4. الخطوات المؤثرة وغير المؤثرة
في 3 مايو/ أيار من عام 2011، سافر مندوبون عن لجنة حماية الصحفيين إلى باكستان لبحث المخاوف من تزايد الهجمات على الصحفيين والمعدل المترفع من الإفلات من العقاب في هذا البلد. كانت تلك لحظات درامية، فقد كانت القوات الأمريكية قد قتلت في اليوم السابق للزيارة أسامة بن لادن في مدينة أبوت أباد المجاورة. لكن الرئيس الباكستاني آصف علي زرداي أوفى بالتزامه بلقاء اللجنة لمناقشة العدد الآخذ في التزايد من الصحفيين الباكستانيين الذين يقتلون بسبب عملهم في الصحافة، وغياب الملاحقة القضائية للمعتدين.
وقد أخذ زرادي على عاتقه التزامات قوية في هذا الاجتماع وقال لوفد لجنة حماية الصحفيين إن “حماية الصحفيين تقع ضمن ولايتي”. وطلب زرادي من وزير الداخلية تزويده بمعلومات مفصلة عن حالة القضايا العالقة وأمر أعضاء وزارته بالعمل مع البرلمان لصياغة تشريع جديد يعزز من حرية الصحافة.
ومنذ ذلك اليوم، قتل 11 صحفياً آخرين في باكستان؛ فبعد أسابيع فقط من ذلك الاجتماع عُثر على جثة الصحفي الاستقصائي سليم شاهزاد وعليها آثار تعذيب – وتشير التهديدات السابقة التي تلقاها شهزاد أنه راح ضحية مديرية أجهزة الاستخبارات الباكستانية. ولم يقدم زرداي ولا مجلس وزرائه المعلومات التي وعدوا بها ولم تقر الحكومة أي تشريع من شأنه أن يخفف من سيل التهديدات التي يواجهها الصحفيون في باكستان.
وعادت لجنة حماية الصحفيين إلى باكستان بعد نحو ثلاث سنوات والتقت هذه المرة برئيس الوزراء نواز شريف. وأقر شريف سلفاً بأن باكستان تعاني من مشكلة عندما يتعلق الأمر بمنع الهجمات العنيفة على الصحفيين أو معاقبة مرتكبيها. ووافق على الأخذ بالعديد من مقترحات اللجنة لمعالجة مشكلة الإفلات من العقاب ومن بينها تعيين مدعي خاص. بل إن شريف طرح فكرته الخاصة المتعلقة بإنشاء لجنة مشتركة من الحكومة والمجتمع المدني والإعلام للنظر في القضايا التي لم تحل وغيرها من المخاطر التي تهدد حرية الصحافة. غير أن هذه الالتزامات لم تمض قدماً بصورة فعلية.
تعكس لقاءات لجنة حماية الصحفيين مع القيادات العليا في باكستان وغيرها من البلدان ذات السجل السيئ في الكشف عن مرتكبي جرائم قتل الصحفيين، نمطاً مألوفا يتمثل في: الالتزامات التي تقطعها حكومات هذه البلدان لا يتم الوفاء بها إلى حد بعيد. لقد استطاعت جهود الدعوة والمناصرة التي قامت بها منظمات حرية الصحافة ومنظمات حقوق الإنسان والصحفيين حول العالم في تحويل مشكلة العنف المميت المعادي للصحافة إلى مشكلة باتت الحكومات اليوم تقر سلفاً أنها قائمة. وقد تعهدت حكومات كثيرة، كالقيادة الباكستانية، بمعالجة هذه المشكلة، بيد أن العنصر الغائب دوماً هو: اتخاذ إجراءات.
استطاعت لجنة حماية الصحفيين انتزاع تعهدات مماثلة في بلد آخر أيضاً؛ ففي عام 2008، وعد مسعود برزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، وفد اللجنة الذي زاره أنه “سيخلق مناخاً مشجعاً للصحافة”. وبحلول عام 2014، أي عندما زار وفد اللجنة كردستان مرة أخرى، كانت مجموعة من الاعتداءات الجديدة قد وقعت هناك، ومن ضمنها مقتل صحفييّن اثنين وإحراق محطة تلفزيونية، وكلها جرائم مرت بلا عقاب. وذكر وزير الداخلية كريم سنجاري للوفد الثاني الذي أرسلته لجنة حماية الصحفيين إن “الحكومة، بدءاً بالرئيس ولغاية رئيس الوزراء وجميع سلطاتها تأخذ جميع هذه القضايا على محمل الجد وأنها ستفعل كل ما في وسعها لضمان تحقيق العدالة”.
