بقلم جاستن شيلاد/ زميل بحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع للجنة حماية الصحفيين
لقي صحفي حتفه في اليمن في ظروف غامضة بعد أن تلقى تهديدات بسبب ممارسته لعمله، وعندما ظهرت نتائج التشريح فإنها أثارت تساؤلات أكثر مما قدمت إجابات. كما صدر حكم بالإعدام على كاتب صحفي بتهمه التجسس، وذلك في محاكمة تفتقر إلى الشفافية.
وفي كلتا هاتين الحالتين لا تستطيع لجنة حماية الصحفيين تحديد ما إذا كان الصحفي قد استُهدف بشكل متعمد بسبب عمله الصحفي. لكن مدى الخطورة التي انطوت عليها الحالتان، مقترنة بشُح المعلومات وغياب أي مظهر من مظاهر التحقيق أو مراعاة الأصول القانونية على أرض الواقع، تشير بوضوح إلى تلك البيئة القاتمة والخطيرة التي يعمل ضمنها الصحفيون اليمنيون.
انحدر اليمن، الذي كانت قد هزته عدة حركات تمرد حتى قبل الإطاحة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح، نحو حالة من الاضطراب والفوضى عندما بسطت قوات تابعة لحركة أنصار الله المتمردة، أو ما يُعرف بالحوثيين، سيطرتها الكاملة على العاصمة صنعاء في يناير/ كانون الثاني سنة 2015 وأجبرت حكومة خليفة صالح على الهرب إلى عدن جنوب البلاد. ومنذ ذلك الوقت، أدت حملة القصف التي تقودها السعودية ضد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وتنامي وجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، إلى زيادة حالة الفوضى هناك مما نتج عنه انهيار كامل لمؤسسات الدولة.
وسط هذه الأجواء، واجه الصحفيون مخاطر ظلت تتصاعد باستمرار وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وهي مناطق يسودها جو من الترهيب. وقد وثقت لجنة حماية الصحفيين الطريقة التي يتم بها مهاجمة الصحفيين وتهديدهم من قبل مهاجمين مجهولين، إضافة إلى توثيق عمليات اعتقال للصحفيين وترهيبهم من قبل أفراد من الواضح أنهم مرتبطون بالحوثيين. إن سيادة القانون يقررها الطرف الذي يستولي على زمام السلطة، فيما تفتقر السلطات في صنعاء وأماكن أخرى إلى البنية التحتية أو الإرادة السياسية (أو كليهما) لإجراء تحقيقات بطريقة نزيهة.
في 12 أبريل/ نيسان، حكمت محكمة أمن الدولة في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين على الصحفي المخضرم يحيى الجبيحي بالإعدام، وفقاً لما أوردته تقارير إعلامية عديدة. وذكرت وكالة سبأ للأنباء، التي يسيطر عليها الحوثيون أيضاً، أن الجبيحي أُدين بتهم التجسس لصالح السعودية وتمرير معلومات للدبلوماسيين السعوديين “أضرّت بالجيش اليمني وموقف اليمن السياسي واقتصاده وذلك مقابل 4,500 ريـال سعودي (1200 دولار) تلقاها من الرياض منذ عام 2010”. إلى ذلك، ذكرت قناة الجزيرة التي تمولها الدولة في قطر، دون ذكر المصادر، أن الحوثيين اعتقلوا الصحفي بعد رفضه كتابة مقالة تؤيد الحوثيين. يُذكر أن قطر هي من البلدان المشاركة في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين والقوى الموالية لصالح.
وفي بيان أُرسل إلى لجنة حماية الصحفيين بواسطة البريد الإلكتروني، قال مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وهو منظمة حقوق إنسان في صنعاء، إن الجبيحي كان في ثمانينيات القرن الماضي قد عمل في صحيفتي المدينة وعكاظ السعوديتين وإنه كان يحاضر أيضاً في جامعة صنعاء. وقد أوردت صحيفتا عكاظ والمدينة خبر الحكم عليه، بيد أن أياً منهما لم تذكر أنه كان صحفياً سابقاً فيهما. وبحسب الجزيرة عمل الجبيحي أولاً في الدائرة الإعلامية للحكومة اليمنية الشمالية ما بين عام 1987 وعام 1990، إبان حكم الرئيس السابق صالح، وأنه استمر في عمله هذا بعد توحد اليمن الشمالي واليمن الجنوبي تحت حكم صالح عام 1990، حيث غادر منصبه عام 1997. وفي الآونة الأخيرة، كتب الجبيحي مقالات انتقد فيها الحوثيين. وقد أفاد مرصد حرية الإعلام، وهو مشروع منبثق عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، للجنة حماية الصحفيين في بيان تم إرساله بالبريد الإلكتروني أن الجبيحي عمل أيضاً مستشاراً في السفارة السعودية في صنعاء عندما تم اعتقاله.
لم تكن العملية القضائية التي أصدرت حكم الإعدام على الجبيحي تتسم بالشفافية، حيث أُجريت في محاكمة مغلقة يحجزها الحوثيون عادة لمقاتلي تنظيم القاعدة، حسب تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد. وقالت بشرى الجبيحي، ابنة الصحفي الجبيحي، في مقابلة أجرتها معها قناة بلقيس اليمنية إنه لم يُسمح لوالدها بالالتقاء المنتظم مع محامٍ خلال محاكمته. وفي مقابلة أخرى، مع نفس القناة، قالت إن العائلة استأنفت الحكم.
