الإعتداءات على الصحافة في عام 2009: تونس

أهم التطورات

>     الحكومة ترتب الإطاحة بقادة اتحاد الصحفيين المستقلين.

>     سجن اثنين من الصحفيين اقتصاصاً منهم على خلفية كتابة تقارير ناقدة.

أرقام مهمة

97 في المائة من إجمالي التغطية الصحفية للانتخابات الرئاسية تم تكريسها لحملة الرئيس زين العابدين بن علي الانتخابية

أُعيد انتخاب الرئيس زين العابدين بن علي لفترة رئاسية خامسة بعد حصوله على 90 بالمائة من أصوات الناخبين في ظل قيود صارمة مفروضة على التغطية المستقلة. وقد استهدفت حكومة بن علي نقابة الصحفيين في البلاد وأسقطت مجلسها المنتخب ديمقراطياً، في حين قامت قوات الشرطة بتخويف الصحفيين الناقدين ومضايقتهم. وفي أواخر 2009، كان هناك صحفيان في السجن، يُعتبر أحدهما من أبرز المنتقدين للرئيس.

لقد بدت الانتخابات مقررة سلفاً. فقد خاض زين العابدين بن علي الانتخابات في مواجهة ثلاثة مرشحين مغمورين، أعلن اثنان منهم أنهما في الواقع يؤيدان الرئيس الحالي. ولم يُسمح لأي مراقب مستقل بمراقبة الانتخابات التي عقدت في 25 تشرين الأول/ أكتوبر. وقد استأثر زين العابدين بن علي، استناداً إلى دراسة مسحية أجرتها خمس جماعات محلية لحقوق الإنسان، بنسبة مذهلة من تغطية الصحافة المطبوعة بلغت 97 في المائة من إجمالي حجم التغطية. ومع ذلك، هاجم زين العابدين بن علي “أقلية ضئيلة” من التونسيين لقيامهم “بشن حملة يائسة بمشاركة عدد من الصحفيين الأجانب لإلقاء ظلال من الشك على نتائج الانتخابات”.

حاولت مراسلة صحيفة “لوموند” الفرنسية اليومية فلورانس بوجي تغطية العملية الانتخابية غير إنه تم وضعها على متن رحلة عائدة إلى باريس يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر. ونقلاً عن مصادر حكومية قالت وكالة فرانس برس إن فلورانس مُنعت من دخول البلاد لأنها كانت تبطن على الدوام حقداً جلياً تجاه تونس وتبنت بانتظام مواقف معادية”. وبعد الحادثة بيومين، أبلغت السلطات التونسية صحيفة “لوموند” بأنها ومنشوراتها الشقيقة قد غدت محظورة لأجل غير مسمى في البلاد. أما الدخول إلى موقع الصحيفة على شبكة الإنترنت من داخل تونس فظل متاحاً، بيد إنه تم تعطيل روابط المقالات الناقدة التي تتناول تونس.

كما جرى استهداف موقع “كلمة” الإخباري المستقل على شبكة الإنترنت طوال شهر تشرين الأول/ أكتوبر، كما أن الموقع محجوب محلياً داخل تونس. وقامت الشرطة باحتجاز صحفيين من “كلمة” لعدة ساعات عقب التقاطهم صوراً للحملة الانتخابية في الجزء الشمالي من مدينة طبرقة دون الحصول على إذن من الوكالة التونسية للاتصال الخارجي التي تديرها الدولة. (تأسست الوكالة في أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي من أجل الترويج لصورة النظام في الخارج، ومن ثم أخذت تدريجياً تتولى مسؤولية منح الاعتماد لوسائل الإعلام وإصدار تصاريح التصوير وتوزيع الإعلانات الحكومية.) كما قام عناصر من الشرطة يرتدون ملابس مدنية بالتعامل بخشونة مع رئيسة تحرير”كلمة” ومؤسستها سهام بن سدرين ومنعها من المشاركة في حلقة عمل حول التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، وذلك حسبما أخبرت لجنة حماية الصحفيين. كما قام عناصر الأمن بالاعتداء على معز الباي، أحد المساهمين لمجلة “كلمة” وصحيفة “الموقف” الأسبوعية المعارضة في مدينة صفاقس، وصادروا المعدات التي كانت بحوزته.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، كرّمت لجنة حماية الصحفيين نزيهة رجيبة، زميلة بن سدرين في رئاسة تحرير”كلمة” وتأسيسها، بمنحها جائزة حرية الصحافة الدولية لعام 2009. وفي حفل التكريم الذي عقد بمدينة نيويورك، قالت رجيبة في كلمة خاطبت بها حشداً من مئات الحاضرين: “أنا لست بطلة ولا ضحية بل صحفية ترغب في العمل في ظل ظروف طبيعية. إذ إن درجة القمع السائد في تونس تجعل من الأنشطة العادية أمراً استثنائياً”.