وذاقت جماعات أخرى خيبات أمل مماثلة، ففي العراق تعهدت الحكومة للاتحاد الدولي للصحفيين بإنشاء دوائر قضائية خاصة بالتشاور مع نقابة الصحفيين للتحقيق في جرائم قتل الصحفيين. وذكر مدير دائرة حقوق الإنسان والسلامة في الاتحاد، إرنست ساغاغا للجنة أن “ذلك لم يحدث لحد الآن”.
وفي الفلبين أُصيب نشطاء حرية الصحافة بخيبة أمل ذلك أن الرئيس بنينو أكينو الثالث لم يحقق تغييراً يذكر رغم الوعود المتكررة بإجراءات قوية ضد الإفلات من العقاب والعنف الذي يستهدف الإعلام. وقد قُتل ثمانية صحفيين على الأقل لأسباب مرتبطة بعملهم في الفلبين منذ انتخاب أكينو عام 2010. وقالت رئيسة الاتحاد الوطني للصحفيين في الفلبين، روينا باران “لم نكن نتوقع أية معجزات” من أكينو “وأن كل شيء سيصبح فجأة سعيداً وعادلاً، لكننا توقعنا منه أن يشرع على الأقل في الإصلاحات اللازمة لشق الطريق نحو العدالة، لكنه لم يفعل ذلك”.
ولم يكن المسؤولين دائماً حتى مستعدين للاجتماع ومناقشة سبل التصدي للإفلات من العقاب في بلدانهم.
ففي روسيا، على سبيل المثال، تطّلب الأمر إرسال ثلاث بعثات من لجنة حماية الصحفيين لإقناع السلطات بالجلوس إلى طاولة النقاش بشأن العدد المرتفع لجرائم القتل التي لم يلاحق فيها أحد قضائياً هناك. وقد قدمت السلطات الروسية وعوداً لوفد اللجنة الذي زار روسيا في عام 2009، إلا أن هذه الوعود لم تؤدي إلى أي تغيير في أي من القضايا التي تحدثت عنها لجنة حماية الصحفيين. ولكن حدثت حركة جديرة بالملاحظة هناك في عدة قضايا من ضمنها ثلاث إدانات على الرغم من أنه لم يُحكم على مرتكبي الجريمة في أي منها.
لقد مهدت رابطة الصحافة للبلدان الأمريكية الطريق أمام الجماعات المؤيدة لحرية التعبير عندما أطلقت حملتها الإقليمية لمكافحة الإفلات من العقاب قبل نحو عقدين من الزمن. واستذكر مدير الحملة، ريكاردو تروتي، التحديات الأولى التي اعترضت سبيل السعي إلى جعل الإفلات من العقاب في جرائم الاعتداء على الصحفيين قضية تحظى باهتمام واسع النطاق، فقال إنه “في بداية حملتنا عام 1995، لم تكن مسألة الإفلات من العقاب تستأثر بالنقاش العام ولم تكن السلطات تتفاعل”. وأضاف بأن سنوات من “الوعظ المستمر” اتخذت شكل تقارير ومهمات وحملات توعية عامة واستخدامٍ لنظام حقوق الإنسان للبلدان الأمريكية ساعدت كلها في إدراج القضية على جدول الأعمال الرسمي، و”بفضل ذلك شعرت الحكومات أنها تحت ضغط أكبر كي تستجيب”.
