه كمقاتل التي جرت عام 2004، وهي جلسة لتحديد ما إذا كان المحتجزون “مقاتلين أعداء”، وكذلك من خلال نصوص مجلس المراجعة الإدارية لقضيته الذي عقد عام 2005، وهذه المراجعة شبيهة بإجراءات الإفراج المبكر المشروط من السجن.
يطلق الجيش على المزاعم وصف “الدليل”. ولكن مراجعة الوثائق المعلنة تظهر أنها مزاعم حول ارتكاب مخالفات دون تقديم وثائق أو شهادات التي عادة ما تنظر إليها المحاكم بوصفها أدلة. أما الأدلة الداعمة، إذا كان هناك أي أدلة، فهي في الملف السري بحوزة الجيش الأمريكي-وهو ملف غير متاح لاطلاع الجمهور أو سامي الحاج أو محاميه.
أحد المزاعم الرئيسية هو أن الحاج عمل مبعوثا ماليا للثوار الشيشان ومجموعات مسلحة أخرى في القوقاز، وأوصل مبالغ كبيرة من النقد من الإمارات العربية المتحدة إلى أذربيجان في مناسبات عديدة بين عامي 1996 و 2000. ويذكر أن أذربيجان هي نقطة نقل معروفة للسلاح والمعدات لدعم الجماعات الشياشانية المسلحة.
يزعم المسؤولون الأمريكيون أن الحاج أوصل مبالغ مالية نيابة عن رئيسه في شركة “يونيون بافيريجز”، السيد عبد اللطيف العمران، إلى فرع جمعية الحرمين الإسلامية الخيرية في باكو. ولم يُجب السيد العمران، وهو أحد أبناء مالك الشركة، على الرسائل الموجهة من لجنة حماية الصحفيين من أجل التعليق على هذا الموضوع. وكذلك لم يُجب العمران الأب على رسائل لجنة حماية الصحفيين. لم تكن جمعية الحرمين موضوعة في ذلك الوقت على اللائحة التي وضعتها الولايات المتحدة للهيئات الخاضعة للمراقبة بسبب الاشتباه بدعمهما للنشاطات الإرهابية، ولكنها وضعت على اللائحة بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر.
الحاج متهم أيضا بالالتقاء مع ممدوح محمود سالم، ومن المفترض أنه من مؤسسي تنظيم القاعدة، ومساعدته على الحصول على تأشيرة سفر، وكان سالم قد نقل إلى الولايات المتحدة بتهمة التآمر في أعقاب التفجيرات التي حدثت عام 1998 لسفارتين للولايات المتحدة في إفريقيا. وقد أدين سالم عام 2004 بتهمة التسبب بعجز أحد حراس السجن في مدينة نيويورك.
يقول المسؤولون العسكريون أيضا إن الحاج زيف وثائق شركة “رومات إنترناشنال” من أجل تأسيس شركة في أذربيجان. ويزعم المحققون إن سالم كان مرتبطا بالشركة، ولكنهم لم يوفروا أية تفاصيل حول دور سالم أو القصد من وراء الخطة المزعومة.
أما المزاعم الأخرى فتبدو بصفة ظاهرة اتهامات ناشئة عن العمل الصحفي للحاج. فخلال جلسة الاستماع التي عقدها مجلس المراجعة الإدارية عام 2005، قال مسؤولون عسكريون إن الحاج “أجرى مقابلات مع عدة مسؤولين من طالبان” وعضوا بارزا في تنظيم القاعدة هو أبو حفص الموريتاني، أثناء وجوده في أفغانستان.
ومن الممكن أن الملف السري لدى حكومة الولايات المتحدة يحتوي على اتهامات أخرى، ولكن لم يتح الاطلاع على تلك الاتهامات، إن وجدت، للعموم أو لسامي الحاج أو لمحاميه ستافورد سميث.
في تقرير صحفي ظهر في صحيفة “وول ستريت جورنال” في كانون الثاني/يناير 2005، أقر قادة عسكريون أمريكيون بأن العديد من المحتجزين في غوانتانامو لا يشكلون أي خطر، ومن غير المرجح أن يكون لديهم معلومات استخبارية مهمة عن القاعدة أو عن الطالبان.
قال المحامي ستافورد سميث إن موكله لم يفعل أي شيء مخالف للقانون ولم يتورط أبدا مع الجماعات الإرهابية. وقال إن سامي الحاج سافر إلى أذربيجان لأسباب عائلية وأسباب تتعلق بالعمل، وأوصل مالا من رئيسه إلى جمعيات خيرية إسلامية مرة واحدة أو مرتين.
