الظالم المبتسم

صفاقس، تونس

تتدلى على واجهة سجن صفاقس المطلية باللون الأبيض صورة كبيرة للرئيس زين العابدين بن علي يظهر فيها باسما باطمئنان. كان يقبع في هذا السجن حتى شهر تموز(يوليو) الصحفي سليم بوخذير الذي سبق أن حكم عليه بالسجن لمدة عام. السبب الرسمي لسجن هذا الصحفي، الذي يبلغ من العمر 37 عاما، هو إهانة ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في صفاقس، وهي ثاني أكبر مدينة في تونس. ولكن الواقع الغرائبي لهذا البلد المشمس في شمال إفريقيا، يشير إلى أن احتجاز بوخذير ليس له علاقة بهذه التهمة، ولكن الإساءة إلى الرجل الذي تظهر صورته على واجهة السجن هي التي حملته فعلا الى احدى زنزاناته.

كان بوخذير في السابق كاتبا في الشؤون الثقافية والفنية في الصحافة المؤيدة للحكومة، ولكنه فعل ما لا يجرؤ إلا قليلون على فعله: وهو انتقاد الرئيس بن علي وأفراد عائلته الذين يسيطرون على الحياة السياسية والاقتصادية في تونس، وهي بلد متوسطي يبلغ عدد سكانه 10 ملايين نسمة. كان بوخذير ينشر مقالات كصحفي مستقل في منشورات أجنبية ومواقع على شبكة الإنترنت، اتهم فيها بن علي بمحاباة أقربائه وأورد مثالا عن تخصيص أموال حكومية لمدرسة خاصة تديرها إحدى قريبات الرئيس. ولفت بوخذير انتباه السلطات بسرعة، فتم فصله من عمله اليومي في صحيفة “أخبار الجمهورية” تحت ضغط من الحكومة، كما تم منعه من الحصول على جواز سفر، وفي إحدى المرات تعرض لاعتداء على يد الشرطة السرية في وسط مدينة تونس، وذلك بعد فترة وجيزه من قيامه بكتابة مقال على شبكة الإنترنت انتقد فيها ممارسات العمل التي يقوم بها صهر الرئيس بن علي. ولكن ذلك لم يردع بوخذير، وواصل الكتابة.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، أرسلت حكومة بن علي إلى بوخذير رسالة أقوى. فبينما كان هذا الصحفي متوجها من صفاقس إلى تونس بعد إبلاغه أن بإمكانه الحصول على جواز سفر، قامت الشرطة بإيقاف السيارة التي يستقلها خارج المدينة، وأمرته بالخروج من السيارة. ثم زعم عناصر الشرطة بأن بوخذير أهانهم (وهي تهمة أنكرها بوخذير بشدة)، وعلى أثر ذلك، بحسب ما قاله بوخذير للجنة حماية الصحفيين، اقتادوه إلى مركز للشرطة حيث تعرض هناك للكمات متعددة على رأسه واتهموه بأنه عميل أمريكي.

صرحت الحكومة بأن اعتقال بوخذير لا علاقه له بعمله الصحفي. وبعد أسبوع من ذلك، وعلى أثر محاكمة صوريّة، أدين بتهمة “إهانة موظف عمومي” وأنه رفض إشهار بطاقة هويته لضابط شرطة. وقال شاهد عيان لأسرة بوخذير إن الشرطة زيفت شهادته من أجل إدانة الصحفي. وقد قام القاضي الذي أدار محاكمة بوخذير بمنع المحامي من استجواب الشهود الذين استدعاهم الادعاء. وقال المحامون إن عقوبة السجن لمدة عام هي أقصى عقوبة يسمح بها القانون لمخالفة مثل هذه، وإن القضاء لم يصدر في الماضي أبدا حكما بهذه القسوة في مثل هذه الحالات.

أيضا في هذا التقرير
توصيات
تصريحات أعضاء الكونغرس
نسخة للطباعة
Version française
English Version

وقال محامي حقوق الإنسان محمد عبو، “لقد سجنوه من إجل ترهيبه”، وكان عبو قد أودع السجن في عام 2005 بسبب قيامه بنشر مقال على شبكة الإنترنت انتقد فيه الرئيس بن علي. وبعد حملة دولية مكثفة نظمها صحفيون وجماعات للدفاع عن حرية الصحافة، بما فيها لجنة حماية الصحفيين، أفرجت السلطات التونسية عن بوخذير في تموز (يوليو)، وتذرعت بحسن سلوكه في السجن، ولكن قرار إيداعه في السجن يوضح الإجراءات القاسية والعديدة التي تستخدمها الحكومة التونسية لخنق وسائل الإعلام المعارضة بينما تحاول تحصين نفسها من النقد الدولي.

تشتهر تونس عالميا بشواطئها الجميلة ومواقعها السياحية، ولكنها تعمل بهدوء كدولة بوليسية في الداخل. ولا توجه الصحافة المطبوعة أية انتقادات للرئيس، وهي مصابة بالشلل جراء الرقابة الذاتية. أما الأصوات القليلة التي تظهر على شبكة الإنترنت والمنشورات الأجنبية والصحف الأسبوعية محدودة الانتشار التابعة للمعارضة، فعادة ما تتعرض للمضايقات والتهميش من قبل السلطات التونسية.

