حرب إسرائيل-غزة تدفع عدد الصحفيين القتلى في عام 2023 إلى مستوى مروع

الوداع الأخير: مراسيم جنازات لبعض الصحفيين الفلسطينيين الـ 72 الذين قتلوا في عام 2023، بمن فيهم (باتجاه عقارب الساعة من الزاوية العليا اليسرى): حمزة الدحدوح الذي يندبه والده، وائل الدحدوح الصحفي في قناة الجزيرة؛ ومحمد صبح وسعيد الطويل؛ وحسونة سليم وساري منصور؛ ومحمد أبو حطب؛ وسامر أبو دقة الذي كان يعمل في قناة الجزيرة. (الصور: وكالة أسوشيتد برس، وكالة رويترز، وكالة الأنباء الفرنسية، رويترز، رويترز)

بقلم كاثي جونيس

كان أكثر من ثلاثة أرباع الصحفيين والعاملين الإعلاميين الـ 99 الذين لقوا حتفهم في العالم في عام 2023 قد قُتلوا في حرب إسرائيل-غزة، ومعظمهم فلسطينيون قتلوا أثناء الهجمات الإسرائيلية على غزة. وقد أودى النزاع بأرواح عدد من الصحفيين خلال ثلاثة أشهر يفوق ما بلغه في أي بلد واحد على امتداد عام كامل في العالم.

وكان التحقيق بظروف هذه الوفيات المرتبطة بالحرب – والتي تتضمن أيضاً ثلاثة صحفيين لبنانيين وصحفيين اثنين إسرائيليين – صعباً بصفة خاصة، ليس فقط بسبب العدد المرتفع للوفيات خلال وقت قصير، بل أيضاً بسبب وفاة الأفراد الذين عادة ما يوفرون معلومات إضافية. فالعديد من أفراد أسر الصحفيين الضحايا قتلوا أيضاً معهم في غزة، كما قُتل زملاؤهم في الميدان، وتُنكر السلطات العسكرية الإسرائيلية بحزم استهداف الصحفيين، ولا توفر سوى معلومات ضئيلة عندما تقر بحالات قتل في صفوف الإعلاميين. وقد تكون معلومات حاسمة عن حياة هؤلاء الصحفيين وعملهم قد فُقدت إلى الأبد. (انظر المزيد حول منهجيتنا في توثيق وفيات الصحفيين على هذا الرابط وهذا الرابط).

ويتضمن مجموع الصحفيين القتلى في العالم في عام 2023 – وهو الأعلى منذ عام 2015 ويمثل زيادة بحوالي 44 بالمئة عن عام 2022 – عدداً قياسياً من الصحفيين القتلى – 78 صحفياً – ممن حددت أبحاث لجنة حماية الصحفيين بأنها وفيات مرتبطة بالعمل، وما تزال ثماني حالات أخرى قيد التحقيق. وقتل أيضاً ثلاثة عشر عاملاً إعلامياً خلال العام الماضي.

وإذا ما استثنينا الصحفيين القتلى في غزة وإسرائيل ولبنان، نجد أن عدد الصحفيين القتلى في سائر أنحاء العالم انخفض بشدة مقارنة بعام 2022، حيث بلغ مجموع الوفيات التي وثقتها لجنة حماية الصحفيين آنذاك 69 وفاة، كان 43 منها مرتبطة بالعمل. وفيما عدا الوفيات في حرب إسرائيل-غزة، بلغ عدد الصحفيين والعاملين الإعلاميين القتلى في العالم 22 فرداً في عام 2023. وأكدت تقصيات لجنة حماية الصحفيين أن 13 وفاة من هذه الوفيات مرتبطة بالعمل؛ وما زالت التحقيقات جارية لتحديد ظروف حالات الوفاة الأخرى. وقد وثقت لجنة حماية الصحفيين حالات وفيات بين الصحفيين في 18 بلداً آخر في عام 2023، وبلغ عددها ما بين وفاة أو اثنتين في كل من هذه البلدان.

