إعتداءات 2008: الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: المغرب

واصلت المغرب تراجعها فيما يتعلق بحرية الصحافة، إذ تم استهداف الصحفيين المستقلين ووسائل الإعلام المستقلة بسلسلة من القضايا ذات الدوافع السياسية في المحاكم. ففي أيار/مايو، أشارت النقابة الوطنية للصحافة المغربية إلى “التوجه الخطير” الذي اعتمدته السلطات “لفرض غرامات مبالغ فيها في قضايا التشهير، واللجوء إلى الاعتقال الاحترازي للصحفيين … وحظر صدور الصحف والطلب من الطابعين مراقبة محتويات المادة التي يطبعونها”.

وقد تجلّت هذه الأساليب في قرار صدر عن المحكمة العليا في شباط/فبراير بالمصادقة على حكم الإدانة وعقوبة السجن التي صدرت بحق الصحفي مصطفى حرمة الله من الصحفية الأسبوعية المستقلة “الوطن الآن” وذلك بتهمة “الحصول على وثائق بوسائل إجرامية”. كما صادقت المحكمة على حكم مع وقف التنفيذ ضد الناشر عبد الرحيم أريري.

نشأت القضية من مقال صدر في تموز/يوليو 2007 يصف تهديدات إرهابية محتملة  ويستشهد بوثائق من المديرية العامة لمراقبة الأراضي، وهي وكالة أمنية مغربية، أوردت أمر مراقبة مواقع الإنترنت الجهادية. وقد أدين حرمة الله وأريري في آب/أغسطس 2007، ولكنهما استأنفا الحكم. ولكن تم سجن حرمة الله في النهاية، مما أثار موجة من الاستنكار على الصعيدين المحلي والدولي؛ وقد بدأ الصحفي إضراباً عن الطعام في أيار/مايو في سجن عكاشة في الدار البيضاء.

وعندما خرج مصطفى حرمة الله أخيرا من السجن في تموز/يوليو، توجه عشرات المهنئين بما فيهم أقارب وأصدقاء الصحفي وممثلين عن النقابة الوطنية للصحافة المغربية ونشطاء في مجال حقوق الإنسان إلى السجن سيء الصيت لاستقبال حرمة الله عند خروجه. وقال حرمة الله للجنة حماية الصحفيين بعد خروجه من السجن “ليتكم تعرفون كيف ساعد تضامنكم ونشاطاتكم في جعل هذا الاحتجاز أمراً يمكن تحمّله، وكيف أنه عزز التزامي بالصحافة المستقلة”، ووصف السجن بأنه “مقبرة للأحياء”. وقال أيضاً، “إن من شأن حملة كبيرة من التضامن المحلي والدولي أن تؤتي ثماراً ليس فقط في المغرب، بل أيضا في بلدان شمال إفريقيا المجاورة، مثل الجزائر وموريتانيا وتونس”.

وقد يكون الاهتمام المحلي والعالمي قد لعب دوراً في قضية أحمد بن شمسي، محرر الصحيفة الأسبوعية المستقلة نيشان، وشقيقتها الأسبوعية الناطقة بالفرنسية تيل كويل. ففي أيلول/سبتمبر، أصدرت محكمة في الدار البيضاء حكماً بتعليق قضية جنائية اتهمته بالإخلال “بالاحترام اللازم للملك”. وقد نشأت القضية عن مقال صدر في آب/أغسطس 2007 في صحيفة نيشان تساءل عن جدوى عقد انتخابات تشريعية في حين يسيطر الملك محمد السادس على مؤسسات البلاد سيطرة مطبقة. وبموجب المادة 41 من قانون الصحافة والنشر المغربي، كان بن شمسي يواجه عقوبة السجن لمدة خمس سنوات.

واجه محمد الراجي، وهو مساهم في الموقع الشبكي الإخباري المغربي “هس برس”، التهمة ذاتها في محكمة في مدينة أغادير الواقعة في الجنوب الغربي من البلاد. وبعد محاكمة صورية استغرقت عشر دقائق – عقدت بغياب محامي الدفاع – أدين محمد الراجي وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة عامين. وكانت جريمته أنه كتب مقالاً انتقد فيه الملك لأنه يقدم المكافآت لمن يمتدحه، وكتب الراجي، ” يجب علينا أن نعترف بأن الذي أهلك بلدنا وأوصله إلى هذه الرتبة المخجلة التي يحتلها على الصعيد العالمي في كل المجالات هو اقتصاد الريع ، الذي ينتفع به المحظوظون دون غيرهم من أبناء وبنات الشعب”.

وبعد ثمانية أيام على ذلك، وعلى أثر احتجاجات عالمية، ألغت محكمة استئناف في أغادير حكم الإدانة. وقال الراجي للجنة حماية الصحفيين بعد القرار، “إن فرحتي ممتزجة بشعور من الحزن، فلم يخطر ببالي أبداً بأنني قد أُتهم تعسفيا بالإخلال بالاحترام اللازم للملك، وهو اتهام جسيم”.