يتضمن قانون الصحافة التونسي سلسلة من القيود على التغطية الصحفية، بما في ذلك حظر صريح على الإساءة للرئيس، وتكدير النظام العام، ونشر ما تعتبره الحكومة “أخبارا كاذبة”. وقد وجد تحقيق أجرته لجنة حماية الصحفيين أنه في حين تم استخدام هذه القوانين لملاحقة الصحفيين منذ سنوات عديدة، إلا أن السلطات تفضّل استخدام أساليب غير ظاهرة للسيطرة على الأصوات الناقدة. إذ تسيطر الحكومة على عمليات تسجيل الصحافة المطبوعة وترخيص وسائل البث، وترفض السماح بتأسيس وسائل إعلام ناقدة. كما تسيطر السلطات على توزيع التمويل الحكومي والإعلانات من القطاع العام، وبالتالي فإنها تتمتع بسلاح اقتصادي في هذا الصدد. وتتعرض الصحف الجريئة للمصادرة من قبل الشرطة، وتعمد الحكومة إلى حجب المواقع الإخبارية الناقدة على شبكة الإنترنت، مثل المواقع التابعة لجماعات حقوق الإنسان الدولية، وموقع نشر أفلام الفيديو الشهير “يوتيوب”.

تعرض الصحفيون المستقلون، وبعضهم ناشطين أيضا في مجال حقوق الإنسان، لمضايقات من قبل السلطات. إذ تقوم الحكومة بقطع خطوطهم الهاتفية، ويتلقون تهديدات من مصادر مجهولة، ويخضعون لمراقبة الشرطة، ويحرمون من السفر خارج البلاد، حتى أن حريتهم بالتحرك داخل البلاد مقيدة. أما الذين يتجاوزون الخطوط التي تسمح بها السلطات في توجيه النقد، فيتعرضون لإجراءات أقسى، مثل السجن والاعتداءات العنيفة. وفي إحدى الحالات الشائنة التي جرت عام 2005، تعرض الصحفي كريستوف بولتانسكي من صحيفة “ليبراسيون” اليومية الفرنسية لغاز مسيل للدموع والضرب كما طعن بسكين على يد أربعة رجال مجهولين في الحي الدبلوماسي شديد الحراسة في تونس العاصمة. وقد حدث الاعتداء قبل بضعة أيام من انعقاد اجتماع قمة حول المعلومات والإنترنت برعاية الأمم المتحدة، وبعد فترة وجيزة من قيام بولتانسكي بكتابة مقال وصف فيه القمع الذي يتعرض له نشطاء حقوق الإنسان. وفي ظروف مشابهة إلى حد بعيد، أصيب الصحفي التونسي رياض بن فضل بجراح إثر تعرضه لإطلاق نيران من سيارة مسرعة قرب منزله في قرطاج في عام 2000، وذلك على بعد بضعة أميال من القصر الرئاسي، وهو أحد أكثر المواقع أمنا في تونس. وقبل بضعة أيام من ذلك، كان قد كتب مقالا في صحيفة “لوموند” ناشد فيه الرئيس بن علي أن يتنازل عن السلطة بعد انتهاء فترة رئاسته.

لقد قامت السلطات في تونس والمغرب بسجن صحفيين أكثر من أي بلد آخر في العالم العربي منذ عام 2002. وقد استخدمت السلطات التونسية اتهامات لا علاقة لها بالصحافة سعيا منها لحماية نفسها من المساءلة الدولية، (وهذه الاتهامات تتجاوز القضايا الصحفية، ففي شباط (فبراير) قامت السلطات بسجن المثل الكوميدي الهادي أولاد باب الله استنادا إلى تهمة تعاطي المخدرات، وهي تهمة اعتبرها كثيرون زائفة، وذلك بعد أن قام بأداء مقطع فكاهي قلّد فيه الرئيس بن علي بطريقة ساخرة). وقال أحد مدرسي تخصص الصحافة المخضرمين، وقد طلب عدم الإفصاح عن اسمه، “هناك الكثير من الضغوط الخفية وغير المباشرة، فليس هناك أوامر رسمية بإغلاق الصحف وسجن الصحفيين، ولكن المرء يتساءل أين هي الصحافة المستقلة؟”

وعلى الصعيد الدولي، تستخدم الحكومة استراتيجية جريئة للعلاقات العامة. وقال صحفيون للجنة حماية الصحفيين إن النظام يوفر رحلات مدفوعة التكاليف لصحفيين من دول عربية لتغطية النشاطات الرسمية، مثل الاحتفال السنوي للانقلاب الذي حدث في تشرين الثاني (نوفمبر) 1987 وصعد بن علي بسببه إلى السلطة. وفي عام 2007، أوردت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن بعض الصحف المصرية تلقت دفعات مالية لنشر تقارير صحفية تمتدح “المهارات القيادية” التي يتمتع بها بن علي “وإصلاحاته الديمقراطية”.

