الصحفية زهرا جويا التي أسست وكالة ’روخشانا‘ للأنباء، صورة التُقطت في لندن. (الصورة مقدمة من زهرا جويا)

’فكّرتُ في الجهود والكفاحات التي بُذلت على مر عقدين من الزمن … وبكيت‘

الصحفية التي أسّست وكالة أنباء مكرسة لتغطية حياة نساء أفغانستان وشواغلهن تتحدث عن الكيفية التي تواصل فيها الصحفيات الأفغانيات تغطية الأنباء

قررتُ في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 أن أؤسّس وكالة أنباء أفغانية تديرها النساء وتعمل من أجلهن—خدمة إخبارية عبر الإنترنت تتصدى للأعراف الأبوية الشائعة في أفغانستان. وأطلقت على وكالة الأنباء اسم ’روخشانا‘، وذلك تيمّناً باسم شابة تعرضت للرجم حتى الموت على يد حركة طالبان في إقليم غور في عام 2015 بسبب فرارها من زواج قسري.

وفي الوقت الذي بدأنا فيه العمل، كنت أعمل نائب مدير الإعلام والتوعية العامة في بلدية كابول، وكنت أنفق جزءاً كبيراً من مرتبي—وهو يعادل حوالي 1,000 دولار شهرياً—لتوظيف ثلاث صحفيات للعمل في الوكالة. وعمِلتْ بعض صديقاتي تطوعياً، وبذلك وصل عددنا إلى ست عاملات.

كانت المراسِلات الصحفيات العاملات في الوكالة غير مدربات بما يكفي، لكنهن كن يعرفن الصعوبات التي يواجهنها في حياتهن وكان بوسعهن إيراد تغطية صحفية متعاطفة مع سائر النساء، وقد غطين العديد من القضايا التي لم تحظَ سابقاً بأي تغطية، من المضايقات في الشوارع والتي تواجهها أغلبية النساء الأفغانيات، إلى تجربة الحيض. إن العديد من الفتيات المراهقات في أفغانستان، وخصوصاً في المناطق النائية، لا يعرفن ما هو الحيض قبل أن يحدث لهن، وعندما يحدث فجأة فإنهن يشعرن بالتوتر وأحياناً يُصبن بصدمة عصبية. وكان موضوع الحيض موضوعاً تحيط به هالة من التحريم، وأردنا أن نضفي الصفة الطبيعية على هذا الأمر.

قمنا أيضاً بمقابلة فتيات ونساء ممن تعرضن للاغتصاب، بما في ذلك حالة مفزعة ذهبت ضحيتها فتاة تبلغ من العمر تسع سنوات. وكانت وسائل إعلام أخرى قد ذكرت أن حالة الاغتصاب هذه وقعت في آذار/ مارس من السنة الماضية، لكننا بحثنا عن الأسرة وأوردنا تغطية صحفية حول تفاصيل الواقعة. وكانت الطفلة قد نزفت كمية كبيرة من الدم أثناء الاعتداء ونُقلت إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية. وأفادت عمة الطفلة، والتي كانت تربيها بناء على طلب والدها، أن الجيران والآخرين أخذوا ينظرون إلى الأسرة باحتقار بعد الحادثة. وقالت العمة أنها لا تعرف “إلى أين تلجأ”.

أبارتيد قائم على النوع الاجماعي

بات هذا النوع من التغطية الصحفية مهدداً حالياً. ومثل العديد من الأفغان، لم أتخيل أبداً أن حركة طالبان ستفرض سيطرتها على أفغانستان بهذه السرعة، وأن أفراد أسرتي والصحفيات العاملات في وكالة ’روخشانا‘ سيضطرون للاختباء أو الفرار للعيش في المنفى. ومع ذلك، واجهنا جميعاً في 15 آب/ أغسطس معضلة صعبة ومؤلمة. فنحن نعتقد أنه تحت ظل حكم حركة طالبان ليس أمام النساء سوى خيارين اثنين: إما أن يقبلن بالقوانين القمعية ويعشن وفقها ويغيّرن هويتهن تماماً، وإما يعشن كما اعتدنَ ويُخاطرن بالتعرض للقتل. وبوصفي امرأة وكنت قد كافحت كثيراً لأصل إلى ما وصلت إليه، فقد كان كلا الخيارين غير مقبول. فلم يكن بوسعي قبول أن أضطر إلى رؤية العالم عبر قضبان سجن البرقع، وما كنت أريد أن أُقتل أيضاً. لذا عندما تلقيت مكالمة من السفارة البريطانية في 24 آب/ أغسطس وتوفرت لي فرصة السفر إلى خارج البلد، قبلت هذه الفرصة.

