سجل عدد الصحفيين السجناء في جميع أنحاء العالم مستوى قياسياً جديداً في عام 2022. ففي سنة اتسمت بالنزاعات والقمع، ضاعف الزعماء المستبدون تجريمهم للتغطية الإخبارية المستقلة، واستخدموا قسوة متزايدة لكبح الأصوات المعارِضة وتقويض حرية الصحافة.
صدر في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2022
إعداد آرلين غيتز/ مديرة التحرير في لجنة حماية الصحفيين
منهجية الإحصاء | الدول التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين | القمع بحسب المناطق
شهدت هذه السنة رقماً قياسياً في عدد الصحفيين السجناء بسبب ممارستهم لمهنتهم. ووجد الإحصاء السنوي للصحفيين السجناء الذي تعده لجنة حماية الصحفيين أن 363 صحفياً محرومون من حريتهم بحلول يوم 1 كانون الأول/ ديسمبر 2022 – وهو عدد قياسي جديد في العالم تجاوز العدد القياسي الذي وصله في السنة الماضية بنسبة 20% مما يمثل محطة قاتمة أخرى في المشهد الإعلامي المتدهور في العالم.
احتلت المراتب الخمسة الأولى من حيث عدد الصحفيين السجناء في هذا العام كل من إيران، والصين، وميانمار، وتركيا، وبيلاروس، على التوالي. ومن بين الدوافع الرئيسية للجهود القمعية المتزايدة التي تبذلها الحكومات الاستبدادية لخنق الإعلام هو سعيها لكبح غليان السخط في عالم شهد تعطيلات ناشئة عن جائحة كوفيد-19، والتبعات الاقتصادية للحرب الروسية ضد أوكرانيا.
وفي إيران، كان عشرات الصحفيين بين ما يُقدر بـ 14,000 إيراني اعتُقلوا أثناء قمع التظاهرات التي انطلقت إثر وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة، وهي امرأة كردية تبلغ من العمر 22 عاماً اعتُقلت بزعم خرقها لقانون الحجاب في إيران. ومنذ أيلول/ سبتمبر، انتشرت التظاهرات في جميع أنحاء البلد، وقد توسعت مطالب المتظاهرين لتشمل إعمال حقوق المرأة، وتطورت إلى دعوات إلى تنظيم إضرابات والإطاحة بالقادة الإيرانيين. وسجنت السلطات عدداً قياسياً من الصحفيات – 22 صحفية من مجموع 49 صحفياً اعتقلوا منذ بداية التظاهرات – مما يعكس الدور البارز الذي تؤديه الصحفيات في تغطية هذا الثورة التي تقودها النساء.
وفي الصين، شددت السلطات رقابتها على شبكة الإنترنت أثناء التظاهرات التي جرت مؤخراً بسبب سياسات الإغلاق العام المعروفة بسم ’صفر كوفيد‘، وأفادت التقارير بأن عدة صحفيين احتجزوا لفترات قصيرة اثناء تغطية التظاهرات.
وتسلط بيانات لجنة حماية الصحفيين الضوء أيضاً على موضوع آخر: القمع الجاري للأقليات.
ففي إيران، تحمّل الأكراد الوطأة الأشد للإجراءات الانتقامية التي اتخذتها الحكومة الإيرانية ضد المتظاهرين، وكان تسعة صحفيين أكراد على الأقل من بين الصحفيين المحتجزين. وفي تركيا، اعتقلت السلطات 25 صحفياً كردياً يعملون إما مع وكالة ’ميزوبوتيميا‘ للأنباء، أو موقع ’جين نيوز‘ (JINNEWS) الإخباري الذي تعمل فيه نساء فقط، أو شركات الإنتاج التي أنتجت محتوى استخدمته وسائل إعلام كردية تعمل في أوروبا. وفي العراق، بلغ عدد الصحفيين السجناء المشمولين بإحصاء هذا العام ثلاثة صحفيين، وجميعهم محتجزون في إقليم كردستان العراق. وفي الصين، كان العديد من الصحفيين السجناء هم من المنحدرين من جماعة الأويغور الإثنية في إقليم شينجيانغ، حيث اتُهمت السلطات الصينية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بسبب الاحتجاز الجماعي والقمع الشديد ضد أبناء هذه الأقلية التي أغلبها من المسلمين.