وتعمد السلطات بصفة حازمة إلى الرد على الانتقادات في المحافل الدولية وذلك من خلال تجنيد “مفسدين” لتلك النشاطات. ففي أيلول (سبتمبر) 2007، سعت مجموعة كهذه إلى السيطرة على النقاش أثناء نشاط نظمته جامعة جون هوبكنز تحدثت فيه الصحفية والناشطة في مجال حقوق الإنسان سهام بنسدرين. وعندما يتم نشر انتقادات في الصحف الدولية، يقوم متحدثون باسم الحكومة بالرد بسرعة على الانتقادات. وكتب مستشار الشؤون الصحفية في السفارة التونسية في واشنطن، توفيق الشابي في رسالة إلى صحيفة “سانت بول بيونير برس” بعد نشر سرد أعدته لجنة حماية الصحفيين عن الإساءات لحرية الصحافة في تون: “منذ صعود الرئيس بن علي إلى السلطة في عام 1987، قامت تونس بتنفيذ عملية إصلاح تقدمية ولا يمكن التراجع عنها بهدف ترسيخ الديمقراطية، وتعزيز حكم القانون، والنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها”. واضاف توفيق شابي أن الإصلاحات أدت إلى “تغييرات مذهلة” في المشهد السياسي.

ومع ذلك فإن تلك التغييرات لم تتضمن إجراء حوارات مباشرة مع الجهات التي تنتقد سجل الحكومة. إذ أن كبار المسؤولين، مثل رئيس الوزراء محمد الغنوشي ووزير الداخلية رفيق بلحاج قاسم، تجاهلوا طلبات عديدة من لجنة حماية الصحفيين للالتقاء معهمم في تونس خلال شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) لمناقشة الإساءات لحرية الصحافة.

يُعتبر الرئيس بن علي سدا أمام المتطرفين الإسلاميين في شمال إفريقيا، ولذلك فإنه يتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وقد وجهت وزارة الخارجية الأمريكية والرئيس جورج دبليو بوش في مناسبات قليلة انتقادات للحكومة التونسية بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، ولكن تونس هي شريك موثوق للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، كما أنها أثارت إعجاب الجهات الداعمة لها في الولايات المتحدة بسبب النمو الاقتصادي الذي حققته، ودعمها لحقوق المرأة، والاستقرار السياسي. كما أن العديد ممن يدعمون الحكومة التونسية في الولايات المتحدة هم أعضاء في الكونغرس الأمريكي، وخصوصا التجمع المعني بالشؤون التونسية في الكونغرس والذي تشكل مؤخرا، والمكلف بتعزيز العلاقات الثنائية. وتستقبل الحكومة التونسية بصفة منتظمة وفودا من الكونغرس الأمريكي في عاصمتها المشمسة تونس. وإذ يدفع أعضاء الكونغرس نحو تقوية العلاقات بين الولايات المتحدة وتونس، فهم عادة ما يلتزمون الصمت أزاء السجل الضعيف لتونس في مجال حقوق الإنسان والحريات الصحفية، ويسمحون للصحافة التونسية التي تسيطر عليها الحكومة باستغلال تلك الزيارات لغرض الدعاية للحكومة.

آخر الأمثلة على ما سلف، هي الزيارة التي قامت بها في تموز (يوليو) عضوة الكونغرس الأمريكي بيتي مكولوم، وهي من الحزب الديمقراطي وتمثل ولاية مينيسوتا، حيث امتدحت تونس بوصفها “صوتا للاعتدال والحكمة في العالم”، وهو تصريح ظلت الصحافة المؤيدة للحكومة ترددة بلا انقطاع. ويقول صحفيون ومحللون تونسيون إن هذا النوع من الدعم السياسي يمثل المساعدة الأجنبية التي يحتاجها النظام أشد احتياج.

(وفي موضوع إخباري نشر على موقع الإنترنت التابع لصحيفة “ذا هيل” التي تصدر في واشنطن، قالت بيتي مكولوم إنها تحدثت على انفراد مع جماعات معنية بحقوق الإنسان، ولكن رحلتها كانت معنية “بالتعاون الأمني ومكافحة الإرهاب”.)

أما العلاقات بين تونس وفرنسا، وهي الشريك التجاري الأكبر لتونس، فهي علاقات أشد عمقا. وقد أقام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، مثل سلفه جاك شيراك، علاقات دافئة مع الرئيس بن علي، وأعلن خلال زيارة قام بها إلى تونس في نيسان (إبريل): “في بلد أحضر إليها كصديق ويتم استقبالي بها كصديق، لا أرى لماذا يتعين علي أن ألقي عليها دروسا”. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يقوم أحيانا بانتقاد تونس بسبب أوضاع حقوق الإنسان، إلا أنه يضع لمصالحه السياسية والاقتصادية أهمية أكبر من الشواغل المتعلقة بالإساءات الحكومية لحقوق الإنسان.

واليوم، نجد العديد من الصحفيين التونسيين الماهرين يندبون الحال المؤسف الذي وصلت إليه مهنتهم، ويشيرون إلى الفجوة بين الوضع في بلدهم وبين البلدان المجاورة مثل الجزائر والمغرب، حيث ترسخت صحافة جريئة على الرغم من القمع الحكومي الشديد. وفي العديد من الحالات التي وثقتها لجنة حماية الصحفيين، عمد صحفيون تونسيون بارزون إلى مغادرة البلاد من أجل البحث عن عمل مع مؤسسات إخبارية دولية.

وقال توفيق بن بريك، وهيو صحفي مستقل يبلغ من العمر 48 عاما، “كانوا في الماضي يغتالون الصحفيين في الجزائر، أما في تونس فقد قتلوا المهنة”، وهو يشير إلى حملة القتل التي شنتها الجماعات المسلحة في الجزائر في عقد التسعينات من القرن الماضي. ويكتب بن بريك الآن لمؤسسات اعلامية دولية، إذ أنه ممن يوجهون نقدا شديدا للرئيس بن علي.

