أمراء، ورجال دين، وأجهزة رقابة

المملكة العربية السعودية تخفف القيود عن الصحافة،
ولكن ما تزال مواضيع الدين والسياسة ما تزال محفوفة بالمخاطر. 
إعداد جويل كمبانا

نشر بتاريخ 9 مايو، 2006
الرياض، المملكة العربية السعودية
أحمد الفهيد، محررٌ بإحدى الصحف في الثالثة والثلاثين من العمر، يرتدي بنطال جينز باهت وقميصاً بنصف كم (تي شيرت) كثير التجاعيد ويحمل هاتفاً خلوياً دائم الرنين. إلا أنه وزيادة عن ملابسه هذه، يبدو غريباً عن المكان في مقهى بوسط العاصمة السعودية المتزمتة. يضع تحت إبطه أعداداً من الصحيفة الشعبية اليومية “شمس” تظهر في مكان بارز على صفحتها الأولى صورة ملونة تشد الانتباه لامرأة شابة سافرة تعرض بفخر قرطا في لسانها. أما المقالة المصاحبة للصورة فتحذر من المخاطر الصحية على الشباب السعودي الذين يعملون على تثقيب أجسادهم سراً دون إشراف مهني مختص. 

وسَّعت الصحيفة منذ صدروها عام 2005 حدود تغطية الأخبار الاجتماعية والثقافية في أشد مجتمعات العالم العربي محافظةً من الناحية الدينية. وقد استهدفت صحيفة “شمس”، التي يمتلك جزءاً منها الأمير تركي بن خالد، الشريحة السكانية من عمر 18 إلى 32. وعلى الرغم من حجم توزيعها المتواضع البالغ 40 ألف نسخة يومياً إلا أنها حققت نجاحا باهرا. ويقول وزير الإعلام السعودي إياد المدني “في الواقع نحن نحب صحيفة شمس، فقد كانت الصحيفة الوحيدة التي تنبهت إلى حقيقة أن لدينا قطاعاً سكانياً من الشباب”.

أيقظت صحيفة “شمس” كذلك المحافظين المتدينين المتشددين في البلاد، ففي شهر شباط/فبراير أصبح من الواضح أن الصحيفة تجاوزت الحدود المسموحة، إذ قامت الحكومة بإغلاقها مؤقتاً بعد نشرها صورة لأحد الكاريكاتيرات المثيرة للجدل التي تعرضت للرسول محمد والتي أثارت غضب العالم الإسلامي بأسره منذ ظهرت أول مرة في الصحيفة الدنماركية يولاند بوستن (Jyllands-Posten). وصرح أياد المدني للجنة حماية الصحفيين بأنه قام بإغلاق الصحيفة مدة أسبوعين لانتهاكها القيود المتعلقة بالمقدسات الدينية.

أما أحمد الفهيد فيحكي رواية أكثر تعقيداً، إذ يقول إن صحيفة “شمس” قررت نشر الكاريكاتيرات فقط بعد إعلان الشيخ عبد العزيز آل شيخ، الذي يمثل أعلى سلطة دينية في البلاد، بجواز ذلك إذ كان القصد منه إبراز الإساءة الموجهة إلى الإسلام. وأشار الفهيد إلى أن وزارة الإعلام -التي منحت الرقابة فيها الإذن بتوزيع العدد- لم تتحرك لإيقاف صدور الصحيفة إلا بعد عشرين يوماً من نشر “شمس” للكاريكاتير. 

إن ما جرى في الأسابيع الثلاثة الواقعة ما بين تاريخ ظهور الصحيفة على أكشاك الصحف وتاريخ إغلاقها يظهر الكولسة السياسية التي تدور في الخفاء والتي تملي ما الذي يمكن وما لا يمكن قوله في الصحافة السعودية. وحسب الفهيد -الذي تم التحقق من صحة روايته من مصادر أخرى- فإن رجال الدين المتشددين والشخصيات الدينية احتجوا على النهج المتحرر لصحيفة “شمس” وحثوا السلطات على اتخاذ إجراء بحقها. وقد سمحت تسوية تم التوصل إليها من خلال وزارة الإعلام للصحيفة بالعودة إلى الصدور إذا ما سرحت من الخدمة رئيس تحريرها بتال القوس البالغ من العمر 32 عاماً. وقد تم تسريحه من عمله أواخر شباط/فبراير الماضي.

هكذا هي القوى الخفية، والمتناقضة أحياناً، التي تعيق حرية الصحافة في المملكة السعودية. تقوم الصحف السعودية حاليا بنشر أنباء وآراء لم يكن من الممكن تصورها قبل بضع سنوات فقط، حتى مع توظيف الحكومة والمسؤولين الدينيين لمجموعة من الضوابط من خلف الكواليس لبتر التغطية الشجاعة التي تغضب الحكومة أو الدوائر الدينية المهمة. 

عقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 المزلزلة، التي هاجم فيها إرهابيون الولايات المتحدة، وأحداث 12 أيار/مايو 2003 عندما هاجم انتحاريون الرياض وقتلوا أكثر من عشرين شخصاً، أظهرت وسائل الإعلام المكبوتة فصولاً من الشجاعة وتطرقت إلى موضوعات كانت محرمة مثل الجريمة والبطالة وحقوق المرأة، والأكثر أهمية التطرف الديني. ويقوم كتاب الأعمدة السعوديون حاليا بنشر مقالات تحقيقية حول استخدام المتطرفين الدينيين للمعسكرات الصيفية لتلقين أفكارهم للشباب السعودي، في حين يناقش المعلقون بأنه ينبغي للنساء التمتع بحق قيادة السيارات. لقد سمحت الحكومة لصحيفة يومية جديدة واحدة على الأقل بالظهور في أكشاك الصحف، ويُقال إن صحفاً يومية تم الترخيص لها مؤخراً هي في طريقها للظهور. ويجري حاليا منح مؤسسات إخبارية دولية طلبات الحصول على تأشيرات وطلبات اعتماد مهنية طويلة الأمد للصحفيين الأجانب، وهذه من الأمور التي لم تكن ممكنة في السابق. 