يشتمل القمع على الرقابة والاعتداءات والاعتقالات، حيث صادرت السلطات في 10 تشرين الأول/ أكتوبر عدداً من أسبوعية “الطريق الجديد” المعارضة التي تملكها حركة التجديد المعارضة بسبب “خرقها قانون الانتخابات” بعد أن نشرت الصحيفة البرنامج الانتخابي لمرشحها، أحمد إبراهيم، وفقاً لبيان أصدرته الحركة.

يقول سليم بوخذير، وهو صحفي عانى طويلاً من الاضطهاد بسبب انتقاده للرئيس بن علي ، بإنه تعرض للاختطاف قرب منزله في تونس العاصمة بعد ساعات فقط من إجراء مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عقب انتهاء الانتخابات. حيث أجبره أربعة رجال على ركوب سيارتهم ثم ضربوه وجردوه من ملابسه وأخذوا محفظته وهاتفه الجوال ومن ثم ألقوه في حديقة عامة والكدمات تغطي جسده، حسب ما أفاد به للجنة حماية الصحفيين. وقد أعاد هذا الاعتداء إلى الأذهان حادثة وقعت في عام 2008 حين جرى اختطاف سليم بوخذير لفترة وجيزة بعد كتابته مقالاً حول الانتقادات التي وجهتها وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندوليزا رايس لسياسات تونس المتعلقة بالصحافة. وقد سُجن بوخذير لمدة ثمانية أشهر في عام 2007 بعد كتابته مقالات تنتقد الرئيس زين العابدين بن علي.

كان هناك صحفيان داخل السجن حينما أجرت لجنة حماية الصحفيين تعدادها السنوي للصحفيين السجناء في 1 كانون الأول/ ديسمبر. اعتُقل توفيق بن بريك، وهو كاتب مساهم في وسائل إعلام أوروبية عديدة وأحد أبرز منتقدي زين العابدين بن علي، في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر وحُكم عليه في وقت لاحق بالسجن لمدة ستة أشهر على خلفية تهم ملفقة بالاعتداء وتدمير الممتلكات والتشهير وانتهاك الآداب العامة، وفقاً لمقابلات أجرتها لجنة حماية الصحفيين وتقارير إخبارية. ولم يتم إحضار توفيق بن بريك إلى قاعة المحكمة في تونس حينما صدر الحكم، حسبما أفادت زوجته عزة الزراد، كما مُنع محاموه وأسرته من زيارته لعدة أيام قبل انعقاد جلسة المحكمة.

كما اعتقل زهير مخلوف، وهو ناشط سياسي وكاتب في “السبيل أونلاين” وهو موقع إخباري تونسي على الإنترنت، يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر ووجهت إليه تهمة إزعاج الغير عبر شبكة الاتصالات العمومية“. وجاء اعتقاله بعد أن التقط صوراً وكتب مقالاً يتناول التلوث في المناطق الصناعية في نابل جنوبي تونس العاصمة، وحُكم عليه بالسجن مدة ثلاثة أشهر ودفع 6,000 دينار (4،700 دولار أمريكي) على سبيل التعويض.

تمتلك تونس نظام اتصالات متطور ونسبة انتشار مرتفعة للإنترنت، بيد أن الحكومة ترشح المحتوى على نطاق واسع، حسبما أوردت دراسة نشرتها في آب/ أغسطس 2009 مبادرة الشبكة المفتوحة وهي شراكة أكاديمية تعنى بدراسة الرقابة المفروضة على شبكة الإنترنت. وكما تظهر أبحاث أعدتها لجنة حماية الصحفيين ومبادرة الشبكة المفتوحة فإن الحكومة تفرض رقابة واسعة النطاق على المواقع الإلكترونية التي تتناول مواضيع حقوق الإنسان والمعارضة السياسية فضلاً عن المواقع الناقدة لسياسيات الحكومة. وتشير مبادرة الشبكة المفتوحة إلى أن الحكومة حجبت مواقع تبادل ملفات الفيديو البارزة كموقع يوتيوب “لأن النشطاء التونسيين على ما يبدو استخدموها لنشر المحتوى الناقد لممارسات النظام في مجال حقوق الإنسان”. كما حجبت الوكالة التونسية للإنترنت التي تديرها الدولة وصلات تقود إلى مراجعات متوفرة على شبكة الإنترنت لكتاب “La Régente de Carthage” الذي ألفه صحفيون فرنسيون ووجهوا فيه انتقادات إلى سيدة تونس الأولى. إن تفشي ممارسة ترشيح محتوى شبكة الإنترنت وممارسات الحجب والرقابة واسعة النطاق المفروضة على حركة البريد الإلكتروني وضعت تونس على لائحة لجنة حماية الصحفيين لأسوأ عشرة بلدان للمدونين.

