إعتداءات 2008: الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: لبنان


وصل هذا البلد المنقسم بشدة إلى حافة اندلاع صراع شامل في منتصف العام، بعد أن استخدم القادة السياسيون والدينيون وسائل الإعلام لتأجيج الانقسامات الطائفية وأخفقوا في الالتزام بالحكم التوافقي الذي تم التوصل إليه في نهاية الحرب الأهلية التي امتدت خلال الفترة 1975 – 1990. الحرب الكلامية التي بدأت في كانون الأول/ديسمبر 2006 باستقالة الوزراء الموالين لحزب الله الشيعي وحلفائه من الحكومة الائتلافية التي ترأسها رئيس الوزراء السني فؤاد السنيورة، تحولت إلى مصادمات قاتلة في الشوارع في أيار/مايو 2008.

ففي بيروت الغربية التي يسيطر عليها المسلمون السنة، هاجم مسلحون مكاتب وسائل الإعلام التابعة لمجموعة المستقبل الإعلامية، التي يمتلكها سعد الحريري قائد الأغلبية البرلمانية ونجل رئيس الوزراء السني السابق رفيق الحريري. ويواصل محققون من الأمم المتحدة التحقيق في واقعة اغتيال رفيق الحريري التي حدثت في عام 2005، وارتباطها المحتمل مع 22 حادثة اغتيال أخرى، بما فيها اغتيال الصحفيين البارزين سمير القصير وجبران تويني من صحيفة النهار. وفي نيسان/إبريل، أوردت وكالة رويترز تصريحا لرئيس فريق التحقيق المكلف من الأمم المتحدة، دانيال بيليمير، إذ قال إنه جمع “أدلة تشير إلى أن شبكة من الأفراد موجودة من السابق قامت بتنفيذ عملية اغتيال الحريري في عام 2005 وأنها مرتبطة بالاغتيالات السياسية الأخرى في لبنان”.

وقال أقارب وأصدقاء الصحفيين القتلى، الذين كانوا معروفين بانتقادهم للنظام في سوريا المجاورة، للجنة حماية الصحفيين إنهم يأملون بأن محققي الأمم المتحدة سوف يكشفون عن هوية القتلة ويجلبونهم أمام المحكمة الخاصة في لبنان. وقد تأسست المحكمة الخاصة في عام 2006، وهي مكلفة بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي بملاحقة المسؤولين عن اغتيال الحريري والاعتداءات المرتبطة به، و ذالك في إطار القوانين الجنائية اللبنانية.

كانت الشرارة التي أثارت العنف الذي اندلع في أيار/مايو – والذي أدى إلى مقتل ما يزد عن 60 شخصاً، وفقا لتقارير صحفية – هي قرار الحكومة المدعومة من الغرب بإغلاق شبكة اتصالات سرية يديرها حزب الله، والذي أثارت علاقاته الوثيقة مع إيران وسوريا شواغل بين الأطراف اللبنانية والجهات الحليفة للحكومة اللبنانية. ودعا حسن نصرالله، قائد حزب الله، تصرف الحكومة – إلى جانب قرار الحكومة بفصل قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي، وفيق شقير، الذي اتهم بأنه متعاطف مع حزب الله – بأنه “إعلان حرب”.

وفي أيار/مايو، وبينما كانت تحدث مصادمات بين مؤيدي الحكومة وبين نشطاء أثناء اعتصام نظمه اتحاد العمال بدعم من حزب الله وحلفائه، تعرض ثلاثة مصورين صحفيين لمعاملة خشنة، في حين تضررت معدات صحفيين آخرين، وذلك وفقاً لتقارير صحفية ولنقابة المصورين الصحفيين اللبنانيين.

وبعد يومين من ذلك، تم إغلاق البث المحلي والفضائي لمحطة “تلفزيون المستقبل”، إضافة إلى بث محطة “راديو أورينت” التابعة له، على أثر قيام مسلحين من حزب الله والجماعات المسلحة المتحالفة معه بتهديد موظفي مكتب تلفزيون المستقبل في حي الصنايع في بيروت، وذلك وفقا لما قاله أحد كبار الموظفين للجنة حماية الصحفيين. ووفقاً لتقارير صحفية، قام مسلحون لاحقاً بمداهمة المبنى وعبثوا بالأجهزة ودمروا قسم الأرشيف. ووفقا لتقارير إخبارية، قام نشطاء مسلحون تابعون للحزب السوري القومي الاجتماعي المناهض للحكومة، وفي اليوم نفسه، بإشعال النيران في بناية تلفزيون المستقبل في منطقة الروشة في بيروت الغربية. وأوردت وكالة أسوشيتد برس إن مسلحين من حزب الله أشعلوا النيران في صحيفة المستقبل اليومية، وهي جزء من مجموعة المستقبل الإعلامية، وذلك في حي الرملة البيضاء في بيروت.

وأوردت وكالة أسوشيتد برس، إن ما يزد عن 300 صحفي يعملون مع وسائل إعلام من توجهات سياسية مختلفة، تظاهروا في الشوارع في 10 أيار/مايو للاحتجاج على تصرفات حزب الله ضد مجموعة المستقبل الإعلامية. وقال أشخاص عديدون للجنة حماية الصحفيين إن التأثير السياسي واسع النطاق على وسائل الإعلام يشكل مشكلة كبيرة أدت إلى انتشار التشكك وإساءة الفهم ضمن المجتمع اللبناني المنقسم. وقد واصلت مجموعة المستقبل الإعلامية برامجهما في 13 أيار/مايو، وواصلت صحيفة المستقبل صدورها في اليوم اللاحق.