إن سجن الصحفيين هو مجرد إجراء واحد يتخذه الزعماء المستبدون سعياً لكبح حرية الصحافة. وثمة حكومات في جميع أنحاء العالم تصقل أساليب من قبيل قوانين “الأخبار الكاذبة”، وتستخدم ذريعة التشهير الجنائي وتشريعات ذات صياغة غامضة لتجريم العمل الصحفي، وهي تتجاهل سيادة القانون وتسيء استخدام النظام القضائي، كما أنها تستغل وسائل تكنولوجية من أجل التجسس على الصحفيين وأفراد أسرهم.
وفي بلدان من قبيل روسيا ونيكاراغوا وأفغانستان، حُرمت وسائل الإعلام المستقلة من العاملين الماهرين إذ اضطر الصحفيون إلى الفرار إلى المنافي أو تم ترهيبهم ليمارسوا الرقابة الذاتية. وبينما تختلف الاستراتيجيات القمعية بين البلدان، إلا أن الحالات التي وثقها إحصاء لجنة حماية الصحفيين تشترك في خيط يجمعها يتمثل في قسوة السلطات وممارساتها الانتقامية.
وثمة سجل لبعض الدول، من قبيل الصين والسعودية، بمواصلة سجن الصحفيين حتى بعد انتهاء مدة محكوميتهم، فيما تنهمك دول أخرى في أعمال قسوة اعتباطية. ففي فيتنام، على سبيل المثال، تمضي الصحفية فان دوان ترانغ حكماً بالسجن لمدة تسع سنوات بتهمة توزيع دعاية مضللة ضد الدولة، وقد نقلها من مدينة هانوي إلى سجن في منطقة نائية يقع على بعد 900 ميل (ما يعادل 1448 كيلومتراً) من أسرتها – وهو أسلوب شائع لحرمان السجناء من الزيارات العائلة المنتظمة.
وفي بيلاروس، كانت الصحفية كاتسيارينا أندرييفا من بين عشرات الصحفيين الذين احتجزوا أثناء التظاهرات التي اجتاحت البلد ضد سلطة الرئيس ألكساندر لوكاشينكو، وكانت على وشك إنهاء مدة الحكم بالسجن لمدة سنتين عندما أصدرت المحكمة ضدها حكماً آخر بالسجن لمدة ثماني سنوات بتهمة “إفشاء أسرار الدولة”.
وفي تركيا، حيث أمرت المحكمة الدستورية بإجراء محاكمة جديدة للصحفية هاتيس دومان – والتي أمضت 20 سنة من حكم بالسجن مدى الحياة – قالت الصحفية لمحكمة في إسطنبول في هذا الشهر بأن مسؤولي السجن صادروا وثائقها وملاحظاتها القانونية قبل بضعة أسابيع من موعد المحاكمة، مما ينتهك حقها في إعداد الدفاع عن نفسها. (وفي وقت سابق، أفادت دومان للجنة حماية الصحفيين أثناء مقابلة جرت معها بأن مقتنياتها الشخصية من قبيل مكتبها وكتبها ومفكرتها وحتى أوراقها الفارغة صودرت منها أثناء مداهمة لزنزانتها).
نتائج رئيسية أخرى:
الدول التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين
#1: إيران
احتجزت السلطات الإيرانية أثناء قمعها للتظاهرات الجماهيرية التي أعقبت مقتل مهسا أميني ما لا يقل عن 62 صحفياً لغاية 1 كانون الأول/ ديسمبر. وكان العدد سيكون أكبر لو لم تفرج السلطات عن 21 صحفياً آخر بالكفالة إثر احتجازهم بعد بدء التظاهرات وقبل إصدار هذا الإحصاء.
