مصر تختبر قانوناً جديداً للرقابة في تعاملها مع حجب الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة المشهد

إعداد م. الحايس/ متدربة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع للجنة حماية الصحفيين

كان مجدي شندي، رئيس تحرير صحيفة ‘المشهد’ المستقلة التي تتخذ من القاهرة مقراً لها، يخطط أن يرسل 30 صحفياً لإعداد تغطية صحفية من مراكز الاقتراع أثناء تصويت الناخبين في الاستفتاء الدستوري الذي جرى في مصر خلال الفترة ما بين 20 إلى 22 أبريل/ نيسان. إلا أنه اضطر لإصدار توجيهات بألا يقتربوا من مراكز الاقتراع، حسبما أفاد للجنة حماية الصحفيين في مقابلة هاتفية جرت في مايو/ أيار. وقد استخدمت السلطة الحكومية لتنظيم الإعلام قانوناً جديداً لحجب الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة ‘المشهد’ وذلك في ذروة حملة الاستفتاء، مما جعل الصحيفة تواجه وضعاً لم تواجهه من قبل، في الوقت الذي سارعت فيه إلى رفع دعوى استنئاف ضد هذا القرار، وفق ما قاله شندي وما أوردته تقارير الأنباء.

ومن شأن التعديلات الدستورية المقترحة في الاستفتاء أن تزيد من سيطرة الرئيس على القضاء وأن تزيد دور الجيش في الشؤون السياسية، وأن تمدد أهلية الرئيس عبد الفتاح السيسي للبقاء في منصبه حتى عام 2030، وفقاً لتقارير الأنباء. وكانت ولايته الأخيرة ستنتهي في عام 2022 من دون هذه التعديلات، حسب التقارير. وفي 23 أبريل/ نيسان، أعلن مسؤولو الانتخابات أن الناخبين أقروا التعديلات بأغلبية 90%، وفقاً لتقارير الأنباء.

وفي الفترة التي سبقت الاستفتاء، جرت حملة دعائية واسعة النطاق لتشجيع المصريين على “القيام بالشيء الصحيح”، وغالباً مع علامة ‘صح’ خضراء اللون وصورة للسيسي لإظهار أن هذا يعني التصويت “بنعم”، حسبما أوردت صحيفة ‘نيويورك تايمز‘. وأفادت التقارير الإخبارية بأن الحملات الداعية إلى التصويت “بلا” كانت غائبة بوضوح بالمقارنة مع حملة التأييد. وفي 9 أبريل/ نيسان، أصبحت آلاف الصفحات الإلكترونية غير متوفرة فجأة في مصر، وهي صفحات تابعة لشركات تكنولوجية، وجماعات دينية، ومنظمات غير حكومية، وجهات أخرى، ويبدو أن حجبها هو ضرر جانبي ناتج عن آخر أمر رقابة أصدرته الحكومة، حسبما أفادت منظمة ‘نيت-بلوكس’ (NetBlocks)، وهي منظمة دولية مستقلة ترصد ممارسات الرقابة. وتشترك جميع المواقع التي تعرضت للحجب في أنها مستضافة من قبل شركة لتزويد خدمات الإنترنت تستضيف أيضاً عريضة إلكترونية معارضة للتعديلات الدستورية، حسبما أفادت منظمة ‘نيت-بلوكس’. وقد سجّل موقع العريضة، ويُدعى ‘باطل‘، عشرات الآلاف ممن صوتوا بـ “لا”، ولكن الموقع تعرض للحجب بعد ساعات من انطلاقه، وفقاً لمنظمة هيومان رايتس ووتش.

نشرت صحيفة ‘المشهد’ تحقيقاً صحفياً في 18 مارس/ آذار زعم بأن الشرطة كانت تساعد في توزيع مساعدات غذائية في مقابل التصويت تأييداً للتعديلات، كما نشرت تقارير أخرى حول الاستفتاء، حسبما أفاد الموقع الإلكتروني الإخباري المحلي ‘مدى مصر‘. ولكن في 22 مارس/ آذار، فرضَ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (“المجلس الأعلى”)، وهو الهيئة التنظيمية الخاضعة لحكومة السيسي، غرامة بقيمة 50,000 جنيه مصري (2,909 دولارات) على صحيفة ‘المشهد’، وقال إن مزودي خدمة الإنترنت المصريين سيحجبون الموقع الإلكتروني التابع للصحيفة لمدة ستة أشهر، وفقاً لتقارير الأخبار والجماعة المحلية المعنية بحقوق الإنسان ‘المرصد المصري للصحافة والإعلام‘.

