تواصل تدهور حرية الصحافة في المغرب، مما دحض الصورة التي رسمتها المغرب عن نفسها بحرص على أنها بلد متحرر يتمتع بصحافة حرة. فقد وجد الصحفيون الناقدون أنفسهم في المحاكم والسجون أو خسروا أعمالهم بعد موجة من المحاكمات المسيسة، بينما أعلنت حكومة الملك محمد السادس عن مشروع قانون جديد ومتشدد للصحافة. في 3 أيار/مايو الذي صادف اليوم العالمي لحرية الصحافة، وضعت لجنة حماية الصحفيين المغرب على قائمة الدول التي شهدت أشد تقهقر في العالم في حرية الصحافة.
عاد قمع الإعلام إلى مسيرته السابقة التي توقفت في كانون الأول (ديسمبر)، عندما إصدر إدريس جطو الذي كان رئيسا للوزراء حينها أمرا بتعليق صدور المجلة الأسبوعية العربية المستقلة “نيشان” لمدة شهرين، وذلك لأنها نشرت موضوعا من عشر صفحات حللت فيها الطرائف الشعبية حول الدين والجنس والسياسة. وفي كانون الثاني (يناير) أصدرت محكمة مغربية حكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ ضد إدريس كسيكس، الذي كان حينها مديرا ومحررا للمجلة، وضد الصحفية سناء العاجي بسبب الإساءة إلى الإسلام، وهي تعد مخالفة بموجب قانون الصحافة المغربي لسنة 2002. كما تم فرض غرامة على الصحفيين مقدارها 80,000 درهم (ما يعادل 10,400 دولار أمريكي) لكل منهما. ويمكن تنفيذ حكم السجن في حال ارتكب أي من الصحفيين مخالفة أخرى. واستقال إدريس كسيكس لاحقا من المجلة معللا ذلك بصفة جزئية بقلقه من إمكانية تنفيذ حكم السجن فيما إذا جرت محاكمته في قضية صحفية أخرى.
بدأت استجابة الحكومة في هذه القضية عندما قام موقع إسلامي على شبكة الإنترنت بمهاجمة مجلة “نيشان” بسبب قيامها بنشر مواد “مسيئة للإسلام”. ثم انتشرت الأخبار عما نشرته “نيشان” ووصلت إلى الكويت، حيث انتهزت المعارضة الإسلامية السياسية في البرلمان هذه الفرصة لإحراج الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان يقوم بزيارة إلى المغرب في ذلك الوقت، إذ انتقدته لزيارته بلدا لا يظهر احتراما للإسلام. ودافع المسؤولون المغاربة عن حظر صدور “نيشان” والحكم بالسجن مع وقت التنفيذ ضد إدريس كسيكس وسناء العاجي، وذلك للمزاودة على على المعارضة الإسلامية القوية في المغرب. ومع ذلك، قال صحفيون إن القضية كانت وسيلة للانتقام من إدريس كسيكس الذي نشر في السابق مواضيع تنتقد النظام الملكي.
استخدم المسؤولون الحكوميون وسائل قضائية أخرى لقمع الصحفيين المعارضين. ففي شباط (فبراير)، خسرت البلاد أحد أبرز الناشرين المستقلين، عندما اضطر أبو بكر جامعي ناشر المجلة الإخبارية الأسبوعية “لو جورنال إبدومادير” لمغادرة البلاد حيث كانت السلطات القضائية تعد لمصادرة ممتلكاته بعد صدور حكم ضده في عام 2006 بدفع تعويضات حطمت الأرقام القياسية على خلفية قضية تشهير. فقد أصدرت المحكمة حكما ضد أبو بكر جامعي وزملائه بدفع ثلاثة ملايين درهم (ما يعادل 395,000 دولار أمريكي) لرئيس مركز أبحاث يتخذ من بروكسل مقرا له، والذي زعم إن مجلة “لو جورنال إبدومادير” قد شهّرت به إذ نشرت مقالا من ستة صفحات شكك في مدى استقلال تقرير أصدره مركزه حول النزاع في الصحراء الغربية. وقد اعتبر هذا الحكم القضائي وعلى نطاق واسع بأنه انتقام سياسي من التغطية الصحفية غير المهادنة التي كان ينشرها الجامعي حول الملك والمصالح السياسية المتنفذة. وقد أخبر مصدر من القصر المجلة إن ما أثار سخط المسؤولين هو قيامها بنشر صورة بشعة للملك على غلافها في عام 2005، وهذا بدوره كان دافعا لصدور الحكم القضائي بدفع التعويضات الهائلة.
