العراق: مجلس الحكم يعاقب قناة الجزيرة

تحت التهديد

الصحفيون العراقيون يواجهون باستمرار ظروفاً خطرة في عملهم

بقلم: جويل كامبانا، وهاني صبره

تاريخ الاصدار 17 مايو/أيار


منذ بدء الاجتياح الأميريكي للعراق في آذار/مارس 2003، لقي سبعة وعشرون صحفياً مصرعهم أثناء قيامهم بتغطية وقائع الحرب والأحداث التي تلتها. وكان جميع الصحفيين الذين قتلوا خلال العام 2003، تقريباً، من المراسلين الأجانب من بريطانيا وإسبانيا وأستراليا وألمانيا والولايات المتحدة، ودول أخرى. ولكن في العام 2004، كان من ضمن الصحفيين الـ 14 الذين قتلوا حتى الآن، 12 صحفياً عراقياً. كما قُتل ستة عراقيين من العاملين في وسائل الإعلام العراقية الأخرى.

تُظهر هذه الإحصائيات الدور المتنامي الذي يلعبه الصحفيون العراقيون في العراق، والمخاطر المتزايدة التي يواجهونها. فهناك عدة مئات من الصحفيين العراقيين في وسائل الإعلام المستقلة الجديدة التي نشأت مؤخراً، وهي تتراوح ما بين صحف وإذاعات يدعمها التحالف، وصحف حليفة لمجموعات سياسية ودينية. كما يعمل عدد كبير من العراقيين كمحررين ومصححين ومترجمين لوسائل الإعلام الدولية. وقد لعب هؤلاء الصحفيون دوراً كبيراً خلال انتفاضات الفلوجة والنجف في نيسان/أبرايل المنصرم، إذ قاموا بإعداد تقارير من مواقع الأحداث التي يشكل التواجد فيها خطراً كبيراً على حياة الصحفيين الغربيين، وخصوصاً القادمين من الولايات المتحدة، وبريطانيا، والدول الأخرى المشاركة في التحالف الدولي.

ويقول صحفي عراقي يعمل في الفلوجة لحساب إحداى وكالات الأنباء العالمية، وقد طلب أن يُعرّف باسم محمد وليس اسمه الحقيقي، “إن تواجد الصحفيين الغربيين في العراق غير مرغوب فيه في الوقت الراهن، خصوصاً في المناطق التي تشهد أعمال مقاومة. إذ يشتبه الناس، وعناصر المقاومة، والمجاهدون، بأنه من المحتمل أن يكون بعض الصحفيين جواسيس.”

وفي أوائل نيسان/إبريل، عندما قامت الجماعات العراقية المسلحة باختطاف ستة صحفيين على الأقل ضمن عشرات من الأجانب، بات التنقّل خارج حدود بغداد يشكّل خطورة متزايدة على العاملين في وسائل الإعلام الأجنبية. وفي نيسان/إبريل، عندما كانت عمليات الاختطاف في ذروتها، أشار السيد سام داغر، وهو مراسل صحفي أميريكي من أصل لبناني يعمل في وكالة الأنباء الفرنسية، إلى أن “الصحفيين الغربيين لا يرغبون بالذهاب إلى أي مكان قريب من الفلوجة أو النجف، إذ أنهما المنطقتان الأكثر سخونة حالياً.” وقد لازم العديد من المراسلين فنادقهم في العاصمة، على مدى عدة أسابيع، أو أنهم كانوا يتحركون فقط كصحفيين مصاحبين لقوات التحالف.