وعلى مدى قرابة السنة لغاية الآن، ظلت نساء أفغانستان يستيقظن كل صباح على الواقع المر بأنهن يعشن ضمن نظام أبارتيد قائم على الفصل بين الجنسين. وقد أُلغيت وزارة شؤون المرأة، واحتلت مكاتبها وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكانت ملايين الفتيات المراهقات يأملن بالعودة إلى مدارسهن، بيد أن حركة طالبان واصلت المراوغة التأخير. وأوردت وكالة ’روخشانا‘ أن العنف ضد النساء في المنازل والأماكن العامة يتزايد، وبدأت جثث نساء تظهر في الشوارع وكأنها نفايات مطروحة خارجاً. وبات يتعين على النساء الأفغانيات اللاتي تمتعن بحريات سياسية واجتماعية ومهنية معينة قبل سنة أن يكبحن طموحاتهن حالياً.

ويفيد تقرير صدر عن الأمم المتحدة مؤخراً بأن “النساء والفتيات بصفة خاصة تعرضن لقيود شديدة على حقوقهن الإنسانية، مما أدى إلى إقصائهن عن معظم جوانب الحياة اليومية والحياة العامة”.

وتواجه الصحفيات تحديات محددة، بما في ذلك الترهيب، ونقص إمكانية الوصول إلى المعلومات، والتمييز الشديد. وثمة استطلاعات بنتائج متفاوتة، ولكن الاستطلاعات التي أجريت خلال السنة الماضية تُظهر أن معظم الصحفيات خسرن عملهن منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة. وفي بعض أقاليم أفغانستان، لا يُسمح للنساء بالعمل مطلقاً.

ووفقاً للتغطية الصحفية التي قدمتها وكالتنا، حظرت حركة طالبان بث أصوات النساء في بعض المناطق، كما حظرت بث أفلام تظهر فيها ممثلات. وصدرت تعليمات لوسائل الإعلام أن تفصل بين مكاتب الرجال ومكاتب النساء لمنعهم من العمل معاً مباشرة. وفي آذار/ مارس من هذه السنة، منعت حركة طالبان القنوات الإخبارية الخاصة في أفغانستان من إعادة بث برامج من قنوات ’بي بي سي‘، و ’صوت أمريكا‘، و ’دويتشه فيلي‘ الألمانية، وذلك بسبب طريقة لباس مقدمي الأخبار في هذه القنوات، حسبما أفادت هذه التعليمات. وفي أيار/ مايو، أصدرت حركة طالبان أمراً يفرض على جميع المذيعات في القنوات التلفزيونية تغطية وجوههن. وفي بعض الأماكن، حظرت الحركة على الصحفيات حضور المؤتمرات الصحفية.

وعندما أجبرت حركة طالبان المذيعات في القنوات التلفزيونية على ارتداء الحجاب، قمت بتحرير الأخبار وقلبي مفعم بالأسى. فقد عنى ذلك بالنسبة لي أن شكلاً من أشكال السجن الاجتماعي قد أعيد فرضه من جديد. وفي حوالي الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم، أطفأت جهاز الكمبيوتر في غرفتي هنا في لندن، بعيداً عن أفغانستان، وفكّرت لبرهة في الجهود والكفاحات التي بُذلت على مر عقدين من الزمن—خصوصاً كفاحات النساء الأفغانيات—وبكيت.

ورغم كل هذه القيود، تواصل الصحفيات العمل. وقالت لي مذيعة تعمل في قناة تلفزيونية خاصة أنها تجد صعوبة في ارتداء خمار أثناء العمل—فليس بوسعها أن تتنفس تنفساً ملائماً وتجد صعوبة في نطق الكلمات بلفظ واضح—ولكنها أضافت بأنها لن تتوقف عن العمل. وقد بدأت بعض الصحفيات يكتبن تحت أسماء مستعارة ذكورية وذلك لإخفاء هويتهن وحماية أنفسهن.

أول مراسل صحفي ذكر في وكالة ’روخشانا‘

بعد أن فرضت حركة طالبان سيطرتها على أفغانستان، ظلت وكالة ’روخشانا‘ ملتزمة بتوفير فرص للصحفيات. ولكن انتشر الخوف وواجهنا صعوبة في استقدام صحفيات جديدات—خصوصاً في الأقاليم وخارج المدن الرئيسية. لذا، وبعد حوالي شهرين من سيطرة حركة طالبان، وظّفنا في الوكالة أول مراسل صحفي ذكر. ومنذ ذلك الوقت، وظفنا آخرين يشاطروننا التزامنا بسرد قصص النساء.

