إعداد: م. الحايس/ مستشارة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين
اعتقلت الشرطة المغربية الصحفي عمر راضي في المرة العاشرة التي استدعته فيها هذا الصيف، وذلك على خلفية عدة اتهامات، من بينها تعريض أمن الدولة للخطر وارتكاب اعتداء جنسي، حسبما وثّقت لجنة حماية الصحفيين في يوليو/ تموز. وقد أودع الصحفي في الحبس الانفرادي في سجن عكاشة في الدار البيضاء لتقليص خطر إصابته بكوفيد-19، وكان محتجزاً في الأسبوع الماضي بانتظار بدء محاكمته في 22 سبتمبر/ أيلول، حسبما أفاد محاميه، ميلود قنديل، للجنة حماية الصحفيين.
يعمل الصحفي عمر راضي مراسلاً استقصائياً مع الموقع الإلكتروني الإخباري المغربية ’لو ديسك‘، وكان قد تحدّث مع لجنة حماية الصحفيين العام الماضي بشأن المضايقات والمراقبة التي يواجهها الصحفيون في المغرب. وفي يونيو/ حزيران 2019، منحته مؤسسة بيرثا ’زمالة تحدي بيرثا‘ لمدة عام والمخصصة للصحفيين الاستقصائيين والناشطين الذين يوثقون الظلم، وهذه المؤسسة هي جماعة حقوقية دولية ولها مكاتب في المملكة المتحدة وفي جنيف. وأفاد عمر راضي للجنة حماية الصحفيين قبل اعتقاله بفترة وجيزة أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية استجوبته عدة مرات حول الحصول على تمويل وصفته بأنه “مرتبط بأجهزة استخبارات أجنبية”.
وأوردت منظمة العفو الدولية هذا الصيف عن سلسلة من الاعتداءات ضد هاتف عمر راضي بين يناير/ كانون الثاني 2019 ويناير/ كانون الثاني 2020. وقد عملت هذه الاعتداءات على إجبار الهاتف على زيارة مواقع إلكترونية مرتبطة ببرنامج ’بيغاسوس‘ الحاسوبي الخبيث المخصص لأجهزة الاتصال الخلوي والذي أنتجته شركة ’مجموعة إن إس أو‘ الإسرائيلية وسوّقته لوكالات حكومية، حسبما بيّن تحليل جنائي أجرته منظمة العفو الدولية. وأنكرت السلطات المغربية أنها تجسست على عمر راضي، حسبما أوردت وكالة ’رويترز‘ آنذاك.
وأفاد الناطق باسم شركة ’مجموعة إن إس أو‘ للجنة حماية الصحفيين في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إن الشركة ستحقق في المزاعم السابقة بشأن إساءة استخدام البرنامج الحاسوبي في المغرب. وأرسلت لجنة حماية الصحفيين رسالة إلكترونية إلى الشركة في 21 سبتمبر/ أيلول 2020 تطلب منها التعليق على المزاعم التي تخص عمر راضي، ولكنها لم تستلم إجابة من الشركة قبل نشر هذا المقال.
فيما يلي وقائع حوار أجرته لجنة حماية الصحفيين في هذا الشهر عبر مكالمة بالفيديو مع السيدة بيرلي جوبيرت، وهي إحدى مديرات زمالة بيرثا، وذلك بخصوص التحقيق الصحفي غير المنشور الذي أعده عمر راضي للمؤسسة بشأن مصادرة الأراضي في المغرب، وحول مخاوفها بأن السلطات كانت تراقب اتصالاته. وقد قمنا بتحرير المقابلة لأيجازها وتوضيحها.
وقد تواصلت لجنة حماية الصحفيين في سبتمبر/ أيلول مع الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومع وزارة العدل المغربية عبر صفحتيهما على موقع فيسبوك طلباً منهما لتعليقات حول ما قالته بيرلي جوبيرت، ولكنهما لم يستجيبا للطلب.
ما الذي يعمل عليه عمر راضي في إطار زمالة تحدّي بيرثا؟
يتعلق المشروع الذي يعمل عليه عمر بمصادرة الأراضي في المغرب. وقد أجرى بحثاً حول الإساءات للحق في ملكية الأرض في أربع مناطق مختلفة في البلد، حيث اشترت الدولة أراضٍ جماعية تابعة لقبائل محلية مختلفة مقابل مبلغ زهيد، ثم باعت الأراضي لشركات وحققت أرباحاً كبيرة.
وخلال برنامج الزمالة الذي امتد عاماً كاملاً، وثّق عمر عشرات عمليات مصادرة الأراضي التي حدثت أثناء السنوات الـ 30 الماضية. ولم يقتصر بحثه على عمليات مصادرة محددة للأراضي – وهو أمر قد يزعج السلطات المغربية – ولكنه ركز على المشكلة المنهجية المتمثلة في تجريد الناس من ممتلكاتهم. ويزداد فقر المزارعين ذوي الحيازات الصغيرة وأفراد القبائل في المنطقة، بينما يزداد غنى المستفيدين من مصادرة الأراضي.
وكان من المخطط نشر المادة التي أعدها عمر راضي مع المؤسسة في يوليو/ تموز، إذ انتهت زمالته في يونيو/ حزيران. ومن نافلة القول أنه لم يتمكن من نشر أي شيء آنذاك بسبب الاستدعاءات القضائية الكثيرة التي ظل يستلمها بصفة شبه يومية.