من جانب آخر، شكلت الوفاة الغامضة للصحفي الاستقصائي اليمني محمد العبسي في الآونة الأخيرة، شاهداً محتملاً آخر على حالة الفوضى التي يعيشها اليمن. توفي العبسي، وهو مدون وصحفي استقصائي كان قد تعرض سابقاً لتهديدات واتُخذ بحقه إجراءٌ قضائي بسبب تقاريره، على نحو غير متوقع في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2016. وذكر أفراد من عائلته للجنة حماية الصحفيين أنهم يشتبهون بأنه قُتل وأنهم أرجأوا دفنه من أجل تشريح الجثة في الخارج.
وذكر أشرف الريفي، سكرتير لجنة الحقوق والحريات في نقابة الصحفيين اليمنيين، للجنة حماية الصحفيين أنه أخذ عينات من أنسجة رفات العبسي إلى أطباء شرعيين في الأردن بسبب افتقار صنعاء للمرافق المناسبة لإجراء تشريح كامل. وقد أصدرت النقابة بياناً مشتركاً مع أسرة الصحفي بينت في بالتفصيل الإجراءات التي اتخذوها لنقل عينات الأنسجة إلى الأردن عن طريق عدن، التي يسيطر عليها الموالون لعبد ربه منصور هادي، الذي خلف صالح في رئاسة اليمن. وأشارت نتائج التشريح إلى أن سبب وفاته عائد إلى التسمم بغاز أول أكسيد الكربون، لكنها لم توضح كيفية تعرضه لهذا الغاز.
وقال أحد أفراد عائلة العبسي، طلب عدم ذكر اسمه خشية تعرضه للانتقام، للجنة حماية الصحفيين إن عائلته اتصلت بالسلطات الحوثية من أجل إجراء تحقيق دقيق، لكنها لم تتلقَ أي رد. وقالت أسرته إن شكوكها لها ما يبررها؛ إذ كان العبسي قد تلقى تهديدات بشكل متكرر بسبب عمله الصحفي. وقد استُهدف بدعوى قضائية جنائية بتهم تشويه السمعة عام 2013 من قبل حكومة هادي عندما كان العبسي رئيس تحرير صحيفة ‘الأولى’. وجاءت تلك الدعوى، التي رفضتها المحكمة لاحقاً، رداً على مقالات نشرتها الصحيفة زعمت فيها بحدوث سوء تدبير مالي في العمل الخيري الذي تديره الحكومة، تعقيباً على سلسلة تدوينات كتبها العبسي بشكل مستقل.
وعقب استيلاء الحوثيين على صنعاء، تحول تركيز العبسي حيث كتب لسلسة تدوينات حول ما قال إنه فساد متفشٍ تورط فيه رجال أعمال معروفون وقيادات حوثية رفيعة. وكتب أيضاً عن قضايا من قبيل تدهور البنية التحتية اليمنية في مطبوعات إقليمية منها صحيفة السفير اللبنانية. وبعد وقت قصير من وفاته غير المتوقعة، ذكر زملاء له للجنة حماية الصحفيين أن العبسي كان قد أخبرهم مؤخراً بأنه تعرض للتهديد من قبل مليشيات وأنه يخشى على حياته.
كانت فكرة استهداف صحفي يمني بدعوى قضائية ترفعها الحكومة، حتى حادثة موت العبسي، تبدو فكرة غريبة تقريباً. فقد توقفت الحكومة اليمنية فعلياً عن القيام بوظائفها فيما حل محل جهاز الدولة المستبد الذي ضيق على الصحفيين في الماضي مجموعة مثيرة للارتباك من الجماعات المسلحة.
لقد بلغت أجواء الترهيب مبلغاً بات معه حمل معدات من قبيل آلة التصوير في صنعاء عملاً محفوفاً بالمخاطر، طبقاً لما ذكره صحفي، اشترط عدم ذكر اسمه، للجنة حماية الصحفيين. وقال الصحفي إنه بينما كان يسير برفقه زميل له مؤخراً في صنعاء اقتربت منهم قوة تابعة للحوثيين عند رؤية عناصرها للكاميرات بحوزتهما، قائلين لهما إنهم “سيكسّرون رأسيهما” إن كانا صحفييّن. وأضاف الصحفي بأن زملاءه في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يعملون خلسة، خاصة إذا ما تطلب الأمر حمل معدات تصوير فوتوغرافي أو فيديوي يمكن ملاحظتها، وأن الفريق الإعلامي عند إعداده تقريراً مصوراً مؤخراً، قام بتصوير جميع المشاهد باستخدام هواتف محمولة ثم غادر بعدها المكان بسرعة.
بالإضافة إلى ذلك، قال الصحفي إن كل صحفي يعمل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون يجب عليه الحصول على رخصة للعمل، حتى لو كان يغطي أخباراً يومية من قبيل حفلات الزفاف. ويعرِّض كل من يعمل بلا رخصه نفسه لخطر الاعتقال على يد ميليشيات من ضمنها ميليشيات مرتبطة بالحوثيين لكنها ليست منتمية لهم رسمياً.
وقال الصحفي إن “العمل الصحفي المستقل أصبح غير آمن في كافة المناطق اليمنية، وليس فقط في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين – على الرغم من أنهم الطرف الأكثر خطورة بسبب عدم مبالاتهم بأي ضغط دولي يُمارس عليهم نتيجة للانتهاكات التي يرتكبونها بحق الصحفيين والحرية العامة”.