في بعض البلدان، كانت المعركة من أجل حمل الحكومات على الاعتراف، والاهتمام، بالعنف المضاد للصحافة والإفلات من العقاب تتسم بدرجة أكبر من الإحباط. وأشار إديتاين أوجو، المدير التنفيذي لمنظمة ‘ميديا رايتس أجندا’ النيجيرية المناصرة لحرية الصحافة، إلى أن الإشارة إلى هذه القضية في العلن من قبل مستويات عليا في الحكومة تكاد تكون معدومة، فما بالك بمحاولات معالجتها. وأضاف أوجو بأنه “لم يتم العمل بأي سياسات أو تدابير تشريعية أو إدارية خلال هذه الفترة للتعامل مع الوضع”.
الهدف المعلن لرئيسة البرازيل ديلما روسيف هو بلوغ نسبة “صفر من الإفلات من العقاب”. وفي مايو/ أيار من عام 2014 التقى وفد دولي برئاسة لجنة حماية الصحفيين روسيف ووزراء العدل وحقوق الإنسان والاتصال الاجتماعي في برازيليا. وقدم الوفد النتائج والتوصيات التي خلُص إليها تقرير خاص أعدته اللجنة بعنوان “منتصف الطريق بالنسبة للصحافة البرازيلية: هل ستنتصر العدالة على الرقابة والعنف؟”. وقالت روسيف خلال اللقاء إن “الحكومة الاتحادية ملتزمة تماماً بمواصلة مكافحة الإفلات من العقاب في قضايا قتل الصحفيين”.
وقد يطول كفاح البرازيل ضد الإفلات من العقاب، فعلى الرغم من مكانة الاقتصاد البرازيلي كواحد من أضخم اقتصادات العالم ووجود صحافة متنوعة ونشطة فيها، لا يزال هذا البلد الذي استضاف كأس العالم مؤخراً يحتل المركز الحادي عشر بين أشد الدول فتكاً بالصحفيين في العالم. لقد قُتل 27 صحفياً على الأقل في البرازيل في انتقام مباشر بسبب أعمالهم منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين تتبع حالات القتل عام 1992. وقد وقع 10 جرائم منها منذ تولي روسيف السلطة هناك بداية عام 2011، بحسب أبحاث لجنة حماية الصحفيين.
وعلى الرغم من الخطوات الواسعة التي حققتها البرازيل مؤخراً على صعيد إدانة القتلة، إلا أنها احتلت المركز الحادي عشر على مؤشر اللجنة العالمي للإفلات من العقاب لعام 2014، بوجود تسع قضايا لم تفك رموزها في رصيدها في الفترة 2004-2013 التي تغطيها الدراسة. والمتهمون الرئيسيون في غالبية هذه القضايا هم مسؤولون في الحكومة. وتشتد حدة مشكلة العنف والإفلات من العقاب بالنسبة للصحفيين في الأقاليم عنها بالنسبة لزملائهم في مناطق المدن، فيما يستهدف القتلة غالباً الصحفيين الذين يغطون شؤون الفساد والجريمة أو السياسة -مثل رودريغو نيتو الذي قُتل بالرصاص في مارس/ آذار 2013. وتتمكن التحقيقات في كثير من الأحيان من معرفة هوية القتلة إلا أنه لا تجري محاكمات لهؤلاء سوى بصفة متقطعة.
وذكرت لجنة حماية الصحفيين في تقريرها “منتصف الطريق بالنسبة للصحافة البرازيلية” أن العدالة كانت “عرجاء ومنقوصة” بالنسبة لكثير من الصحفيين البرازيليين الذين استُهدفوا بسبب عملهم. وقد استشهد التقرير بعدة قضايا قادت فيها التحقيقات القوية إلى توقيف مشتبه بهم. غير أن أقرباء الضحايا وزملاءهم، حسب التقرير، يرون أن “سلسلة المحاسبة كانت تتكسر حال وصول القضية إلى السلطة القضائية”، وغالباً ما يكون السبب هو الفساد.