ظل الصحفيون المغاربة في موقع ضعيف أزاء مجموعة من الممنوعات الواردة في قانون الصحافة المتشدد، والذي يجرّم الإساءة إلى الملك، و “إهانة” النظام الملكي، والإساءة إلى الإسلام أو مؤسسات الدولة، أو التشكيك “بالوحدة الترابية” للبلاد (وهذا رمز لادعاءات المغرب بسيادتها على الصحراء الغربية). ويتضمن القانون عقوبات تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات؛ كما أن الحكومة تتمتع بسلطة إلغاء ترخيص المطبوعات، وتعليق صدور الصحف، ومصادرة أي أعداد تعد أنها تهدد النظام العام.
كشفت الحكومة عن مشروع قانون جديد سيبقي على العقوبات الجنائية، وربما سيفتح الباب لقيود أخرى على وسائل الإعلام. وعلى الرغم من أن المسؤولين يتبجحون بأن القانون المقترح هو خطوة إلى الأمام، إلا أنه أبقى على معظم القيود الموجودة حاليا، مثل عقوبة السجن مع وقف التنفيذ لما يسمى مخالفات الصحافة، وزيادة الغرامات بمقدار عشرة أضعاف، من 100,000 درهم (ما يعادل 13,000 دولار أمريكي)، إلى مليون درهم (ما يعادل 130,000 دولار أمريكي). كما دعا مشروع القانون الجديد إلى تأسيس “مجلس وطني للصحافة”، حيث سيتألف من 15 عضوا من الصحفيين والناشرين يعينهم الملك. وتمنح إحدى مسودات مشروع القانون للمجلس سلطة منع الصحفيين من العمل في المهنة، وفرض عقوبات اقتصادية ضد الصحفيين الذين ينتهكون الأعراف الأخلاقية التي لم تتم صياغتها وتحديدها حتى الآن. وقال يونس مجاهد، رئيس نقابة الصحفيين، إنه جرى تخفيف بعض مواد مشروع القانون إذ يجري العمل حاليا على اعادة صياغته. وكان مشروع القانون قيد النظر في أواخر العام.
استجابة للوضع المتدهور للصحافة في المغرب، أرسلت لجنة حماية الصحفيين وفدا إلى الرباط والدار البيضاء في نيسان (إبريل)، حيث أمضى عشرة أيام قابل فيها صحفيين مغاربة وبعض كبار المسؤولين في الحكومة. وأجرت لجنة حماية الصحفيين اجتماعا مع إدريس جطو الذي كان رئيسا للوزراء حينها، و نبيل بن عبدالله الذي كان وزيرا للاتصالات حينها، حيث أنكرا أي دور للحكومة في سلسلة الأحكام القضائية التي صدرت ضد صحفيين مستقلين في قضايا تشهير منذ عام 2005، وزعما إن الدعوى القضائية ضد أبو بكر جامعي “سقطت من السماء” وإنها “بيد القضاء”. وقال إدريس جطو، “المشاكل الأربعة أو الخمسة التي واجهناها تمت معالجتها في كل مرة من قبل القضاء، ونحن نلتزم بحكم القانون في هذا البلد”.
ولكن المسؤولين الحكوميين، بما فيهم المسؤولين الذين التقت بهم لجنة حماية الصحفيين، يقرون صراحة بوجود مشاكل تتعلق باستقلال القضاء في البلاد. ووجه عباس الفاسي، الذي كان حينها وزير دولة دون حقيبة وزارية، لوما إلى القضاة في شباط (فبراير) حيث طالبهم “بالاستماع إلى صوت ضمائرهم، وليس لتعليمات توجّه لهم عبر الهواتف المحمولة”. وواصل المسؤولون الحكوميون التأكيد على أن حرية الصحافة قوية في المغرب مقارنة بالماضي وبالظروف السائدة في العالم العربي. وقال إدريس جطو للجنة حماية الصحفيين، “لم نسعَ أبدا لإيقاع ظلم بحق صفحنا وصحفيينا”، وقال أيضا، “نحن نفخر بأن لدينا صحافة هي الأكثر تحررا وحيوية في المنطقة”. وتعهد بن عبدالله للجنة حماية الصحفيين بأن “عهد سجن الصحفيين في المغرب قد انقضى”.
