خطوة بالاتجاه الخاطئ
بقلم: هاني صبرا
يتعرض الصحفي المستقل، علي المرابط، من جديد لاعتداء السلطات المغربية. فقد أصدرت محكمة في الرباط، في تحرك مروع خلال الاسبوع الماضي، حكماً يحظر عليه ممارسة الصحافة لمدة عشرة أعوام، بعد أن أدانته بتهمة التشهير بحق منظمة مؤيدة للحكومة. إن هذا الحكم المجحف، هو نوع من العقوبة يمكن للمرء أن يتوقع صدوره عن محاكم كوبا أو الصين لإسكات المعارضين، وهو يتعارض من دون شك مع التصريحات العامة التي تصدر عن المسؤولين المغربيين والتي يعلنون فيها التزامهم بالديمقراطية وحرية الصحافة. وخلال الشهر الماضي فقط، أعلن وزير الاتصالات المغربي، نبيل بن عبدالله، سعياً منه لعرض نوايا الإصلاح المغربية، أن الحكومة وافقت من حيث المبدأ على تعديل قانون الصحافة المجحف المعمول به في البلاد، وذلك من خلال إلغاء عقوبة السجن عن المخالفات الصحفية.
إن القضية المرفوعة ضد الصحفي علي المرابط هي تحرك بالاتجاه الخاطئ.
تتسم المحنة الأخيرة التي يتعرض لها المرابط بالغرابة بقدر ما هي مؤلمة، فقد أدانته المحكمة بتهمة التشهير بحق منظمة مغمورة مؤيدة للحكومة، في مقال كتبه للصحيفة الإسبانية اليومية إلموندو (El Mundo) في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ولم يكن قد ذكر في مقالته اسم تلك المنظمة على الإطلاق، بل أشار فيها إلى السكان الصحراويين الذين يعيشون في مخيمات في مدينة تندوف الجزائرية بوصفهم لاجئين، مخالفاً بذلك موقف الحكومة المغربية التي تعتبرهم محتجزين من قبل جبهة البوليساريو التي تنادي باستقلال الصحراء الغربية.
لقد عانى المرابط تاريخاً طويلاً من المشاكل مع الحكومة. فقد أمضى خلال العام 2003 ما يقارب تسعة أشهر في السجن، واضطر لإغلاق الصحيفتين اللتين كان يصدرهما لأنه نشر فيهما مقالات ورسوماً كاريكاتيرية، تضمنت انتقادات للملكية، ولأنه أجرى مقابلة مع أحد معارضي الملك الذي شكك في موقف الحكومة من قضية الصحراء الغربية، وهو من المواضيع المحرمة في الصحافة المغربية.
بدأت الدعوى القضائية ضد المرابط في نيسان/إبريل الحالي، أي بعد ما يقارب أربعة أشهر على نشر المقال موضوع الدعوى، ومن ثم تحركت بسرعة مذهلة، وذلك بعد أن قررت الحكومة عدم الترخيص للمرابط بإصدار صحيفة جديدة، بعد تلكؤ استمر لعدة أشهر – ويعتقد المرابط بأن هذا هو السبب الحقيقي لاستهدافه. وفي هذه الأثناء، شنت الصحف المؤيدة للحكومة هجوماً شخصياً قاسياً ضد المرابط، واتهمته مراراً بالخيانة. وزعمت إحدى الصحف، بما يجافي الصواب، أن المرابط هو مواطن جزائري (بسبب تصريحاته حول تندوف).
وتتهرب السلطات المغربية لغاية الآن من المسؤولية عن معاقبة المرابط، إذ صرحت أن العقوبة صدرت عن قرار قضائي مستقل (على الرغم من أن أحد وزارء الحكومة صرح بأن العقوبة التي حكم بها المرابط هي عقوبة عادلة).
يحمل الامتناع الرسمي عن استنكار هذه العقوبة المجحفة الكثير من الدلالات. فالصحافة الحرة هي من السمات البارزة للديمقراطية، لذلك فإن منع صحفي عن مزاولة مهنته هو تصرف غير مقبول، وهو حتماً تصرف يفترض ألا يصدر عن بلد يدعي أنه في مرحلة تحول ديمقراطي، فهو يرسل رسالة مغايرة للصحفيين المغاربة وللمجتمع الدولي، كما يكرس الرقابة الذاتية في الصحافة خشية من التعرض لمصير مشابه.
إذا كانت المغرب جادة بشأن الإصلاحات الديمقراطية ورعاية حرية الصحافة، فينبغي عليها التصرف بصفة لا تدع مكاناً للشك، وأن تشجب العقوبة التي حكم بها على المرابط. ويجب على الحكومة المغربية أن تفعل كل ما في وسعها للتحقق من إسقاط كافة العقوبات التي فرضت عليه، ومن إجراء إصلاحات قانونية لمنع حدوث قضايا كهذه في المستقبل. وإذا أنهت الحكومة مضايقتها للصحفي علي المرابط وسمحت له بالنشر من جديد، فسيكون ذلك بمثابة تصريح قاطع بشأن حرية الصحافة.
لقد حاولت السلطات المغربية قصارى جهدها منذ أن اعتلى الملك محمد السادس عرش المغرب في العام 1999، أن تظهر بأنها تتحرك نحو الديمقراطية، ولكن لا سبيل إلى ذلك ما لم ترفق أقوالها بأعمال فعلية على أرض الواقع.
هاني صبرا هو باحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين في نيويورك