أما عدد الصحفيات من بين الصحفيين المحتجزين فهو غير مسبوق. فعندما احتجزت السلطات الإيرانية صحفيين في أعقاب الانتخابات الإيرانية التي أثارت الخلاف في عام 2009، كان عددهم قياسياً آنذاك وبلغ ذروته في عام 2012 إذ وصل إلى 47 صحفياً سجيناً، وكان بينهم أربع صحفيات فقط آنذاك.
وبالمقابل، وثق إحصاء هذا العام احتجاز 24 صحفية؛ وقد احتُجزت 22 صحفية منهن بعد بدء التظاهرات.
وأفاد مزودو معلومات للجنة حماية الحصفيين أنه أثناء الاعتقالات في هذا العام برز نمط من المداهمات التي تجري قبل الفجر على منازل الصحفيين، حيث يقوم عناصر الشرطة بمصادرة أجهزة الاتصال، وأحياناً يقومون بضرب الأشخاص الذين يعتقلونهم. وغالباً ما تختفي أيضاً تغطيتهم الصحفية، فقد اختفى العديد من حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي – وهي منصات رئيسية للنشر في هذا البلد الذي تخضع فيه معظم وسائل الإعلام لسيطرة الدولة – وذلك إما من خلال إغلاق هذه الحسابات، أو لقيام الصحفيين بحذفها كإجراء احتياطي خشية من تعرضهم للانتقام بسبب تغطيتهم الصحفية.
هذا العدد من الصحفيين السجناء في إيران الذي يبلغ 62 صحفياً يمثل أعلى عدد توثقه لجنة حماية الصحفيين لهذا البلد طوال السنوات الـ 30 التي صدر فيها هذا الإحصاء، وهو يتجاوز بسهولة العدد القياسي السابق للصحفيين السجناء أثناء الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلد في عام 2009 وفي أعقابها.
#2: الصين
إن الرقابة المشددة التي تفرضها الصين على وسائل الإعلام، والخوف المنتشر من التحدث علناً في هذا البلد الذي يفرض إجراءات مراقبة مكثفة على السكان، يجعلان من الصعب إجراء أبحاث لتحديد العدد الدقيق للصحفيين السجناء. وعلى ضوء هذه الخلفيات، لا ينبغي تفسير التراجع البسيط في عدد الصحفيين السجناء في البلد – من المجموع المعدّل البالغ 48 صحفياً سجيناً في عام 2021 إلى 43 في عام 2022 – بأنه يمثل تخفيفاً من حدة التشدد إزاء التغطية الصحفية المستقلة.
يظل الصحفيون الأويغوريون يشكلون نسبة كبيرة من الصحفيين الذين يمضون أحكاماً ثقيلة بالسجن على خلفية اتهامات مبهمة. فعلى سبيل المثال، يمضي الصحفي أوميرجان حسن حكماً بالسجن لمدة 15 سنة لقيامه بنشر تاريخ غير رسمي لإقليم شينجيانغ. وتحتجز السلطات الصحفيين إلهام والي، وجوريت حاجي، ومينتيمين أوبول، وميركاميل أبليميت منذ عام 2018 بتهمة أنهم أصحاب وجهين – وهو مصطلح تستخدمه السلطات الصينية كثيراً لوصف الأفراد الذين تعتبر أنهم يدعمون سياسات الحكومة علناً بيد أنهم يعارضونها سراً. وتحتجز السلطات أيضاً المحرر الصحفي ميميتجان أبليز بوريار منذ عام 2018، وهو متهم بالموافقة على نشر كتب حظرتها السلطات الصينية لاحقاً. وثمة نزعة أخرى مثيرة للقلق، إذ أن مجموعة من الطلاب ممن عملوا مع الصحفي إلهام توهتي، مؤسس الموقع الإلكتروني الإخباري ’أويغوربيز‘ في إقليم شينجيانغ والذي يمضي حكماً بالسجن مدى الحياة، هم من بين السجناء الذين أنهوا مدة محكوميتهم ثم نُقلوا إلى ما يسمى “معسكرات إعادة التثقيف” بدلاً من الإفراج عنهم.