بالرغم من ذلك، استمر الصحفيون العراقيون المحليون بأداء عملهم كمراسلين مستقلين ومعاونين للمؤسسات الإخبارية العالمية، حيث قاموا بمدها بدعم لوجيستي حيوي أثناء تجوالهم في المناطق المناوئة، وفي جمع المادة الخام، بما في ذلك التقارير والصور. كما بات في مقدور المحطات الفضائية، مثل محطتي “العربية” و “الجزيرة” الانفراد بإذعة قصص إخبارية، مثل النتائج التي تسفر عنها الهجمات على قوات التحالف، والهجمات بالقنابل، وغيرها من التفجيرات، والاشتباكات بين القوات الأميريكية والمتمردين. وفي نيسان/إبريل، قام عدد من الصحفيين العراقيين الذين يعملون لحساب وكالات الأنباء المحلية والدولية، بتغطية الحصار الأميريكي العسكري للفلوجة، وذلك رغم المصاعب الكبيرة. ونتيجة لذلك، كانت الوكالات الإخبارية العربية، هي الوحيدة التي لديها مراسلين، من غير المراسلين المصاحبين لقوات التحالف، يبثون تقارير حية من داخل المدينة.

وحتى في بغداد، يتم الاستعانة بالمعاونين العراقيين بانتظام لجمع المعلومات الأولية. وتشير ماري براسويل، نائب محرر القسم الخارجي في جريدة لوس انجلوس تايمز قائلة، “كانت تحركات مراسلينا مقيّدة داخل المدينة خلال الأسابيع القليلة الماضية. فقد يكون بمقدورنا الذهاب بالسيارة إلى أماكن مختلفة من بغداد، ولكن من المرجح أن نبقى في سياراتنا. وفي بعض الأحيان كنا نضطر إلى إرسال مترجمينا بقائمة تحتوي على أسئلة الحوار.”

ويقول السيد صلاح نجم، مدير قسم الأخبار بقناة “العربية” الفضائية، والتي يعمل ضمن فريقها ببغداد عدد كبير من الصحفيين العراقيين، ” إذا كنت عراقيا، يمكنك أن تتحرك حول بغداد بحرية أكبر. وعندما تتم عملية ما على الأرض، عملية تفجير على سبيل المثال، فسوف تجد أن الصحفيين العراقيين والعرب هم، على الأغلب، من يقوم بعملية التغطية.”

وعلى الرغم من أنه يمكن للعراقيين أن يقوموا بتغطية الأخبار بدرجة أكبر من الأمان مقارنة بالأجانب، فإنهم ما يزالوا يواجهون تهديدات كبيرة وعواقب خطيرة. ويقول السيد صلاح نجم الصحفي بقناة العربية، ” تعرَّض صحفيوا قناتنا في حالات عديدة، للاعتداء  بالضرب أو التهديد من قبل الغوغاء، أو لإطلاق النار بينما هم يغطون حادثة انفجار.” وأوضح قائلا إنه من الممكن أن تنقلب الجماهير على وسائل الإعلام في ثوانٍ معدودة، في محاولة لتحميلها مسؤولية العنف.

لا ينحصر تعرّض الصحفيين العراقيين الذين يعملون لدى وسائل الإعلام العالمية للخطر، في الحالات التي يكونون قريبين فيها عن مواقع الأحداث. ففي أوائل شهر آذار/مارس، قام مهاجمون مسلحون بإطلاق الرصاص علي سلوان عبد الغني مهدي النعيمي، وهو مترجم عراقي يعمل لحساب إذاعة صوت أميريكا التي تمولها الحكومة الأميريكية، عندما كان في سيارته خارج منزل شقيقته في بغداد. وقام الرجال المسلحون أيضا بقتل والدته التي تبلغ من العمر 60 عاما وابنته ذات الأربعة أعوام، واللتان كانتا تجلسان في المقعد الأمامي للسيارة.

وتعتقد زوجة السيد سلوان، السيدة بان عادل سرحان، وتبلغ من العمر 28 عاما وتحمل شهادة جامعية في الأدب الإنجليزي، وكانت تعمل من قبل كمترجمة بشركة نايت – رايدر الإعلامية ومقرها الولايات المتحدة، أن المسلحين كانوا يريدون قتلها أيضا. وقالت “لقد أعتقدوا أن والدة سلوان التي كانت تشغل المقعد الأمامي هي أنا، فقد كنا في منتصف الليل وكان الظلام مخيماً. كما كانت ترتدي حجابا مثلي.” وقد اكتشف شقيق السيدة بان في يوم الجنازة، ملاحظة مكتوبة بخط اليد خارج الباب الرئيسي لمنْزل العائلة، تحتوي على آيات قرآنية تشير إلى وجوب قتل الذين يعملون مع “الكفار”، كما تضمنت تهديدات للسيدة بان سرحان بأن “دورها سيأتي قريباً، إن شاء الله.”