لم يبدأ سليم بوخذير ينظر بعين ناقدة صوب نظام بن علي إلا قبل أربع سنوات، وقد كان في السابق يعمل في الصحافة المؤيدة للحكومة. وفي الوقت الذي أودع فيه في السجن، كان بوخذير يكتب عدة مرات أسبوعيا لمواقع على شبكة الإنترنت محظورة رسميا، مثل الموقع الشهير “تونس نيوز”، كما كان يكتب أحيانا لصحيفة المعارضة “الموقف”، وصحيفة “القدس العربي” التي تتخذ من لندن مقرا لها. وتقول الصحفية المستقلة العتيدة نزيهة رجيبة “إن سليم يمثل ما يخافون منه، فقد تحول من صحفي عادي في تونس إلى صحفي مستقل. وما حدث له هو وسيلة [للحكومة] لتلقين الآخرين درسا”.

لقد واصل بن علي تطوير استراتيجية الاحتواء هذه خلال ما يزيد عن عقدين. ولم تعرف الجمهورية الحديثة في تونس سوى رئيسين منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1956. وقد قاد الحبيب بورقيبة، البطل الوطني و “الرئيس مدى الحياة” حركة التحديث والتنمية في تونس خلال ما يزيد عن 31 عاما. وخلال فترة حكمه الاستبدادي، لم تنتهج الدولة نهجا ديمقراطيا تحرريا، ولكن مع ذلك سمح بورقيبة بقدر محدود من الخطاب السياسي في صحف المعارضة والصحف المستقلة. وإذ أخذت قيادة بورقيبة تضيق ذرعا بالنقد في السنوات الأخيرة من عهده، بدأ هامش الحوار النقدي يضيق وتزايدت حالات الرقابة على الصحف وإغلاقها.

وعندما قام بن علي الذي كان حينها رئيسا للوزراء بالإطاحة بنظام بورقيبة، خيم على تونس شعور بالتفاؤل إذ تم الإفراج عن السجناء السياسيين والتعهّد بتنظيم انتخابات. وقال محرر الصحيفة التونسية المعارضة “الموقف”، رشيد خشانة، إنه “خلال الفترة من عام 1987 إلى عام 1989 كان هناك نوع من الربيع [السياسي] في تونس، وكانت من المقرر إجراء انتخابات واعتقد الناس أنهم يشهدون تجربة تعددية. ولكن الأمر كان خداعا، فبعد ذلك أصبحت الدولة أكثر استبدادا وكانت الصحافة هي أولى الضحايا”.

بدأ بن علي أولا بقمع المعارضة الإسلامية وبعد ذلك أتى دوركل من يخالف نظامه. وتم إغلاق صحف المعارضة والصحف المستقلة مثل صحيفة “لو ماغريب”، و “البديل”، والصحيفة الإسلامية الأسبوعية “الفجر”، وبعضها أجبر على الإغلاق تحت ضغط الحكومة. وعلى سبيل المثال، قام ناشر صحيفة “الرأي” بإغلاق صحيفته الأسبوعية المستقلة بعد أن تعرض للضغط على أثر نشرها مقالا كتبته الصحفية نزيهة رجيبة شككت فيه في المهارات السياسية للرئيس بن علي وعبرت عن شكوكها بشأن نواياه بترسيخ الديمقراطية.

لقد نجحت حكومة بن علي إلى حد بعيد في خنق أنفاس صحافة البلاد. وتسيطر على صحافة التيار العام صحف مؤيدة للحكومة تقدم تغطية متملقة عن بن علي، إذ تمتدحه بوصفه مهندس التغيير وناصرالحرية. وقد وجد تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2007 أنه حتى الصحافة الحرة شكليا تتلقى توجيهات من مسؤولين حكومين رسميين وأن “جميع وسائل الإعلام تخضع لضغوط حكومية كبيرة بشأن الموضوعات التي تغطيها”. وتنشر الصفحات الأولى للصحف يوميا صورة للرئيس بن علي وهو يؤدي واجبات الحكم، تظهره أحيانا خلال اجتماع مع شخصية أجنبية، أو تنشر صورة منفردة له. أما الصفحات الداخلية فتركز بشدة على الأخبار الاجتماعية والرياضة. أما النقد القليل فعادة ما يكون عاما ويتجنب ذكر المسؤولين بالاسم، أو توجيه اللوم إلى السياسات الحكومية. وفي حزيران (يونيو)، وبينما كان التونسيون في بلدة الرديف في جنوب البلاد يتظاهرون احتجاجا على ازدياد البطالة والمحسوبية وغلاء الأسعار، ركزت الصحفات الأولى للصحف اليومية على الطلاب التونسيين الذين نجحوا في امتحان الثانوية العامة.

تقوم وزارة الداخلية بتسجيل جميع وسائل الإعلام المطبوعة، ولا تمنح الموافقة على التسجيل للمطبوعات التي تعتبر مستقلة. وخلال هذا العقد، أقامت الحكومة وكالة وطنية للذبذبات من أجل منح التراخيص لوسائل البث الإعلامية، ولكن لم يتم الإفصاح أبدا عن المعايير التي تعتمدها الوكالة لمنح التراخيص، ووجدت لجنة حماية الصحفيين أن العديد من مقدمي الطلبات المستقلين لم يحصلوا حتى على إجابة من الوكالة. وقد وافقت الوكالة على منح ترخيص لمحطة تلفزيونية واحدة وثلاث محطات إذاعية، ولكنها جميعا مملوكة لمصالح تجارية قريبة من النظام. وعلى الرغم من ذلك، فإن الترخيص يمنع تلك المحطات من بث أية أخبار سياسية ما عدا نشرات إخبارية تصدرها وكالة الأنباء الحكومية.

