الإعتداءات على الصحافة في عام 2009: السودان

أهم التطورات

>     مواصلة الحكومة فرض رقابة واسعة.

>     عدم ارتقاء قانون الصحافة الجديد إلى مستوى المعايير الدولية.

أرقام مهمة

9 رجال أُعدموا في قضية قتل رئيس تحرير صحيفة. والمراقبون يصفون المحاكمة بأنها إساءة تطبيق للعدالة.

عمل الصحفيون السودانيون في عام 2009 في ظل حالة من عدم اليقين السياسي والقيود الصارمة، حيث قيدت الرقابة الرسمية المتفشية حرية الصحفيين في تغطية أحداث العام الصاخبة عن كثب، ومنها إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير، واستمرار القتال المتفرق في إقليم دارفور المنكوب، وتصاعد أعمال العنف العرقية في جنوب السودان التي أثارت المخاوف من تجدد الحرب. كما منعت أجهزة الأمن تناول الموضوعات التي تعتبر حساسة بما فيها موضوع إقليم دارفور، والمحكمة الجنائية الدولية، وقضايا حقوق الإنسان، والفساد الرسمي، وطرد وكالات المعونة، والرقابة الحكومية على الصحف في حد ذاتها. كما أقر المجلس التشريعي قانوناً جديداً صارماً للصحافة مبدداً الآمال باستبدال قانون الصحافة القمعي الصادر سنة 2004 بآخر يرقى إلى مستوى المعايير الدولية. ورغم إعلان الحكومة وضع حد للرقابة المسبقة على الصحافة في أيلول/ سبتمبر، لم يكن رؤساء التحرير مقتنعين بأن هذا الإجراء سوف يفضي إلى تغيير كبير. كما أعرب الكثير من الصحفيين المحليين عن خشيتهم من أن الأنظمة الرسمية والرقابة الذاتية المنتشرة على نطاق واسع قد تعوق آمال إجراء حملة حرة ونزيهة تحضيراً للانتخابات الوطنية التاريخية المقرر عقدها في عام 2010.

تعد الانتخابات المزمع عقدها والتي تأجلت عدة مرات شرطاً أساسياً لعملية السلام بين شمال السودان وجنوبه، حيث طوى السودان في كانون الثاني/ يناير2005 عقدين من الحرب الأهلية بين نخبة الشمال من العرب المسلمين والجنوبيين الفقراء غير المسلمين بالتوقيع على اتفاق السلام الشامل. وكجزء من هذا الاتفاق، شكل مؤتمر الحزب الوطني المسلم الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان حكومة وحدة وطنية بقيادة البشير. وفي تلك الأثناء، ظل الصراع في دارفور والذي يُعتَقد بأنه خلف مئات الآلاف من القتلى متواصلاً على الرغم من وجود قوة حفظ سلام إقليمية تدعمها الأمم المتحدة.

ويؤكد اتفاق السلام الشامل كما الدستور المؤقت لعام 2005 على الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة. وعلى الرغم من هذه الضمانات، أرست السلطات في الخرطوم نظاماً رقابياً قمعياً يتكون من مجموعة متنوعة من الآليات. يفيد تقرير نشرته مجلة “كولومبيا الدورية للصحافة” بأن المجلس الوطني للصحافة، وهو هيئة مستقلة عن الحزب الحاكم استقلالاً اسمياً فقط، يشرف على عقد امتحانات مهنية إجبارية للصحفيين ورؤساء التحرير. ورغم وجود بضع عشرات من الصحف الصادرة محلياً إلا إنها تخضع لمراقبة ومعاقبة جهاز الأمن والمخابرات الوطنيين. وكثيراً ما يقوم جهاز الأمن باحتجاز ومضايقة الصحفيين الذين يُعتَبرون منتقدين لمؤتمر الحزب الوطني الحاكم بمن فيهم أولئك الساعون لتغطية قضايا دارفور والقضاء الدولي. وتعكف الحكومة أيضاً على مراقبة الاتصالات عبر الإنترنت بما فيها البريد الإلكتروني بين المواطنين العاديين. وقد توصلت منظمة هيومن رايتس ووتش في أوائل عام 2009 إلى قناعة بأن “التضييق على المعلومات المُتاحة للناس في السودان يتزايد بينما القيواد الصارمة المفروضة على الحوارات والجدالات بشأن التطورات السياسية وغيرها من الأمور المهمة للجمهورتتقلص أيضا”.