وفي هونغ كونغ، تم إسكات وسائل الإعلام المستقلة بعد الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطات الصينية واستهدفت أفراداً من قبيل صاحب المشاريع الريادية الإعلامية المؤيد للديمقراطية، جيمي لاي. وتُعتبر معاملة السلطات لجيمي لاي، السجين منذ كانون الأول/ ديسمبر 2020، رمزاً لاستهتار السلطات المتزايد بالإجراءات القضائية السليمة ولترتيبات “بلد واحد، ونظامين” التي تضمن استقلال القضاء في هونغ كونغ عن الصين. ويظل جيمي لاي، الذي يحمل الجنسية البريطانية أيضاً، في سجن ذي حراسة مشددة حتى بعد أن أنهى مدة محكوميته البالغة 20 شهراً والتي صدرت بحقه على خلفية اتهامات متنوعة. وفي 10 كانون الأول/ ديسمبر، وبينما كان لاي ينتظر بدء محاكمة أخرى قد تؤدي إلى سجنه مدى الحياة بموجب قانون الأمن الوطني الجائر، صدر بحقه حكم بالسجن لمدة خمس سنوات وتسعة أشهر بتهمة التزوير – حتى أن السلطات في هونغ كونغ أعاقت تحضيراته القانونية لهذه المحاكمة إذ عارضت حكماً أصدرته المحكمة العليا في هونغ كونغ يسمح بتمثيله قانونياً من قبل محامٍ بريطاني.
#3: ميانمار
تدهور ترتيب ميانمار على تصنيف إحصاء لجنة حماية الصحفيين بوصفها تحتل المرتبة الثانية في العالم من حيث عدد الصحفيين السجناء في عام 2021، وذلك في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المنتخبة، وحملة قمع رافقت الانقلاب واستهدفت التغطية الإخبارية بشأن نظام الحكم الجديد. ووفقاً للجماعة المعنية بحقوق الإنسان ’جمعية المساعدة للسجناء السياسيين‘، أدت الإجراءات القمعية التي شملت البلد بأكمله إلى مقتل أكثر من 2,500 شخص واحتجاز أكثر من 16,000 شخص على خلفية اتهامات سياسية.
ارتفع عدد الصحفيين الذين يُعرف بأنهم سجناء في ميانمار في 1 كانون الأول/ ديسمبر إلى 42 صحفياً على الأقل – مرتفعاً عن عددهم في السنة الماضية إذ بلغ 30 صحفياً سجيناً آنذاك – إذ ضاعف النظام الحاكم جهوده لإسكات المراسلين الصحفيين وتعطيل وسائل الإعلام المستقلة القليلة المتبقية في البلد. وتظل وسائل أنباء قليلة مترددة في تحديد الصحفيين الموظفين لديها والصحفيين المستقلين المتعاونين معها الذين احتجزتهم السلطات، وذلك لتجنب صدور أحكام قاسية بحقهم والتي عادة ما تصدر ضد الصحفيين.
وقد صدرت في عام 2022 أحكام ضد زهاء نصف الصحفيين المحتجزين، وقد صدر معظمها على خلفية قوانين تجرّم مناهضة الدولة وتفرض عقوبة على “التحريض” و “الأخبار الكاذبة”. وفي قضية أخرى في تشرين الثاني/ نوفمبر، صدر حكم بالسجن لمدة 15 سنة ضد الصحفي ميو سان سوي بتهمة الإرهاب، وذلك لقيامه بالتواصل مع أعضاء في قوات الدفاع الشعبية، وهي جماعات متمردة تقاتل نظام الحكم القائم.
#4: تركيا
ازداد عدد الصحفيين السجناء في تركيا من 18 صحفياً في عام 2021 إلى 40 صحفياً في عام 2022 في أعقاب احتجاز 25 صحفياً كردياً خلال النصف الثاني من السنة. وأفاد محامي الصحفيين للجنة حماية الصحفيين إن جميع هؤلاء الصحفيين احتجزوا على خلفية الاشتباه بممارستهم للإرهاب – وذلك نتيجة للجهود المستمرة التي تبذلها الدولة لإسكات الصحفيين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني المحظور.