أما المدون ومحامي حقوق الإنسان محمد عبو الذي سُجن سابقاً فقد خضع لمراقبة الشرطة المستمرة وتعرض لحملة تشهير في صحف مدعومة من الحكومة منذ منتصف 2009. ووفقاً لجماعات حقوق إنسان محلية، أجرى محمد عبو مقابلات مع وسائل إعلام أوروبية ومع قناة “الجزيرة” وصف فيها الأشهر الستة والثلاثين التي قضاها في السجن، واستنكر التعذيب الذي تمارسه الشرطة، وانتقد الحكومة لاستخدام المحاكم لتصفية الحسابات. وفي السياق ذاته، قال صحفيان سجينان سابقاً هما عبد الله الزواري وحمادي الجبالي للجنة حماية الصحفيين بإنهما أيضاً قيد مراقبة لصيقة من الشرطة. وكان الصحفيان زميلين في أسبوعية “الفجر” الإسلامية المنحلة، وقضيا مدة طويلة في السجن على خلفية اتهامات مبهمة بمعاداة الدولة.

وساعدت الحكومة في الترتيب للإطاحة بالقيادات المنتخبة في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، وهي منظمة مهنية كانت تعتبر مستقلة فيما سبق. فقد أثارت قيادة النقابة سخط السلطات بإصدار تقرير في شهر أيار/ مايو ينتقد أوضاع حرية الصحافة، ثم رفضت لاحقاً تأييد زين العابدين بن علي أو أي من المرشحين الآخرين لمنصب الرئاسة. وبدعم من وزارة الاتصالات، وزع أعضاء النقابة الموالون للحكومة عريضة لحجب الثقة عن تلك القيادات.

وأفاد رئيس النقابة آنذاك ناجي بغوري بأن عدداً من الصحفيين تعرضوا للتخويف أو التهديد بفقدان وظائفهم إن لم يوقعوا على العريضة، وقال ناجي في ذلك الحين للجنة حماية الصحفيين إن “وسائل الإعلام الخاصة تضغط على الصحفيين العاملين لديها للتوقيع على العريضة خشية حرمانها من التأييد العموميي وإيرادات الإعلانات”. ويُظهر بحث لجنة حماية الصحفيين أن الوكالة التونسية للاتصال الخارجي توزع الإعلانات الرسمية انتقائياً وتعهد بها إلى وسائل الإعلام المنحازة للحكومة.

وفي شهر آب/ أغسطس، جرى استبدال قادة النقابة في اجتماع احتشد فيه الأعضاء الموالون للحكومة. وكان أول ما قام به مجلس النقابة المعاد تشكيله هو إرسال رسالة ولاء لزين العابدين بن علي “لحرصه المتواصل على الارتقاء بالمشهد الإعلامي التونسي”. وقد تجاهلت القيادة الجديدة الاعتداءات على حرية الصحافة ومنها مداهمة الشرطة لمكاتب راديو الإنترنت 6 في تونس في تشرين الأول/ أكتوبر ومصادرة معدات المحطة، حسبما أخبر صحفيون لجنة حماية الصحفيين.

كانت ملكية وسائل البث الإعلامي الخاصة تخضع لهيمنة أقارب زين العابدين وأصدقائه المقربين، وهو وضع أدانته النقابة التونسية للإذاعات الحرة في تشرين الأول/ أكتوبر بوصفه مثالاً على “سياسة المحسوبية”. وكان زوج ابنة زين العابدين، صخر الماطري، قد أنشأ إذاعة دينية تدعى الزيتونة في عام 2007 وحصل على موافقة لإنشاء محطة تلفزيونية تحمل الاسم نفسه، وفقاً لما ذكرته تقارير إخبارية. وفي نيسان/ إبريل، بسط صخر سيطرته على دار الصباح وهي أقدم مجموعات الإعلام الخاص المطبوع في البلاد ومن أهمها. كما واصلت معظم وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص بالإشادة بقيادة زين العابدين ومهاجمة منتقديه.

كتبت لجنة حماية الصحفيين مرتين لزين العابدين بن علي في عام 2009 لحثه على وقف الهجمات ضد الصحفيين ومواءمة ممارسات حكومته مع المعايير الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد أشار المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين جويل سايمون إلى أن “الأعمال الانتقامية ضد الصحفيين الناقدين ظلت تجري بصفة روتينية ومنهجية وبلا أية قيود وأن تقاعس السلطات التونسية عن حماية حرية التعبير يثير الأسى بصفة خاصة لأن تونس كانت من ضمن البلدان الأولى في المنطقة التي وقعت وصادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ودون تحفظ”.