ومع ذلك، لا يدل انخفاض هذا العدد على أن مهنة الصحافة باتت أكثر أمناً في الأجزاء الأخرى من العالم، فقد وجد إحصاء لجنة حماية الصحفيين لعدد الصحفيين السجناء في عام 2023 – وهو مؤشر رئيسي آخر لظروف حرية الصحافة والصحفيين – أن عددهم يظل قريباً من المستوى القياسي الذي سُجل في عام 2022.

وتظل العمليات الانتخابية الخلافية، والتصاعد في النزعة الاستبدادية لدى الأنظمة الحاكمة، والنزاعات المستمرة، وشبكات الجريمة المنظمة القوية والمتوسعة، تخلق ظروفاً تعرّض حياة الصحفيين للخطر. وفي بعض البلدان، أصبحت هذه التهديدات راسخة وظلت تودي بحياة صحفي واحد على الأقل سنوياً منذ عقود.

استمر استهداف الصحفيين بالقتل كانتقام مباشر منهم بسبب عملهم في عام 2023، والذي تصنفه لجنة حماية الصحفيين كجريمة قتل، وقد سجلت لجنة حماية الصحفيين اغتيال صحفيين في تسعة بلدان في جميع أنحاء العالم.

وفي المكسيك، حيث ظلت ممارسات الفساد والجريمة المنظمة المستمرة منذ مدة طويلة تزيد صعوبة تحديد ما إذا كان قتل الصحفي مرتبطاً بعمله، تراجع العدد الكلي للصحفيين القتلى في البلد من المستوى القياسي الذي بلغه في عام 2022، إذ وصل إلى 13 آنذاك، إلى اثنين في عام 2023. مع ذلك، يظل الصحفيون يواجهون هجمات، ومضايقات، وتهديدات، وحالات اختطاف، وقد وجد تقرير مشترك سيصدر قريباً عن فرع منظمة العفو الدولية في المكسيك ولجنة حماية الصحفيين بأن المكسيك “ظلت واحدة من البلدان الأشد فتكاً بالصحفيين في العالم”.

زملاء وأصدقاء يعزون بعضهم أثناء حفل تأبين جرى في 15 أيار/ مايو 2023 في كييف للصحفي أرمان سولدين الذي كان يعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية، وقد قُتل الصحفي في 9 أيار/ مايو 2023 في منطقة دونباس بينما كان يغطي النزاع في أوكرانيا. وقد توفى سولدين، وهو منسق فيديو لوكالة الأنباء الفرنسية في أوكرانيا، بينما تعرض فريقه الصحفي لإطلاق صواريخ بينما كان مع مجموعة من الجنود الأوكرانيين قرب باخموت. (الصورة: وكالة الأنباء الفرنسية/ سيرغي سوبينسكي)

حدث انخفاض في عدد الصحفيين القتلى في أوكرانيا أثناء الحرب المستعرة هناك، وذلك من 13 وفاة مرتبطة بالعمل في عام 2022 إلى وفاتين في عام 2023، وقد يكون السبب في ذلك عوامل من قبيل تحسين التدريب ومستوى الوعي بالأمان، وبدء السلطات الأوكرانية باستخدام قواعد اعتماد أكثر صرامة للصحفيين للعمل في الخطوط الأمامية، والاستقرار الذي يسود مناطق القتال. مع ذلك، يظل الصحفيون في أوكرانيا معرضين لخطر كبير، وقد شهدت بدايات عام 2024 هجوماً صاروخياً أدى إلى إصابة صحفيين إضافة إلى وقوع هجمات قد تكون مستهدفة.

وبينما انخفضت حالات قتل الصحفيين على الأغلب في المناطق خارج الشرق الأوسط، فقد ظل معدل وفيات الصحفيين في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ثابتاً، حيث قُتل ستة صحفيين سنوياً منذ عام 2021، ويشمل هذا العدد حالات قتل اعتُبرت مرتبطة بالعمل وحالات وفاة ما زالت قيد التحقيق.