إلا أن التقدم كان محدوداً وغير متواصل، وكان هامش الحرية هامشاً “يُمنح ثم يُنتزع” على حد تعبير خالد الدخيل وهو أكاديمي ليبرالي تم منع نشر المقالات التي يكتبها لصحيفة الحياة الللندنية المملوكة للسعودية فجأة من قبل الحكومة عقب تشكيكه بجهود الإصلاح الرسمية. ويشير كتاب مستقلون إلى شكبة من القيود الرسمية وغير الرسمية تمنعهم من تغطية قضايا اليوم الاجتماعية والسياسية المركزية.

وقد وجد تحقيق قامت به لجنة حماية الصحفيين أن ثمة ثلاث قوى عاملة على كبت التغطية الإخبارية كما يلي: 

• يقوم المسؤولون الحكوميون بتسريح المحررين وإيقاف الكتاب المعارضين عن الكتابة أو وضعهم على اللائحة السوداء، ويقومون بإصدار أوامر التعتيم الإعلامي بشأن موضوعات خلافية، ويحذرون الكتاب المستقلين على كتاباتهم لمنع أية انتقادات غير مرغوبة أو لاسترضاء الدوائر الدينية. 

• تعمل المؤسسة الدينية المحافظة في السعودية كقوة ضغط سياسي قوية ضد التغطية الشجاعة للشؤون الاجتماعية والثقافية والدينية. ويشتمل القطاع الديني متعدد الطبقات على رجال دين رسميين وعلماء دين وشرطة دينية ووعاظ متطرفون من الداعين إلى إحياء روح الدين وأتباع لهم. 

• يقوم رؤساء التحرير المطيعون الذين توافق عليهم الحكومة بإسكات الأنباء المثيرة للجدل، ويذعنون للضغوط الرسمية من أجل تلطيف لهجة التغطية وإسكات الأصوات المنتقدة. 

وتوصل تحليل لجنة حماية الصحفيين إلى أن التغطية الإخبارية المستقلة للنواحي السياسية لا زالت غائبة تقريباً عن الإعلام السعودي. فعلى الرغم من أن الصحف تنتقد أحياناً أداء الوزارات الحكومية أو المؤسسات العامة قليلة الشأن، إلا أن التغطية الانتقادية للعائلة المالكة والحكومات الأجنبية الصديقة والفساد المتفشي وسوء إدارة الدولة للشؤون السياسية والاقتصادية والانقسامات الإقليمية وتوزيع عائدات النفط فتظل قضايا خارج نطاق الممكن. كذلك تُعتبر النقاشات بشأن مواقف السياسة الخارجية الهامة وشواغل الأقلية الشيعية المحرومة من الحقوق، من الموضوعات المحظورة. 

إلا أن أشد معارك حرية الصحافة ضراوة هي تلك التي تُخاض حول تغطية القضايا الدينية. لقد عمد أكثر الصحفيين السعوديين شجاعة إلى تحدي ما يرونه احتكاراً للمجتمع السعودي من قبل أعضاء متشددين في المؤسسة الدينية الذين يروجون للمواقف المتطرفة. تظل تغطية هؤلاء الصحفيين مقيدة تقيدا شديدا، بسبب الضغط الهائل الذي يبذله رجال الدين والوعاظ والنشطاء وحلفاؤهم في الحكومة. 

في قلب هذا التوتر يقع التحالف القائم منذ أجيال بين عائلة آل سعود الحاكمة وأتباع رجل الدين من القرن الثامن عشر، محمد بن عبد الوهاب، الذي تمثل تعاليمه الصارمة أساس العقيدة الوهابية الرسمية للبلاد. وتواصل المملكة العربية السعودية الحديثة، التي تأسست عام 1932، التقيد بالصفقة السياسية التي صيغت قبل قرون، إذ يدير آل سعود السلطة السياسية ويضمنون الأمن، ويحافظون على الشخصية الإسلامية للبلاد، في حين يوفر رجال الدين الوهابيون السلطة الدينية ويضفون الشرعية على حكم آل سعود. وفي الواقع العملي أدت هذه المقايضة إلى حالة تبدل دائمة لحرية الصحافة. وحتى عندما تكون الحكومة ميالة إلى السماح بقدر أكبر من النقد في الصحافة كانت تسارع إلى استيعاب مخاوف الدوائر الدينية.

لذلك يحمل السعوديون اليوم نقاشاتهم الأشد صراحة حول الدين والسياسة إلى مطبوعات غير سعودية أو منابر أخرى. إن النقاشات الصريحة التي يخوضها السعوديون في بيوتهم أو في التجمعات المعروفة باسم الديوانيات أو في المقاهي أو محطات التلفزة الفضائية أو في الإنترنت هي مؤشرات أفضل بكثير على النقاش الذي تخوضه البلاد من تلك التي توجد عادة في صحف التيار السائد. 

أجرت لجنة حماية الصحفيين أثناء إعداد هذا التقرير لقاءات مع أكثر من 80 مراسلاً وكاتباً ورئيس تحرير ومثقفاً في الرياض وجدة والظهران والدمام والقطيف، والتقت بمسؤولين من وزارتي الإعلام والداخلية خلال مهمتين لها لتقصي الحقائق في تموز/يوليو عام 2005 وفي شباط/فبراير من العام الجاري. ويعتقد الكثير من الصحفيين السعوديين ذوي العقلية الإصلاحية بأنه يمكن القيام بقدر أكبر بكثير من العمل لكي تعكس وسائل الإعلام الوطنية النقاش الصريح والأصوات المتنوعة. وهم يحاججون بأن الإصلاحات الخاصة بالصحافة تصب في مصلحة البلاد على المدى الطويل، وذلك كوسيلة لمواجهة القضايا الداخلية الخطيرة كالفقر والفساد وكوسيلة لتهميش التطرف الديني العنيف.

على الرغم من أن الصحف مملوكة للقطاع الخاص إلا أن الدولة تمارس تأثيراً هائلاً على ما يتم نشره. إذ توافق الحكومة على تعيين رؤساء التحرير، وهي عملية يقول الصحفيون إنها تتم خلف أبواب مغلقة بإشراف من الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية القوي. وفي الواقع العملي -ولكن ليس بموجب القانون- تحتاج الصحف إلى الدعم المالي والسياسي لأحد أفراد العائلة المالكة. وعلى العكس من أجزاء أخرى من هذه المنطقة، لا توجد “صحافة معارضة” في المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أن بعض كتاب الأعمدة الصحفية انتقدوا وزراء من المستوى الأقل شأناً وموظفين حكوميين أو مؤسسات الصحة العامة، إلا أن التغطية الصحفية تخلو من أي شيء ينعكس سلباً على العائلة المالكة والمسؤولين رفيعي المستوى ورجال الدين والمؤسسات الدينية في البلاد. 