في إحدى جرائم القتل، كان إدينالدو فيلغيرا، مؤسس ومدير صحيفة ‘جورنال أو سيرانو’ المحلية في مدينة سيرا دو ميل الواقعة شمال شرق البلاد، كثيراً ما ينتقد حكومة المدينة في مدونته. أُردي فيلغيرا بست رصاصات أطلقها عليه ثلاثة رجال مجهولي الهوية أمام مكتبه في 15 يونيو/ حزيران عام 2011. وتم تعيين محقق خاص للتحقيق في هذه القضية وكانت النتائج الأولية مشجعة؛ ففي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2013 أُدين سبعة رجال بالتخطيط والمشاركة في هذه الجريمة ومن ضمنهم مطلقي النار على الصحفي. واتهم رجل آخر، هو جوسيفان بيبيانو، رئيس بلدية سيرا دو ميل عند مقتل فيلغيرا، بأنه العقل المدبر للجريمة. وقد أُدخل هذا الرجل السجن مرتين لكنه أُفرج عنه لاحقاً بقرار يعتبره النقاد قراراً مخالفاً للأصول. ولا تتراءى أية إشارة تدل على ما إذا كان سيُحاكم أم لا.
لقد وجهت جماعات محلية ودولية مؤيدة لحرية التعبير، كالرابطة البرازيلية للصحفيين الاستقصائيين (ABRAJI) انتقادات شديدة لسجل البرازيل في العدالة المنقوصة وإخفاقها في حماية الصحفيين، وشنت حملات من أجل انتزاع استجابة أقوى من طرف الحكومة. وشكل زملاء آخرون حركات جماهيرية بخصوص قضيتي نيتو وفيلغيرا. ففي قضية فيلغيرا، استحدثت مجموعة من المدونين المحليين ‘يوم المدونين الوطني’ تكريماُ لفيلغيرا بهدف إبقاء القضية في أذهان الناس. وأسست رابطة الصحافة في ولاية ميناس جيرايس، موطن الصحفي نيتو، لجنة رودريغو نيتو عقب مقتل نيتو والمصور الصحفي والغني أسيس كارفالو الذي كان يعمل في الصحيفة نفسها ‘فالي دو أتشو’. وقد مارست اللجنة الضغط على السلطات من أجل إجراء محاكمات كاملة في هذه القضايا.
وقد تمخض عن الضغط نتائج.
في أواخر عام 2012، شكلت إدارة روسيف التي تسعى لإعادة انتخابها هذا العام، فريق عمل للتحقيق في الاعتداءات على الصحافة وإعداد توصيات للحكومة الاتحادية. وضم الفريق العديد من منظمات المجتمع المدني ومستشاري الرئاسة ووزيري الاتصالات والعدل. وقد وثق تقرير فريق العمل الذي صدر في مارس/ آذار 2014، 321 حالة قتل واختطاف واعتداء وتهديد بالقتل واعتقال تعسفي ومضايقة وقعت خلال الفترة من 2009 إلى 2014. وقدم التقرير أيضاً توصيات شاملة للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في الحكومة الاتحادية تناول بعضها مسألة الإفلات من العقاب بالإضافة إلى الحماية.
وأشار الفريق على وزارتي حقوق الإنسان والعدل بإنشاء مرصد وطني للعنف المضاد للصحافة بالتعاون مع المكاتب المحلية الميدانية التابعة لليونيسكو ومركز الأمم المتحدة للإعلام من أجل وضع سجل تاريخي للانتهاكات بحق الصحافة وإنشاء نظام للتحقيقات والقرارات. وحث الفريق الكونغرس على العمل على إشراك الشرطة الاتحادية في التحقيق في الجرائم التي ترتكب بحق حرية التعبير -وخاصة في الحالات التي يتواجد فيها أدلة على إهمال في أداء الواجب أو زلل أو اشتراك في الجريمة من قبل السلطات المحلية. وبالإضافة إلى مقترح فريق العمل، هناك مشروع قانون قيد الدرس من قبل الكونغرس الغاية منه تسريع النظر في القضايا في النظام القضائي.
