إعتداءات 2008: الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: السودان


اتفاقية السلام الشامل التي توصلت إليها السودان، وأنهت رسمياً الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب التي امتدت لعدة عقود، تنص رسميا على احترام حرية الصحافة، بيد أن المسؤولين السودانيين تجاهلوا هذه الضمانات في الواقع العملي. ففي شباط/فبراير، أعادت الحكومة العمل بانظمة الرقابة الرسمية على الصحافة المطبوعة، وفرضت على المحررين المحليين تقديم نسخ عن مطبوعاتهم لإصدار موافقة مسبقة لإصدارها.

وعلى امتداد العام، قامت السلطات بمصادرة صحف ومضايقة الصحفيين لمحاولتهم إيراد تغطية صحفية حول مواضيع حساسة، مثل النزاع في دارفور، وقوات الأمن السودانية، والرقابة الرسمية ذاتها. واستخدمت الحكومة أيضاً أساليب خفية للسيطرة على محتوى المواد المنشورة، مثل حجب الإعلانات الحكومية وفرض أنظمة ترخيص متشددة تسمح بتعلق صدور المطبوعات الناقدة لإسباب إدارية.

تواصل القتال في دارفور خلال العام على الرغم من اتفاق السلام في عام 2006 بين الحكومة و أحد فصائل حركة تحرير السودان، وهي أكبر الجماعات المتمردة. وقد تواصل الكفاح من أجل تغطية هذا النزاع الذي يعتبر أحد أكبر الموضوعات الصحفية في العالم (وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، بلغ عدد القتلى ما يصل إلى 300,000 شخص وعدد المشردين إلى مليوني شخص)، إذ تزايد العنف ضد عمال الإغاثة الإنسانية وحفظ السلام وسط نشر قوات مشتركة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. وفي تموز/يوليو، وجه رئيس الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو-أوكامبو، اتهامات للرئيس عمر حسن البشير بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في دارفور، وأعلن أنه سيطلب إصدار مذكرة لاعتقال الرئيس. وفي حين تبدو فرص اعتقال الرئيس ومحاكمتة ضئيلة، إلا أن الأعلان زاد المخاوف من أن الحكومة قد تلجأ إلى الانتقام من الأجانب الذين يعملون في السودان، بما في ذلك الصحفيين الأجانب.

تصاعد العنف في 10 أيار/مايو عندما شنت حركة العدل والمساواة، وهي جماعة دارفورية متمردة، هجوما على الخرطوم. وكان ذلك الهجوم هو الأول من نوعه ضد العاصمة. وأوردت التقارير عن مقتل ما يقارب 100 جندي سوداني وعشرات المدنيين أثناء القتال. وشنت قوات الأمن حملة قمع واسعة ضد المعارضة ووسائل الإعلام في أعقاب الهجوم، واعتقلت مئات الأشخاص المشتبه بتعاطفهم مع المتمردين.

وفي 14 أيار/مايو، اعقتلت قوات الأمن الصحفي الدارفوري الغالي يحيى شقيفات، وهو يكتب في الصحيفة اليومية الناقدة رأي الشعب ويترأس رابطة إعلاميي وصحفيي دارفور في الخرطوم. ووفقا لما أوردته سعاد منصور، شقيقة الصحفي المحتجز التي تعيش في الولايات المتحدة، تم احتجازه في مكان غير معلوم حتى أواسط آب/أغسطس. وأضافت بأنه متردد في الحديث عن احتجازه أثناء حديثها معه عبر الهاتف خشية من أن اتصالاته مراقبة، ولكنها تعتقد أنه قد استهدف بسبب عمله كصحفي. وفي 14 أيار/مايو أيضا، قام عناصر من قوات الأمن بإغلاق الصحيفة اليومية الخاصة ألوان إلى أجل غير مسمى، وقال مدير تحرير الصحيفة الطيب فراج لوكالة رويترز إن السلطات اتهمت محرر الصحيفة، حسين خوجلي، بنشر معلومات عسكرية حساسة. وقال فراج إن أمر حظر النشر قد صدر على الرغم من أن موظفي الرقابة الحكوميين قرأوا الصحيفة قبل صدورها ووافقوا على محتواها. ووفقا للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قامت الحكومة في تموز/يوليو بحجب موقع “يوتيوب” على شبكة الإنترنت، وذلك بعد تحميل أفلام فيديو على الموقع تظهر عناصر من قوات الأمن يقومون بضرب أشخاص تم اعتقالهم على أثر الهجوم الذي جرى في 10 أيار/مايو.