كيف استُخدمت منهجية لجنة حماية الصحفيين في حرب إسرائيل-غزة

تغييرات في التصنيف

يقوم باحثو لجنة حماية الصحفيين بخطوات شاملة للتأكد من المعلومات من مصدرين على الأقل حول كل خسارة في الأرواح ترد في قاعدة البيانات التابعة للجنة. وتتمثل الخطوة الأولى في تحديد ما إذا كان تعريفنا للصحفي ينطبق على الضحية – أي، شخص يغطي الشؤون العامة أو يعلق عليها عبر أي وسيط إعلامي – وذلك من خلال مراجعة أمثلة على أعمال سابقة للشخص المعني. أما الخطوة الثانية فهي التحقيق فيما إذا كان مقتل الصحفي مرتبطاً بعمله، وذلك من خلال التحدث مع أكبر عدد ممكن من الزملاء وأفراد الأسرة والمشرفين والأصدقاء للتحقق من خلفيات القتلى وانتماءاتهم والدوافع المحتملة لمقتلهم. ويمكن أن يستغرق تحديد هذه الظروف أشهراً أو سنوات – خصوصاً في مناطق الحروب – ونحن نحدّث قاعدة البيانات بانتظام إذا حصلنا على معلومات جديدة. ومنذ أن بدأنا بتسجيل الخسائر في الأرواح بين الصحفيين مع بداية حرب إسرائيل-غزة، أجرينا التغييرات التالية على الإدخالات الأولية في قاعدة البيانات:

  • أشخاص أُزيلت أسماؤهم من قائمة الصحفيين القتلى
    أزالت لجنة حماية الصحفيين شخصين فلسطينيين من قائمة الخسائر في الأرواح بين الصحفيين والمرتبطة بالعمل: أحدهما وردت أخبار عن وفاته ولكن تبيّن لاحقاً أنه حي، والآخر أوضحت أسرته لاحقاً أنه لم يكن صحفياً أو عاملاً إعلامياً. أزلنا كذلك اسمي صحفيين إسرائيليين كانا بين عشرات الإسرائيليين الذين قتلوا عندما هاجمت حركة حماس مهرجاناً موسيقياً في إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وذلك بعد أن علمت لجنة حماية الصحفيين من المنظمات الإعلامية التي كان يعمل فيها الصحفيان أنهما لم يكونا مكلفين بمهمات صحفية في المهرجان. (تشمل قاعدة البيانات العالمية للصحفيين القتلى التابعة للجنة حماية الصحفيين الأفراد الذين قتلوا بسبب عملهم أو في الحالات التي يوجد فيها شك بأن حالات القتل مرتبطة بالعمل).
  • عمليات القتل المستهدفة

إذ تحقق لجنة حماية الصحفيين ومنظمات أخرى في أسباب مقتل الصحفيين، قد تحدد أن الصحفيين المعنيين استُهدفوا بالقتل بسبب عملهم. وقد صنفت لجنة حماية الصحفيين مقتل الصحفي عصام عبدالله في عام 2023 والذي كان يعمل في وكالة رويترز بأنه جريمة قتل، وتحقق اللجنة حالياً في أدلة تشير إلى أن قوات الدفاع الإسرائيلية استهدفت نحو اثني عشر صحفياً آخرين.