وقال ستافورد سميث “في ذلك الوقت لم يكن سامي يعلم لأي غرض سيستخدم المال” وإن موكله تصرف وفقا لتعليمات رئيسه فقط، “وكان يعتقد أن المال للأعمال الخيرية”. وقال المحامي، في إحدى المرات، كان سامي يحمل 220,000 دولار أمريكي إلى أذربيجان، وأبلغ مسؤولي الجمارك عن المال.
وقال محامي الدفاع إن موكله استقبل ممدوح سالم في المطار في إحدى المناسبات، وأقل عائلته بالسيارة في دبي في مناسبة أخرى، وفي كلتا المرتين كان ذلك بناء على تعليمات رئيسه. وأضاف ستافورد سميث إن سامي الحاج ساعد في الحصول على تأشيرة سفر إلى الإمارات العربية المتحدة، ولكن ليس لممدوح سالم، وإنما لإقربائه، وكان ذلك أيضا نيابة عن رئيسه في العمل.
وقال المحامي إن الجيش لم يكشف سوى القليل حول مزاعم التزييف في وثائق الشركة، ولذلك لا يمكنه الإجابة بصفة وافية عن ذلك. وقال “في الحقيقة أنا لا أعلم بالضبط ما يقولون، وكذلك سامي لا يعلم. لم نر أي شيء بهذا الخصوص، وليس لدى سامي أي فكره عنه ولذلك لا يمكنه الإجابة عن ذلك”.
وقال إن تلك المزاعم شديدة الضرر بصفة عامة، فمن دون أدلة أو شهود، أو حتى بيان حول الجرائم التي تم ارتكابها، لا يمكن دحضها. وقال “من المستحيل الدفاع ضد ‘اتهامات’ غير حقيقية”. وأضاف، “يمكنني أن أتهمك بأنك غير لطيف مع أمك، وسيكون من الصعب عليك دحض ذلك”.
حصل ستافورد سميث على معظم المعلومات المتوفرة لديه من خلال المقابلات الثماني التي أجراها مع سامي الحاج في غوانتانامو، ومن المعلومات والوثائق التي وفرها سامي، ومن الوثائق التي نزعت عنها صفة السرية مؤخرا.
ويشير ستافورد سميث إلى المزاعم التي ما انفكت تتغير ضد موكله، كدليل على النظام العدلي المشين في غوانتانامو. لقد أسقطت السلطات الأمريكية ثلاث اتهامات من الاتهامات الأصلية ضد سامي الحاج (بأنه قام بنشر دعاية إرهابية على الإنترنت؛ وأنه قام بأسفار مكثفة عبر الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية؛ وأنه قام بترتيب نقل صواريخ ستينغر المحمولة على الكتف من أفغانستان إلى الشيشان. ويقول المحامي، يبدو أن الاتهام بنقل الصورايخ مستند إلى محادثة مسجلة ومشوشة جدا تحدث خلالها أحد المحتجزين الآخرين عن محاولة لبيع تلك الأسلحة.
ولكن بالنسبة لستافورد سميث، فإن أقوى دليل على أن القضية ملفقة، هي أن المحققين الذين حققوا مع سامي الحاج، لم يظهروا سوى اهتمام بسيط بالمزاعم ذاتها. ومن الناحية الفعلية، كان تركيز جميع جلسات التحقيق مع سامي الحاج على قناة الجزيرة، وقد بلغ عدد تلك الجلسات 130 جلسة تقريبا. وقال إن المسؤولين العسكريين ظهروا مصممين على إيجاد صلة بين قناة الجزيرة وبين تنظيم القاعدة، ووجهوا أسئلة إلى سامي الحاج حول صحفيين معروفين في المحطة الفضائية، وعن شؤونها المالية، وعن الطريقة التي تدفع بها تكاليف بطاقات السفر بالطائرة.
يزعم أن المحققين العسكريين الأمريكيين أخبروا سامي الحاج في إحدى المراحل بأنهم سيفرجون عنه إذا وافق على إعلام الاستخبارات الأمريكية عن نشاطات القناة الإخبارية الفضائية. وقد رفض سامي الحاج. لم يخفِ مسؤولو إدارة الرئيس بوش مقتهم لقناة الجزيرة، وقد وصفوا برامجها في مناسبات عديدة بأنها تحريضية، واتهموا القناة بأنها تعمل مع الإرهابيين.
