قلما يجد الصحفيون المعرضون للخطر والمضطرون للفرار من بلدانهم خيارات سريعة وآمنة

Protestors holding signs

ناشطون يدينون العنف ومحاولات اختطاف الصحفيين الباكستانيين في كراتشي بباكستان في 12 كانون الثاني/ يناير 2018. (وكالة أسيوشيتد برس/ فريد خان)

بقلم اليزابيث ويتشل

في عام 2018، علِق الصحفي محمد شبعاط الموجود في درعا بسوريا بين القوات المتقدمة الموالية للرئيس بشار الأسد والحدود المغلقة مع إسرائيل والأردن. وعلى الرغم من الخطر الرهيب الذي كان يتهدد هذا الصحفي وعدداً كبيراً من زملائه إلا أن الأمر استغرق لجنة حمالة الصحفيين والمنظمة الشريكة لها ما يزيد عن سنة من المفاوضات المكثفة مع نحو 20 بلداً من أجل العثور على ملاذات آمنة لـ 69 صحفياً معرضاً للخطر حددتهم اللجنة بمن فيهم محمد نفسه.

عندما يُجبر الصحفيون على الهرب من أوطانهم، تُضطرهم بعض العوامل، من قبيل التهم الجنائية وعدم الحصول على تأشيرات، إلى سلوك طرق محفوفة بالمخاطر غالباً ما تحط بهم في بيئات غير محمية. فما أن ينجح الصحفي بالهرب من الخطر الذي ينتظره حتى تنبري له مجموعة جديدة من التحديات. وقد عملت لجنة حماية الصحفيين على مئات من مثل هذه الحالات منذ انطلاق برنامج مساعدة الصحفيين قبل 20 عاماً، ووجدت أن المنفى يصبح بحد ذاته شكلاً من أشكال الرقابة. ويتعرض بعض الصحفيين للتخويف المباشر من قبيل الاعتداءات الشخصية في أوطانهم الجديدة أو تهديد أفراد أسرتهم الذين تركوهم في أوطانهم، فيما يُجبر عدد أكبر منهم على ترك المهنة بسبب الصعوبات التي تحول بينهم وبين العثور على عمل فضلاً عن عقبة اللغة في بيئاتهم الجديدة.

وتوصل تقرير صدر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 عن لجنة خبراء قانونيين إلى أن معظم الصحفيين المعرضين للمخاطر “يعجزون عن الانتقال إلى أماكن آمنة في الوقت المناسب لأن عدد المسارات المفتوحة ضئيل جداً وأن المتاح منها بالفعل بطيء ومرهق ووعر المسالك إلى حد يجعله أبعد ما يكون عن أن يشكل مخرجاً عملياً وفعالاً. ودعت لجنة الخبراء الدول إلى “العمل بنوع جديد من التأشيرات العاجلة للصحفيين المعرضين للخطر”، مما يتيح للصحفيين للهرب بسرعة من الخطر الذي يكاد يداهمهم في بلدانهم الأصلية والحصول على ملاذ مؤقت. وقد أيدت لجنة حماية الصحفيين على هذه التوصية كونها وجدت -من واقع تجربتها لأكثر من 20 عاماً في مساعدة المئات من الصحفيين على الخروج من دائرة الخطر- أنه عندما ينجح الصحفيون في السفر بسرعة إلى بيئات آمنة وداعمة فإن احتمالية متابعتهم مزاولة المهنة والعودة إلى أوطانهم في نهاية المطاف أكبر بكثير. 