وبعد عدة أيام، وبالتحديد في 24 آذار/مارس، قُتل بالرصاص السيد عمر هاشم كامل، وهو مترجم يعمل لحساب مجلة التايم، بينما كان في طريقة لأداء مهمة عمل منطلقاً من مكتب المجلة في بغداد. وقد تلقى عدد من العاملين العراقيين في المنظمات الإعلامية الأميريكية تهديدات بالقتل من مصدر مجهول، ومن ضمن هؤلاء أحد العاملين في جريدة يومية أميريكية اتُهِم بأنه يعمل مع المؤتمر الوطني العراقي (INC) الذي يدعمه  البنتاغون، وذلك عقب حضوره مؤتمراً صحفياً عقده المؤتمر الوطني.

هناك شكوك كبيرة لدى العراقيين تجاه وسائل الاعلام ، وقد قام الرجال المسلحون والفصائل السياسية باعتقال وتهديد العديد من المراسلين الصحفيين. ويقول الصحفي محمد -الذي يعمل في الفلوجة- إنه عندما يذهب لتصوير الأحداث، “يكون لدى المجاهدين شكوكاً بأن دوافعي ليست إظهار الصورة الحقيقية، وإنما  الكشف عن هوياتهم.” ويتذكر واقعة ثار فيها غضب عناصر المتمردين المحليين على صحفي يعمل لمحطة تلفزيونية عربية، إذ قام بالتقاط صور لرجال مسلحين تظهر فيها وجوههم دون غطاء.

وفي نيسان/إبريل قام رجال ملثمون باحتجاز الصحفي العراقي محمد في الفلوجة، واتهموه بالعمل لحساب وسائل الإعلام التي تدعمها الولايات المتحدة . “قلت ’لماذا تعتقلونني ؟‘ … فاجابوا، ’لإنك تعمل مع قناة الحرة [التي تمولها الحكومة الأميريكية]‘ … وقالوا إنهم أُبلغوا بوجود صحفي يحمل ميكروفون مكتوب عليه قناة الحرة. ولكنهم أطلقوا سراحي بالنهاية، ثم قاموا لاحقاً باحتجاز المراسل /المصور الذي يعمل مع قناة الحرة في الفلوجة. وقال لهم، ’أنا عراقي، أنا واحد منكم، أنا معكم، فلماذا تعتقلونني؟‘ فقاموا بتحطيم كاميرته وقالوا ’طالما أنك تعمل مع الأمريكيين فنحن نرفض وجودك هنا.‘ واعتقلوه لمدة خمس ساعات ثم أطلقوا سراحه.”

ونتيجة لهذه التهديدات والهجمات، قام عدد من العاملين العراقيين –ومعظمهم من العاملين مع المنظمات الإخبارية الأميريكية والغربية- بترك أعمالهم، أو اتخاذ احتياطات كبيرة تحسباً من رؤيتهم أو التعرف على هوية الجهات التي يعملون معها. بل أن عدداً قليلاً منهم هرب من البلاد. وقد انسحب مؤخراً بشكل مفاجئ، مترجم عراقي كان يعمل لحساب شكبة أيه.بي.سي الإخبارية  وكان يخفي هوية مستخدميه –مثله في ذلك مثل العديد من الصحفيين المحليين الآخرين الذين يعملون مع وكالات الأنباء الغربية- وذلك بعد أن كشف بشكل علني خلال مؤتمر صحفي، إنه يعمل لحساب وكالة أنباء أميريكية. وتحدث مراسل شبكة أيه.بي.سي الإخبارية، ديفيد رايت، عن هذا المترجم العراقي في مقال نشر حديثاً في جريدة يو.أس توداي، وقال ” إنه يشعر بشكل حقيقي أنه مستهدف.كل هؤلاء الشباب ( المترجمون العراقيون) قلقون لدرجة هائلة. إن الوضع الآن أخطر من أي وقت مضى، وأنا آتي إلى هنا منذ أكثر من عام.”

