تجمع صحفيون جزائريون احتجاجا في 24 أغسطس 2020 ، للمطالبة بالإفراج عن زميلهم خالد دراريني ، المحكوم عليه بالسجن ثلاث سنوات. أثار الحكم الصادر على دراريني وعبد الكريم زغيلاش قلق الصحفيين الجزائريين بشأن حملة القمع ضد الصحافة في ظل الرئيس الجديد. (وكالة الصحافة الفرنسية / رياض كرامي)

الصحفيون الجزائريون يخشون من موقف الرئيس الجديد تجاه الصحافة بعد الحكم على زملائهم بالسجن

م. الحايس- مستشارة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين

بعد أسبوعين من سجن صحفي جزائري معروف، صدر حكم على مراسل صحفي سابق بالسجن بسبب تعليقات نشرها على شبكة الإنترنت، مما عزز المخاوف من أن الرئيس الجزائري الجديد، عبد المجيد تبون، ماضٍ على خطى سلفه فيما يتعلق بسجله في سن سياسات تقييدية لحرية الصحافة على الرغم من وعوده بإجراء إصلاحات ديمقراطية.

صدر في 24 آب/ أغسطس حكم بالسجن لمدة سنتين وغرامة قدارها 100,000 دينار جزائري (788 دولار) على الصحفي عبد الكريم زغيلاش بتهمة إهانة الرئيس تبون “والمساس بالوحدة الوطنية” بحسب ما ذكرته تقارير الأنباء. وأفادت الصحفية المحلية المستقلة ليندا ناصر للجنة حماية الصحفيين، وهي مطلعة على ملابسات القضية، أن السبب وراء التهم هو انتقاد زغيلاش للرئيس على موقع فيسبوك.

ويأتي الحكم على زغيلاش في أعقاب الحكم الصادر في 10 آب/ أغسطس بإدانة الصحفي خالد درارني مراسل منظمة مراسلون بلا حدود، وهي منظمة دولية تُعنى بحرية الصحافة، وأحد مؤسسي موقع ’قصبة تريبيون‘ الإخباري. وقد حُكم على درارني بالسجن ثلاث سنوات وغرامة قدارها 50,000 دينار (394 دولاراً) بتهم “التحريض على التجمهر غير المسلح” و “المساس بالوحدة الوطنية”. وذكر شقيق درارني للجنة حماية الصحفيين أن التهم الموجهة لدرارني لها صلة بتغطيته للاحتجاجات المناهضة للحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتابعه عدد كبير من القراء.

وقال مصطفى بن جامع وهو من مناصري حرية الصحافة ورئيس تحرير موقع ’لوبروفنسال‘ الإخباري الجزائري إن “مناخ حرية الصحافة تغير كثيراً في عهد تبون، نحو الأسوأ”.

وكانت حرية الصحافة قد شهدت تراجعاً في عهد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي دام 20 عاماً. ففي عام 2006 أصدر بوتفليقة مرسوماً يحظر فيه على الصحافة مواصلة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال الحرب الأهلية من عام 1991 وحتى عام 2002، إلى جانب أمور أخرى، طبقاً لما أشارت إليه لجنة حماية الصحفيين في رسالة وجهتها آنذاك واعترضت فيها على ذلك القانون. ولاحقت إدارة بوتفليقة أيضاً الصحفيين بصفة فردية. وكان زغيلاش، وهو المراسل الإذاعي السابق الذي حُكم عليه مؤخراً في عهد تبون، قد سُجن سابقاً لمدة 49 يوماً سنة 2018 حسب ما ذكرته زميلته ليندا ناصر، والتي أفادت للجنة حماية الصحفيين إن زغيلاش استُهدف بسبب بثه لبرنامجه الإذاعي الإلكتروني، ’ساباركان‘، دون ترخيص وبسبب إهانته المزعومة للرئيس على موقع الإذاعة.