أما الجانب الأكثر أهمية، فهو ارتفاع عدد الإدانات في البرازيل، حيث أصدرت المحاكم البرازيلية في عام 2013 أحكاماً بحق الجناة في ثلاث قضايا قتل صحفيين وهو عدد يفوق نظيره في أي بلد آخر خلال سنة منذ عقد كامل. وبالإضافة إلى العدالة الجزئية التي أُقيمت في قضية فيلغيرا العام الماضي، أُنزلت عقوبة السجن 27 عاماً بحق قاتل المراسل الصحفي المتخصص بشؤون الجريمة، فرانسيسكو غوميز دي ميديروس، الذي أطلقت عليه خمس رصاصات أمام منزله عام 2010. كذلك صدر حكم بالإدانة خلال عام 2013 على العقل المدبر لجريمة قتل مالك صحيفة وناشر وكاتب عمود، هو دومينغوس سابيو برانداو ليما جونيور، عام 2002. وفي عام 2014 صدر حكم بحق شخصين بتهمة قتل الصحفي والمدون ديسيو سا عام 2012.
تعهدت الرئيسة روسيف خلال لقائها مع لجنة حماية الصحفيين الذي تم في شهر مايو/ أيار بالتطرق لمسألة الإفلات من العقاب خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول. وإذا ما استطاعت البرازيل تنفيذ توصيات فريق العمل بصورة شاملة واستمرت في التمكن من إدانة الجناة، فإنها ستبرهن أن التزامات الدول ليست دائمة جوفاء، وستمثّل قدوةً للبلدان الأخرى التي يُنتظر منها أن تفي بالتزاماتها.
لم تكن البرازيل البلد الوحيد الذي ينظر في اتخاذ إجراءات على المستوى الاتحادي لإعمال العدالة في جرائم قتل الإعلاميين؛ فقد استجابت بلدان عدة، من المكسيك إلى الصومال، للضغوط التي مورست عليها لكبح جماح الإفلات من العقاب من خلال إجراءات كسن التشريعات وتشكيل فرق العمل وتعيين مدعين خاصين وإنشاء لجان خاصة. وقد لقيت هذه الإجراءات نجاحات بدرجات متفاوتة، حيث فتحت بعض المبادرات سبلاً إلى قضايا قديمة وكان بعضها يعبر عن تصور جيد لكنه عانى من ضعف الموارد فيما كان بعضها الآخر عبارة عن وسيلة للتخلص من النقد.
قليلة هي البلدان التي تحتاج آلية فعالة لمكافحة الإفلات من العقاب بقدر ما تحتاجها الصومال، ثاني أسوأ بلد في العالم بعد العراق عندما يتعلق الأمر بكشف القتلة في جرائم قتل الصحفيين. في عام 2012 وهو عام كئيب في الصومال قُتل فيه 12 صحفياً خلال سنة، بزغ شيء من الأمل بعد إعلان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمد عن تشكيل فريق عمل جديد للتحقيق في جميع القضايا التي انطوت على قتل صحفيين. لقد كانت هناك حاجة ماسة لمثل هذه الدفعة من الحكومة لتحريك قوة الشرطة، حسب الصحفي الصومالي المستقل أبوكار البدري الذي قال إن “الشرطة لا تزور في العادة مسرح الجريمة كي تبدأ بالتحقيق، فهي غير مهتمة بالتحقيق في مقتل صحفي”.
لكن الآن، وبعد مضي سنتين ليس لدى الصومال الكثير ليعرضه، إذ لم تتم إدانة الجناة إلا في جريمة واحدة من أصل 27 جريمة اغتيال ارتكبت ضد صحفيين منذ عام 2005. وقد نفذت السلطات عقوبة الإعدام عام 2012 بحق المشتبه به في قتل الصحفي حسن يوسف ابسوغي، ومع ذلك دفع عدم مراعاة الأصول القانونية في تلك القضية بالكثيرين إلى النظر إلى هذا التطور بعين القلق.
وقد تم تشكيل فريق العمل، بحسب ممثل عن الحكومة، إلا أنه يفتقر إلى المال اللازم كي يعمل، حيث قال عبد الرحمن عمر عثمان المستشار الإعلامي والاتصال الاستراتيجي للحكومة الصومالية إن “فريق العمل أُنشأ العام الماضي وأنه أجرى تحقيقات بالفعل في بعض القضايا؛ إلا أنه كان من العسير عليه القيام بعمله بصورة فاعلة بسبب عدم وجود ميزانية وتمويل”، وأضاف بأن فريق العمل “لا يزال موجوداً لكنه لا يمكنه العمل دون موارد”.