ويعمل الصحفيون والصحفيات العاملون معنا، وغالباً في الخفاء، على توفير تغطية صحفية للمواطنين وللجمهور في جميع أنحاء العالم ليعلم الناس في كل مكان ما الذي يمر به الأفغان أثناء الأزمة الحالية. ونحن ننشر باللغتين الدارية والإنجليزية، ونستخدم منصات التواصل الاجتماعي بما في ذلك فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، وتيليغرام لنشر تقاريرنا الإخبارية ومقاطع الفيديو التي نصورها.

ويكتب جميع المراسلين العاملين معنا في أفغانستان مستخدمين أسماء مستعارة، ولا تتاح لهم سوى إمكانية وصول محدودة إلى المعلومات. ومع ذلك، فإنهم يحاولون ويبذلون ما في وسعهم. وفي شباط/ فبراير من هذا العام، قامت صحفية تستخدم اسم نسيبة عريفي بالاتصال بالناطق باسم حركة طالبان في قوة الشرطة في غرب مدينة هرات، وذلك للسؤال عن جثتين تم تعليقهما من رافعة إنشائية. وبدلاً من الإجابة عن سؤال الصحفية، فرض عليها مطالب محددة: أولاً، قال إن على الوسيلة الإعلامية التي تعمل فيها الصحفية أن تتعهد بالعمل وفقاً لسياسات حركة طالبان؛ وثانيا، على الصحفية أن تتعهد بإرسال أي تغطية له لمراجعتها قبل النشر، وأن عليها ألا تستخدم أبداً عبارة “جماعة طالبان” (والتي تُعتبر بأنها تُستخدم من قبل أعداء الحركة لنزع الشرعية عن حكمها).

نشرت وكالة ’روخشانا‘ هذه القصة الصحفية استناداً للمعلومات المتوفرة لدينا. وبعد ذلك أرسل المسؤول في حركة طالبان رسالة نصية هاتفية للصحفية نسيبة العريفي وطلب منها توفير عنوان الوسيلة الإعلامية التي تعمل بها وتفاصيل عنها، ولكنها امتنعت عن ذلك خشية من تعرضها للاعتقال أو المضايقات.

يتعين علينا دائماً أن نتوخى الحذر. وبغية ضمان سلامة الأشخاص الذين نقابلهم وسلامة المراسلين الصحفيين، فإننا نحجم أحياناً عن نشر موضوعات حساسة. وفي إحدى المرات، قمنا بحذف قصة صحفية من موقعنا الإلكتروني ومن حساباتنا على منصات التواصل الاجتماعي لأننا تلقينا مكالمة من رجل قال إنه إذا لم نقم بحذف الخبر “فسأجد مراسلكم الصحفي”.

’لن أستسلم أبداً‘

تشترك الصحفيات اللاتي بقين في أفغانستان بصفة محددة، وهي أنهن يحبنّ عملهن ويشعرن أنه بات مهماً أكثر من أي وقت مضى. وقالت لي إحدى الصحفيات العاملات في وكالة ’روخشانا‘ “أنا أحب الصحافة ولن أستسلم أبداً. مع ذلك، ثمة أوقات تساور فيها الشكوك هذه الصحفيات. وأفادت صحفية تلفزيونية لوكالة ’روخشانا‘ مؤخراً بأنها تمضي أياماً أحياناً للحصول على تعليق أو معلومات من مسؤولي حركة طالبان، ولكن دون أي نتيجة. وتقول، “هذا الوضع يثبط همتي يومياً عن العمل كصحفية”.

يواجه الصحفيون أيضاً ضغوطات مالية. لقد بدأتُ وكالة ’روخشانا‘ آملةً أنه عندما تظهر أهمية عملنا لوسائل الإعلام الأخرى، فإنها قد تدعمنا مالياً. ولكننا لم نحصل على ذلك النوع من الدعم، على الأقل في البداية. والآن بعد أن أخذت العديد من المنظمات الإعلامية الأفغانية تقلص أعمالها أو تنهار، بات هذا الدعم أكثر أهمية من أي وقت مضى، وبات الحصول عليه أكثر صعوبة.

مع ذلك، كنا في الوكالة محظوظين جداً. ففي العام الماضي، أجرت إحدى الصديقات حملة لجمع التبرعات في كندا تمكنت من توفير مبلغ كافٍ لتغطية عملياتنا لمدة حوالي سنة. وفي فترة لاحقة، حصلنا على تمويل من منظمة ’إنترنيوز‘. وبات يعمل لدينا حالياً أربعة محررين متفرغين، وسبعة مراسلين صحفيين، وعدة صحفيين مستقلين يعملون معنا بانتظام. ونحن لسنا في فترة ازدهار تماماً، ولكننا بعيدين عن إغلاق مكاتبنا والتوقف عن العمل. وثمة عدد كبير من النساء يشجعننا ويتمنين لنا النجاح.