ينظر كبار رؤساء التحرير ومعظم الصحفيين إلى أنفسهم على أنهم مدافعون عن عائلة آل سعود الحاكمة ويكفل المسؤولون الحكوميون الولاء بممارسة الضغط خلف الكواليس حيث يقومون بإصدار التوجيهات بشأن الأخبار الحساسة ويمنعون تغطية موضوعات معينة ويتخذون الإجراءات التأديبية بحق الصحفيين. أظهر البحث الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين أن عشرات المحررين والكتاب والأكاديميين وغيرهم من النقاد الإعلاميين تم إيقافهم مؤقتاً عن الكتابة أو فصلهم من أعمالهم أو منعوا من الظهور في الصحافة السعودية خلال العقد الماضي. وقد جاءت هذه الإجراءات بناء على أوامر من الحكومة أو تدخل من الزعماء الدينيين أو بمبادرة من رؤساء التحرير. كما تعرض صحفيون آخرون للاعتقال، والاستجواب من قبل السلطات الأمنية، والمنع من السفر.

وعلى الرغم من القيود الرهيبة، تحسنت البيئة الإعلامية السعودية منذ تسعينيات القرن الماضي بصورة لافتة. ويقول الصحفيون منوهين إلى تأثير المحطات الفضائية والإنترنت إن وسائل الإعلام خضعت لعملية تحرر تدريجية منذ حرب الخليج عام 1990-91، وهو الوقت الذي أخفقت فيه الصحافة السعودية -على نحو فاضح- في نقل أخبار اجتياح صدام حسين للكويت. إلا أن أكثر التغيرات أهمية حصلت بعد 11 أيلول/سبتمبر عام 2001. واستجابة منها للنقاد الدوليين الذين ربطوا الإرهاب السعودي بالافتقار إلى الحريات الأساسية في المملكة، خففت الحكومة من القيود المفروضة على الصحافة المحلية وبدأت الصحف بالتطرق للمشكلات الاجتماعية والتطرف الديني. 

وحدث منعطف مفصلي آخر في آذار/مارس عام 2002 عندما اندلعت النيران في مدرسة للبنات في مدينة مكة المقدسة مما أدى إلى مقتل 15 طالبة. وأظهرت الصحف تحدياً غير مسبوق عندما طفت على السطح ادعاءات بأن الشرطة الدينية مهيبة الجانب -أو المطوعين- قامت بتأخير عمليات الإنقاذ لأن البنات داخل المبنى الذي تشب فيه النيران لم يكن يرتدين العباءة السوداء الإجبارية. فقد قيل عن المطوعين الذي يستخدمون اسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صحيفة عكاظ إنهم “يمنعون الحياة وينشرون الموت”. أما صحيفة الرياض كبرى الصحف السعودية صرحت بأن الحريق أظهر المواقف المجحفة بحق النساء. وفي النهاية أزاحت الحكومة رجل الدين المسؤول عن تعليم البنات ونقلت عملية الإشراف إلى وزارة التربية. 

وفي الوقت نفسه تقريباً كان هناك كتّابٌ يختبرون حدود ما يمكن نشره. فقد أدهش الشاعر عبد المحسن حليت مسلم زملاءه عندما كتب قصيدة لصحيفة المدينة اتهم فيها قضاء الدولة الذي يهيمن عليه رجال الدين بالفساد. وتقول بعض أجزاء القصيدة “… ولحاكم ملطخة بالدماء … وتداجون ألف طاغ وطاغ وله وحده يكون الولاء”. واتهمت القصيدة القضاة بعدم الاهتمام لأي شيء سوى حساباتهم في البنوك ومكانتهم لدى الحكام.

تبين التغطيات أنها أكثر مما تحتمله السلطات وتم في الأسابيع اللاحقة إبلاغ الصحف بوقف الكتابة عن حريق مكة. وتم صرف المحرر المسؤول [في الصحيفة التي كتب فيها] مُسَّلم وقيل أن ذلك تم بأمر من وزير الداخلية. أما مُسلَّم نفسه فقد اعتُقل ومُنع من الكتابة في الصحف السعودية. وتم تسريح محررين آخرين من الخدمة في الأشهر التالية بمن فيهم قينان الغامدي رئيس تحرير صحيفة االوطن المتهور الذي تم طرده عقب تقرير وصف الظروف المعيشية السيئة التي يعاني منها جنود وزارة الداخلية الذين يتم نشرهم في مكة في موسم الحج السنوي. 

عادت التغطية الإخبارية الناقدة إلى الظهور بعد سنة من ذلك، عندما هاجم انتحاريون عدة منشآت غربية في الرياض في 12 أيار/مايو عام 2003، مودياً بحياة ما يزيد عن عشرين شخصاً ومشيراً إلى خطر إرهابي داخلي. وقد فجر هذا الحدث جدلاً غير مسبوق في الصحف حول جذور التطرف.

لقد شهد عادل الطريفي وهو كاتب عمود صحفي في صحيفة الوطن التغيير يحدث بين عشية وضحاها. فقبل التفجيرات بيوم واحد أوقف رئيس التحرير نشر مقالة للطريف فيها تبصر بما هو آت، حذر [الطريفي] فيها من خطر المتعصبين المتدينين الذين يعملون علناً في المملكة. وقد ناقشت المقالة بعنوان “حتى لا تكون منهاتن سعودية” التهديد الإرهابي الذي يلوح للعيان في السعودية وقالت إن شيوخ الدين يشعلون نيران التوتر ويروجون تفسيرات متطرفة للإسلام. وانتهى المطاف بالمقالة في مكان بارز من صفحة رأي الوطن بعد يومين من التفجيرات. ويقول الطريفي “لقد عرف المحرر المسؤول أنه يمكن نشر المقالة وأنني لن أعاقب على كتابتها”.