استنتاجات رئيسية من أبحاث لجنة حماية الصحفيين حول حالات قتل الصحفيين في عام 2023

يمثل استهداف الصحفيين شاغلاً متزايداً

الصحفي عصام عبدالله (إلى اليسار) الذي كان يعمل مع وكالة رويترز في صورة مستمدة من فيديو ذاتي صوره الصحفي في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، وذلك في اليوم والموقع الذي قُتل فيه في جنوب لبنان من جراء قذيفة أطلقتها دبابة إسرائيلية في إطار هجمات عبر الحدود أدت إلى مقتل ستة أشخاص آخرين، بمن فيهم عاملان إعلاميان مع قناة الجزيرة تدمرت سيارتهما (إلى اليمين). (الصور: رويترز/ عصام عبدالله، رويترز/ ثائر السوداني)

استمرت حالات القتل المستهدف ضد الصحفيين كانتقام مباشر منهم بسبب عملهم في عام 2023، والتي تصنفها لجنة حماية الصحفيين كجرائم قتل، وقد تم تسجيل حالات اغتيال في تسعة بلدان.

كانت الغالبية العظمى من الصحفيين الذين قتلوا في حرب إسرائيل-غزة هم من الصحفيين الفلسطينيين، وقد أثارت لجنة حماية الصحفيين شواغل بشأن الاستهداف المتعمد للعاملين الإعلاميين من قبل الجيش الإسرائيلي. ومن بين الصحفيين القتلى عصام عبدالله، وهو صحفي لبناني يعمل بوسائل الإعلام المرئية مع وكالة رويترز. ووجدت تحقيقات مستقلة أجرتها منظمات إخبارية دولية وجماعات حقوقية أدلة تشير إلى أن القوات الإسرائيلية استهدفت جماعة من الصحفيين في جنوب لبنان في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، مما أدى إلى مقتل عصام عبدالله وإصابة ستة صحفيين آخرين. وكان الصحفيون يرتدون شارات الصحافة، ويغطون إطلاق النار عبر الحدود بين قوات الدفاع الإسرائيلية وبين جماعة حزب الله اللبنانية المؤيدة لمقاتلي حركة حماس في الأيام التي تلت استجابة إسرائيل للهجوم الفتاك الذين شنته حركة حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إذ شنت إسرائيل هجمات انتقامية مدمرة في غزة. وقد وجدت التحقيقات أن مجموعة الصحفيين التي تضم عصام عبدالله كانت تغطي الأحداث من موقع لا يوجد فيه قتال عندما تعرضت لقذيفتين أطلقتهما إسرائيل.

وفي كانون الثاني/ يناير 2024، قُتل الصحفيان حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا فيما أقرت إسرائيل بأنه هجوم مستهدف على سيارة كانا يستقلانها. وقد اتهمت الدحدوح، الذي كان يعمل مع قناة الجزيرة، والصحفي المستقل مصطفى ثريا بأنهما عضوان في جماعات إرهابية – وهي تهمة أنكرتها قناة الجزيرة بشدة كما أنكرتها أسرتا الصحفيين وزملاؤهما. وفي تقرير أصدرته لجنة حماية الصحفيين في أيار/ مايو 2023 بعنوان ’نمط فتاك‘، أشارت اللجنة إلى عدة حالات قُتل فيها صحفيون على يد القوات الإسرائيلية، وقد اتهمتهم السلطات الإسرائيلية بأنهم إرهابيون ولكنها لم تقدم أبداً دليلاً موثوقاً على ذلك.

وتعكف لجنة حماية الصحفيين حالياً بالتعاون مع منظمات أخرى على إجراء تحقيقات لتحديد ما إذا كان حوالي عشرة صحفيين آخرين، وفي بعض الحالات أفراد أسرهم، ممن قُتلوا في حرب إسرائيل-غزة قد استُهدفوا أيضاً من قبل الجيش الإسرائيلي. ومن بين هذه الحالات حالة سامر أبو دقة الذي كان يعمل مصوراً مع قناة الجزيرة، وقد نزف حتى الموت بعد أن منعت السلطات الإسرائيلية الجهود الرامية إلى إخلائه بعد إصابته. وتجري التحقيقات بشأن حالات القتل هذه على خلفية تقرير ’نمط فتاك‘ الذي وجد أن عناصر في قوات الدفاع الإسرائيلية قتلوا ما لا يقل عن 20 صحفياً على امتداد السنوات الـ 22 الماضية، وأن السلطات الإسرائيلية لم توجه اتهامات لأي شخص ولم تُخضع أحداً للمساءلة على خلفية هذه الوفيات.