من اليسار إلى اليمين: الصحفيون السوريون: موسى الجمعات، ومحمد شبعاط، وأيهم غريب يعملون في غرفة أخبار موقع بيننا في العاصمة الإسبانية مدريد في نيسان/ أبريل 2021. (بيننا/ عقبة محمد)

ومن بين الصحفيين الـ 69 الذين ساعدتهم لجنة حماية الصحفيين، أطلق أربعة صحفيين سوريين –استقروا في إسبانيا- في أوائل عام 2021 أول صحيفة إلكترونية يديرها لاجئون في البلاد، وهي صحيفة ’بيننا‘، التي كُرست من أجل خدمة مجتمع متحدثي اللغة العربية الآخذ في التنامي في إسبانيا. بيد أن هذا النجاح تطلّب ثمناً باهظاً. وبمناسبة قرب حلول اليوم العالمي للاجئين، تدعو لجنة حماية الصحفيين حكومات الدول حول العالم إلى استحداث تأشيرات مستعجلة للصحفيين تسمح لهم بالهرب بسرعة وتجنب الخطر الذي يتهددهم في بلدانهم الأصلية، والحصول على ملاذ مؤقت والاستمرار في العمل. وفيما يلي خمسة أسباب تدعو إلى ذلك وُضحت بدراسة حالات إفرادية مستمدة من أعمال اللجنة في مساعدة الصحفيين ومن مقابلات حديثة وتقارير سابقة.

  1. تؤدي العقبات أمام الحصول على تأشيرات إلى إيقاع الصحفيين في أوضاع خطيرة

سواء أكان الغرض من الرحيل هو الهرب من حملات التضييق الحكومية القاسية أو من موجات العنف المعادي للصحافة، تبقى القدرة على الرحيل بسرعة عاملاً حاسماً من أجل النجاة بالنفس، مما لا يترك وقتاً للسير في عملية الإجراءات الطويلة للحصول على تأشيرة. وليس الوقت هو المشكلة الوحيدة. إذ تعمل الظروف نفسها التي وضعت الصحفيين في دائرة الخطر ضد صالحهم عندما يتعلق الأمر بالوفاء بالمتطلبات الصارمة لمنح التأشيرات –من قبيل دليل إثبات على العودة- الذي تطلبه معظم البلدان.

بالمقابل، يلجأ الصحفيون المعرضون للخطر إلى السفر عبر الحدود إلى بلدان مجاورة عبر التي يسهل اختراقها، فيظلون عالقين فيها لفترات طويلة بانتظار عملية إعادة التوطين الطويلة وغير الأكيدة التي تديرها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويواجهون المتاهة القانونية في البلد الجديد. وأعرب صحفيون للجنة حماية الصحفيين عن شعورهم بأنهم عرضة للهجمات والإبعاد والإعادة القسرية، هذا إضافة إلى اضطرارهم للعيش في ظروف قاسية.

غرفة الأخبار لمحطة صوت بورما الديمقراطية المستقلة، في عام 2019. (لجنة حماية الصحفيين/ شون كريسبن)

دراسة حالات إفرادية:

  1. التحديات المهنية التي تفرضها عملية اللجوء

حتى عندما يتغلب الصحفيون على ما يحيط بمسألة الحصول على التأشيرة من عقبات، تظل تواجههم تحديات ضخمة في البلدان المضيفة. ومن بين ما يواجهونه من صعوبات الحصول على تصريح بالإقامة لفترة طويلة بما يكفي حتى تصبح عودتهم آمنة. ويصعب الحصول على تمديد للتأشيرة أو تصويب أوضاع، الأمر الذي لا يترك للصحفيين في غالبية الأحيان خياراً سوى تقديم طلب للجوء أو تجشم عناء العودة إلى بلدانهم بما تتضمنه من أخطار، مثلما حدث في حالة المراسلة العراقية سحر حسين علي الحيدري التي لقيت حتفها.

وعلى الرغم من ميزة السلامة طويلة الأمد التي يجلبها اللجوء تبقى هذه الخطوة بالنسبة لمعظم الصحفيين الملاذ الأخير. وتستغرق عملية اللجوء –التي تختلف إجراءاتها من بلد لآخر- سنوات دون أي ضمانة بنجاحها في النهاية. وعند البدء بعملية اللجوء يصبح السفر محظوراً عموماً إلى أن يتم منح اللجوء؛ فإذا كان الصحفي خارج البلاد من دون أسرته فإن السير في طريق اللجوء يعني الفراق الطويل. ويعني كذلك الانتظار الطويل قبل الحصول على تصريح عمل، وكل هذا يعني -مقروناً بصعوبة الولوج إلى سوق العمل الإعلامي في بلد جديد- أنه على الصحفيين في المنفى البحث عن عمل خارج نطاق المهنة لتأمين نفقات معيشتهم.