وأشار عثمان إلى الافتقار إلى المساعدة الدولية على الرغم من التعهدات التي قطعتها بريطانيا ودول أخرى بزيادة المساعدات الخاصة ببناء المؤسسات في الصومال، وقال إنه “لا يوجد أي تمويل على الإطلاق بهذا الخصوص من الشركاء الدوليين” إضافة إلى “عدم وجود خبرات في هذا الميدان”.
ومع ذلك يرى البدري أنه كان بمقدور الحكومة أن تظهر قدراً أكبر من الإرادة السياسية والمساءلة وقال “إننا لم نستلم يوماً تقريراً من الحكومة توضح فيه الشرطة أو وزارة الإعلام أية تفاصيل تتعلق بالتحقيقات” وتابع قائلاً إن “الوعود لا تجدي إن لم تأمر الحكومة الشرطة بأخذ المسألة على محمل الجد والتحقيق في القضايا وجلب الجناة المزعومين للمثول أمام العدالة”.
وفي بلد آخر، هو الفلبين، شكلت الحكومة في السنوات الأخيرة عدداً من فرق العمل التي تنضوي تحت لواء الشرطة الوطنية الفلبينية، إلا أن الاتحاد الوطني للصحفيين الفلبينيين انتقدها ووصفها بأنها “عديمة النفع”. ويقترح ناشطون هناك بالمقابل نهجاً آخر قد يكون أفضل وهو إنشاء فرق استجابة سريعة تضم ممثلين عن المجتمع المدني والحكومة يكون من الممكن تحريكها فوراً بعد وقوع أي اعتداء.
يمكن لعملية تشكيل هيئة مكرسة للتحقيق في قضايا محددة أن يحقق نتائج لكن ليس عندما تكون تلك النتائج التي يتوصل إليها التحقيق بائسة ومبهمة. بعد الاحتجاج الإعلامي واسع النطاق في باكستان على جريمة قتل الصحفي سليم شهزاد، شكلت الحكومة لجنة للتحقيق. وكان شهزاد قد تلقى قبل اختفائه في مايو/ أيار 2011 تهديدات من جهاز الاستخبارات الباكستاني بعد كتابته عن مزاعم بوجود صلات بين تنظيم القاعدة وسلاح البحرية الباكستاني. وتضمن تقرير لجنة التحقيق الذي صدر عام 2012 توصيات بالشروع بممارسة قدر أكبر من المساءلة في سلوك الدوائر الاستخبارية الباكستانية، لكنه لم يتمكن من تحديد هوية أي من الجناة.
وعلى الرغم من سمة انعدام الحسم التي شابت لجنة شاهزاد على نحو مخيب للآمال، إلا أنها خطت خطوة واحدة زيادة على ما أحرزه التحقيق القضائي الذي جرى في أعقاب اختطاف الصحفي الباكستاني حياة الله خان ثم قتله عام 2006. ولم يُطرح تقرير اللجنة على العلن أبداً على الرغم من الدعوات المتكررة التي وجهتها المنظمات الدولية المؤيدة لحرية الصحافة.
ومن الأمثلة الأخرى على الحالات التي لم تصل فيها اللجان إلى أية نتائج، اللجنة التي أعلن رئيس كردستان العراق مسعود برزاني عن تشكيلها للتحقيق في جريمة قتل طالب الصحافة الشهير زرادشت عثمان بعد اختطافه عام 2010. ولم يتم الكشف عن أية تفاصيل تتعلق بتكوين اللجنة أو ما توصلت إليه من نتائج منذ ذلك الحين. وقد دعت لجنة حماية الصحفيين إلى الكشف التام عن أنشطة هذه اللجنة في تقرير خاص أعدته حول الإفلات من العقاب في كردستان وكذلك في لقاءات مع مسؤولين حكوميين خلال السنة.