أنهت السودان الحرب الأهلية التي امتدت لسنوات عديدة بين النخبة الحاكمة من العرب المسلمين في الشمال وبين سكان الجنوب الفقراء غير المسلمين، وذلك بتوقيع اتفاقية السلام الشامل في كانون الثاني/يناير 2005 جرت استعادة حالة الطوارئ التي امتدت لفترة طويلة بعد أن تم تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة البشير تضم حزب المؤتمر الوطني الإسلامي والحركة الشعبية لتحرير السودان. ويضمن كل من الدستور المؤقت واتفاقية السلام الشامل اللذين تم سنهما في عام 2005، حرية الصحافة. وقد ارتفع عدد الصحف المطبوعة ارتفاعاً كبيراً في السودان نتيجة لإقرار اتفاق السلام، فظهرت أكثر من عشر صحف باللغة العربية إضافة إلى عدة صحف ناطقة باللغة الإنجليزية تغطي جنوب السودان بصفة أساسية. بيد أن القوانين التقييدية ظلت سارية، بما في ذلك قانون الصحافة والنشر لسنة 2004، والذي يتيح سيطرة حكومية واسعة على وسائل الإعلام. وقد نص القانون على تأسيس المجلس الوطني للصحافة، وهو هيئة تتمتع بسلطات واسعة ولا تتمتع سوى باستقلال شكلي عن حزب المؤتمر الوطني. حتى الصحف التي تصدر في الجنوب تخضع لسيطرة الحكومة في الخرطوم، إذ يتعين عليها أن تطبع أعدادها إما في الخرطوم أو خارج البلاد، مما يزيد من كلفة إصدارها بشدة. إضافة إلى ذلك، فإن التوترات المتواصلة بين حزب المؤتمر الوطني وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب تهدد قدرة وسائل الإعلام على تغطية تنفيذ اتفاقية السلام.

قامت قوات الأمن السودانية ومجلس الصحافة مرات عديدة بفرض رقابة على التغطية الناقدة من قبل الصحف الخاصة في عام 2008، مما أثار مخاوف من أن الحكومة تقمع التغطية الصحفية الضرورية خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الوطنية المقرر عقدها خلال عام 2009. ومن المتوقع أن تكون الانتخابات المقبلة هي أول انتخابات ديمقراطية منذ ما يزيد عن 20 عاماً. وفي نيسان/إبريل تساءل نائب الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، ياسر أرمان، أثناء مقابلة أجرتها معه وكالة رويترز “كيف تقوم بإجراء انتخابات بينما الصحافة تخضع لسيطرة الحكومة؟ هذا لن يتيح فرصاً متكافئة للجميع”.

وفي 14 شباط/فبراير، وبعد أن لجأت السلطات إلى الرقابة الرسمية، صدر أمر بحظر صدور صحيفة رأي الشعب في الخرطوم بعد أن طالب مسؤولون أمنيون بإلغاء نشر مقالين حول مزاعم بأن الحكومة السودانية دعمت جماعات متمردة في دولة تشاد المجاورة. وفي آذار/مارس، حظرت السلطات على صحيفة الميدان الخاصة إيراد تغطية صحفية بشأن تبرئة محرر الصحيفة، التجاني الطيب، الذي تم اتهامه “بإقلاق السلم” بسبب إيراده تفاصيل حول معسكرات مزعومة لإرهابيين. وفي أواسط نيسان/إبريل، منعت السلطات الصحف المحلية الناطقة بالعربية “السوداني” و “الأحداث” و “رأي الشعب” من الصدور لأن هذه الصحف لم تقدم نسخاً عن أعدادها للحصول على موافقة مسبقة. كما حظرت السلطات إصدار الصحيفة اليومية العربية أجراس الحرية، والصحيفة الناطقة بالإنجليزية ذا سيتيزن، لأن الصحيفتين أوردتا تغطية إخبارية حول الرقابة. وقد وجهت السفارة الأمريكية في الخرطوم انتقادات حول الرقابة على الصحف، وحثت حكومة الوحدة الوطنية على إنهاء القيود المفروضة على الصحافة. وفي 19 حزيران/يونيو، توقفت صحيفة أجراس الحرية عن الصدور لمدة أسبوع احتجاجاً على الرقابة، وقالت إن السلطات حاولت إزالة تسع مقالات من الأعداد الأخيرة، بما في ذلك تغطية إخبارية حول دارفور وتشاد وانتقادات للحزب الحاكم وحول الرقابة ذاتها.

وفي 18 شباط/فبراير، تم اعتقال محررين من صحيفتين محلتين، هما سيد أحمد خليفة من صحيفة الوطن وعادل الباز من صحيفة الأحداث، وأمضيا ليلة في الحبس بسبب تغطية صحفية حول قررات بالترقية أو الفصل من العمل ضمن كبار الضباط في الشرطة السودانية. وفي 19 شباط/فبراير، تم احتجاز خمسة صحفيين محليين آخرين للتحقيق معهم بسبب تغطية صحفية مشابهة. وقد تظاهر أكثر من خمسين صحفي سوداني احتجاجاً وتوجهوا إلى مكاتب المجلس الوطني للصحافة وطالبوا بالإفراج عن الصحفيين. وقد أفرجت السلطات عن الصحفيين السبعة في ذلك اليوم.