وبينما تظل القفزة التي حدثت في عدد الصحفيين السجناء في هذه السنة أضيق نطاقاً من القفزة التي حدثت في أعقاب محاولة الانقلاب التي جرت في عام 2016، تظل وسائل الإعلام المستقلة في تركيا محطمة من جراء الإغلاقات التي تفرضها الحكومة، والاستيلاء على أصولها، وإجبار عشرات الصحفيين على الفرار إلى المنافي أو ترك المهنة نهائياً.
ويخشى عديدون حالياً من أن حملة الاعتقالات الأخيرة تؤذن بهجمة جديدة على حرية الصحافة تمهيداً للانتخابات التي ستجري في السنة المقبلة، خصوصاً في أعقاب مصادقة البرلمان التركي في تشرين الأول/ أكتوبر على قانون للإعلام أثار الخلاف إذ يفرض أحكاماً بالسجن ضد من يُعتبر بأنهم ينشرون معلومات مضللة.
#5: بيلاروس
كانت بيلاروس تحتجز 26 صحفياً في 1 كانون الأول/ ديسمبر – مما شكّل زيادة عن العدد في السنة الماضية إذ بلغ 19 صحفياً آنذاك. وما زال زهاء نصفهم لم يحاكموا؛ وصدر حكم بالسجن لمدة 10 سنوات أو أكثر ضد اثنين منهم. وجميع الاتهامات المعروفة إما انتقامية أو أنها متصلة بمناهضة الدولة، من قبيل الخيانة.
وقد جرت هذه الاعتقالات على خلفية الإجراءات الانتقامية المستمرة التي يشنها الرئيس لوكاشينكو ضد الصحفيين الذين غطوا تبعات الانتخابات التي أثارت خلافات وجرت في عام 2020 وتمسك على إثرها بالسلطة. ومن بين الصحفيين المحتجزين رامان باراتاشيفيتش، والذي أثار احتجازه احتجاجاً عالمياً إذ عمدت سلطات بيلاروسيا إلى إجبار طائرة تجارية متوجهة إلى ليتوانيا على الهبوط في مينسك، عاصمة بيلاروس، لاعتقال هذا الصحفي الذي كان مسافراً على متن الطائرة.
القمع بحسب المناطق
آسيا
باتت آسيا، بفضل القمع الذي يمارس ضد الإعلام في الصين وميانمار وفيتنام، القارة التي تضم أكبر عدد من الصحفيين السجناء – وبلغ مجموعهم عددهم 119 صحفياً.
ففي فيتنام حيث يقبع 21 صحفياً وراء القضبان، وتكاد الحكومة لا تبدي أي تساهل تجاه الصحافة المستقلة فتصدر أحكامها القاسية بمن تتم إدانته بجرائم مناهضة الدولة؛ إذ أصدرت حكماً في شهر تشرين الأول/ أكتوبر ضد الصحفي لي منه ها بالسجن ثماني سنوات تعقبها خمس سنوات في الحبس المنزلي، وأصدرت حكماً في آب/ أغسطس ضد المدون لي أن هونغ بالسجن خمس سنوات بتهمة “إساءة استخدام الحريات الديمقراطية للتعدي على مصالح الدولة والمؤسسات والأفراد”.
ومن بين المعتقلين أيضاً الصحفية فام دوان ترانغ، الحائزة على جائزة لجنة حماية الصحفيين الدولية لحرية الصحافة عام 2022. وتمضي ترانغ حكماً بالسجن لمدة تسع سنوات بموجب قانون يحظر اختلاق الأخبار الكاذبة ضد الدولة ونشرها.