وفي أعقاب إبرام اتفاق السلام بين الشمال والجنوب، دعا الصحفيون وأعضاء المعارضة لوضع تشريع إعلامي جديد يسمح بالتغطية السياسية المستقلة للانتخابات الوطنية. وبدلاً من ذلك، أقرت الهيئة التشريعية الوطنية في حزيران/ يونيو بإجماع أعضائها قانون للصحافة يتضمن تدابير تقييدية عديدة ولم يلغ الرقابة الرسمية. واتصف مشروع سابق للقانون بالقسوة المفرطة حيث منح المجلس الوطني للصحافة سلطة إغلاق الصحف وإصدار تراخيص النشر وإلغائها وفرض إجراءات تأديبية صارمة بحق الصحفيين ومصادرة معدات الطباعة. وفي حين أن الصيغة النهائية شملت تعديلات جاءت استجابةً لانتقادات المدافعين عن وسائل الإعلام وأحزاب المعارضة، إلا إنها لم ترتق إلى مستوى المعايير الدولية بل إنها لم تقترب منها. فعلى سبيل المثال، في حين تحظر الصيغة النهائية على المجلس الوطني للصحافة إغلاق الصحف لأكثر من ثلاثة أيام دون قرار من المحكمة، فإنها تفرض نظام إصدار تراخيص للصحفيين وتسمح بتدخل الدولة في الصحافة لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام. كما فشل القانون الجديد في إسقاط قانون قوات الأمن الوطني لعام 1999 الذي يمنح رجال الأمن سلطات واسعة على وسائل الإعلام، وهو ما أتاح لهم على أرض الواقع فرض رقابة على الصحف بمنعها من الصدور أو إجبارها على عدم نشر مقالات ناقدة.

وفي شهر أيلول/ سبتمبر، أمر البشير بوقف الرقابة المسبقة الذي يمارسها جهاز الأمن والمخابرات الوطني، حيث كانت كافة المنشورات المحلية في السابق تخضع لمراجعة مسبقة من قبل الأجهزة الأمنية مما اضطر رؤساء التحرير بانتظام إلى حجب مواد محددة عن الصدور. وحتى الصحف في الجنوب كانت خاضعة لرقابة الخرطوم بموجب شرط يفرض عليها إما أن تكون مطبوعة في العاصمة أو في خارج البلاد والذي من شأنه زيادة تكاليف إصدارها زيادةً كبيرة. وجرى تشديد الرقابة بعد شباط/ فبراير 2008، عندما اتهمت بعض الصحف المحلية الحكومة السودانية بدعم المتمردين في تشاد المجاورة، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الدولية.

وقد صدر أمر إلغاء الرقابة المسبقة بعد أن وافق رؤساء تحرير الصحف المحلية على التوقيع على مدونة لقواعد السلوك ذات صياغة فضفاضة. كما إنه جاء في أعقاب قرار اتخذته المحكمة العليا وأيدت فيه دستورية الرقابة على الإعلام بوصفها تصب في مصلحة الأمن القومي والآداب العامة، وفقاً لصحيفة “سودان تريبيون” الصادرة في أوروبا. وكان الكثير من الصحفيين المحليين متشككين من قرار البشير في تخفيف الرقابة، وظلوا قلقين من أن تفرض الحكومة عقوبات قاسية على الصحفيين الذين يعتبر أنهم خرجوا عن “الخطوط الحمراء”، وهي القواعد غير المكتوبة لما هو مقبول وغير مقبول في الصحافة. وفي هذا الصدد يقول أحد رؤساء التحرير لوكالة رويترز “من المستحيل أن تتسامح [قوات الأمن] مع أي شيء يتعلق بالأمن أو المحكمة الجنائية الدولية”.