وفي الأشهر التالية كتب عادل الطريفي وغيره من الكتاب السعوديين مقالات جريئة حول التطرف انتقدوا فيها الحكومة من طرف خفي بسبب التسامح مع المتعصبين الإسلاميين. وبحثت الصحف في الكيفية التي استغل فيها المتطرفون نظام التعليم لتشريب الشباب بأفكارهم. وأمعن المعلقون البحث في القيود التي تفرضها الوهابية على النساء وما أسموه بعدم تسامح المتشددين تجاه معتقدات الأديان الأخرى.

ويقول عادل الطريفي “لقد بلغ بي الأمر إلى الكتابة بأن المؤسسة الدينية تستمر في كونها عقبة في طريق الحرب على الإرهاب”.

وظهر التعليق الأكثر جرأة في صحيفة الوطن -وكانت آنذاك صحيفة جديدة نسبياً يمتلك جزءاً منها الأمير السعودي الليبرالي بندر بن خالد. إذ كتب رئيس تحرير الصحيفة المعيَّن حديثاً، جمال خاشقجي، في اليوم التالي للتفجيرات قال فيه “إن الذي ارتكب جريمة الأمس التي سيكون لها تأثير مؤلم على الطبيعة المسالمة لبلدنا ليس الإرهابيون الانتحاريون فقط، بل وكل من حرض على تلك الهجمات وبررها … وحتى كل من لزم الصمت إزاء هذا الاتجاه الذي ينحرف عن ديننا وطبيعتنا”. كما ونشرت صحيفة الوطن كاريكاتيرات استفزازية تصور رجال دين سعوديين يتسامحون مع الأعمال الإرهابية. إلا أن أكثر مقالاتها جرأة ظهر بعد أيام فقط من تفجيرات أيار/مايو وقال إن مردَّ العنف يعود إلى ابن تيمية رجل الدين المسلم من القرن الرابع عشر، وهو الذي أرست تعاليمة المتزمتة الأساس للعقيدة الوهابية. وقالت المقالة إن المتطرفين استخدموا تلك التعاليم لتبرير الهجمات العنيفة. 
إلا أن التوسع في حرية الصحافة كان قصير الأجل مرة أخرى، وتم تسريح بعض المحررين والكتاب من أعمالهم تحت ضغوطات من الحكومة. وكان جمال خاشقجي رئيس تحرير صحيفة الوطن أبرز الضحايا فقد أُجبر على التنحي بأمر من ولي العهد آنذاك الأمير عبدالله. ووبخ الأمير نايف وزير الداخلية رؤساء التحرير على مقالات انتقدت الوهابية، ونبَّه عملاء الحكومة على مدار عدة أشهر رؤساء التحرير والكتاب إلى ضرورة الابتعاد عن المحرمات الدينية والمؤسسة الدينية والإصلاحات التي تجري مناقشتها من قبل المثقفين. كما أدى اعتقال ثلاثة من الإصلاحيين السياسيين البارزين في آذار/مارس 2004 ألى مزيد من إخماد حماسة الصحفيين لتحدي الوضع الراهن.

وتراجعت التغطية الإخبارية تدريجياً ولم تتعافى من ذلك حتى الآن، مما خلف شعوراً بخيبة الأمل والريبة لدى الكثير من الكتاب الليبراليين بمدى التزام الحكومة بإصلاح وسائل الإعلام. ويعتقد بعض الصحفيين أن الحكومة التي كانت تتهددها أخطار القاعدة بعد أيار/مايو 2003 استخدمت الصحافة لإضعاف العناصر الدينية المتشددة خلال تلك الفترة فقط لإعادة إحكام سيطرتها حالما أصبحت لها اليد العليا على الإرهابيين. 

حسين شبكشي كاتب عمود سابق في صحيفة عكاظ يتخيل دولة تكون الحكومة فيها مسؤولة أمام الشعب والمواطنون يستطيعون التصويت في الانتخابات والنساء يستطعن قيادة السيارات. وعندما وضع حسين شبكشي هذه الرؤى في مقالة كتبها في تموز/يوليو عام 2003 أثار ردوداً شعبية كبيرة اشتملت على شكاوى ممن دعاهم “جماعات قبلية ودينية”. وتم وضعه على اللائحة السوداء للصحافة السعودية طيلة السنة التي تلت ذلك وتم إلغاء برنامجه الحواري الذي كان قد أُطلق حديثاً على محطة “العربية: الفضائية التي تملكها السعودية. وقد أبلغه المحرر المسؤول أنه تم منعه من الكتابة ولكنه لم يقل له لماذا ومن قبل من.

وقال حسين شبكشي في مقابلة أُجريت في جدة الميناء السعودي على البحر الأحمر “كان الحظر بشعاً للغاية إذ لم أتمكن من الكتابة في أي مكان”، وقال “لقد علمني ذلك كيف تُدار الأمور في هذا البلد”. وتمثل هذه الحالة الضغوطات التي تمارس وراء الكواليس على الصحفيين السعوديين الذين يتكلمون بصراحة. ولم يتم الإعلان عن الحظر المفروض على الشوبشكي مطلقاً ولم تكن هناك أية وثيقة شاهدها هذا الصحفي يوماً. ويقول صحفيون إنه على الرغم من أن الكثير من عمليات الحظر تُفرض بواسطة فاكس من وزارة الداخلية تتم عمليات حظر أخرى ببساطة عن طريق مكالمات هاتفية من مسؤولين دينيين أو سياسيين.

في لقاء له مع لجنة حماية الصحفيين تم في شباط/فبراير أقر وزير الإعلام إياد المدني ونائبه صالح النملة بممارسة الحكومة لعملية الحظر. وأكد المدني على وجود حالة حظر واحدة على الأقل وهي المفروضة على الشاعر مسلَّم ولكنه لم يفصح عن أية تفاصيل. وقال صالح النملة إن الحظر يُفرض عندما يشكو المواطنون إلى الملك أو كبار المسؤولين وأن الهدف من تلك الإجراءات هو المحافظة على المجتمع التقليدي المحافظ للبلاد.

وقال صالح النملة إن “غايتي وهمي الرئيسي هو ألا يقوم الصحفيون بإفساد البنية المحافظة”. وقال “إذا تشاجر الأطفال فيما بينهم فإنك تقول لهم اذهبوا إلى الغرفة. وللكاتب تقول رجاءً لا تكتب. إنها طريقة لتهدئة الأمور”. وقال صالح النملة إنه لا يعلم عن أي صحفي تم منعه من الكتابة بصورة دائمة.

