بقلم شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين
في الذكرى السنوية الثانية على انطلاقة الثورة المصرية في 25 يناير/كانون الثاني، ما زال ظل حسني مبارك ماثلاً في العديد من المجالات في الميدان العام – ولا تشكل وسائل الإعلام استثناءً لذلك. وينبغي على الرئيس محمد مرسي أن يتوقف عن استخدام الأساليب التي كانت سائدة في عهد مبارك لإسكات ناقديه عبر توجيه اتهامات جنائية ضدهم مثل تهمة القذف.
لقد شهدت وسائل الإعلام المصرية بعض التقدم خلال العامين الماضيين. وحتى في الوقت الذي واصلت فيه الحكومات التي تشكلت بعد عهد مبارك (سواء بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة أم جماعة الأخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس مرسي) سيطرتها على وسائل الإعلام التي تديرها الدولة والتحريض على تنفيذ اعتداءات بدنية وقانونية ضد الصحفيين، تمكنت الأصوات المستقلة ووسائل الإعلام المستقلة من تحقيق ازدهار. ولكنها عندما سعت للحصول على الحماية بموجب الدستور المصري الجديد، فإنها لم تجد شيئاً؛ فلم يفعل الدستور أي شيء لتقييد الملاحقات الجنائية ضد الصحفيين.
لذا كانت المسألة مسألة وقت قبل أن يُطلق الرئيس مرسي سلسلة من التحقيقات ضد ناقديه، بما في ذلك محررون صحفيون بارزون، ومقدمو برامج تلفزيونية، وصحفيون، فقد وجه لعدد منهم في نهاية العام الماضي تهمة القذف والتشهير. وهذه التهمة منقولة مباشرة من أساليب مبارك، فقد استخدمها لقمع الصحفيين الذين نشروا معلومات حول ما شاع بشأن مرضه. وقد صدر حكم بالسجن لمدة شهرين على أحد هؤلاء الصحفيين، وهو إبراهيم عيسى، بتهمة “نشر أنباء كاذبة” في عام 2008. وفي الأسبوع الماضي، استدعى النائب العام في مصر الصحفي نفسه للتحقيق معه بتهمة “ازدراء الإسلام”.
إبراهيم عيسى هو صحفي مخضرم ومن أبرز الصحفيين المصريين. ولكنه ليس وحيداً في كفاحه، فالعديد من الصحفيين المصريين يناصرون قضية حرية الصحافة ويكافحون للمحافظة على أحد المكتسبات الملموسة القليلة التي حققها الثورة المصرية: وهو كسر حاجز الخوف. ومن بين هؤلاء الصحفيين باسم يوسف الذي استدعته المحكمة أيضاً على خلفية اتهامات سخيفة مثل “إهانة الرئيس”. وقد أطلقت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ الأمريكية على باسم يوسف لقب بطل الليبراليين المصريين، لأنه في طليعة ناقدي الإسلاميين، بمن فيهم الرئيس مرسي الذي ينتمي إلى جماعة الأخوان المسلمين. كما قارنت الصحيفة باسم يوسف بالنجم الكوميدي الأمريكي جون ستيوارت.
ولكن في حين يتمتع جون ستيوارت ببيئة تسودها حرية الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن باسم يوسف يخاطر بالتعاطي مع الخطوط الحمراء التي تحكم وسائل الإعلام المصرية. بدأ باسم يوسف في إعداد مواد إعلامية بمبادرة ذاتية منه ومن منزله في عام 2011، وقد انتقد في برنامجه السيطرة المؤسسية التي تمارسها الحكومة على التوجه التحريري لوسائل الإعلام، وأظهر النفاق التي تمارسه الحكومة في هذا الصدد. وفي العام الماضي وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى للثورة، عمل مع الفرقة الشعبية ‘كايروكي’ لإنتاج أغنية “اثبت مكانك” لدعم أصحاب الأصوات المستقلة في وسائل الإعلام الذين تعرضوا لاعتداءات على يد الحكومة العسكرية السابقة بسبب عملهم. وقد حقق باسم يوسف “نجاحاً باهراً” لما يتحلّى به من روح رياديّة، وأصبح برنامجه خلال أقل من سنتين هو الأكثر جذباً للمعلنين، حسب صحيفة ‘بلومبرغ بزنس وييك’.
ولكن إبراهيم عيسى وباسم يوسف يحتاجان مساعدتنا كي يتغلبا على المصاعب التي تواجههما. فثمة حاجة لممارسة المزيد من الضغط على مرسي كي يقر بحقهما بالتعبير عن نفسيهما دون خوف. وكان مرسي قد أعلن عن التزامه بحرية التعبير حتى بينما كان يبرر توجيه الاتهامات الجنائية ضد هذين الصحفيين الشجاعين وضد وسائل الإعلام. وفي الحوار الذي نظمه مرسي ذاته بمشاركة المعارضة في أعقاب إقرار الاستفتاء على الدستور، تمت الإشارة إلى قوانين القذف والتشهير بوصفها المطلب الأهم من أجل تعديلها. ولو كان الرئيس مرسي ملتزماً ولو من بعيد بالثورة المصرية ومطالبها بتحقيق الحرية وتفكيك نظام مبارك، فعليه أن يعدّل قانون العقوبات كي يزيل منه تهمة القذف. وحينها فقط يمكن للثورة أن تكون في المسار الصحيح.