وثقَّت لجنة حماية الصحفيين قبل إصدار البشير أمر إيقاف الرقابة المسبقة العديد من حالات الرقابة الصارخة، ومنها على سبيل المثال، امتناع المحررين في صحيفة “الميدان” الأسبوعية التي يديرها الحزب الشيوعي السوداني المعارض عن نشر أحد أعدادها في شهر شباط/ فبراير بسبب التدخل الحكومي واسع النطاق. وحسبما أفادت مصادر في الصحيفة، فإن مسؤولي الأمن قد أجبروا العاملين على حجب ما يقرب من 20 مادة شملت تحليلات سياسية ومقالة رأي تنتقد الحرب في إقليم دارفور.

ثمة مواد قانونية مختلفة كقانون التشهير الجنائي القاسي وغيره من المواد القمعية الواردة في قانون العقوبات تتيح المجال أمام السلطات كي تحد من حرية الصحافة والصحفيين، في حين أن من النادر أن يحظى الصحفيون بفرصة الحصول على قضاء عادل. وفي شهر تموز/ يوليو على سبيل المثال، قالت السلطات بإنه ينبغي للكاتبة الصحفية أمل هباني أن تدفع غرامة تعادل 400,000 دولار أمريكي لكتابتها مقالاً ينتقد الادعاء الرسمي بحق لبنى الحسين، وفقاً للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وقد طعنت هباني في هذا الادعاء، وكانت القضية لا تزال قيد النظر في أواخر 2009. أما لبنى الحسين فهي صحفية أدينت في محكمة سودانية بتهمة ارتداء ملابس غير لائقة وذلك على خلفية ارتدائها بنطالاً في مكان عام، وقد استرعت هذه القضية اهتماماً دولياً.

ظلت وسائل البث الإعلامي في هذا البلد المترامي الأطراف والذي يفتقر للبنية التحتية، هي الوسيلة الوحيدة للحصول على الأخبار بالنسبة لمعظم السكان. غير أن الحكومة تملك جميع محطات التلفزة المحلية وتسيطر على معظم الإذاعات المحلية باستثناء إذاعة مدعومة من الأمم المتحدة وبضعة محطات قائمة في جنوب السودان تندرج تحت إطار السلطة التنظيمية لحكومة جنوب السودان شبه المستقلة. كما تقوم السلطات في جنوب السودان أيضاً بمضايقة الصحفيين أحياناً وتفرض رقابة على الأخبار. ووفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، ثمة مشاريع قوانين معروضة على المجلس التشريعي لجنوب السودان من شأنها أن تساعد في حماية حرية الصحافة، ومن ضمنها مشروع قانون حق الحصول على المعلومات، ومشروع قانون هيئة البث المستقلة، ومشروع قانون مؤسسة جنوب السودان للبث، ومشروع قانون وزارة الإعلام، ومشروع قانون تنظيم البث. وعموماً، تسعى مشاريع القوانين هذه إلى تطبيق الدستور المؤقت لجنوب السودان الذي يحتوي على ضمانات تكفل حرية التعبير.

وفي حين يتحمل الصحفيون السودانيون العبء الأكبر من انعدام ثقة الحكومة في الصحافة، تقوم السلطات في بعض الأحيان أيضاً بمضايقة الصحفيين الأجانب وفرض قيود عليهم. فما فتئت قدرة الصحفيين الأجانب على الإقامة في السودان أو زيارة دارفور تواجه عراقيل بفعل رقابة الحكومة وقيود بيروقراطية كثيرة، حيث أخذت السلطات تطلب أشكالاً متعددة من الوثائق، كبطاقة مزاولة العمل الصحفي وبطاقة الاعتماد، والتي كانت تنطوي في بعض الأحيان على التعامل مع عدة وكالات حكومية مثل مجلس الصحافة ووزارات الهجرة، والإعلام، والعمل. وغالباً ما خضع الصحفيون المغادرون من إقليم دارفور للتفتيش والاستجواب من قبل رجال الأمن.