لقد مضت حوالي ثلاث سنوات -على أية حال- منذ أن كتبت فيها الكاتبة وجيهة الحويدر آخر مرة في صحيفة سعودية. وكانت الحويدر -وهي مُدرسة سابقة تقوم بإعداد مناهج التعليم في شركة أرامكو السعودية للبترول التي تديرها الدولة- قد بدأت بكتابة مقالات رأي منذ عدة سنوات ولكن في عام 2003 توقفت الصحف السعودية بصورة مفاجئة عن نشر مقالاتها. وقالت وجيهة الحويدر في مقابلة أُجريت معها في مجمع أرامكو الممتد في الظهران الواقعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط من البلاد “لقد علمت بذلك أثناء أجازتي حيث قال لي أصدقاء ‘علمنا أنه تم منعك من الكتابة'”. وقالت إن المحررين في صحيفتي الوطن و “أراب نيوز” أبلغوها إنهم تلقوا فاكساً من وزارة الإعلام تأمرهم بالتوقف عن نشر مقالاتها.

وقد تعرضت وجيهة الحويدر لحقوق المرأة والتمييز الجنسي في المجتمع السعودي والأمراض الاجتماعية وهي موضوعات من المحتمل أنها أغضبت حساسيات تقليدية. إلا أن منعها من الكتابة أثارته مقالة كتبتها في أيار/مايو 2003 والتي تحدثت عن الفتى السعودي الذي قام بأخذ صور لكدمات على جسده بقصد مقاضاة والده في االنهاية. وكتبت الحويدر تقول إن الأب لم يُعاقب. 

“وقالت وجيهة الحويدر إنه “عندما يقرر أحدٌ ما أن هذا الشخص ينبغي أن يتوقف عن الكتابة فإنهم لا يبلغونه”. وقالت “لقد سمعت دائماً [عن المنع من الكتابة] من أشخاص آخرين، أما وزراة الإعلام فتصرفت كما لو كانت لا تعرف عن الأمر”. وتقول الحويدر إن وزارة الإعلام اتصلت بها الصيف الماضي وعرضت رفع الحظر عنها إذا ما سافرت للخارج كسفيرة للنوايا الحسنة وتحدثت عن نواحي التقدم في حقوق المرأة في العربية السعودية. ولكنها رفضت. وعندما سُئل إياد المدني وصالح النملة عن قضية الحويدر قالا إنهما فهما أن الحويدر هي التي قررت التوقف عن الكتابة. وقال إياد المدني إنه لم تُعرض على الكاتبة أية صفقة. 

وعلى مر السنين تعرض العشرات من الكتاب للمنع من الكتابة لفترات تتراوح من بضعة أيام إلى فترات غير محددة، فقد تم على سبيل المثال وضع حسن المالكي وهو عالم ديني على القائمة السوداء بصورة دائمة لتشككه بالوهابية. 
ويعد المنع من الكتابة أحدى طرق السيطرة. فالسلطات تزود المحررين بالقواعد العامة لكيفية تغطية الأخبار الحساسة ومتى يجب فرض التعتيم وما الذي يجب مراقبته. في تشرين أول/نوفمبر أمرت الحكومة رؤساء التحرير بعدم تغطية قضية محمد الحربي وهو مدرس كيمياء في المدرسة الثانوية من القصيم تمت مضايقته بقسوة من قبل زملائه الإسلاميين الذين اعترضوا على تشجعيه للتفسير الديني النقدي. وقد تم حبس الحربي الذي وُجهت إليه تهم التجديف 40 شهراً وجلده 750 جلدة قبل أن يتم العفو عنه من قبل الملك عبدالله. واعترف إياد المدني بوقف تغطية القصة لتجنب وقوع “انقسامات” في المجتمع السعودي. 
ويقول الصحفيون إن وزارة الإعلام كثيراً ما تتصرف بإمرة شخصيات سياسية ودينية أكثر قوة. ويقولون إن وزارة الداخلية تمثل القوة الرئيسية في فرض القيود على الصحافة بالرغم من أن الناطق الرسمي باسم الوزارة الفريق منصور التركي قال إنه لا دوراً رسمياً لها. وصرح الفريق منصور التركي للجنة حماية الصحفيين في الرياض بأن ” وزارة الداخلية ليست هي من يصنع قرار منع الصحفي من الكتابة”. ولكن يُنظر إلى الوزارة على أنها متحالفة مع القوى الدينية المتشددة ويُعتقد على نطاق واسع أنها وراء الكثير من حالات منع الصحفيين. حيث تقوم قوات الأمن التابعة لها -والمعروفة باسم المباحث- بمراقبة التغطيات الصحفية وفرض رقابة شديدة على الكتاب في كل مدينة من المدن الرئيسية، على حد قول صحفيين. وذكر العديد من الصحفيين للجنة حماية الصحفيين بأن وزارة الداخلية نشطت بصورة خاصة في السنين الثلاث الماضية حيث يقوم عملاؤها بإقناع عدد من الصحفيين بتوقيع تعهد سري خطي بالامتناع عن توجيه انتقادات معينة أو عن الكتابة إطلاقاً. 

ويقول منصور النقيدان وهو متطرف ديني سابق تحول إلى منتقد للتطرف يبلغ الخامسة والثلاثين من العمر ويكتب في صحيفة الرياض إنه استُدعي إلى فندق خمس نجوم في الرياض لكي يتم استجوابه من قبل عملاء المخابرات بعد كتابته لمقالة رأي في صحيفة “نيويورك تايمز”. وقالت المقالة التي نُشرت في تشرين أول/نوفمبر عام 2003 إن البلد “يعيق تقدمه تطرف إسلامي عميق الجذور في معظم المدارس والمساجد التي أصبحت تربة صالحة لتفريخ الإرهابيين” وإن الإرهاب سيستمر “طالما أنه مستوطن في مؤسساتنا التربوية والدينية”. وقد اتصل به عملاء [الدولة] بعد أيام باعثين بالرسالة البليغة التي مفادها أن كتاباته “أساءت للدولة”. ثم تم اعتقاله مدة خمسة أيام من قبل المباحث وامتنع رؤساء التحرير في صحيفة الرياض عن نشر كتاباته لعدة أشهر. 