مخرج الأفلام الوثائقية التبتي دوندب وانغتشين يتحدث أثناء حفل توزيع الجوائز الدولية لحرية الصحافة من لجنة حماية الصحفيين في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، في مدينة نيويورك. (غيتي إميجيز للجنة حماية الصحفيين/ وكالة الأنباء الفرنسية/ ديا ديبسوبيل)

دراسة حالات إفرادية:

  1. التهديدات والاعتداءات الشخصية تلاحق الصحفيين في منافيهم

يظل الصحفيون يواجهون التهديدات والمضايقات بعد رحيلهم إلى بلدان كانوا قد افترضوا أنها آمنة لهم. وقد اتضح للجميع المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الحكومات المستبدة في مطاردة منتقديها عندما عمدت سلطات بيلاروسيا في أيار/ مايو 2021 إلى تحويل مسار طائرة ركاب تجارية وإجبارها على التوقف في منسك من أجل اعتقال الصحفي الذي يعيش في المنفى، رامان براتاسيفيتش. وقد وثقت لجنة حماية الصحفيين الكثير من الهجمات الأخرى التي استهدفت صحفيين في المنفى، بما في ذلك التهديدات بالقتل وعمليات الاختطاف والاعتداءات وحتى جرائم القتل. إن الحملات التي تشنها الدول لتشويه سمعة الصحفيين بعد فرارهم إلى بر الأمان والتهديدات والإجراءات القانونية ضد أفراد أسرهم الذين يعيشون في البلدان الأصلية للصحفيين تتم أيضاً لتكون بمثابة رسائل تذكير مرعبة للصحفيين بأن تقاريركم قد تتسبب في الانتقام منكم حيثما كنتم.

وإلى ذلك، قد يصبح الصحفيون الذين تتم إعادة توطينهم في بلدان وسط جاليات من أبناء شعبهم في المهجر عرضة لمخاطر الهجمات من قبل أبناء جالياتهم. كما توصّل بحث أجرته لجنة حماية الصحفيين ومنظمات أخرى إلى أن الحكومات المستبدة تستخدم تكنولوجيا المراقبة للتجسس على الصحفيين الذين يعيشون خارج البلاد.

وتُظهِر هذه المخاطر ضرورة أن تتخذ الدول المضيفة تدابير تحمي الصحفيين المقيمين على أراضيها من التهديدات الأمنية ومحاولات تسليمهم بموجب اتفاقيات تبادل المطلوبين الفارين، إضافة إلى توفير ملاذ آمن لأفراد الأسرة المباشرين. وينبغي، حيثما تعذر ذلك، أن يتمكن الصحفيون من طلب إعادة التوطين في بلد آخر.

رئيس التحرير التركي جان دوندار أثناء مقابلة مع وكالة أسيوشيتد برس بالعاصمة الألمانية برلين، في 7 نيسان/ أبريل 2017 (أسيوشيتد برس/ ماركوس شرايبر).

دراسة حالات إفرادية:

  1. تجريم الصحفيين يزيد من صعوبة العثور على ملاذ آمن لهم

بات إيداع الصحفيين في السجون في جميع أنحاء العالم أمراً روتينياً، وذلك على خلفية اتهامات بمناهضة الدولة أو اتهامات جنائية تهدف إلى تشويه سمعتهم، أو اتهامات ملفقة من قبيل حيازة مخدرات، أو حتى دون اتهامات بل بسبب عملهم. وقد وجدت لجنة حماية الصحفيين أنه من المحتمل أن يتعرض الصحفيون الذين يواجهون اتهامات أو لديهم سوابق جنائية إلى الإيقاف على المعابر الحدودية، وقد يتعرضون للمتاعب قبل الموافقة على منحهم التأشيرة أو اللجوء. ويكون هؤلاء الصحفيون أيضاً عرضة للتسليم إلى بلادهم بموجب اتفاقيات تبادل المجرمين. كما يتيح تجريم العمل الصحفي للحكومات القمعية ذريعة لسحب جوازات السفر من الصحفيين أو حتى سحب الجنسية من أساسها، مما يزيد من تعقيد إمكانية حصول الصحفيين في المنفى على وضعية قانونية في البلد الجديد أو إيجاد عمل أو القدرة على السفر. 