وفي أماكن أخرى، يظل استهداف الصحفيين مستمراً في بلدان من قبيل الفلبين والمكسيك والصومال، والتي ظلت معدلات قتل الصحفيين فيها مرتفعة. فما بين عامي 1992 و 2023، كان 94 صحفياً من الصحفيين الـ 96 الذين توفوا بسبب عملهم في الفلبين قد ذهبوا ضحية عمليات اغتيال؛ بينما بلغ عددهم 61 صحفياً من مجموع 64 صحفياً قتيلاً في المكسيك، و 48 من مجموع 73 في الصومال. وتجدر الإشارة إلى أن حالات قتل الصحفيين ظلت تحدث في هذه البلدان بمعدل ثابت عموماً: فقد قتل في كل منها صحفي واحد على الأقل سنوياً لمدة تقارب عقدين أو أكثر.

وفي الفلبين، كان الصحفيون الإذاعيون معرضين بصفة خاصة للخطر إذ تظل الإذاعة منبراً إعلامياً مؤثراً. وقد أصيب الصحفي الإذاعي كريسينسيانو ’كريس‘ بونوغوين، الذي كان يغطي السياسات المحلية، بخمس رصاصات على الأقل أطلقها مسلحان كانا يركبان دراجة نارية بينما كان الصحفي يهم بفتح متجر يملكه.

وفي الصومال، يظل عدد الصحفيين القتلى أقل من مستوى الذروة الذي سجلته لجنة حماية الصحفيين بين عامي 2009 و 2013، لكن ظل الإفلات من العقاب راسخاً ويبدو أن جهود الحكومة لجلب قتلة الصحفيين إلى العدالة لا تتجاوز مستوى اللغو. وفي أماكن أخرى في أفريقيا، ازدادت حالات قتل الصحفيين في الكاميرون في عام 2023 إذ قُتل صحفيان على الأقل، هما مارتينز زوغو وجين-جاك أولا بيبي، وسط معركة على انتقال السلطة وعلى موارد الدولة بين فصائل في حكومة الرئيس المريض، بوول بيا.

نادبون يحيون ذكرى الصحفي مارتينز زوغو الذي قُتل في الكاميرون في 23 كانون الثاني/ يناير 2023. وكان هذا الإعلامي الإذاعي الشهير قد اختُطف في 17 كانون الثاني/ يناير في ذلك العام ثم وُجد ميتاً بعد عدة أيام. وكان يغطي بانتظام قضايا الفساد، ولا يتردد في ذكر أسماء شخصيات مهمة متورطة في الفساد. (الصورة: وكالة الأنباء الفرنسية/ دانييل بيلومو أولومو)

وثمة إحصاءات مثيرة للقلق تكمن خلف حالات قتل الصحفيين في المكسيك، والتي ظلت باستمرار في صفوف البلدان الأشد فتكاً بالصحفيين. وفي حين سُجلت حالتا قتل غير مؤكدتي الدوافع في عام 2023، يوجد في البلد أكبر عدد من الصحفيين المفقودين في العالم، حيث يظل 16 صحفياً مجهولي المصير – والعديد منهم فُقدوا منذ عقد أو أكثر.

يظل من غير المرجح تحقيق العدالة للصحفيين من ضحايا جرائم القتل، فقد وجد مؤشر الإفلات من العقاب لعام 2023 الذي أعدته لجنة حماية الصحفيين أنه من بين زهاء 1,000 جريمة قتل ضد صحفيين سجلتها اللجنة منذ بدأت بجمع بيانات حول هذا الأمر في عام 1992، ظل ما مجموعة 757 جريمة – أي أكثر من 79 بالمئة – دون أي ملاحقة قانونية.