إن العلاقة بين آل سعود ورجال الدين في البلاد مبنية على المقايضات والتوازن السياسي. ولكن خلال العقود الثلاثة الماضية منحت السلطات السعودية المؤسسة الدينية تأثيراً متزايداً كوسيلة لاسترضاء الإسلاميين المتشددين. وحاليا فإن أكثر الكتابات الصحفية السعودية جرأة ليست التي تنتقد السياسة أو العائلة المالكة بل تلك التي تنتقد القوة المتزايدة للمارسات الوهابية المحافظة التي يقول عنها الكتّاب إنها تضطهد النساء وتنمي عدم التسامح الديني وتشجع الإرهاب. 

ويظهر البحث الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين أن رجال الدين المحافظين والنشطاء الإسلاميين واجهوا مثل هذا النقد بالهجوم على وسائل الإعلام هجوماً قاسياً في خطبهم وعلى الإنترنت، وكذلك عن طريق الضغط المتواصل على مديري الأخبار. وعندما تذهب التغطية الصحفية إلى ما هو أبعد من اللزوم، يصبحوا عدائيين في الضغط على رؤساء التحرير أو في حض الحكومة على اتخاذ إجراءات صارمة.

ويرى أحد رجال الدين أن الصحافة تفرض على المجتمع السعودي رؤى غير مرحب بها وأنه ينبغي ألا يُسمح لها بتخطي الخطوط القانونية والدينية المحددة تحديداً واضحاً. وقال رجل الدين البارز سعد البريك للجنة حماية الصحفيين إن “الصحفيين الليبراليين في هذا البلد ينشرون صورة خادعة بأنهم مضطهدين”. وقال إن بعض الصحف تمارس “نوعاً من الطغيان” الخاص بها عن طريق الترويج لآراء تتناقض مع الدستور والقرآن والأعراف الإسلامية.

وقال البريك إن “على كل شخص أن يتذكر أن هناك خطٌ بين ما يقولة الدستور والسلطات الدينية من جانب وبين القضايا الخاضعة للجدل العقلي من جانب آخر”، وقال ” وهذا الخط ينبغي”ألا يتم تجاوزه”. 

وينوه الصحفيون إلى إفراط المتشددين في تصميمهم على حماية تلك الخطوط. فخلال معرض للكتاب عُقد في الرياض في شباط/فبراير أوقع إسلاميون الفوضى في مناقشة عامة حول الرقابة كان يشارك فيها رئيس تحرير صحيفة الرياض تركي السديري وهو من كبار مؤيدي الحكومة والذي نشرت صحيفته انتقادات للمتطرفين الإسلاميين. وكان من بين المشاركين أيضاً وزير الإعلام السابق محمد عبدو يماني وكتاب آخرون من منتقدي المتشددين الدينيين. وقام رجال من الحضور بالصراخ على المشاركين في الندوة واتهموهم بأنهم يحيدون عن الإسلام، وألحوا على أنه ستتم محاكمتهم في المحاكم الدينية بسبب سيساساتهم الليبرالية. وأحاط النشطاء بأعضاء الهيئة المشاركة وعاملوا أحد الصحفيين على الأقل بخشونة. 

وقال جمال خاشقجي رئيس التحرير السابق للوطن “إن الأمر شبيه بالمكارثية في الخمسينيات” مشبهاً إياه بأجواء الحملة المضادة للشيوعيين من قبل السناتور الأمريكي جوزف مكارثي ووضع الكتاب الأمريكيين على القائمة السوداء.

ويقول سلطان القحطاني -وهو محرر في الموقع الإخباري السعودي المشهور “إيلاف” ويقيم في الرياض- إن رجال الدين السعوديين تعرضوا بالاستنكار لموقعإيلاف بالاسم في صلوات الجمعة كما أن المحافظين المتدينين أدانوه في رسائل إلكترونية (إيميل). وقال القحطاني “نحن نطالب بمزيد من الانفتاح في المجتمع، ونطالب بحقوق المرأة وبهامش أكبر من حرية الصحافة. أما المتدينون فإنهم يحاولون العودة قروناً إلى الوراء، وهذا يغضبهم كثيراً”.

في كانون أول/ديسمبر قام رقباء المواقع السعوديون بمنع الوصول إلى موقع إيلاففي المملكة بعد أن طبع الموقع (بطريق الصدفة حسب القحطاني) تعليقاً مرسلاً بالبريد الإلكتروني يشير إلى علاقات جنسية للنبي محمد. ويقول القحطاني “ولكن هذا ليس السبب الوحيد لملاحقتهم لموقع إيلاف “. وقال إن “الكثير من رجال الدين يرفعون شكاوى إلى الملك ووزارة الإعلام بشأن موقع إيلاف “.

وفي بعض الحالات تلقى الكتاب تهديدات بالقتل عبر الإنترنت معظمها مجهولة الاسم وتم إدراجها على مواقع إسلامية. 

يقول حمزة المزيني أستاذ اللغويات في جامعة الملك سعود والذي تلقى العديد من التهديدات بالقتل لانتقاده المتشددين المتدينين “أتلقى مكالمات هاتفية وإهانات ولغة بذيئة”. ويقول “إنهم لا يهاجمون قضية بل يهاجمونك شخصياً. وهذا يجعل الناس يفكرون مرتين وثلاثة قبل أن يكتبوا. إنهم قساة وعديمو المبدأ وقد يستخدمون لغة غير سائغة ضدك وضد عائلتك” 

وقد أغاظت كتابات حمزة المزيني المتطرفين كثيراً بحيث أنهم أقاموا عام 2005 قضية قانونية استثنائية ضد هذا الصحفي في المحكمة الشرعية الإسلامية التي ليس لديها سلطان قضائي رسمي على الشؤون الصحفية والتي يتم فيها إيقاع عقوبات قاسية من بينها الجلد. وقد تم تسجيل الدعوى من قبل أستاذ إسلامي يدعى عبدالله براك اتهم المزيني بالقذف بعد أم تبادل الاثنان سلسلة من التعليقات في الصحف السعودية. وقد بدأت المجادلة عندما كتب المزيني مقالة في صحيفة الوطن تنتقد بعنف وجود الإسلاميين المتشددين في الجامعات السعودية الذين يحرمون الموسيقى والرقص وتعليم الإناث من قبل أساتذة ذكور.