وفي كولومبيا، تم إنشاء وحدة فرعية خاصة تابعة لمكتب المدعي العام غايتها إجراء تحقيقات في الجرائم التي ترتكب ضد الصحفيين غير أن ذلك لم يؤثر إيجاباً على كفاءة الملاحقات القضائية، حسبما توصلت إليه لجنة حماية الصحفيين. من جانب آخر، كان هناك قانون العدالة والسلام لعام 2005 المثير للجدل والذي عرض إصدار أحكام مخففة على أفراد الجماعات المسلحة غير المشروعة مقابل التسريح والاعتراف الكامل بجرائمهم؛ وقد ساعد هذا القانون في كشف الحقيقة في بعض القضايا القديمة وأدى إلى إدانة الجاني في جريمة قتل المعلق الإذاعي خوسيه إيميتيريو ريباس عام 2003.
في الأوضاع التي يستمد فيها الإفلات من العقاب قوته من الفساد والتواطؤ وقلة الموارد لدى السلطات المحلية والإقليمية، يتطلع الكثيرون إلى نماذج يُسمح بموجبها للدوائر الوطنية بتولي التحقيق عندما يقع صحفي ضحية للعنف. وقد شُجعت دول كالبرازيل والمكسيك على إتباع هذا الأسلوب. ففي المكسيك، وافق نواب البرلمان في أبريل/ نيسان 2013 على تشريع يؤيد إجراء تعديل دستوري يمنح السلطات الاتحادية الولاية القضائية للنظر في الجرائم ضد الصحفيين. ومع أنه يُنظر إلى هذا القانون باعتباره خطوة مهمة نحو تعزيز حرية الصحافة في المكسيك، التي تحتل المركز السابع على مؤشر لجنة حماية الصحفيين للإفلات من العقاب لعام 2014، إلا أنه لم يتمخض عنه حتى الآن إلا القليل.
بموجب الصلاحيات الجديدة التي حصل عليها مكتب الادعاء الخاص المسؤول عن الجرائم المرتكبة ضد حرية التعبير في المكسيك -المعروف باسم ‘الفسكايا’ (fiscalía)، تمكن من تولي زمام التحقيق في الجرائم التي ترتكب لأسباب تتعلق بممارسة الصحافة. لكن صحفيين أبلغوا لجنة حماية الصحفيين أن المكتب يتباطأ في ممارسة هذه الصلاحية.
ويشير هؤلاء إلى قضية غريغوريو خيمينيث دي لا كروث الذي اختُطف من منزله في بيراكروث في 5 فبراير/ شباط 2014. وكان خيمينيث قد كتب تقارير صحفية عن موضوعات حساسة من قبيل سوء معاملة العمال المهاجرين، إلا أن مكتب الادعاء الفدرالي لم يتدخل لأنه لم يتوصل، حسب قوله، إلى أن الدافع وراء الجريمة هو الصحافة. ويقول أنصار حرية الصحافة أن خطوة مثل هذه ينبغي أن تأتي لاحقاً، أي بعد القيام بتحقيق فعال. وقال خابير غارثا راموس وهو صحفي من المكسيك متخصص في التدريب على أمن وحماية الإعلام، إنه “إذا أخذت بخيار التحقيق لمعرفة ما إذا كان للجريمة صلة بالصحافة، فإنك ستضيّع وقتك”.
وذكرت المدعية الخاصة لاورا بوربولا في مقابلة مع لجنة حماية الصحفيين أن الحصول على معلومات من السلطات في بيراكروث كان صعباً “وهم في اعتقادي يعملون على حماية صورتهم السياسية”، وأضافت “إن ذلك يضر التحقيق أو التنسيق بلا شك”.
ثمة تعويل كبير على قدرة المكسيك على إنجاح هذا البرنامج، ليس من أجل صحفييها وحسب، بل ومن أجل الأوساط الإعلامية في البلدان الأخرى التي تتطلع بفارغ الصبر إلى دليل يثبت أنه من الممكن كسر حلقات العنف والإفلات من العقاب. لقد علق مسؤول محلي يعمل مع منظمة دولية قائلاً إنه “إذا بدأت ‘الفسكايا’ بكسب الأحكام فإنها ستبعث برسالة مفادها أن العمل جارٍ على إيقاف النزعة السائدة أو أنه يمكن عكس اتجاهها. وهذا شيء يمكن لأية دولة أو حكومة أن تقرأه وتفهمه”.