الصحفي الأذري والناشط في مجال حرية الصحافة أمين حسينوف. (أمين حسينوف)

دراسة حالة إفرادية:

  1. الحلول الأفضل تعني فرصاً أفضل لمواصلة العمل في المجال الصحفي

توصّلت لجنة حماية الصحفيين من خلال عملها لسنوات على قضايا الصحفيين في المنفى إلى أنه عندما تتوفر للصحفيين المعرضين للمخاطر سبل عاجلة مناسبة للوصول إلى ملاذات آمنة مؤقتة وشبكات الدعم المهنية، فسيكونون في موقع أفضل يؤهلهم لمواصلة عملهم بل وتعزيزه. وقد أبرمت لجنة حماية الصحفيين شراكة مع جماعات إقليمية ومؤسسات أكاديمية وبرامج أخرى بهدف توفير بيئات حسنة الدعم لاحتضان الصحفيين. وقد توصل استعراض لحالات تابعتها لجنة حماية الصحفيين إلى أن أرجحية بقاء الصحفيين، في مثل هذه الأحوال، في مجال عملهم نفسه ومن ثم العودة في النهاية إلى أوطانهم هي أكبر بكثير مقارنة بنظرائهم الذين لا يجدون خياراً أمامهم سوى الهرب نحو أوضاع غير مستقرة أو دخول معترك إعادة التوطين بإجراءاته المرهقة أو التقدم بطلب اللجوء.

وخلال العقد الماضي، وفي أكثر من 90 بالمئة من الحالات التي تمكنت فيها لجنة حماية الصحفيين من ترتيب أوضاع صحفيين مع جماعات مضيفة ومؤسسات، عاد الصحفيون المعنيون إلى بلادهم في غضون بضع سنوات.

الصحفية المكسيكية باتريسيا مايورغا (باتريسيا مايورغا)

دراسة حالات إفرادية:

توصيات

كانت طلبا النقل المستعجل إلى بلد آخر هو طلبات الدعم الأكثر شيوعاً التي تلقاها فريق العمل ببرنامج مساعدة الصحفيين التابع للجنة حماية الصحفيين منذ تأسيس البرنامج عام 2001. لا يجد الصحفيون العاملون في أماكن خطرة في أغلب الأحيان خياراً سوى الرحيل برفقة عائلتهم هرباً من التهديدات. وهم يعتمدون عادةً على منظمات المجتمع المدني لمساعدتهم في معالجة حالاتهم وفي التدخل لدى الحكومات.

وتؤدي الحكومات دوراً مهماً في ضمان النقل الآمن والناجح للصحفيين المعرضين للخطر من بلدانهم. ويشتمل هذا الدور على الدعم المالي لبرامج الطوارئ والتنسيق مع المجتمع المدني والحكومات الأخرى بشأن خيارات الانتقال. ولكن من الضروري أيضاً أن تطبق الحكومات سياسات تسمح بانتقال الصحفيين العاجل إلى بلدانها.

وعليه تتقدم لجنة حماية الصحفيين بالتوصيات التالية:

توصيات إلى الحكومات الوطنية:

توصيات للمفوض السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة

توصيات إلى المؤسسات الإعلامية والمعاهد الأكاديمية والمؤسسات

تغطية إضافية من قبل مديرة وحدة الحالات المستعجلة في لجنة حماية الصحفيين ماريا سالازار فيرو وممثل اللجنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إغناسيو ميغيل ديلغادو كوليبراس.

Exit mobile version