وفي النهاية تمت إدانة حمزة المزيني وحُكم عليه بمائة جلدة والحبس شهرين في السجن. وعندما قال للقاضي بتحدٍ إن قراره لن ينفذ قام القاضي على الفور بمضاعفة الحكم. وابلغت مصادر لجنة حماية الصحفيين أن ذلك أثار سخطا شديدا لدى [الملك] عبدالله، وكان قد أصدر من قبل مرسوماً بإيقاف الدعوى وإلغاء الحكم على المزيني وإسقاط أحكام عديدة أخرى مماثلة.

ويقول صحفيون إن تدخل الملك كان مهماً جداً ولكن الحكومة السعودية لا تتوسط نيابة عن الصحفيين ضد المؤسسة الدينية. وفي الوقت الذي يقر فيه الصحفيون الحاجة إلى الحكومة كي تقيم توازناً بين المحافظين المتدينين والليبراليين إلا أنهم يلقون باللائمة على وزارة الداخلية ومسؤولين آخرين لخضوعهم لاحتجاجات القادة المتدينين بسهولة كبيرة.

ويقول القحطاني المحرر في موقع إيلاف إن “الحكومة تعمل على استرضاء المؤسسة الدينية” وإن “الحكومة تحتاج إلى استخدام تأثيرها لمواجهة المؤسسة الدينية من خلال التعليم والمؤسسات الاجتماعية الأخرى. … لقد كان للمؤسسة الدينية الصوت الوحيد بشأن هذه القضايا طيلة القرون الماضية”.

وعلى الرغم من اللائمة تقع على عاتق الحكومة السعودية والمؤسسة الدينية فيما يتعلق بالقيود على الصحافة إلا أن المشكلة تكمن في المهنة كذلك، حيث يقول سليمان الهتلان وهو كاتب زاوية سابق في صحيفة الوطن ورئيس التحرير الحالي لصحيفة ” فوربس أريبيا” بدبي إن “رؤساء التحرير جزء من المشكلة” وإنهم “أنشأوا مدرسة صحافة لا تسمح بالنقد”.

ويرسم الكتاب السعوديون صورة غير ممالئة لكبار رؤساء التحرير في البلاد يصفونهم فيها بأنهم موالون للحكومة وأنهم احتفظوا بمناصبهم سنوات طويلة وإنه ليس لديهم استعداد لتعريض امتيازات مناصبهم للخطر بتحدي السلطة. كما أن رؤساء التحرير يسارعون إلى إيقاف الكتاب المنتقدين ووقف نشر المقالات المشاكسة.

وفي معرض إبرازهم لإخفاق الصحف اليومية الرئيسية في الارتقاء إلى مستوى إمكاناتها الكامنة يُجري الكثير من الصحفيين المقارنات مع وسائل الإعلام السعودية الجديدة مثل صحيفة الوطن والصحف اليومية اللندنية المملوكة سعودياً كالحياة والشرق الأوسط والموقع الإخباري على الإنترنت إيلاف . فعن طريق التشديد على التغطيات الصحفية الشابة والمتبصرة تمكنت كل من هذه الصحف من توسيع حدود المسوح به.

حتى المسؤولون الحكوميون ينتقدون الافتقار إلى الحماسة في صحافة التيار السائد. ويقول وزير الإعلام، إياد المدني، إن “بعض رؤساء التحرير يحتلون مناصبهم منذ فترة أطول من اللازم ولكننا لا نستطيع عمل شيء إزاء ذلك”، وقال “لو كان الأمر بيدي لقمت بتغييرهم غداً، فأنا أعتقد أن هذه الصحف بحاجة إلى دماء شابة”.

وكان رؤساء تحرير كبريات الصحف في لقائهم مع لجنة حماية الصحفيين مراعين لرغبات المسؤولين الحكوميين وسارعوا إلى التقليل من شأن القيود. فقد رسم الجميع تقريباً صورة إيجابية للبيئة الصحفية في البلاد على الرغم من بعض الخلافات مع المؤسسة الدينية. إذ قال تركي السديري رئيس تحرير صحيفة الرياض “لقد حدثت تغييرات كثيرة في الصحافة”، وقال “في السابق كان من الصعب الكتابة عن الجماعات الدينية ولكننا الآن نكتب عنها”.

إلا أن تركي السديري أكد على ضرورة احترام الصحافة للبنية المحافظة للبلد، وحذر من الحرية “المطلقة” وقال إن الحفاظ على الأمن والوحدة الوطنيين يمثل المسؤولية الرئيسية للصحافة”. وقال إن “الصحافة في المملكة تمس الكثير من الجوانب المهمة للمواطنين ولكن يتوجب علينا معالجتها بطريقة تعود بالنفع على المصالح العليا للمواطن والمؤسسات”.

ويترأس تركي السديري هيئة الصحفيين السعوديين التي تم تشكيلها في شباط/فبراير 2003 بموافقة الحكومة. وكانت الهيئة المؤلفة من رؤساء تحرير كبريات الصحف في المملكة غير فاعلة بصورة كاملة تقريباً، ففي لقائها مع لجنة حماية الصحفيين أعلن رؤساء الهيئة باعتزاز أنهم لم يتلقوا ولا شكوى واحدة من الصحفيين السعوديين. وقال السديري عند سؤاله عما إذا كانت الهيئة ستحشد التأييد لزملاء تم منعهم من الكتابة من قبل الحكومة إنه ينبغي معالجة مثل هذه الأمور من قبل وزارة العمل.

لا يعرف معظم أعضاء الوسط الصحفي سوى القليل عن أجندة الهيئة، كما أنهم غير متفائلين بأن تصبح يوماً قوة للتغيير. وحتى الوزير إياد المدني كان قاسياً في انتقاده لقادة الهيئة، إذ قال “بقدر ما يعنينا الأمر، فإنهم لم يفعلوا شيئاً”. وأضاف، “إننا بانتظار أن يتحركوا وأن يقولوا نحن هنا، أو أن يفعلوا أي شيء”.

عدا عن رؤساء التحرير، يقول الصحفيون إن الإعلام يعاني من غياب الحرفية ومن عجزه عن استقطاب أشخاص جيدي التدريب يرون في الصحافة مهنة نهائية. فغالباً ما يكون المحررون من المغتربين من مصر أو لبنان أو من شبه القارة الهندية وهم قد لا يدركون أهمية الخبر المحلي ولكن بوسعهم أن يكونوا بنفس قسوة رؤساء التحرير السعوديين بشأن منع نشر الموضوعات، حسب بعض الكتاب السعوديين. لقد عزز غياب التدريب المهني وكليات الصحافة مصحوباً بثقافة الرقابة الذاتية روح اللامبالاة عند الكثير من الصحفيين الشباب. 