وكان الأسلوب الرقابي لإدارة بوتفليقة بادياً تماماً أثناء حركة الاحتجاجات المناهضة للفساد التي أدت إلى عزله أواخر عام 2019. وقبل عدة أيام من استقالة بوتفليقة، نشرت لجنة حماية الصحفيين مقابلة مع الصحفية الجزائرية ليندا عبو التي وصفت اعتصامات نظمها الصحفيون في وسائل الإعلام الرسمية، حيث ناشد الصحفيون رؤساءهم للسماح لهم بتغطية أخبار حركة الاحتجاجات. وقد سُجن ثلاثة صحفيين سياسيين مستقلين غطوا أخبار التظاهرات، حسب إحصاء الصحفيين السجناء الذي تعده لجنة حماية الصحفيين.

وعندما نظمت الجزائر انتخابات جديدة، رفض المتظاهرون المرشحين للرئاسة لأنهم مقربون جداً من الإدارة السابقة. إلا أن البلاد انتخبت تبون، وهو رئيس وزراء سابق له صلات بالجيش، بنسبة مشاركة بلغت 41 بالمائة. بيد أن تبون وعد ببناء الجسور مع حركة الاحتجاجات التي أطاحت بسلفه، حيث تعهد باجتثاث الفساد وإشراك الشباب في حكومته. وتحدث تبون أيضاً، بحسب بن جامع، عن أهمية الصحافة الجزائرية الحرة مما عزز الأمل آنذاك في انتهاء النهج التقييدي لبوتفليقة مع رحيل صاحبه.

ويقول بن جامع إن “ذاك الأمل تحول إلى كابوس حالياً”، ووصف تبون بأنه “يصم آذانه” عن احتياجات الصحفيين الجزائريين. وفي نيسان/ أبريل 2020، اعتقلت السلطات الجزائرية صحفيين بسبب تغطيتهم لتطورات جائحة كورونا. وفي وقت لاحق من الشهر نفسه وافقت الحكومة على قانون غامض يجرِّم نشر “أخبار كاذبة” دون التفريق بين التقارير الإخبارية أو وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإخبارية. وتتسبب مخالفة هذا القانون بعقوبات بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامات تتراوح بين مائة ألف دينار وخمسمائة ألف دينار (778 إلى 3891 دولاراً) حسبما وثّقت لجنة حماية الصحفيين. ومنذ تمرير القانون حُجب العديد من المواقع الإخبارية الإلكترونية.

وقال بن جامع إن “السلطات تعتبر أية معلومات تتعارض مع الرواية الرسمية أخباراً كاذبة، الأمر الذي من شأنه جعل التحقيقات الصحفية في الجزائر أمراً شبه مستحيل”.

وتقول الصحفية ليندا ناصر، التي عملت مراسلة لصحيفة ’ليبرتي‘ اليومية المستقلة مدة 15 عاماً قبل أن تتحول إلى صحفية مستقلة، إن الحكم بسجن درارني ثلاث سنوات سدد ضربة قاسية للغاية للوسط الصحفي، وتضيف “هذا لا يعِدُ بمستقبل مشرق لمستقبل الصحافة في الجزائر. وبالطبع ما يزال هناك بضعة صحفيين مستقلين لا يخشون قمع السلطات، غير أن الغالبية العظمى من الصحفيين الذين يعملون في الإعلام الرسمي خاضعون بحكم الأمر الواقع لدكتاتورية رؤساء التحرير، وهؤلاء بحد ذاتهم خاضعون لهيمنة سلطات الدولة”.

وقال بن جامع إنه لا يمكنه تذكُّر صدور حكم بهذا الطول على صحفي جزائري من قبل. وأضاف بأن الخبر كان بمثابة “موجة من الصدمة والرعب ضربت القطاع الصحفي في الصميم” وأن “كل صحفي في الميدان يعتقد أنه قد يكون الهدف التالي”.

هذا ولم ترُد وزارة الداخلية الجزائرية على أي من طلبات لجنة حماية الصحفيين المرسلة إليها عبر البريد الإلكتروني بالتعليق على الموضوع.