إن أحد مصادر القلق الرئيسية بالنسبة إلى عدد كبير من الصحفيين العراقيين الذين يعملون في الميدان بصورة دائمة، هو خطر تعرّضهم لإطلاق النيران، وخصوصاً من جانب القوات الأميريكية. ويقول الصحفي محمد، ” إن مصدر خوفنا الحقيقي يأتي من الأميريكيين، فنحن نخشاهم أكثر مما نخشى غيرهم هنا.”

تعرّض سبعة صحفيين على الأقل، للقتل بنيران أميريكية منذ أن بدأت الحرب في العام 2003 -وقد يكون عدد القتلى تسعة-، وكان معظمهم من العراقيين أو العرب، وقد أثارت بعض تلك حالات تساؤلات حول قواعد الاشتباك والسلوك التي تتبعها القوات الأميريكية، والتي تؤدي إلى تنامي شعور جارف بعدم الثقة ضمن الصحفيين العرب.

 في آذار/مارس 2004، انسحب الصحفيون العرب من مؤتمر صحفي ببغداد عقده وزير الخارجية الأميريكي، كولين باول، وذلك احتجاجاً على مقتل صحفيين عراقيين على إثر إطلاق القوات الأميريكية النيران عليهما (وهما مصور قناة “العربية”، السيد علي عبد العزيز؛ والمراسل الصحفي علي الخطيب). وقد قُتل السيدان عبد العزيز والخطيب برصاص أميريكي في نقطة تفتيش أميريكية في بغداد، عندما ذهبا لتغطية الأحداث في أعقاب هجوم صاروخي. فبينما كان الرجلان يغادران موقع الأحداث، فتحت القوات الأميريكية النيران عليهما عندما اقتربت من الجنود سيارة أخرى، يقودها رجل مسن، واصطدمت بحاجز معدني صغير بالقرب من مركبة عسكرية في نقطة التفتيش.

 و قد أدت الحوادث التي تسببت بها القوات الأميريكية إلى إصابة الصحفيين – ليس فقط العراقيين- بحالة من القلق الشديد. يقول السيد سام داغر، الذي يعمل في وكالة الأنباء الفرنسية، إنه عندما يمر في الطريق بالقرب من قافلة عسكرية ،فإنه يصاب بحالة من القلق الشديد. وقال، ” أشعر بالقلق من احتمال أن يحدث رد فعل مفاجئ. … وعندما تكون هناك قوات أميريكية قريبة … أشعر إنه من الممكن أن يحدث أي شئ يدفعهم لإطلاق النيران في إتجاهنا”.

وكذلك، تعرّض الصحفيون العرب الذين تعاملوا مع القوات الأميريكية أو عملوا بقربها، إلى أشكال عديدة من المضايقات، بما في ذلك الاحتجاز، والإيذاء البدني، بالإضافة إلى مصادرة أفلامهم أو معداتهم. وفي آب/أغسطس، احتجز الجنود الأميركيون قرب سجن أبو غريب، مصوراً يعمل في وكالة أسوشيتد برس للأنباء، هو السيد كريم خادم، إضافة إلى السائق الذي يعمل معه، السيد محمد عباس. وتم وضع القيود في أيدي الرجلين، وأُجبرا على الوقوف تحت الشمس لمدة ثلاث ساعات، وحُرما من الماء ومن استخدام الهاتف، بينما كان الجنود يصوبون أسلحتهم نحوهما، على الرغم من أنهما أخبرا الجنود بأنهما يعملان في الصحافة. وفيما بعد، اعتذر ضابط أميريكي للرجلين، وأبلغ مكتب وكالة أسوشيتد برس في بغداد إن عملية الاحتجاز لا تتعدى كونها “سوء فهم”.

