تراجُع الآمال لحرية الصحافة في تونس

بقلم داليا الزين/ باحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين

تبدو حرية الصحافة في تونس حالياً حلماً بعيد المنال.

 

اعتقد العديد من الصحفيين أن حرية الصحافة، والتي لم تكن موجودة على الإطلاق أثناء عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، سوف تتنامى بعد الإطاحة بالنظام. وفي أعقاب الانتفاضة التي انطلقت في كانون الأول/ديسمبر 2010، ازدهرت الصحافة المستقلة وتم استحداث لجنة خاصة لإصلاح قطاع الإعلام. ولكن منذ تقلدت الحكومة المنتخبة زمام الحكم منذ تسعة أشهر، بدأ هذا المد ينحسر ببطء.

 

قامت الحكومة خلال الأشهر الماضية بسلسلة من التعيينات لرئاسة مؤسسات إعلامية، بما في ذلك الإذاعة الحكومية والصحافة المطبوعة والتلفزيون. وقد شجبت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تصرف الحكومة هذا بوصفه محاولة من السلطات لوضع أشخاص متعاطفين معها في مناصب مهمة من أجل السيطرة على التغطية الصحفية لوسائل الإعلام المملوكة للحكومة – وهو أسلوب اتبعته الحكومة المصرية الجديدة أيضاً.

 

وقال كمال العبيدي، وهو مستشار سابق مع لجنة حماية الصحفيين وصحفي مخضرم ومدافع عن حقوق الإنسان، “تحاول الحكومة ممارسة السيطرة على البلاد”. وقد أبلغني العبيدي أن تعيين الحكومة لهؤلاء الأشخاص لم يكن مستنداً إلى أية خبرات أو معايير إعلامية، بل بسبب تحالفهم مع حزب النهضة الحاكم.

 

وكان كمال العبيدي قد قاد الهيئة الوطنية لإصلاح قطاع المعلومات والاتصالات، وكانت الهيئة مخولة بإصلاح قطاع الإعلام بعد الثورة. وفي تموز/يوليو، استقال العبيدي وسائر أعضاء الهيئة بسبب نقص التزام الحكومة بحرية الصحافة. وكان من بين الأسباب التي دفعته للاستقالة هي مسودة التعديلات التي اقترحها حزب سياسي صغير للمرسوم رقم 115 الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 حول قانون الصحافة الجديد. وكان مجلس النواب قد أقر هذا القانون الذي يُفترض أن يضمن حرية الصحافة، ولكنه لم يُطبق حتى الآن. ومن شأن التعديلات الجديدة أن تفرض عقوبة الحبس على من يُدان بإهانة الرموز المقدسة والشخصيات العامة، إضافة إلى قيود أخرى.

 

وكان آخر هذه التعيينات في آب/أغسطس، حيث عيّنت الحكومة لطفي التواتي رئيساً لمجموعة دار الصباح الإعلامية، وهي أقدم مؤسسة إعلامية في البلاد وتأسست في عام 1951. ويُذكر أن التواتي هو رئيس شرطة سابق ومعروف بتعاطفه مع الحكومة، وقد أثار تعيينه الكثير من الجدل بين الصحفيين التونسيين. وفي 11 أيلول/سبتمبر، أعلن صحفيون وموظفون آخرون يعملون في دار الصباح عن إضراب عن العمل احتجاجاً على تعيين التواتي. وفي عام 2009، اتُهم التواتي بقيادة عملية نظمتها الحكومة للاستيلاء على قيادة النقابة الوطنية للصحفيين، حسب تقارير الأنباء.

 

قام التواتي بعد بضعة أيام من توليه منصبه بمنع نشر مقال كان يفترض أن يُنشر في إحدى الصحف اليومية التابعة لدار الصباح، وينتقد المقال تعيين التواتي في منصبه، وفقاً لتقارير الأنباء. كما قام بفصل أحد المحررين الثلاثة الكبار في صحيفة ‘الصباح’ اليومية الناطقة بالعربية، وأصدر قائمة محدودة بالأشخاص المسموح لهم كتابة افتتاحيات الصحيفة، حسب تقارير الأنباء.

 

ومما يثير مزيداً من القلق، أن التواتي صدم بسيارته في 13 أيلول/سبتمبر الصحفي خليل الحناشي الذي يعمل في صحيفة ‘الصباح’، وفقاً لتقارير الأنباء. وكان الحناشي موجوداً أمام مقر دار الصباح في تونس العاصمة ينتظر التواتي لمواجهته بشأن قرارات أخيرة اتخذها بخصوص المجموعة الأعلامية والصحف التابعة لها، حسب تقارير الأنباء.

 

وأوردت تقارير الأخبار نقلاً عن شهود عيان قولهم إن التواتي شغّل سيارته “وساقها للأمام بأقصى سرعة”. وقد سقط الصحفي في غيبوبة وتم نقله إلى مستشفى محلي، حسبما يظهر في مقطع فيديو نشر على موقع يوتيوب بعد الحادثة. وقد أصيب بكدمات في رأسه ولم يتمكن من استعادة سمعه بشكل كامل، حسبما أبلغتني آسيا عتروس، وهي صحفية تعمل في صحيفة ‘الصباح’.

 

وعندما تحدثُ مع آسيا عتروس في الأسبوع الماضي، كانت تشارك في احتجاج أمام الجمعية الوطنية للمطالبة بإقالة التواتي. وقالت عتروس إن الحكومة لم تتخذ أية خطوات جدية للتحقيق في الحادثة، على الرغم من أن وزارة الداخلية أقرت بأنها تلقت تصريحات متناقضة حول حادثة الصدم، حسب تقارير الأنباء. وقال الناطق باسم الوزارة، السيد خالد طروش، إن التواتي زعم أن الصحفي “ألقى بنفسه متعمداً أمام السيارة” في حين زعم خليل الحناشي أنه “تعرض للصدم بصفة متعمدة”.

 

وأفادت الصحفية نزيهة الغضباني التي تعمل في دار الصباح للموقع الإلكتروني ‘مغاربية‘ إن الحكومة تستخدم هذه المجموعة الإعلامية “كبوق لإدامة وجودها من خلال تلميع صورتها وإيهام الرأي العام بإنجازاتها الوهمية”.

 

إن هذا التصرفات الحكومية تُذكِّر الصحفيين بالأساليب القمعية التي كان يمارسها النظام السابق، وهذا المسار لا ينبغي أن يكون ما تسير عليه تونس قبل بضعة أشهر من الذكرى السنوية الثانية للثورة.