ولا تزال الهند، التي يقبع فيها سبعة صحفيين خلف قضبان السجن، تجلب لنفسها النقد بسبب الطريقة التي تتعامل بها مع وسائل الإعلام وخصوصاً استخدامها لقانون السلامة العامة في جامو وكمشير، وهو قانون يجيز الاعتقال الاحترازي السابق للمحاكمة، لإبقاء الصحفيين آصف سلطان وفهد شاه وسّجاد غول خلف القضبان بعد أن منحتهم المحكمة إخلاء سبيل بالكفالة في دعاوى مختلفة.
أما أفغانستان، التي يقبع في سجنها ثلاثة صحفيين، فيظهر اسمها في تعداد لجنة حماية الصحفيين لأول مرة منذ 12 سنة. وقد فر مئات الصحفيين الأفغان من البلاد إثر استعادة حركة طالبان السيطرة على البلاد في آب/ أغسطس 2021. أما الذين مكثوا منهم داخل البلد فيواجهون في بعض الأحيان ضغطاً عنيفاً للامتثال للأيديولوجية الأصولية للحركة.
منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى
توحي أعداد الصحفيين السجناء في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بصورة مضللة عن حرية الصحافة في بلدان المنطقة. وتبقى إثيوبيا البلد الذي يسجن أكبر عدد من الصحفيين في المنطقة فيما تحتل المرتبة التاسعة عالمياً، حيث يوجد فيها 16 صحفياً سجيناً ويجري احتجازهم في سجون الدولة لإمضاء أحكام بالسجن تتراوح بين 17 و22 عاماً، وذلك دون محاكمة أو إمكانية رؤية عائلاتهم أو محاميهم.
ويظهر اسم الكاميرون في تعداد الصحفيين السجناء كل سنة منذ عام 2014، حيث يحتل هذا البلد المرتبة الثانية في ترتيب البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين في المنطقة، إذ تحتجز 5 صحفيين تعسفياً بموجب نظام قضائي عديم الشفافية ينطوي على استخدام المحاكم العسكرية في محاكمة الصحفيين الذين يعتبرهم القانوني الدولي مدنيين.
وكان يوجد في إثيوبيا صحفي واحد فقط سجين عند صدور التعداد للعام الحالي. وكانت إثيوبيا قد حلت العام الماضي في المرتبة الثانية بعد إريتريا بفارق بسيط في ترتيب البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين في المنطقة. (والصحفي هو ناتنييل غيتشو، وقد أُفرج عنه بالكفالة بعد تاريخ تعداد الأول من كانون الأول/ ديسمبر). غير أن السلطات عمدت إلى اعتقال أكثر من 60 صحفياً بصورة متقطعة –ومعظمهم اعتُقل لفترات طويلة دون توجيه اتهامات رسمية – منذ بداية الحرب الأهلية هناك في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. ويرافق القتال الميداني على الأرض عمليات تضليل وبث لمعلومات مغلوطة وحرب سرديات على مواقع التواصل الاجتماعي. وثمة ما لا يقل عن خمسة صحفيين محتجزين في مدينة ميكيلي الخاضعة لسيطرة المتمردين بإقليم تغراي، ولكن لم يتم إدراجهم ضمن إحصاء لجنة حماية الصحفيين لأنهم سجناء لدى جهات فاعلة من غير الدول، ولكن سجنهم يعد مؤشراً يدل على الظروف الخطيرة التي تحيط بالمراسلين الذين يحاولون تغطية أنباء النزاع هناك.
وفي رواندا يقبع أربعة صحفيين في السجن، وينشر ثلاثة منهم كتاباتهم على موقع يوتيوب – الذي يعتبر واحداً من منصات النشر القليلة الباقية للمعارضين مع انغلاق المجال المتاح للخطاب المعارض في وسائل الإعلام التقليدية. وهناك مزاعم بأن اثنين على الأقل من نشطاء اليوتيوب هؤلاء المودعين خلف القضبان، وهما أيمابلي كاراسيرا وديليودون نيونسينغا (المعروف أيضاً باسم حسن سيوما) تعرضا للتعذيب وسوء المعاملة.
أمريكا للاتينية
إن العدد المتدني للصحفيين السجناء – اثنان في نيكاراغوا وواحد في كوبا وواحد في غواتيمالا – يعطي فكرة خاطئة عن الانحدار المستمر في حرية الصحافة في مختلف بلدان هذه المنطقة. وقد كان عام 2022 فتاكاً بصورة استثنائية بالنسبة للصحفيين في المكسيك وهايتي، فيما أقر العديد من البلدان قوانين اشتملت على خيارات جديدة على صعيد تجريم التعبير عن الرأي والتغطية الإعلامية.
ففي غواتيمالا، يبعث اعتقال الصحفي خوزيه روبين زامورا الذي يحظى باهتمام كبير برسالة مخيفة للصحفيين لاسيما الاستقصائيين والمستقلين منهم، وذلك قبيل الانتخابات التي ستُعقد العام القادم ووسط حملة التضييق المستمرة على النواب العامين والقضاة والصحفيين الذين سلطوا الضوء في السابق على قضايا فساد. ويواجه زامورا، وهو مؤسس صحيفة ’إلبيريوديكو‘ ورئيسها، تهماً بغسل الأموال والابتزاز واستغلال النفوذ – وهي تهم تُعتبر انتقامية بسبب التقارير التي تنشرها الصحيفة حول الفساد المزعوم الذي يشمل الرئيس إليخاندرو خياميتي والنائب العام كونسويلو بورراس. وقد توقفت الصحيفة عن الصدور بصيغتها المطبوعة بتاريخ 1 كانون الأول/ ديسمبر وأفادت بأنها أُجبرت على ذلك بعد “120 يوماً من الضغوط السياسية والاقتصادية”.
وفي نيكاراغوا، أدت الهجمات والاعتقالات والتهديدات بالسجن إلى إجبار جميع الصحفيين المستقلين تقريباً إما على العيش في المنافي أو ترك أعمالهم، في وضع مماثل لذاك السائد في كوبا.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
ما تزال مصر والسعودية من بين البلدان العشرة التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين في العالم حيث يقبع في سجونهما 21 و 11 صحفياً على الترتيب.
وقد أدرجت مصر بعض الصحفيين ضمن عمليات إفراج شملت عدداً أكبر من السجناء خلال العام الجاري، وذلك استجابة للضغط الذي مارسته الولايات المتحدة والبرلمان الأوروبي فيما يتعلق بسجلها في مجال حقوق الإنسان، لكنها مع ذلك استمرت في اعتقال صحفيين آخرين – من بينهم المحرر أحمد فايز الذي كتب منشوراً على فيسبوك قال فيه إن سلطات السجن تُخضع الصحفي علاء عبد الفتاح للتغذية القسري لإبقائه على قيد الحياة في إطار إضرابه الطويل عن الطعام.
وعلى الرغم من الانخفاض الطفيف الذي طرأ على أرقام العام الماضي، حيث كانت مصر تسجن 21 صحفياً والسعودية 14 آنذاك، ما تزال وسائل الإعلام ترزح تحت الضغط حيث لا تزال -في الحالة السعودية- تواجه الأثر الترهيبي المخيف لمقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وفي قطر، ومع أنه لم يُسجن أي صحفي بسبب عمله وقت إعداد إحصاء لجنة حماية الصحفيين، إلا أن تغطية فعاليات كأس العالم هذا العام سلطت الضوء على الرقابة الممارسة في هذا البلد والقوانين الصارمة الخاصة بالإعلام فيه.
أوروبا وآسيا الوسطى
أدت القوانين التقييدية الجديدة التي فرضتها روسيا لضبط السردية المتعلقة بحربها على أوكرانيا، بما في ذلك منع إطلاق كلمة حرب على هذا النزاع، إلى إحباط ما تبقى من الإعلام المستقل فيها. وقد فرت عدد كبير من الصحفيين الروس إلى خارج البلاد تجنباً للاعتقال. ويواجه العديد من الصحفيين التسعة عشر المعروف بأنهم معتقلون لدى السلطات الروسية أحكاماً بالسجن تصل إلى 10 سنوات بتهم نشر “أنباء كاذبة”.
ويوجد في سجون طاجاكستان ستة صحفيين مما يضعها في صدارة البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين في منطقة آسيا الوسطى. وقد تمت محاكمة الصحفيين السجناء الذين تم اعتقالهم بعد حملة قمعية وعنيفة من قبل الحكومة في منطقة غورنو-بادخشان التي يمزقها الصراع، في محاكمات سرية أُجريت خلف أبواب مغلقة في مراكز الاعتقال وليس في محاكم حيث صدرت بحقهم أحكام بالسجن لمدد طويلة وسط مزاعم بتعرضهم للتعذيب.
وتم إدراج جورجيا، البلد المعروف حتى وقت قريب بممارساته الديمقراطية، ضمن تعداد لجنة حماية الصحفيين لأول مرة، حيث بدأ الصحفي التلفزيوني نيكا غفاراميا في أيار/ مايو 2022 تنفيذ حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة.
آرلين غيتز هي مديرة التحرير في لجنة حماية الصحفيين، وتعمل حالياً من نيويورك، وكانت قد غطت الأخبار سابقاً من أفريقيا وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط كمراسلة صحفية ومحررة ومديرة تحرير لمجلة ’نيوزويك‘. وقبل انضمامها إلى لجنة حماية الصحفيين، أمضت تسع سنوات في العمل مع وكالة ’رويترز‘ حيث كانت محررة مسؤولة عن قسم المقالات العالمية.
منهجية الإحصاء
إحصاء الصحفيين السجناء يشمل فقط الصحفيين المحتجزين لدى السلطات الحكومية، ولا يتضمن الصحفيين المختفين أو المحتجزين لدى جماعات من غير الدول، وتصنف اللجنة حالات هؤلاء الصحفيين ضمن الصحفيين “المفقودين” أو “المختطفين”.
لجنة حماية الصحفيين تعرّف الصحفيين بأنهم الأشخاص الذين يغطون الأخبار أو يعلقون على الشؤون العامة في أي وسيلة إعلامية، بما في ذلك المطبوعات والصور الفوتوغرافية والإذاعة والتلفزيون وشبكة الإنترنت. وتقتصر لجنة حماية الصحفيين في إحصائها السنوي على الصحفيين الذين يثبت أنهم سجنوا بسبب عملهم.
تمثل القائمة التي تعدّها لجنة حماية الصحفيين صورة عامة للصحفيين المحتجزين في تمام الساعة 12:01 صباحاً في يوم 1 ديسمبر/ كانون الأول 2022. ولا تشمل القائمة العديد من الصحفيين الذين احتجزوا وأفرج عنهم على امتداد العام؛ ويمكن الاطلاع على سرد حالات هؤلاء على الموقع الإلكتروني للجنة حماية الصحفيين: https://cpj.org. ويظل الصحفي السجين مدرجاً على قائمة لجنة حماية الصحفيين حتى تحدد اللجنة بدرجة معقولة من اليقين أن السجين أفرج عنه أو توفي في السجن.
أعد التغطية حول الإحصاء كل من بيه ليس يي، وآنا براخا، وشوان كريسبين، ودوجا داؤود، وسونالي داوان، وأسان دياجني، وجان-آلبيرت هوتسين، وإيريس هسو، وكونال ماجومدير، وشريف منصور، وسكوت ماييمبا، وأتيلا مونغ، وموثوكي مومو، وريناتا نيدير، وأوزغور أغريت، وإيفلين أوكاكو، وآنجيلا كوينتال، وولي الله رحماني، ويغانيه رضايان، وجستين شيلاد، وجوناثان روزين، وغولنوزا سعيد، وناتالي ساوثويك، وداناي فيلتشيز
تحرير آرلين غيتز، وجينيفر دونهام، وناومي زيفيلوف، وإيريك كروتش، وساره سبايسر، وماديلين آرب، وسوزانا غونزاليز، وتوم باركلي