وقال أحد الصحفيين البارزين يعمل مع الصحافة المؤيدة للحكومة، “يظل الصحفيون دائما يفكرون ما إذا كانت السلطات ستقبل بما يكتبون، ولا يتحدثون أبدا عما يريده القراء. وأحيانا يظهر بعض النقد في الصحافة اليومية، ولكنه غير موجه لصانعي القرار”. وقد تحدث هذا الصحفي بشرط عدم الإفصاح عن هويته خشية من تعرضه للعقاب.

إن هذا الخوف له ما يبرره على أرض الواقع. فقد قال صحفيون للجنة حماية الصحفيين إن الحكومة تقوم من خلال الوكالة التونسية للاتصال الخارجي بتوزيع الإعلانات من الوكالات الحكومية والمؤسسات العامة، وتعاقب الصحف الجريئة من خلال حجب الإعلانات عنها. وأضاف الصحفيون إن المعلنين من القطاع الخاص عادة ما يلتزمون بتوجه الحكومة عندما تحجب الإعلانات عن بعض الصحف. وتعمل وكالة الاتصالات الخارجية التونسية على نحو غامض: إذ أنها لا تفصح عن الخطوط الإرشادية التي تتبعها في توزيع الإعلانات. هذا ولم يرد المدير العام للوكالة، أسامة رمضاني على اتصالات متكررة أجرتها لجنة حماية الصحفيين للتعرف على وجهة نظره.

على الرغم من هذا السجل الحافل بإعاقة الصحافة، كثيرا ما يصدر الرئيس بن علي دعوات زائفة لإنهاء الرقابة الذاتية. وقد نقلت وكالة رويترز عن بن علي في أيار (مايو) قوله “لقد بقينا دائما نعتبر حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان”. وأضاف، “نحن نكرر دعوتنا من أجل مضاعفة الجهود … لتنويع وإثراء فضاءات الحوار في وسائل الإعلام المتعددة من أجل ضمان توفير اعلام وطني متطور وجريء … بعيدا عن جميع أشكال الرقابة الذاتية والرقابة الخارجية”.

كان رؤوف شيخ روحه، مدير مؤسسة “دار الصباح” الإعلامية ، هو أحد المسؤولين الإعلاميين القلائل الذين وافقوا على الالتقاء مع لجنة حماية الصحفيين، وقد دافع عن المطبوعات التي تصدرها مؤسسته وقال إنها مطبوعات مستقلة. ولدى سؤاله عن السبب الذي يدفع صحفه، والتي تتضمن صحيفة “الصباح” اليومية والتي يصل توزيعها إلى 40,000 نسخة يوميا، إلى عدم تناول الفساد الحكومي أو انتقاد كبار المسؤولين الرسميين، وجه اللوم إلى القانون، وقال “يوجد في تونس قانون للصحافة ولا يمكنك أن تتجاوز القانون”، وأضاف “فبموجب القانون لا يمكننا الإساءة إلى الرئيس. تونس ليست أوروبا، بل هي بلد عربي وإسلامي … نحن نتقدم خطوة بعد خطوة وأنا أعتقد أن الصحافة تسير في الاتجاه الصحيح”.

وعندما تنتهج الصحف المؤيدة للحكومة نهجا تهجميا، فإن ذلك عادة ما يتضمن التشهير بالصحفيين والناشطين المستقلين. فالصحف التونسية مثل صحيفة “الشروق” وهي الصحيفة الأكثر انتشارا، وصحيفة “الصريح” الأسبوعية، وصحيفة “الحدث” الأسبوعية كثيرا ما تنشر مقالات تشن فيها هجمات شخصية لا أساس لها ضد الصحفيين المستقلين وتنعتهم بأوصاف مثل “خونة” و “عملاء لجهات أجنبية”. ولم يستجب محررو تلك الصحف لطلبات لجنة حماية الصحفيين لعقد لقاء معهم.

وعلى الطرف الآخر من الطيف من الصحافة المؤيدة للحكومة وحسنة التمويل، توجد صحف صغيرة معارضة ومواقع على شبكة الإنترنت وهي تواجه عقبات هائلة. وبصفة عامة، يصل توزيع تلك الصحف إلى 30,000 نسخة أسبوعيا (وفي المقابل فإن صحيفة “الشروق” اليومية المؤيدة للحكومة توزع وحدها 80,000 نسخة يوميا)، كما أن أسعار صحف المعارضة أعلى، وجميعها محكومة بحدود في تغطيتها السياسية.

وفي الواقع العملي، ثمة صحيفتان فقط من صحف المعارضة (وهما صحيفة “الموقف” الأسبوعية التي يديرها الحزب الديمقراطي التقدمي، وصحيفة “مواطنون” الأسبوعية المرتبطة بالتكتل الديمقراطي للعمل والحريات) تنتهجان ما يمكن اعتباره سياسة صحفية جريئة متواصلة. أما الصحف الأخرى فهي تعتمد على التمويل الحكومي إذ تتلقى ما يقارب 90,000 دينار تونسي (ما يعادل 75,000 دولار أمريكي) سنويا، كما تتلقى إعلانات مربحة من الوكالات الحكومية والمؤسسات العامة، ونتيجة لذلك فهي مهادنة سياسيا.