في 2 كانون الثاني/يناير، اعتقلت قوات الولايات المتحدة مصوراً يعمل مع وكالة رويترز للأنباء، سالم عُريبْي، ومراسل رويترز السيد أحمد محمد حسين البدراني، إضافة إلى السائق الذي يعمل معهما، السيد ستار جابر البدراني، قرب بلدة الفلوجة العراقية. وقال الصحفيون إنهم تعرّضوا لإطلاق الرصاص من القوات الأميريكية، بينما كانوا يحاولون تغطية الأخبار في أعقاب سقوط مروحية أميريكية بنيران المقاتلين العراقيين، ومن ثم تم اعتقالهم. وقد احتُجزوا لمدة ثلاثة أيام وزعموا إنهم تعرضوا لإساءة المعاملة. وأوردت الصحيفة البريطانية “الغارديان” في 13 كانون الثاني/يناير، إن القوات التي كانت تحتجزهم، عصبت عيونهم، وأجبرتهم على الوقوف لعدة ساعات وأيديهم مرفوعة، وهددتهم باعتداءات جنسية. وقد استشهدت الصحيفة بأقوال فرد من أسرة أحد الصحفيين الذين احتُجزوا، أفاد بأن المحققين الأميريكيين أجبروا أحد الرجال على خلع ملابسه، وأجبروه على وضع حذائه في فمه. هذا وقد باءت المحاولات المتكررة للحصول على تعليق من الجيش الأميريكي حول هذه الحادثة بالفشل.

ووفقا للتقارير، فقد أُلقي القبض على مراسلي قناة الجزيرة وتعرضوا للإيذاء في الحجز مرتين على الأقل، وذلك بينما كانوا يغطّون نتائج هجمات رجال المقاومة على القوات الأميريكية . وقد رفض فريق الجزيرة ببغداد الحديث مع لجنة حماية الصحفيين للاقتباس أقوالهم في هذه المقالة. وبالرغم من ذلك ،كانت مجلة “نيشن” الأميريكية قد نشرت تقريراً في آذار/مارس، حول محنة مصور الجزيرة صالح حسن، الذي اعتقلته القوات الأميريكية في تشرين الثاني/نوفمبر 2003، بعد وصوله إلى موقع انفجرت فيه قنبلة مزروعة بجانب أحد الطرق أثناء مرور قافلة عسكرية أميريكية، بالقرب من مدينة بعقوبة التي تبعد مسافة 25ميل (40كيلومتر ) شمال بغداد. قامت القوات الأميريكية بالتحقيق مع السيد صالح حسن، واتهمته بإنه كان يعلم بالهجوم قبل وقوعه. وبعد ذلك قاموا بوضع رأسه داخل كيس وترحيله إلى سجن أبو غريب حيث قام الجنود، وفقا لما ذكرته مجلة نيشن، “بتجريده من ملابسه ، وكانوا يخاطبونه فقط بعبارة ’صبي الجزيرة‘ أو ’العاهرة‘.” كما أُجبر صالح حسن على “الوقوف ورأسه موضوعه داخل كيس، ومقيداً، وعارياً لمدة إحدى عشر ساعة … وعندما وقع على الأرض، قام الجنود بركل رجليه لكي يقف من جديد.” وقد أطلق سراحه في النهاية بعد شهر ونصف، عندما لم تجد المحكمة التابعة لمجلس الحكم العراقي أية أدلة ضده. وقد باءت المحاولات المتكررة للحصول على تعليق من الجيش الأميريكي على الواقعة بالفشل .

وقد طالبت لجنة حماية الصحفيين بأن يبدأ الجيش الأميريكي بإجراء تحقيقات سريعة وشاملة وعلنية، في الحالات التي تُتهم فيها القوات الأميريكية بارتكاب مضايقات واعتقالات أو قتل ضد الصحفيين. وحتى هذا التاريخ، فإن السلطات العسكرية فشلت في توفير محاسبة شاملة وعلنية للعديد من الحوادث المماثلة.