أكد سامي الحاج على برائته أثناء جلسة استغرقت 40 دقيقة أمام مجلس المراجعة الإداري عقدت في 12 آب/أغسطس 2005. وعلى الرغم من أن سامي رفض الإجابة على أسئلة حول الاتهامات بناء على نصيحة محاميه، إلا أن نص جلسة الاستماع يحتوي على مناشدة عاطفية لمجلس المراجعة. إذ يرد في النص قول سامي الحاج إنه مشتاق إلى عائلته بشدة، وإنه لا يفهم كيف يمكن اعتباره مقاتلا عدوا.
وقال سامي الحاج لمجلس المراجعة، “مع احترامي لكم، هناك خطأ ما تم ارتكابه لأنني لم أكن أبدا عضوا في أي جماعة إرهابية، ولم أشارك أبدا بأي عمل أرهابي أو عمل عنيف”. وأضاف، “يمكنني أن أقول دون تردد إنني لا أشكل خطرا على الولايات المتحدة أو على أية جهة أخرى. أنا أشجب بشدة أي عمل يرتكب ضد الناس الأبرياء، وأشجب بشدة الاعتداءات المأساوية على مركز التجارة العالمي في نيويورك. إن الفهم الصحيح للإسلام لا يسمح أبدا بقتل الناس الأبرياء بهذه الطريقة”.
وصف المسؤولون الأمريكيون المحتجزين في خليج غوانتانامو بأنهم “أسوأ السيئين”، ولكن زملاء سامي الحاج وأقاربه يجدون من الصعوبة إطلاق هذا الوصف على ذلك الرجل الخجول والمتواضع الذي يعرفونه. ووصفه ستافورد سميث بأنه “أحد أكثر الناس بهجة وتفاؤلا ممن التقيتهم، فهو دائم الابتسام”.
وقال يوسف الشولي الذي يعمل في قناة الجزيرة “لقد أحب زوجته وابنه – لقد كان دائما يتحدث عنهما”. ويتذكر الشولي أن الحاج كان ملتزما بالشعائر الإسلامية، ولكنه لم يكن يكترث لتصريحات المتطرفين. وقالت السيدة أسماء زوجة سامي الحاج “إنه شخص لطيف، وهو لم يرتكب أي خطأ والأمريكيون يعرفون ذلك، ولكن الأمريكيين أوقعوا أنفسهم في مأزق ولا يمكنهم الخروج منه”.
أشار مجلس المراجعة لسامي الحاج وحده وأشاد بحسن سلوكه، كما يرد في نص جلسة المجلس أن سامي كثيرا ما يؤم الصلاة في الزنازين، ويقوم بتعليم نزلاء السجن اللغة الإنجليزية والقرآن.
يؤكد مؤيدو سامي الحاج أن قضيته تضررت جراء الإعلام الضار – أو جراء غياب التغطية الإعلامية لقضيته غيابا كاملا. وما ينطبق تماما على الفئة الأولى هو شريط صوتي مفترض لأسامة بن لادن دعا فيه إلى الإفراج عن سامي الحاج وذكره بالاسم. وعلى الرغم من أن بعض الخبراء شككوا بأصالة الرسالة الصوتية التي تم بثها في 23 أيار/مايو 2006، إلا أنها ذكرت أن المحتجزين في غوانتانامو “لا صلة لهم بأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر بل والأغرب أن الكثير منهم لا صلة لهم بالقاعدة أصلا”.
وانتقد موظفو الجزيرة أيضا الدعم البسيط الذي أظهرته القناة في البداية لسامي الحاج، مقارنة مع الدعم الكبير الذي تلقاه مراسلها الصحفي الشهير تيسير علوني، الذي احتجز في إسبانيا عام 2003 بسبب اتهامات متعلقة بالإرهاب. وقال ستافورد سميث “إن حقيقة التأخير الشديد في تدخلهم سبب ضررا شديدا لقضيته”. وأضاف بأنه لا يريد أن يكون “شديد الانتقاد للجزيرة لأنها في وضع صعب”.
هل كان سامي الحاج شريكا متآمرا مع مجوعات إرهابية أم شريكا غافلا عما يدور حوله؟ أم أنه بريء براءة كاملة __ صحفي اقتلع من الميدان بينما هو يغطي أكبر قصة إخبارية في العالم؟ ما هي الجريمة التي ارتكبها؟ ما هو الدليل ضده؟ لايمكن الإجابة عن هذه الأسئلة إلا من خلال عملية قانونية نزيهة وشفافة.
يقول فوزي البشرى زميل سامي الحاج “يجب أن يسود حكم القانون”. وأضاف “لقد أمضى لغاية الآن خمس سنوات في السجن دون محاكمة”.
جويل كمبانا هو منسق برامج متقدم مسؤول عن قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين. ساهم الباحث في لجنة حماية الصحفيين، إيفان كاراكشيان، في هذا التقرير.