نظراً لكون العربية السعودية أكبر منتج للنفط في العالم ولديها 25 بالمئة من الاحتياطي المعروف من البترول ولكونها دولة مواجهة في المعركة ضد تنظيم القاعدة فإنها ستظل مركز الاهتمام الدولي لبعض الوقت. ويخشى المحللون أن يواجه هذا البلد -الذي يعاني من البطالة والتفاوت الاقتصادي وخطر الإرهاب والفساد ووجود التطرف الديني- سيتعرض لحالة هيجان سياسي ما لم يسمح لمواطنيه بدور أكبر في كيفية حكم البلد. 

لقد تحدث الملك عبدالله -وهو الحاكم الفعلي خلال السنوات العشر الماضية والذي تبوأ العرش بعد وفاة الملك المريض فهد بن عبد العزيز العام الماضي- عن الحاجة إلى إصلاح سياسي واجتماعي “تدريجي”. وفي العام الماضي اتخذت السعودية خطوات صغيرة لفتح نظامها السياسي من قبيل إجراء الانتخابات البلدية الأولى في البلاد.

إن طريق الإصلاح الطويل محفوف بالتحديات. إن لدى أفراد العائلة المالكة آراءً مختلفة بشأن الحاجة إلى التغيير. والمحافظون المتدينون كان لهم خلال العقود الأخيرة على الأقل اليد العليا على الإصلاحيين الليبراليين. وقد أرسلت الحكومة عام 2006 بالفعل رسائل مختلطة. فبعض كتاب الأعمدة الذين كانوا ممنوعين من الكتابة ذات يوم ظهروا من جديد على صفحات الصحف في الوقت الذي أغلقت فيه الحكومة موقعيين إخباريين على الإنترنت واعتقلت رباح القويعي الكاتب في صحيفة ” شمس” بسبب “الإساءة للمعتقدات الإسلامية”.

ويقول الصحفيون من أصحاب العقلية الإصلاحية إنه يجب أن يكون التغيير أسرع وأكثر جوهرية وأن يكون تغييراً دائماً. ويقولون إن التقدم الحقيقي يتطلب تعزيز قوة وسائل الإعلام بحيث تكون بمثابة منبر للنقاش الحر والمفتوح حول القضايا الهامة التي تواجهها المملكة السعودية. وقال الكاتب السعودي محمد محفوظ خلال تجمع في إحدى الديوانيات بمدينة القطيف بالمنطقة الشرقية، إن “بلدنا يواجه اليوم تحديات داخلية وخارجية يتوجب علينا التغلب عليها وإلا فستكون هناك موجة جديدة من العنف”، وقال إن “أول أبواب الإصلاح هو الصحافة المفتوحة”. 

جويل كمبانا هو منسق برامج متقدم مسؤول عن قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين. 

 


توصيات 

لجنة حماية الصحفيين تدعو حكومة المملكة العربية السعودية لتنفيذ التوصيات التالية الهادفة إلى مواءمة الممارسات المتعلقة بحرية الصحافة في البلاد مع المعايير الدولية:

  • يجب التصريح علنا بأن الحكومة السعودية ملتزمة بموجب الأعراف الدولية لحرية التعبير، بأن تضمن حرية وسائل الإعلام والتعددية، بما في ذلك نشر أراء ووجهات نظر متنوعة تتضمن تلك التي تنتقد سياسات الحكومة. 
  • تشجيع الصحفيين على القيام بتحقيقات صحفية مستقلة (بما في ذلك التغطية الإخبارية الناقدة للأسرة المالكة، والحكومة، والمؤسسة الدينية)، وذلك من خلال إصدار ضمانات صريحة بأن السلطات لن تقوم بمعاقبة الصحفيين، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بسبب قيامهم بنشاطات مهنية كهذه.
  • إنهاء جميع أشكال التدخل الرسمي في العمل اليومي للصحف. وإلغاء كافة الأوامر التي تحظر نشر كتابات الصحفيين الناقدين. والتوقف عن تهديد الصحفيين وسجنهم بسبب كتاباتهم.
  • تشجيع الاستقلال والتنوع في الصحافة المحلية. وإنهاء ممارسة الموافقة على تعيين رؤساء التحرير. وتيسير عملية الحصول على الترخيص اللازم لإصدار الصحف لجميع المواطنين، بصرف النظر ما إذا كانوا يتمتعون بدعم الأسرة المالكة أو الحكومة، أم لا.
  • القيام بخطوات فورية لخصخصة وسائل البث الإعلامي، بقصد تشجيع الأخبار والآراء المستقلة في المحطات الإذاعية والتلفزيونية السعودية، بما في ذلك الآراء الناقدة للحكومة وسياساتها.
  • إلغاء الرقابة على مواقع الإنترنت الإخبارية.

بسبب الدور الفريد الذي يؤديه رؤساء التحرير السعوديون، تطالب لجنة حماية الصحفيين من كبار رؤساء التحرير تنفيذ التوصيات التالية: 

  • تشجيع الصحفيين والكتاب على إجراء تغطية إخبارية مستقلة وكتابة مقالات الرأي بحرية، بما في ذلك التقارير الناقدة للحكومة.
  • إلغاء العقوبات التأديبية، والفصل من العمل، والعقوبات الأخرى التي تفرض على الصحفيين بسبب عملهم النقدي.

لجنة حماية الصحفيين تحث هيئة الصحفيين السعودية على تطبيق الخطوات التالية:

  • تأسيس لجنة دائمة تنشط في توثيق انتهاكات حرية وسائل الإعلام السعودية والإبلاغ عنها. يجب أن تتضمن هذه الانتهاكات حالات الصحفيين الذين يتعرضوا للسجن، أو الفصل من العمل، أو المنع من تنفيذ مهامهم المهنية بسبب كتاباتهم.
  • تأسيس آلية لتمكين الصحفيين من رفع شكاوى إلى اللجنة، بحيث تقوم هيئة الصحفيين بنشاطات نيابة عنهم والدفاع عن مصالحهم وحقوقهم بصفة فاعلة.

Exit mobile version