وكما هو الحال في قضية صالح حسن، فقد اتهمت القوات الأميريكية مراراً القناتين الفضائيتين العربيتين “الجزيرة” و “العربية”، بإن لديهما معرفة سابقة بالهجمات التي ستقع على قوات التحالف. واستمرت في إتهامهما بإثارة المشاعر المعادية للامريكيين. وفي مقابلة إذاعية جرت مؤخرا، قال وزير الدفاع الأميريكي دونالد رامسفيلد إن القناتين “تحصلان بين وقت وآخر على معلومات حتى قبل أن تبدأ الهجمات الأرهابية … ولذا فإنهما لا تقومان فقط ببث تقارير مجافية للحقيقة ،ولكنهما في حالات عديدة … تعملان بالتنسيق مع الارهابيين.”

وقد أنكرت قناتا “الجزيرة” و “العربية” مراراً اتهامات رامسفيلد. ويقول محمد، الصحفي العراقي بإن ماتراه الحكومة الأميريكية تآمراً، لا يتخطى كونه أداء للواجب بشكل جيد، من خلال الوصول إلى موقع الأخبار بسرعة. وأوضح قائلاً، “لا يتطلب الأمر مجهوداً كبيراً لكي أعرف أين يقع أي حادث، إذ إنني أعرف شوارع الفلوجة جيداً. وإذا ما رأيت دخاناً أو ألسنة لهب، فإنني أتوجه إلى هناك على الفور، وأصل إلى مسرح الحدث، في قلب الموضوع، وفي بداية الحدث، وهكذا أقوم بالاتصال [بوكالة الأخبار التي أعمل بها]، وأرسل إليهم التقرير، أو الفيلم. وهكذا تُبدي القوات الأميريكية دهشتها، ’كيف نعرف نحن الصحفيين عن العمليات؟‘ … ولذا يشك الأمريكيون بأن الصحفيين يتعاونون مع المقاومة. ولكننا ننقل الحقيقة،الوقائع. فنحن نكتب تقارير عن الأحداث التي تجري.”

بينما يواصل العاملوم في وسائل الإعلام العراقية عملهم الشاق في كتابة التقارير الإخبارية، والمساعدة في جمع الأخبار، يتساءل العديدون، ما الذي يمكن عمله لحماية الصحفيين من المتمردين والقوات الأميريكية، والمخاطر الكامنة في تغطية أي صراع.

ويقول السيد ديف ماراش، مراسل برنامج “نايت لاين” بشبكة أيه.بي.سي الإخبارية، وعضو مجلس إدارة  لجنة حماية الصحفيين، والذي أمضى مؤخراً شهرين في العراق، “إن أحد المجالات التي يمكن للوكالات الإخبارية من خلالها القيام بعمل أفضل، هو تزويد طاقم عملها المحلي بوسائل أمان أفضل، مثل السترات الواقية، والسيارات المصفحة.” وبينما كان السيد ديف ماراش في العراق، فقد شاهد عن كثب المخاطر التي يواجهها الصحفيون العراقيون، إذ قُتل المصور العراقي برهان محمد مزهور، الذي يعمل مع محطة أيه.بي.سي. بعد ما أصيب بطلقات من المحتمل أنها كانت من جانب القوات الأميريكية، في مدينة الفلوجة.

ويقول مراسل لصحيفة أميريكية، رفض الكشف عن اسمه، “هناك ما نسبته عشرة بالمائة من هذه المخاطر يمكن لنا تفاديها من خلال الإجراءات التي نستطيع اتخاذها. ولكن يجب أن يفكر الجميع بشكل جاد بخصوص ما الذي يريدون عمله لكسب عيشهم. وبكلمات أخرى، فإنهم يمارسون عملاً من الممكن أن يؤدي إلى قتلهم، لذا يجب أن يكونوا متأكدين تماماً من أنهم يريدون القيام بهذا العمل، قبل أن يأتوا إلى العمل كل صباح. وما ينطبق عليهم، ينطبق علينا نحن أيضاً.”

جويل كامبانا هو منسق قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين.

هاني صبره هو باحث في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين.