الإفلات بأفدح الأفعال

في هذه اللقطة المأخوذة من صورة شاشة لمقطع فيديو من قناة يوتيوب ’مشروع بيرل‘، يطلب والدا المراسل الصحفي القتيل دانييل بيرل الذي كان يعمل في صحيفة ’وول ستريت جورنال‘ من شعب باكستان أن يؤازروهم في سعيهم لتحقيق العدالة. وستستأنف أسرة بيرل حكماً أصدرته المحكمة العليا في إقليم السند بباكستان في 2 أبريل/ نيسان 2020 والذي سيُفرج بموجبه عن أربعة رجال أُدينوا باختطاف الصحفي وقتله في عام 2020.

مؤشر لجنة حماية الصحفيين العالمي للإفلات من العقاب لعام 2020 يسلِّط الضوء على البلدان التي يُقتل فيها صحفيون فيما يظل القتلة أحراراً طلقاء

بقلم إيلانا بيسير/ مديرة التحرير في لجنة حماية الصحفيين
صدر في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

ظل التقدم التدريجي في تقليص عدد جرائم قتل الصحفيين في العالم هشاً ومن الممكن أن يُحبَط من جراء الاستئنافات القضائية ونقص القيادة السياسية، حسبما وجدت لجنة حماية الصحفيين في تقريرها الأخير حول الإفلات من العقاب في جرائم قتل الإعلاميين بدافع الانتقام.

أظهر مؤشر لجنة حماية الصحفيين العالمي للإفلات من العقاب تغييراً ضئيلاً عن العام الماضي، ويسلّط هذا المؤشر الضوء على البلدان التي يُستهدف فيها الصحفيون بالقتل ويظل القتلة أحراراً طلقاء. واحتلت الصومال وسوريا والعراق وجنوب السودان أسوأ أربع مراتب على القائمة، بالترتيب، إذ تؤدي الحروب وانعدام الاستقرار السياسي إلى إدامة حلقة العنف والخروج عن القانون.

ولكن يتضمن التقرير في كل سنة بلداناً تسودها أوضاع أكثر استقراراً، حيث تلجأ الجماعات الإجرامية والسياسية، والسياسيون، وقادة قطاع الأعمال، وغيرهم من الفاعلين المتنفّذين، إلى العنف لإسكات الصحفيين الاستقصائيين والناقدين. ووجدت لجنة حماية الصحفيين أن الفساد، وضعف المؤسسات، ونقص الإرادة السياسية لإجراء تحقيقات جادة، تشكل جميعاً عوامل تقف وراء الإفلات من العقاب في تلك البلدان، وهي تتضمن باكستان، والمكسيك، والفلبين.

ففي باكستان، حدث تطوّر قانوني في هذه السنة وأظهر أنه حتى قضايا القتل التي يُعتقد منذ مدة طويلة أنها حُلَّت، من الممكن أن تتهاوى فيها أحكام الإدانة. بيد أن هذا التطور لا يؤثر مباشرة على مؤشر الإفلات من العقاب للعام 2020.

ففي 2 أبريل/ نيسان، أسقطت المحكمة العليا في إقليم السند بباكستان أحكام إدانة بجريمة قتل كانت قد صدرت ضد أربع رجال اتُهموا بقتل الصحفي دانييل بيرل في عام 2002، والذي كان يعمل في صحيفة ’وول ستريت جورنال‘. ووجدت المحكمة أن أحمد عمر سعيد شيخ، والذي صدر بحقه حكم بالإعدام سابقاً، كان مذنباً باختطاف دانييل بيرل وليس بقتله، وقلّصت الحكم الصادر بحقه إلى السجن مدة سبع سنوات، وقد أكمل هذه الفترة في السجن. واستأنفت أسرة بيرل وحكومة إقليم السند قرار المحكمة. ووفقاً لتقارير الأنباء، كان الرجال الأربعة المتهمون قيد الاحتجاز في نهاية سبتمبر/ أيلول.

وكتب المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، جويل سايمون، مقالاً في مجلة ’كولومبيا جورناليزم ريفيو‘ قال فيه إن الإفراج عن هؤلاء الرجال “سيمثل تراجعاً مدمراً للعدالة وسيرسل رسالة خطيرة إلى المقاتلين الجهاديين في باكستان وفي جميع أنحاء العالم، والذين استَهدفوا الصحفيين على نحو منهجي على امتداد السنوات الـ 18 منذ قتل بيرل”.

ظلت باكستان والفلبين تحتلان مكاناً ثابتاً على المؤشر العالمي للإفلات من العقاب منذ تأسيسه في عام 2008. وحققت الفلبين الانتقال الأكبر على تصنيف العام الحالي، إذ تحسنت مرتبتها من خامس أسوأ بلد في العالم إلى سابع أسوأ بلد من حيث الإفلات من العقاب.

ويعكس هذا التغيير حقيقة أن المذبحة التي وقعت في بلدة أمباتوان في إقليم ماغوينداناو في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، والتي ذهب ضحيتها 58 شخصاً بمن فيهم 30 صحفياً وموظفان إعلاميان ما عادت تقع في الإطار الزمني لاحتساب المؤشر، والذي يمتد 10 سنوات. (اقرأ المزيد حول منهجية المؤشر).

وصدرت في أواخر العام الماضي أحكام إدانة بارزة بخصوص هذه المذبحة، مما دفع لجنة حماية الصحفيين إلى تغيير وضع حالات القتل التي وقعت في أمباتوان من التصنيف السابق بوصفها “إفلات تام من العقاب” إلى تصنيف “إفلات جزئي من العقاب” – مما يعني أن هذه الحالات لن تُحتسب في المؤشر وبصرف النظر عن الإطار الزمني. ففي 19 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أصدرت محكمة إقليمية أحكام إدانة ضد العقل المدبر للمذبحة، وضد شقيقه و 26 شخصاً آخر تواطؤوا في ارتكابها، وتضمنت العقوبات الصادرة أحكاماً بالسجن لمدة 40 سنة. وثمة 11 جريمة قتل ضد صحفيين في الفلبين لم يُكشف عن مرتكبيها ضمن فترة المؤشر الحالي الممتدة 10 سنوات، مقارنة مع 41 جريمة قتل تضمنها مؤشر السنة الماضية.

مع ذلك، تطلبت قضية مذبحة أمباتوان عقداً من السنين لإتمام الإجراءات القضائية، وقد استأنف المتهمان الرئيسيان، وهما الشخصان اللذان أدينا بتدبير الجريمة، أندال أمباتوان الأبن، وزالدي أمباتوان، قرار المحكمة. ونظراً للنظام القانوني المعقد والمسيس في الفلبين، فقد يتطلب الأمر عدة سنوات لتبتّ المحاكم بالطعون القانونية في هذه القضية، ومن المحتمل أن تصدر أحكام براءة للمتهمين الرئيسيين. وما زال عشرات الأشخاص المشتبه بهم أحراراً طلقاء، بمن فيهم أفراد من عشيرة أمباتوان، مما يجعل الأشخاص الذين سعوا لتحقيق العدالة بشأن هذه الجرائم معرضين لتهديد الانتقام. وفي هذه الأثناء، استمر القتل دون الخضوع للمساءلة، إذ قُتل صحفيان فلبينيان على الأقل بسبب عملهما لغاية الآن في عام 2020.

كانت المكسيك هي البلد الأشد فتكاً بالصحفيين في النصف الغربي للكرة الأرضية، وقد انتقل تصنيفها من سابع أسوأ بلد على المؤشر في العام الماضي إلى سادس أسوأ بلد، ويعود ذلك جزئياً إلى التغيير في تصنيف الفلبين على المؤشر. ويبلغ عدد جرائم قتل الصحفيين التي لم يُكشف عن مرتكبيها في المكسيك 26 جريمة على مؤشر السنة الحالية الذي يمتد عشر سنوات، مقارنة مع 30 جريمة قتل على مؤشر السنة الماضية.

وفي العام الماضي، حققت السلطات المكسيكية أحكام إدانة ضد بعض مرتكبي جريمتي القتل اللتين ذهب ضحيتهما الصحفية ميروسلافا بريتتش فيلدوسيا، والصحفي خافيير فالديز كارديناس الحائز على الجائزة العالمية لحرية الصحافة التي تقدمها لجنة حماية الصحفيين. مع ذلك، ظل مدبرو هذه الجرائم فارين من وجه العدالة. ومما يزيد من قتامة آفاق تحقيق العدالة لهذين الصحفيين وغيرهم من الصحفيين الضحايا، بات مكتب الادعاء العام الاتحادي الخاص، وهو المكتب المسؤول عن التقدم الذي حدث في قضيتي فيلدسيا وكارديناس، أقل حسماً في معالجة قضايا جديدة منذ صعود الرئيس أندرياس مانويل لوبيز أوبرادور إلى السلطة. ولغاية الآن في عام 2020، قُتل في المكسيك أربعة صحفيين على الأقل انتقاماً منهم على عملهم.

وعلى مستوى العالم، بلغ عدد الصحفيين الذين قُتلوا انتقاماً منهم على عملهم أدنى مستوى له في عام 2019 منذ بدأت لجنة حماية الصحفيين بتوثيق حالات قتل الصحفيين في عام 1992. ومن الصعب تحديد سبب ذلك، ومن الممكن أن أسباباً من قبيل انتشار الرقابة الذاتية، واستخدام أساليب أخرى لترهيب الصحفيين، والتغطية الإعلامية الواسعة لبعض الجرائم التي حدثت في السنوات الأخيرة، أدت دوراً في انخفاض عدد جرائم قتل الصحفيين في العالم.

وقد تجاوز عدد جرائم قتل الصحفيين في عام 2020 لغاية الآن عددها في عام 2019 بأكمله، ولكن من غير المتوقع أن يشهد هذا العام زيادة كبيرة. وقد حدث تطوران قانونيان خلال العام لا يبشران بالخير من حيث إنهاء حلقة العنف وانعدام العدالة.

ففي 7 سبتمبر/ أيلول، أعلنت محكمة الاستئناف في بلغراد أنها أسقطت أحكام الإدانة بحق أربعة عناصر صربيين سابقين في جهاز أمن الدولة متورطين في جريمة قتل الصحفي سلافكو كوروفيا في عام 1999. ومن المتوقع إعادة محاكمة المتهمين، حسبما أفادت تقارير الأنباء. وقد اعتبرت لجنة حماية الصحفيين سابقاً التحقيق في جريمة قتل كوروفيا – والذي جرى بقيادة لجنة مشتركة مؤلفة من صحفيين ومسؤولين حكوميين – بأنه أحد نماذج مكافحة الإفلات من العقاب، نظراً لما اتسم به من شفافية، وأنه جرى على يد فريق تحقيق مختلط، وأن المحققين ظلوا مستعدين لمتابعة أدلة جديدة.

وفي سلوفاكيا، أصدرت محكمة جنائية في 3 سبتمبر/ أيلول حكماً بالبراءة لمصلحة رجل أعمال يتمتع بنفوذ واسع يُشتبه بأنه دبر جريمة قتل الصحفي الاستقصائي جان كوجياك وخطيبته في عام 2018. ووفقاً لتقارير الأنباء، تعهدت أسرة الصحفي القتيل بأنها ستستأنف الحكم. وكان كوجياك أحد صحفيين اثنين يغطيان قضايا الفساد في الاتحاد الأوروبي واللذين قُتلا خلال ستة أشهر؛ أما الصحفية الثانية فهي دافين كاروانا غليزا في مالطاً، والتي قُتلت في عام 2017 ولم يُدن أحد بارتكاب الجريمة.

وأثناء فترة المؤشر الممتدة عشر سنوات، وتنتهي في 31 أغسطس/ آب 2020، قُتل 277 صحفياً بسبب عملهم في العالم، ولم يُحاكم مرتكبو هذه الجرائم بنجاح في 83% من هذه الجرائم. وخلال فترة مؤشر العام الماضي، سجّلت لجنة حماية الصحفيين إفلاتاً تاماً من العقاب في 86% من الحالات. وتراجع معدّل الإفلات التام من العقاب تراجعاً ضئيلاً في السنوات الأخيرة. وكانت لجنة حماية الصحفيين قد أصدرت في عام 2014 تقريراً بعنوان “الطريق إلى العدالة” درست فيه حالات الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين، والحلول الممكنة لإنهاء هذه الظاهرة. ووجد التقرير أن مرتكبي جرائم القتل أفلتوا من العقاب في تسع من كل عشر جرائم خلال الفترة ما بين عامي 2004 و 2013.

ومما يوضّح الطبيعة الراسخة للإفلات من العقاب، أن البلدان الـ 12 التي تظهر على المؤشر مسؤولة عن 80% من الإجمالي العالمي لجرائم قتل الصحفيين التي لم يُكشف عن مرتكبيها خلال فترة السنوات العشر للمؤشر. وجميع هذه البلدان الـ 12 ظهرت مرات متعددة على المؤشر منذ أن استحدثته لجنة حماية الصحفيين في عام 2008، وظهرت سبعة من هذه البلدان على المؤشر في كل سنة منذ ذلك الوقت.

وكانت نيجيريا هي البلد الوحيد الذي يخرج من المؤشر في هذا العام. وثمة جريمة قتل حدثت في البلد في عام 2009، وباتت غير مشمولة في العقد الذي يتناوله مؤشر العام الحالي.

المؤشر

الترتيبالبلدعدد السكان (بالملايين)*القضايا التي لم تُحل
1الصومال15.426
2سوريا17.122
3العراق39.321
4جنوب السودان11.15
5أفغانستان3813
6المكسيك127.626
7الفلبين108.111
8البرازيل21115
9باكستان216.615
10بنغلاديش1637
11روسيا144.46
12الهند1366.417

المنهجية

المنهجيةيَحسُب مؤشر لجنة حماية الصحفيين العالمي للإفلات من العقاب عدد حالات قتل الصحفيين التي لم تُحل كنسبة من عدد سكان كل بلد. ولغرض إعداد المؤشر، بحثتْ لجنة حماية الصحفيين في حالات قتل الصحفيين التي حدثت ما بين 1 سبتمبر/أيلول 2010 إلى 31 أغسطس/آب 2020 والتي ظلت دون حل. ولا يتضمن المؤشر سوى البلدان التي شهدت خمس جرائم قتل لم يُكشف عن مرتكبيها أو أكثر. وتُعرِّف لجنة حماية الصحفيين جريمة القتل بأنها القتل المتعمد ضد صحفي معين على خلفية عمله في الصحافة. ولا يتضمن هذا المؤشر حالات قتل الصحفيين أثناء الأعمال الحربية أو حالات الوفاة التي تحدث أثناء أداء مهمات خطرة مثل تغطية الاحتجاجات في الشوارع التي تتحول إلى العنف. وتُعتبَر الحالات بأنها لم تُحل عندما لا يتم الوصول إلى حكم إدانة ضد مرتكبي الجريمة، حتى لو تم تحديد المشتبه بهم واعتقالهم. أما الحالات التي يُدان فيها بعض مرتكبي الجريمة، ولكن ليس كلهم، فتُصنَّف بأنها إفلات جزئي من العقاب. كما تُصنف الحالات التي يُقتل فيها المشتبه بهم أثناء القبض عليهم بأنها إفلات جزئي من العقاب أيضاً. ويقتصر المؤشر على جرائم القتل التي تمت بإفلات كامل من العقاب، ولا يتضمن الحالات التي تحققت فيها العدالة بصفة جزئية. وقد استَخدَمت لجنة حماية الصحفيين في حساباتها لتصنيف الدول، بيانات السكان الواردة في “مؤشرات التنمية في العالم للعام 2019” التي أصدرها البنك الدولي، بالرجوع إليها في سبتمبر/ أيلول 2020.

Exit mobile version