في أواسط آب/أغسطس، حظر المجلس الوطني للصحافة صدور الصحيفتين الخاصتين ذا سودان تريبيون و ذا سيتيزن الناطقتين بالإنجليزية، اللتين توزعان في جنوب السودان ولكن تتم طباعتهما في الخرطوم. وقال المجلس إن أمر الحظر صدر لإسباب “إدارية”، وزعم إن مالكي الصحيفتين انتهكا اتفاقية الترخيص من خلال تعيين محررين في جوبا (عاصمة جنوب السودان) بدلاً من الخرطوم. وقال مديرا الصحيفتين إن الحظر حدث لدوافع سياسية. ووفقاً لتقارير صحفية، أعلن مالك صحيفة ذا سيتيزن، نيهال بول، أنه سيطبع الصحيفة في بلد مجاور، في حين تم رفع الحظر عن صحيفة ذا سودان تريبيون بعد أن وافق محررها، ويليام إيزكيل، على تعيين محرر لتمثليه في الخرطوم.

في حين أن العنف ضد الصحفيين في السودان هو أمر نادر الحدوث، إلا أنه قد يكون شديداً إذا حدث. ففي أيلول/سبتمبر 2006، تم اختطاف رئيس تحرير الصحيفة اليومية الخاصة الوفاق، وقطع الخاطفون رأسه فيما يبدو أنه بدافع الانتقام لقيام الصحيفة بنشر مقال يشكك في أصل النبي محمد. وفي آذار/مارس 2008، قدم عشرة رجال أدينوا في عام 2007 بارتكاب جريمة القتل هذه استئنافاً دفعوا فيه بأن الاعترافات التي أدلوا بها قد انتزعت منهم تحت التعذيب. وفي ذلك الوقت، حظرت السلطات مناقشة القضية في الصحافة المحلية.

في هذا البلد الشاسع الذي يفتقر للبنية التحتية، تشكل وسائل البث الإعلامي الطريقة الوحيدة لمعظم السكان لتلقي الأخبار. ولكن محطات التلفزيون المحلية مملوكة للحكومة، وتورد التقارير إن عسكريين مسؤولين عن الرقابة يعملون داخل وكالة البث المملوكة للحكومة، وداخل هيئة التلفزيون والإذاعة السودانية، لضمان أن الأخبار التي يتم بثها تلتزم بتوجهات الحكومة. ووفقا لمصادر محلية، فعلى الرغم من وجود ستة محطات إذاعية تبث باستخدام موجات التضمين الترددي (FM) في الخرطوم، إلا أنها تركز على الترفيه بصفة أساسية ونادراً ما تبث برامج إخبارية. أما جنوب السودان، الذي تحكمة حكومة تتمتع بشبه إدارة ذاتية بموجب اتفاق السلام، فيفاخر بوجود عدة وسائل بث مستقلة ومحطات إذاعة ضمن المجتمعات المحلية إضافة إلى إذاعة “مرايا” التي تديرها الأمم المتحدة. ومع ذلك، تحتفظ حكومة جنوب السودان بسيطرة كاملة على عملية إصدار تراخيص البث وقامت في السابق بإغلاق محطات إذاعية ناقدة. ويوجد في جنوب السودان وكالة بث عامة ناشئة وهيئة مستقلة للبث، ولكن استقلالهما عن حركة الشعبية لتحرير السودان لم يكن واضحاً، وذلك وفقا للمنظمة الدولية “المادة 19” المعنية بحرية التعبير.

في أيار/مايو، أفرج الجيش الأمريكي عن سامي الحاج، وهو مصور صحفي سوداني يعمل مع قناة “الجزيرة”، بعد أن ظل محتجزا في سجن غوانتانامو منذ حزيران/يونيو 2002. وكان الحاج هو الصحفي الوحيد الذي تعلم لجنة حماية الصحفيين عن وجوده في غوانتانامو، ولم توجه إليه اتهامات بارتكاب أية جريمة كما لم يمثل أمام أية محاكمة. وقد اتهمته السلطات العسكرية الأمريكية بالعمل في نقل الأموال لجماعات مسلحة ومساعدة تنظيم القاعدة وأشخاص متطرفين. وقد رفض محامي الدفاع هذه الاتهامات وأكد أن الحاج كان محتجزاً لأسباب سياسية. وبعد الإفراج عنه وعودته إلى السودان، ألقى الحاج خطاباً بثه التلفزيون السوداني قال فيه إن الجيش الأمريكي حقق معه مراراً حول قناة “الجزيرة”، وأن الجيش طلب منه التجسس على القناة. وكانت لجنة حماية الصحفيين قد انتقدت احتجاز سامي الحاج، ورحبت بالإفراج عنه وأشارت إلى أنه ضمن ما لا يقل عن 14 صحفيا احتجزهم الجيش الأمريكي لفترات طويلة دون توجيه اتهامات أو إجراء محاكمات منذ أيلول/سبتمبر 2001. (إضافة إلى سامي الحاج، يوجد 12 صحفيا محتزين في العراق، وصحفي واحد محتجز في أفغانستان). وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت قناة “الجزيرة” أن سامي الحاج سيترأس مكتب الحريات وحقوق الإنسان الذي أنشأته حديثاً.