كان توثيق وفيات الصحفيين في عام 2023 صعباً بصفة خاصة

تُجري لجنة حماية الصحفيين تحقيقات مستقلة بشأن كل حالة وفاة صحفي لتحديد ما إذا كان الصحفي قد قُتل انتقاماً منه/ منها بسبب عمله. وفي المسار المعتاد للتحقيقات، يقوم باحثو اللجنة بمقابلة أسرة الصحفي وأصدقائه وزملائه والسلطات المعنية لتعرف أكبر قدر من المعلومات عن عمل الصحفي وملابسات مقتله. وكما أشرنا أعلاه، اتسم هذا الأمر بصعوبة بالغة نظراً للعدد الكبير من الصحفيين القتلى خلال فترة قصيرة في غزة ونظراً لغياب إمكانية الوصول المستقل إلى المنطقة.

وفيما يتجاوز حرب إسرائيل-غزة، ثمة قوى أخرى أعاقت جهود لجنة حماية الصحفيين لسرد القصة بأكملها حول حالات قتل الصحفيين في عام 2023. فضمن حالات الصحفيين الثمانية الذين لم تتمكن اللجنة من التأكد من أنهم قتلوا بسبب عملهم، كان نقص المعلومات من الشرطة ومن المسؤولين الحكوميين، والذي يكون مدفوعاً أحياناً بضغوطات من جهات فاعلة إجرامية فاسدة، قد أبقى على حالات الوفاة محاطة بالغموض. ومن بين هذه الحالات:

وحتى لو اعتُبر بأن صحفياً ما قُتل بسبب عمله، فقد يظل من الصعب الحصول على تفاصيل حول حالته. وبما أن جميع الصحفيين الواردين في هذه الفئة تقريباً ممن قُتلوا انتقاماً منهم بسبب عملهم – وبلغ عددهم 77 من مجموع 78 في عام 2023 – هم صحفيون محليون، وغالباً ما يغطون شؤون الجرائم، والنزاعات، والفساد في مجتمعاتهم المحلية، فنادراً ما تجذب وفياتهم اهتماماً دولياً، كما أن الضغوطات التي تُمارس على أسرهم وزملائهم ليلتزموا الصمت تحبط المساعي الرامية إلى تحقيق العدالة. وبما أن الجهات المتنفذة – سواء أكانت حكومات أم منظمات إجرامية – تسعى غالباً لدفن هذه التحقيقات، ظلت حالات قتل العديد من الصحفيين التي حدثت قبل سنوات دون حل ولم يُكشف عن مرتكبيها.

انخفاض العدد لا يعني شيوع الأمان

أظهرت أبحاث لجنة حماية الصحفيين أن الأخطار تظل تتهدد الصحفيين حتى في البلدان التي شهدت انخفاضاً في عدد الصحفيين القتلى في عام 2023.

وتوفر المكسيك مثالاً على السبب الذي قد يدفع إلى انحسار حالات القتل في الوقت الذي تظل فيه الظروف في مستوى الخطورة ذاته. فرغم الانخفاض الكبير في عدد الصحفيين القتلى في المكسيك، وذلك من 13 صحفياً في عام 2022 إلى اثنين في عام 2023 (بما في ذلك الوفيات المتعلقة بالعمل وتلك التي لا يزال التحقيق جارياً لتحديد دوافعها)، لم تصدر الحكومة أية سياسات جديدة كما لم تحدث أي تحولات اجتماعية يمكن أن تفسر هذا الانحسار والذي قد يكون حدثاً إحصائياً استثنائياً. (قُتل عدة صحفيين آخرين في المكسيك في عام 2023، إلا أن لجنة حماية الصحفيين لم تدرجهم في قاعدة بياناتها بعد أن وجدت أن وفياتهم غير مرتبطة بعملهم).