دخل المحرر الدمث لصحيفة “الموقف”، رشيد خشانة، في معركة متواصلة من أجل نشر صحيفته الأسبوعية منذ عودتها إلى أكشاك بيع الصحف في عام 2001 بعد توقفها عن الصدور لمدة سبعة أعوام. ويملأ رشيد خشانة بمساعدة خمس موظفين صفحات جريدته بمواضيع صحفية لا تنشرها الصحف الأخرى – تقارير حول جماعات حقوق الإنسان تنتقد سجل الحكومة، ومقالات حول صفقات مشبوهة لبيع الأراضي من قبل المسؤولين الحكوميين، وقصص عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية. وقد حقق كل ذلك على الرغم من شح الموارد المالية للصحيفة. وعلى العكس من معظم صحف المعارضة، لا تتلقى صحيفة “الموقف” أي تمويل حكومي (بموجب القانون، يجب أن يكون للأحزاب ممثلين حاليين في البرلمان، أما الحزب الذي ينتمي له خشانة فليس له ممثلين في البرلمان)، كما أن المعلنين يتجنبون الإعلان في الصحيفة ما عدا استثناءات قليلة. ونتيجة لذلك، حافظت الصحيفة على بقائها من ريع بيع أعدادها، ولا يتمكن محررها رشيد خشانة من تلقي أجر عن عمله، وهو يعمل أيضا مراسلا لصحيفة “الحياة” اليومية التي تصدر من لندن.

وعلى الرغم من الظروف التي تعاني منها صحيفة “الموقف”، فإنها توسعت وأصبحت تتكون من 12 صفحة بعد أن كانت تنشر 4 صفحات فقط، كما أن عدد النسخ التي توزعها تضاعف عشر مرات ويصل الآن 10,000 نسخة، كما ازدادت جرأتها في تغطية الأخبار. ومع تنامي تأثير الصحيفة تزايدت أيضا ضغوط الحكومة عليها – وهذا بدوره تسبب بمشاكل جديدة. فاعتماد الصحيفة على ريع بيع الصحف فقط، قد يؤدي إلى تعطيل الصحيفة حالما تقرر الحكومة أن تتدخل. وقال رشيد خشانة، “في كل أسبوع، علينا أن نحسب المخاطر. وعندما نختار عنوانا لمقال، علينا أن نفكر إلى أي مدى سوف يثير عداء الحكومة”.

اكتشفت الصحيفة في آذار (مارس)، عندما نشرت سلسة من المقالات الجريئة حول الإساءات لحقوق الإنسان، صفقة تثير الشبهات تتضمن رجل أعمال قريب من بن علي. كما أوردت أخبارا عن ترشيح الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي، نجيب الشابي، لمنصب رئيس الجمهورية على الرغم من فرصته الضعيفة جدا بالفوز بالمنصب. وعلى أثر ذلك، بدأت أعداد الصحيفة تختفي من أكشاك بيع الصحف. وقال خشانة إن بائعي الصحف أفادوا بأن الشرطة السرية جمعت أعدادا كبيرة من الصحيفة خلال أربعة أسابيع في شهري آذار (مارس) ونيسان (إبريل). واكتشفت صحيفة “الموقف” أيضا أن عددا كبيرا من نسخ الصحيفة لم يتم توزيعها وظلت قابعة في مكتب شركة التوزيع “سوتوبرس”. وتظهر سجلات صحيفة “الموقف” انخفاضا هائلا في مبيعات الصحيفة، إذ وصل عدد النسخ المباعة إلى 744 نسخة في أسبوع واحد. وقد أنكر المدير العام لشركة التوزيع، السيد صالح نوري، هذه المزاعم وقال إن شركته تعمل “بحرية”. ورفض المسؤولون التونسيون اللقاء مع لجنة حماية الصحفيين للتعليق على هذه الحالة.

في الوقت ذاته الذي كانت تجري فيه مصادرة أعداد الصحيفة، وجدت صحيفة “الموقف” نفسها مستهدفة بقضية جنائية ومطالبة بدفع تعويضات تبلغ نصف مليون دينار تونسي (ما يعادل 415,000 دولار أمريكي) رفعها خمسة موزعين تونسيين يتاجرون بزيت الطبخ. وقد زعمت الشركات أن الصحيفة نشرت معلومات كاذبة في مقال رأي حيث دعت إلى إجراء تحقيقات بشأن تقارير أخبارية حول عملية استيراد غير قانونية لزيت طبخ ملوث من الجزائر. ولم تكن الصحيفة قد ذكرت في المقال اسم أي من الشركات التي رفعت الدعوى، وكان التعليق الذي ورد في الصحيفة مستندا إلى تقارير صحفية من صحيفة “الخبر” الجزائرية. وقال المحامي حسن ثابت الذي يمثل الشركات التي رفعت الدعوى، إن كل من تلك الشركات قد اتصلت به بصفة منفصلة من أجل رفع الدعوى، وأنها لم تنسق ذلك الأمر فيما بينها. وقد رفض الإدلاء بأية تعليقات أخرى.