ما هي الاتهامات الموجهة لعمر راضي؟
ثمة ثلاث مجموعات مختلفة من الاتهامات الموجهة لعمر راضي. الأولى هي اتهامه بتقويض الأمن الوطني من خلال استلام تمويل أجنبي والتعاون مع أجهزة استخبارية أجنبية. والثانية هي اتهامه بالاعتداء على امرأة واغتصابها. وأخيرا، يواجه اتهامات بالسكر العلني، والتشهير، وتصوير شخص دون الحصول على رضاه بعد أن دخل في خلاف مع فني كاميرا من قناة ’شوف تي في‘ الإخبارية المؤيدة للحكومة، والذي كان يتعقبه وقد صوّره خارجاً من حانة مع صديق في 5 يوليو/ تموز.
[ملاحظة من المحرر: أرسلت لجنة حماية الصحفيين رسالة إليكترونية في يوليو/ تموز وفي سبتمبر/ أيلول لقناة ’شوف تي في‘ طلباً للتعليق، ولكن القناة لم تجب على الرسائل].
ما الذي أثار هذه الاتهامات؟
أثناء التحقيقات العديدة التي جرت مع عمر، سألته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أسئلة عديدة حول طبيعة عمله مع المؤسسة. واتهمته الشرطة بالعمل مع جهاز الاستخبارات البريطاني ’إم 16‘، وباستلام تمويل يتعلق بعمله معها. وأشارت الشرطة إلى المال الذي حصل عليه عمر في إطار الزمالة مع مؤسسة بيرثا بأنه إثبات على هذه المزاعم. ومن السخيف أن بوسعهم الاطلاع على بياناته البنكية.
وفي المرة التاسعة التي استُدعي فيها عمر في 25 يوليو/ تموز، أضيفت إلى قضيته تهمتان بارتكاب اعتداء جنسي بعدما زعمت امرأة بأنه اعتدى عليها في 12 يوليو/ تموز. أنا لا أعلم ما إذا كان ذلك صحيحاً، وما من شك أنه يجب التحقيق في ذلك، ولكن ما يدفعني إلى الاعتقاد بأنها اتهامات ملفقة هو النمط الذي تستخدمه السلطات المغربية إذ توجه اتهامات بالعنف الجنسي ضد صحفيين وناشطين. ونشرت صحيفة ’واشنطن بوست‘ مؤخراً مقال رأي كتبته صحفية مغربية [عفاف برناني] وصفت فيه كيف اضطرت إلى مغادرة البلد بعدما أصدرت الحكومة المغربية أمراً باعتقالها بسبب رفضها الإدلاء بشهادة كاذبة بأن الصحفي توفيق بوعشرين قد اغتصبها. ويمضي بوعشرين حالياً حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً بتهمة ارتكاب اعتداء جنسي، والاغتصاب، والاتجار بالبشر.
والقصد من هذه الاتهامات بارتكاب عنف جنسي هو إبقاء عمر راضي في السجن لأطول فترة ممكنة. وفي حين من السهل إثبات أن مؤسسة بيرثا وعمر راضي لا تربطهما أي علاقة بجهاز ’إم 16‘، لكن الأمر أصعب كثيراً لإثبات عدم حدوث الاغتصاب. وبما أن الاتهامات رُفعت بعد أسبوعين من التاريخ المزعوم للاعتداء، فمن الصعب جداً التحقيق بشأنه نظراً لغياب الأدلة المستمدة من الحمض الخلوي الصبغي (DNA).
هل يعتقد عمر راضي بأنه كان خاضعاً للمراقبة؟
عمر متأكد بأنه كان مراقباً، وذلك شخصياً وعلى شبكة الإنترنت. وهو يعتقد أن عدة أشخاص غير محددين كانوا يتبعونه لمدة أشهر. أما الحادثة التي وقعت في 5 يوليو/ تموز حيث تعقّبه فني كاميرا وانتظره خارج حانة، لم تكن الأولى من نوعها.
وهو متأكد أيضاً من أن هاتفه وبريده الإلكتروني تعرضا للاختراق. فأثناء التحقيق، كان بحوزة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية الكثير من المعلومات الشخصية عنه وعن أشخاص عاش معهم، وهي معلومات لم تكن علنية أبداً. كما تمتلك الشرطة سجلاً بالرسائل التي أرسلها عبر تطبيق واتسآب، وتملك بياناته البنكية. حتى أنهم سألوه في إحدى المرات، “من هي بيرلي هذه التي تتحدث معها كثيراً”؟
وقد قررَتْ المؤسسة أن تنشر في 8 يوليو/تموز المادة التي أعدها عمر، وهو في وقت أبكر مما كان مخططاً، وذلك فقط لإثبات أنه ليس جاسوساً. وفي اليوم الذي سبق النشر، تلقى استدعاءً من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للمثول أمامها في 8 يوليو/ تموز، مما منعنا من نشر المادة. وقد بدأنا مناقشات عبر الإيمل بخصوص نشر المادة في 16 يوليو/ تموز – وحينها استُدعي للمثول أمام الشرطة في يومي 15 و 17 يوليو/ تموز! وهذا أيضاً منعنا من نشر المادة.
آخر مرة تبادلت فيها رسائل مع عمر كانت في 28 يوليو/ تموز عبر تطبيق الرسائل ’سيغنال‘. وقلت له إنني قلقة من أن محادثاتنا مراقبة. وأجاب، “أنا أيضاً! أنا في طريقي إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. وسأحاول الاتصال بكِ بطريقة أكثر أمناً عندما أخرج”. وفي اليوم التالي، احتجزته السلطات.