أما الأمر الواضح بشأن المكسيك فهو أنها شهدت عدداً كبيراً من الاعتداءات غير الفتاكة في عام 2023، ويتماشى عددها مع أعداد الهجمات في السنوات السابقة، وقد تكون النية المبيّتة في بعض هذه الهجمات هو قتل الصحفيين. ويظل الصحفيون يواجهون مضايقات وتهديدات من عناصر في عصابات الجريمة المنظمة ومن المسؤولين الرسميين، كما يعمل الإفلات المنهجي من العقاب على تيسير هذه الاعتداءات. وتتجسس وكالات حكومية مكسيكية على الصحفيين والمدافعين الحقوقيين مما اضطر عدداً كبيراً من الصحفيين إلى مغادرة منازلهم وترك العمل بالصحافة بسبب العنف.

شهدت هايتي أيضاً انخفاضاً في حالات قتل الصحفيين في عام 2023، ولكن البلد يظل غارقاً في العنف وعدم الاستقرار، ويترافق ذلك مع زيادة في الاعتداءات البدنية ضد الصحفيين من قبل الشرطة والعصابات خلال العامين الماضيين، كما تظل الأرجحية كبيرة أن تبقى الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين دون عقاب.

ويمكن التوقّع بأن التهديدات ضد الصحفيين ستتواصل في عام 2024 إذ تتواصل النزاعات، ويستمر الإفلات المنهجي من العقاب، إضافة إلى العدد القياسي من العمليات الانتخابية المهمة المخطط إجراؤها في جميع أنحاء العالم في هذه السنة.

المنهجية

تنقسم قاعدة البيانات الخاصة بالصحفيين القتلى والتابعة للجنة حماية الصحفيين إلى فئتين رئيسيتين: الحالات “المؤكدة” والحالات “غير المؤكدة”. وتُصنف حالة القتل بأنها “مؤكدة” عندما تشير الأدلة إلى أن الصحفي قُتل بسبب عمله، وتُصنف الحالة بأنها “غير مؤكدة” عندما لا تتوفر معلومات كافية لتحديد دافع القتل.

منذ الاجتياح الشامل الذي شنته روسيا في أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، وثقت لجنة حماية الصحفيين حالات جميع الصحفيين الذين قتلوا في منطقة الحرب – والذين تم التحقق من مقتلهم ومن صفتهم المهنية كصحفيين – بوصفها حالات “مؤكدة” لصحفيين على رأس عملهم سواء أحدثت الوفاة في المنزل أم في الميدان – ويستند هذا الافتراض إلى حقيقة أن التطورات التقنية تسمح لهم بالعمل من أي مكان – إلا إذا ثبت عكس ذلك بدليل قاطع.

تنقسم الوفيات المؤكدة إلى ثلاث فئات فرعية: جرائم القتل المستهدفة انتقاماً من الصحفيين على عملهم، والوفيات في مناطق القتال أو من جراء نيران متقاطعة، والوفيات أثناء أداء الصحفيين لمهمات خطرة. كما تسجل لجنة حماية الصحفيين مقتل عاملي الدعم الإعلامي، من قبيل المترجمين والسائقين والحراس.

تواصل لجنة حماية الصحفيين التحقيق في حالات القتل غير المؤكدة حيثما أمكن، وتقوم بتغيير التصنيفات عندما تتوفر معلومات جديدة. (اقرأ المزيد حول الكيفية التي نجمع فيها البيانات ونصنفها).

تغطي أبحاث لجنة حماية الصحفيين وجهودها التوثيقة جميع الصحفيين، والذين يُعرّفون بأنهم أفراد منهمكون في نشاط جمع الأخبار. ويغطي هذا التعريف أفراداً يعملون في نطاق واسع من وسائل الإعلام الممولة بأموال عامة أو خاصة، إضافة إلى الصحفيين المستقلين. وفي الحالات التي وثقتها لجنة حماية الصحفيين، أكدت عدة مصادر أنه لا يوجد دليل لغاية الآن أن أي صحفي منهم كان منهمكاً بأنشطة عسكرية.

Exit mobile version