تأسست صحيفة “مواطنون” الأسبوعية الجريئة في عام 2007 كمطبوعة ناطقة باسم التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، وهي تواجه عوائق سياسية واقتصادية شبيهة. ويشغل رئيس الحزب، السيد مصطفى بن جعفر ذو الشخصية المحببة، منصب مدير تحرير هذه الصحيفة التي يعمل بها مجموعة من المتطوعين في مقر مكون من أربع غرف في وسط مدينة تونس، وتوزع الصحيفة ما يقارب 1,000 نسخة من كل عدد. ويقول إنه لم يتمكن من الحصول على أية إعلانات من الشركات العامة وأن بائعي الصحف يقومون بإخفاء الصحيفة داخل أكشاكهم. ويعمل عناصر تابعون للأجهزة الأمنية يرتدون ملابس مدنية بمراقبة مقر الصحيفة من الخارج، وقال بن جعفر “إنهم يظلون هناك 24 ساعة يوميا. وهذا يمثل شكلا من الترهيب للمواطنين العاديين”.

وبالنسبة للحكومة التونسية التي تهتم بصورتها في الخارج، فإنها تفضل تهميش هذه الصحف بدلا من إغلاقها. ويقول لطفي حجي، مراسل قناة “الجزيرة” في تونس، “الحكومة بحاجة لصحيفة ‘الموقف’ كي تظهر للعالم بأن لديها وسائل إعلام منفتحة – في حين أنها في الوقع مقيدة تماما”.

يمكنك أن تميّز مقر صحيفة “كلمة” الإلكترونية الواقع بقرب شارع الحرية، عندما ترى أعوان أمن منغرسين على مقاعد بلاستيكية مقابل مقر الصحيفة على مدار 24 ساعة يوميا. وإذا ما تركنا جانبا موضوع الشرطة السرية، فإن صحيفة “كلمة” الإلكترونية ليست وسيلة إعلامية عادية. تأسست الصحيفة في عام 2000، على يد الصحفية والناشطة سهام بنسدرين، وتنشر الصحيفة نقدا لاذعا للرئيس بن علي وأفراد عائلته، وذلك باللغات العربية والفرنسية ، كما تنشر أخبارا حول التعذيب والإساءات لحقوق الإنسان. يستخدم مقر الصحيفة أيضا، المكون من مكاتب مزدحمة ضعيفة الإضاءة، كمقر “للمجلس الوطني للحريات في تونس”، وهو مجموعة محلية معنية بحقوق الإنسان، ومقرا أيضا لمجموعة معنية بحرية الصحافة هي “مرصد حرية الصحافة والنشر والإبداع”.

وفي هذا العام، وللمرة الخامسة خلال تسع سنوات، سعت سهام بنسدرين إلى الحصول على تصريح لنشر نسخ مطبوعة من صحيفة “كلمة” الإلكترونية، ولكن المسؤولين في وزارة الداخلية لم يوافقوا على طلبها. وما زالت صحيفة “كلمة” تطبع عدة مئات من النسخ غير المرخصة على آلة تصوير ضوئي، ولكنها توزع بصفة أساسية على شبكة الإنترنت وبوساطة البريد الإلكتروني. وقد قامت السلطات التونسية بحجب الموقع في تونس، ومع ذلك فهو واسع الانتشار في الخارج.

صحيفة “كلمة” الإلكترونية هي جزء من مجموعة صغيرة، ولكن متنامية، من وسائل الإعلام الإلكترونية التي انتشرت إلى ما وراء نطاق سيطرة الرقابة. ولكن مقاربتها الجريئة للأخبار والتعليقات السياسية جعلتها مستهدفة بمضايقات شديدة على شكل تهديدات وترهيب وهجمات عنيفة وزج في السجن. وتقول سهام بنسدرين ورئيسة التحرير نزيهة رجيبة إن مكاتب الصحيفة تتعرض بصفة منتظمة للتخريب؛ إذ تصلان إلى العمل وتجدان أن أحد ما قام بتشغيل أجهزة الكمبيوتر وطباعة وثائق منها. وقالت بنسدرين، “يريدون أن يظهروا لنا أننا لا نعمل في بيئة آمنة”. وكما يحدث مع صحفيين مستقلين آخرين، يتم التسلل إلى البريد الإلكتروني التابع لهما بوساطة برامج كمبيوتر ضارة. وفي إحدى المرات، اختفت جميع الرسائل من البريد الإلكتروني التابع لسهام بنسدرين بعد أن فتحت رسالة إلكترونية تحتوي على برامج ضارة للكمبيوتر.

أودعت سهام بنسدرين في السجن لمدة ستة أسابيع في عام 2001 بعد أن تحدثت عن الفساد والإساءات لحقوق الإنسان أثناء مقابلة مع قناة تلفزيونية فضائية. وقد ظلت هدفا للعديد من الاعتداءات مثل الاعتداء الذي تعرضت له في عام 2004 حيث قام رجال يُعتقد أنهم من عملاء الشرطة بضربها على وجهها وصدرها. كما ظلت بنسدرين هدفا لهجمات شخصية قاسية من الصحف المؤيدة للحكومة، مثل صحف “الشروق”، و “الصريح”، و “الحدث” والتي أطلقت عليها ألقابا مقذعة مثل “عاهرة”، و “صنيعة الشيطان”، و “أفعى شريرة”. أحد من يقودون هذه الهجمات هو عبد الحميد الرياحي من صحيفة “الشروق”، وقد منحة رئيس الجمهورية لاحقا وساما بسبب إنجازاته الثقافية.