وفقاً لأبحاث لجنة حماية الصحفيين، ظل استخدام القضاء لتصفية الحسابات مع الصحفيين الناقدين مصدراً أساسياً للانشغال منذ عدة سنوات. فقد تم إسكات العديد من كبار الكتاب والمحررين، أو أجبروا على اللجوء للمنفى بعد قضايا في المحاكم مدفوعة بدوافع سياسية. وقالت النقابة الوطنية للصحافة المغربية في تقرير أصدرته في أيار/مايو، “يظل نقص استقلال القضاء عقبة كبيرة في طريق التقدم في الصحافة والحرية، فمن المستحيل تحقيق أي إصلاح طالما ظل القضاء يصدر أحكاماً تمنع الصحفيين من أداء عملهم”.

وفي حزيران/يونيو أصدرت محكمة في الرباط أمراً للصحيفة اليومية المستقلة الجريدة الأولى بالتوقف عن نشر شهادات الضحايا أمام لجنة الإنصاف والمصالحة. وتصف تلك الشهادات الإساءات لحقوق الإنسان التي يزعم بأنها جرت بين عامي 1960 و 1999. وقد صدر هذا الأمر استجابة لشكوى مقدمة من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي تديره الحكومة، والمسؤول عن سجلات لجنة الإنصاف والمصالحة التي تم حلها. وكان الملك محمد السادس قد أسس اللجنة في عام 2003 للمساعدة على طي صفحة الحكم القاسي لوالده الملك الحسن الثاني. وقد استأنفت صحيفة الجريدة الأولى هذا القرار في حين واصلت نشر مقتطفات تصف حالات تعذيب وقتل واختفاء قسري.

وجدت لجنة حماية الصحفيين أن قوات الشرطة قامت في بعض الحالات بإعاقة مراسلين صحفيين والإساءة إليهم. فعلى سبيل المثال، قالت نقابة الصحفيين إن قوات الأمن اعتدت على الصحفي مصطفى البقالي الذي يعمل مع إذاعة “بي بي سي” بينما كان يغطي تظاهرة أمام مبنى البرلمان في نيسان/إبريل. وقد دخل البقالي في غيبوبة وتم نقله على متن سيارة إسعاف إلى مستشفى محلي لتلقي العلاج.

يحتفظ الملك بسيطرة كبيرة على وسائل البث المحلية، وذلك من خلال سلطاته بتعيين الإدارات العليا. إذ يتمتع الملك محمد السادس بسلطة تعيين رؤساء جميع المحطات الإذاعية والتلفزيونية العامة، كما يعين رئيس الهيئة العليا للاتصالات السمعية والبصرية، إضافة إلى أربعة من أعضاء مجلس أمنائها، والتي تصدر تراخيص البث.

وتستخدم السلطات بصفة منتظمة وسائل لإعاقة البث الأجنبي. ففي أيار/مايو، أصدرت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات أمراً إلى قناة “الجزيرة” لوقف بث برامجها الإخبارية الإقليمية التي تنطلق من الرباط لأسباب “فنية وقانونية” لم تحددها. وقد صدر القرار دون أي تحذير مسبق وأجبر قناة “الجزيرة” على بدء بث جولتها الإخبارية الإقليمية من مقرها في العاصمة القطرية، الدوحة. وقد أتى هذا التحرك عقب قيام القناة ببث تعليقات ناقدة من الصحفي المصري  محمد حسنين هيكل حول الملك الحسن الثاني.

وفي تموز/يوليو، أصدرت محكمة في الرباط حكما على رئيس مكتب قناة “الجزيرة”، حسن راشدي، بدفع غرامة قدرها 50,000 درهم/ما يعادل 6,000 دولار أمريكي وتعليق أوراق اعتماده الصحفية بعد أن أدانته بتهمة “نشر أنباء كاذبة” من المحتمل أن “تقلق النظام العام وتنشر الهلع بين الناس”. وقد نشأت التهمة عن تغطية قناة “الجزيرة” لقلاقل حدثت في مدينة سيدي إفني في جنوب البلاد. وأوردت القناة الفضائية التي تتخذ من قطر مقراً لها قول أحد المصادر بأن المصادمات مع الشرطة أدت إلى مقتل بعض الأشخاص. وقد أنكرت الحكومة وقوع أية وفيات.

ويبدو أن السلطات تتصرف وفقا لروح وثيقة قمعية جديدة، أقرها مجلس وزراء الإعلام العرب في شباط/فبراير، تسعى لإنشاء إطار لتنظيم القنوات الفضائية.

تدعى الوثيقة “مبادئ تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني عبر الفضاء في المنطقة العربية”، وتسعى لحظر المواد التي “لها أثر سلبي على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية”، والتي تتعارض مع “مبادئ التضامن العربي”، أو تشكل إهانة “للقادة أو الرموز الوطنية والدينية”. وتدعو الوثيقة كل الدول الأعضاء التي يبلغ عددها اثنين وعشرين دولة لاتخاذ “الإجراءات التشريعية الضرورية للتعامل مع الانتهاكات”، بما في ذلك مصادرة الأجهزة وسحب التراخيص.