كما طردت السلطات في شهر شباط/ فبراير الصحفية الكندية من أصل مصري هبة علي بعد أن كتبت سلسلة من التقارير حول دارفور وأجرت تحقيقاً حول الإنتاج المحلي للأسلحة. وهبة علي مراسلة مستقلة لعدة مؤسسات إعلامية بما فيها وكالة “بلومبرغ”، وشبكة الأنباء الإنسانية “إيرين” التابعة للأمم المتحدة، وصحيفة “كريستيان ساينس مونيتور”، وكانت قد شرعت في كتابة الأخبار من السودان في حزيران/ يونيو 2008. وفي حين أن أجهزة الأمن في السودان اتهمت هبة بانتهاك قوانين الهجرة، إلا إنها أفادت في مقابلاتها مع وسائل الإعلام بأن طردها كان بسبب تقاريرها الإخبارية. وقالت لوكالة رويترز إن فترة صلاحية بطاقة اعتمادها كصحفية قد انتهت في شهر كانون الثاني/ يناير ولم تكن قادرة على تجديدها رغم الطلبات المتكررة التي قدمتها للمجلس الوطني للصحافة. وفي شهر آذار/ مارس، احتُجز الصحفي التونسي المقيم في السودان زهير لطيف، العامل لحساب الموقع الإلكتروني الناطق بالعربية والتابع لقناة تلفزيون “فرنسا 24” الإخبارية وكذلك صحيفة “الحياة” الناطقة بالعربية والصادرة في لندن، لمدة يومين قبل طرده من البلاد. وقال زهير بإن عناصر المخابرات السودانية اقتحموا شقته في الخرطوم وصادروا كاميرته وأشرطته وهواتفه الجوالة قبل اعتقاله. وحسبما أفاد موقع قناة “فرنسا 24” على شبكة الإنترنت فإن السلطات السودانية ادعت بأن طرد زهير كان بسبب”خرقه لإجراءات الهجرة،” دون أن تحدد طبيعة هذه الخروقات، في حين قال زهير للقناة بإنه قام بزيارة إقليم دارفور قبيل طرده حيث التقط صوراً وأجرى مقابلات مع الضحايا بشأن الصراع هناك.

وفي أواخر عام 2009، كانت جريمة القتل البشعة التي تعرض لها رئيس تحرير صحيفة “الوفاق” اليومية الخاصة محمد طه محمد أحمد لا تزال دون حل. حيث اختطف محمد طه وقطعت رأسه انتقاماً منه على ما يبدو لنشره مقالاً يشكك في أصول النبي محمد. وقد أدين تسعة أشخاص بالتورط في عملية الاغتيال ونُفِّذَ فيهم حكم الإعدام في شهر نيسان/ إبريل، إلا إن جماعات حقوق الإنسان ومحامي الدفاع قالوا إن المتهمين اعتقلوا بصورة تعسفية وانتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب. وفي هذا الصدد، قال أحد الصحفيين السودانيين المستقلين للجنة حماية الصحفيين دون الكشف عن اسمه خشية الانتقام منه: “لقد أثارت هذه القضية منذ البداية علامات استفهام وشكوك كبيرة حيث كان لمحمد طه محمد أحمد الكثير من المشاكل مع شخصيات مؤثرة ورموز في النظام الحاكم. وقد شكك الكثير من الناس في أن يكون هؤلاء الرجال هم حقاً المسؤولون عن عملية الاختطاف والاغتيال، في حين ذهب آخرون إلى القول بإنهم كانوا من الواضح مجرد أدوات في أيدي بعض كبار مساعدي البشير”.