عمر المستيري هو ناشط في مجال حقوق الإنسان ومدير تحرير صحيفة “كلمة”، وقد تم استهدافه بقضية جنائية ملفقة في عام 2007 بتهمة التشهير رفعها محمد بكار، وهو محامي له ارتباطات وثيقة مع سلطات الدولة. وقد نشأت القضية من مقال نشر في أيلول (سبتمبر) 2006 وجه فيه عمر المستيري انتقادات لقرار نقابة المحامين التونسيين بإلغاء قرار منع بكار من ممارسة مهنة المحاماة. ولم يزعم الادعاء إن ما نشر غير دقيق، ولكنه أصر على الكشف عن المصادر التي تم استقاء المعلومات منها. وأخيرا سحب بكار شكواه، ولكن بعد يوم واحد من ذلك، قام أشخاص مجهولون بإحراق مكتب المحامي عياشي الهمامي، وهو محامي حقوق إنسان كان يدافع عن المستيري.

حتى بالنسبة للصحفيين التونسيين المحترفين، هناك عدة أنواع من المواضيع الصحفية لا يمكن تغطيتها. فمثلا اندلعت احتجاجات عنيفة بسبب البطالة وارتفاع أسعار السلع الغذائية وانتشار المحسوبية في مدينة الرديف الواقعة في جنوب البلاد في كانون الثاني (يناير) وتواصلت في الأشهر التالية، ومع ذلك لم تنشر الصحف أية تغطية إخبارية لتلك الأحداث. وقال صحفيون وناشطون إن قوات الحكومة حاصرت المدينة ومنعت الصحفين والمواطنين غير القاطنين في المدينة من دخولها. وفي حزيران (يونيو)، قامت السلطات باحتجاز المراسل الصحفي والناشط هادي الرداوي لمدة يومين بسبب قيامه بالتقاط صور وإجراء مقابلات مع متظاهرين مصابين بجراح في مستشفى مدينة قفصة القريبة.

وقال لطفي حجي مراسلة قناة “الجزيرة” في تونس، “يمكنك أن تكتب عن الرياضة ما شئت، ولكن القضايا المهمة للمجتمع مثل التظاهرات في مدينة الرديف، فلا يمكن للصحافة أن تكتب أي شيء بشأنها ما عدا ما تريد الحكومة نشره”.

ويعكس الوضع الذي يعاني منه لطفي حجي القيود الشديدة التي تضعها الحكومة على الصحافة الدولية. إذ سعت الوكالة التونسية للاتصال الخارجيي للسيطرة على مراسلي الصحافة الأجنبية إذ فرضت عليهم الحصول على اعتماد من الحكومة وبالتالي الحصول على تصريح رسمي لتغطية النشاطات الرسمية. وكجزء من الخلاف الطويل بين الحكومة التونسية مع قناة “الجزيرة” بسبب تغطيتها لأخبار المعارضين التونسيين، رفضت السلطات التونسية منح اعتماد للطفي حجي منذ عام 2004. وبسبب ذلك لا يستطيع حجي افتتاح مكتب كما أنه من غير المصرح له تغطية الأخبار، ومع ذلك ما زال يرسل مواضيع إخبارية لموقع الإنترنت التابع لقناة الجزيرة ويرسل تقاريره بالبريد الإلكتروني. وقال حجي إن عناصر من الشرطة كثيرا ما يأتون إلى اجتماعاته ومقابلاته، ومن الواضح أنهم يراقبون محادثاته الهاتفية. وفي أيار (مايو)، وبينما كان لطفي حجي في طريقه لحضور جلسة للمحكمة في قضية زيت الطبخ الفاسد المرفوعة ضد خشانة، قام عناصر من الشرطة بتأخير السيارة التي كان يستقلها حتى انتهاء مجريات جلسة المحكمة.

وفي حين أن العديد من الصحفيين المستقلين ما زالوا يعملون، إلا أن صحفيين آخرين فقدوا الأمل. وكون الرئيس بن علي عازم على خوض الانتخابات لفترة رئاسية خامسة في عام 2009، فهم يتأهبون للتعرض لحملة جديدة من القمع مصممة لضمان إعادة انتخاب الرئيس بسلاسة لفترة رئاسية خامسة. وقال مدرس تونسي متخصص في علوم الاخبار: “لا يوجد اليوم أي مكان لمشروع إعلامي مستقل. أما العمل في الدعاية السياسية الحكومية فهو متوفر بالتأكيد، والعمل في المشاريع التجارية متوفر حتما. وسيظل هناك دائما مالا حكوميا وفيرا لتزيين صورة الحكومة التونسية على الساحة الدولية”.

ولكن قضية لطفي حجي (مثل قضايا بوخذير، وبنسدرين، وخشانة، وآخرين) فهي توضح عزم الحكومة على السيطرة على الأخبار وإخماد حرية التعبير. وحتى يتغير هذا الوضع، وحتى يطالب الحلفاء الدوليون من تونس بإحداث تغيير، فإن الفرصة أمام الحرية السياسية ستظل مقيدة بشدة.

 

جويل كمبانا هو منسق برامج متقدم في لجنة حماية الصحفيين مسؤول عن قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

Exit mobile version