توقفت المصادمات العنيفة التي استمرت لمدة أسبوع تقريباً، بعد أن علقت الحكومة قرارها بتفكيك شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله وقرار فصل قائد جهاز أمن المطار. وبدلاً من ذلك، كلفت الحكومة الجيش بحل هذه القضايا، فقام الجيش بإعادة وفيق شقير إلى منصبه، وأصدر تصريحا غامضاً بأنه سيتناول قضية شبكة الاتصالات بطريقة لا تضر المصلحة العامة أو أمن حزب الله.

وفي 21 أيار/مايو، وبعد مفاوضات جرت برعاية دولة قطر وجامعة الدول العربية، توصلت الأطراف السياسية الرئيسية إلى تسوية وافقوا على أساسها بتجنب العنف في المستقبل وإتاحة المجال للبرلمان لاختيار رئيس جديد. وبعد فترة وجيزة اختار البرلمان الجنرال ميشيل سليمان، الذي اعتُبر اختيار الإجماع. وعشية المصادمات التي جرت في أيار/مايو، وفي الوقت الذي عمد فيه القادة السياسيون والدينيون إلى تأجيج المشاعر، كانت القوات المسلحة اللبنانية هي التي حثت وسائل الإعلام على الالتزام بضبط النفس.

دعا أحد بنود التسوية التي تم التوصل إليها في أيار/مايو إلى فرض قيود على وسائل الإعلام – وقال وليد الهوري، محرر قسم الآراء في منصات التي تصدر على شبكة الإنترنت، “وكأن الأحزاب السياسية والسياسيين هم محررون صحفيون”. ومع ذلك أشار إلى أن العديد من العاملين في وسائل الإعلام اللبنانية رحبوا بإيراد ذلك البند. وقال صحفيون، إن دعوة الجهات السياسية إلى فرض قيود على وسائل الإعلام تعتبر عادة على أنها تدخلاً شائناً، ولكن في هذه حالة فتعتبر بأنها إقرب إلى عكس الواقع اللبناني. ظلت وسائل الإعلام اللبنانية، وخصوصا الإذاعة والتلفزيون، تستخدم كناطقة باسم الفصائل الرئيسية منذ استقلال البلاد عن فرنسا وإقرارها للميثاق الوطني لتقاسم السلطة في عام 1943. وكثيراً ما تعهد القادة السياسيون بالإحجام عن استخدام وسائل الإعلام لتأجيج التناحر الطائفي، ولكنهم ظلوا يتراجعون عن تلك الوعود.

أوردت جمعية “مهارات”، وهي مجموعة محلية تناصر حرية الصحافة والديمقراطية، في دراسة أصدرتها في أيلول/سبتمبر إن بعض وسائل الإعلام المتنفذة سياسياً أدارت ظهرها للقواعد والمثل الأساسية للصحافة قبل اندلاع المصادمات وأثنائها. وقالت رولا ميخائيل، المديرة التنفيذية لجمعية مهارات، للجنة حماية الصحفيين “لم تكن وسائل الإعلام مسيسة وغير مراعية للآراء الأخرى من قبل بالقدر الذي أصبحت عليه حالياً، وذلك منذ نهاية الحرب الأهلية قبل 18 عاماً. هناك حاجة ملحة لظهور وسائل إعلام مستقلة”.

على الرغم من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أيار/مايو، تم الإبلاغ عن حالات متفرقة من المضايقات والعنف على امتداد بقية العام. ففي 15 آب/أغسطس، قام عناصر من ميليشيا حزب الله باعتقال كل من طارق صالح، وهو منتج من البرازيل، والمراسل الصحفي ماركوس لوزيكان والمصور باولو بيمنتيل من محطة تلفزيون “غلوبو تي في” البرازيلية، في منطقة الضاحية الواقعة في جنوب بيروت بينما كانوا يعملون على تغطية قصة صحفية عن مالك أحد المطاعم المحلية، وذلك بحسب ما قاله طارق صالح للجنة حماية الصحفيين. وأورد طارق صالح إن الفريق خضع لثلاث جلسات تحقيق مختلفة استمر كل منها لأكثر من ثلاث ساعات. وقال للجنة حماية الصحفيين “لم يقوموا بمهاجمتنا جسدياً، ولكننا كنا تحت ضغط نفسي متواصل”.

وفقاً لتقارير صحفية، تعرض المراسل الصحفي عمر حرقوص من صحيفة المستقبل إلى ضرب مبرح بينما كان يغطي تظاهرة جرت في تشرين الثاني/نوفمبر نظمها الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو حزب لبناني مؤيد لسوريا، وقد أُدخل الصحفي إلى المستشفى للعلاج وظل فيه عدة أيام. وقد وجه النائب العام جوزف معماري اتهامات بالاعتداء ضد ثلاثة أعضاء من الحزب.

خضعت محطات التلفزيون والإذاعة إلى قوانين تقييدية، مثل المرسوم رقم 7997 لسنة 1996، والذي يمنع هذه المحطات من بث أخبار تعتبر برأي السلطات بأنها تسعى إلى “تأجيج أو إثارة العصبية الطائفية أو الدينية”. ولكن هذه السلطات ذاتها عادة ما تكون متورطة بشدة في تحديد لهجة التغطية الإخبارية في وسائل الإعلام المرتبطة بها. كما أن قانون وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الصادر عام 1994 مفصّل بحسب رغبات الجهات السياسية والدينية الرئيسية المتنفذة. وخلال العقد المنصرم، استخدمت الحكومة هذا القانون لإغلاق المحطات التلفزيونية الناقدة، في حين منحت تراخيص لوسائل إعلام مرتبطة بالفصائل السياسية والدينية الرئيسية.