ومع ذلك، فقد تناقضت أقوالهما مع تصرفات الحكومة. فمع اقتراب الانتخابات البرلمانية في أيلول (سبتمبر)، استهدفت الحكومة الصحفيين المستقلين بالعقاب. وفي 4 آب (أغسطس)، صادرت الشرطة من أماكن بيع الصحف نسخا من مجلة “نيشان” المغلوبة على أمرها، كما صادرت نسخا من المطبوعة الشقيقة الناطقة بالفرنسية “تيلكيل”، وذلك حال صدورها. وقد حدثت المصادرة على أثر قيام مجلة “نيشان” بنشر مقال شكك بجدوى عقد الانتخابات التشريعية كون الملك محمد السادس يسيطر على جميع النواحي الحكومية. وفي 6 آب (أغسطس) تم توجيه اتهام لناشر مجلة “تيلكيل”، أحمد بنشمسي الذي كتب المقال الافتتاحي، بتهمة التقصير عن إظهار “الاحترام الواجب للملك”، بموجب المادة 41 من قانون الصحف والمطبوعات المغربي. وكان يواجه عقوبة السجن ما بين ثلاث إلى خمس سنوات وغرامة قد تصل إلى 100,000 درهم (ما يعادل 13,000 دولار أمريكي).
بعد أسبوع من ذلك، أدانت محكمة جنائية في الدار البيضاء الناشر عبد الرحيم أريري والصحفي مصطفى حرمة الله من المجلة الأسبوعية المغربية “الوطن الآن” بتهمة “حيازة مواد مسروقة” بموجب القانون الجنائي المغربي. وقد صدرت الاتهامات بعد وقت قصير من قيام المجلة بإعادة نشر وثائق حكومية تفصّل نشاطات الرقابة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية لمواقع الإنترنت التابعة للجهاديين. وقد حكمت المحكمة على مصطفى حرمة الله بالسجن لمدة ثمانية أشهر، بينما حكمت على أريري بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ. كما فرضت المحكمة على كل منهما دفع غرامة مقدارها 1,000 درهم (ما يعادل 130 دولار أمريكي). وقد تم الإفراج عن مصطفى حرمة الله في أيلول (سبتمبر) حتى النظر في قضية استئناف الحكم.
وعندما وصلت حملة القمع الصيفية ضد الصحافة إلى ذروتها، واصل الوزير نبيل بن عبدالله سعيه لتشويه الحقائق فيما يتعلق بسجل البلاد في مجال حرية الصحافة، إذ قال لصحيفة “لو إيكونومسيت” في آب (أغسطس)، “لا يوجد خطوط حمراء. ومع ذلك فإن الغطرسة والصحافة لا يتوافقان”. وأضاف “لا توجد محرمات، طالما التزم المرء بالأشكال الواجبة من الاحترام”.
وقال صحفيون مغاربة إن حملة الملاحقات الجنائية أثبطت عزيمة الصحفيين عن تناول المواضيع الحساسة مثل الملكية والشخصيات السياسية المتنفذة. هذه الظروف المتدهورة لم تدفع الحلفاء المقربين، بما في ذلك الولايات المتحدة إلى أن يعبروا علنا عن استيائهم. بل أنه وقبل أسبوع واحد من إدانة أريري وحرمة الله، وافقت شركة التحدي الألفي المدعومة من حكومة الولايات المتحدة على حزمة مساعدات اقتصادية لمدة خمس سنوات بلغت 697,5 مليون دولار للمغرب–وهي أكبر مساعدة تقدمها هذه الوكالة منذ تأسيسها في عام 2004. وتصف شركة التحدي الألفي نفسها بأنه وكالة أمريكية حكومية “تستند إلى مبدأ أن المساعدة تكون فعالة إلى أقصى حد عندما تؤدي إلى تعزيز الحكم الصالح، والحرية الاقتصادية، والاستثمار في طاقات الناس مما يؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي والقضاء على الفقر الشديد”.