ظلت المواقع الإلكترونية التابعة لوسائل الإعلام المحلية تخضع للحجب في مصر منذ عام 2017، وفقاً لتقارير لجنة حماية الصحفيين وجماعات محلية معنية بحرية الصحافة. وقد فرضت الحكومة حالة طوارئ لمدة ثلاثة أشهر بعد عملية التفجير التي جرت في كنيسة في القاهرة، وتم لاحقاً حجب 21 موقعاً إلكترونياً إخبارياً – بما فيها موقع ‘مدى مصر’ – وذلك بذريعة ما وصفته وكالة الأنباء الرسمية نشر “أخبار كاذبة” والتطرف، حسبما أوردت لجنة حماية الصحفيين في مايو/ أيار من ذلك العام. وما زالت حالة الطوارئ تلك سارية حالياً؛ وقد مددها السيسي آخر مرة لمدة ثلاثة أشهر في 25 أبريل/ نيسان، وفقاً لتقارير إخبارية محلية. وفي إطار اختبارات مستمرة تجريها مجموعة حقوق الإنسان المصرية ‘حرية الفكر والتعبير‘، وجدت المجموعة أن 103 مواقع إلكترونية صنفتها المجموعة بأنها “صحافة وإعلام” لا يمكن الوصول إليها في مصر؛ وقد توقف خمسة منها على الأقل عن العمل نتيجة لهذا الحجب، حسبما أوردت المجموعة. وأضافت المجموعة أن عشرات الشبكات الخاصة الافتراضية والخوادم الوكيلة، وهي وسائل تساعد الناس على الالتفاف حول الرقابة المفروضة على الإنترنت، تخضع أيضاً لعمليات حجب متكررة.

ولم تؤكد أي وكالة حكومية أو أي شركة مزودة لخدمة الإنترنت مسألة حجب المواقع، وفقاً لما أفادت به جمعية حرية الفكر والتعبير. وافادت وسيلتان إعلاميتان تواصلت لجنة حماية الصحفيين معهما في عام 2017 بأنهما لم يستلما أي إشعار عندما تعرضت مواقعها الإلكترونية للحجب. وأفاد محمد صلاح للجنة حماية الصحفيين عبر مكالمة هاتفية، وهو باحث في الجماعة المحلية المعنية بحرية الصحافة ‘المرصد المصري للصحافة والإعلام’، أنه من غير الممكن بصفة عامة معرفة أي وكالة حكومية أصدرت الأمر بحجب موقع إلكتروني ما في الماضي، وذلك بسبب امتناع الجهات الحكومية عن إرسال إشعارات بهذا الشأن.

ومع ذلك، نشرت صحيفة ‘المصري اليوم’ المستقلة في آذار/ مارس نسخة عن رسالة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الموجهة إلى صحيفة ‘المشهد’ والتي تفصّل مسألة حجب الموقع الإلكتروني والغرامة. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يستخدم المجلس الأعلى فيها هذه العقوبات الجديدة بموجب قانون الإعلام الذي أقر مؤخراً، حسبما أوردت صحيفة ‘المصري اليوم’. وكان الرئيس السيسي قد وقع القانون رقم 180 لسنة 2018 في أغسطس/ آب الماضي بعد أن أقره البرلمان، وفقاً لتقارير الأخبار. ويحظر هذا القانون الفضفاض نشر الأخبار الكاذبة، والتشهير، والصور الإباحية، والمحتوى الذي يعتبره المجلس الأعلى بأنه يهدد الأمن القومي، حسب التقارير. وفي 19 مارس/ آذار، أصدر المجلس الأعلى لوائح تنظيمية أعلن فيها بأن وسائل الإعلام التي يرى المجلس بأنها تنتهك القانون رقم 180 ستتعرض لحجب مواقعها الإلكترونية مؤقتاً أو نهائياً، وستُفرض عليها غرامات تصل إلى 250,000 جنيه مصري (14,555 دولار)، وفقاً لموقع ‘مدى مصر‘. وقد نشرت وسائل الإعلام المحلية نسخة عن هذا القانون، وهو ينطبق على جميع وسائل الإعلام المطبوعة والرقمية، كما ينطبق على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي يزيد عدد متابعيها عن 5,000 شخص.

واتهم المجلس الأعلى صحيفة ‘المشهد’ في الرسالة التي وجهها إليها بأنها شهّرت بممثلتين من خلال نشر صور إباحية لهما. وقد تناولت التقارير الإخبارية هذه العقوبة وربطتها بفضيحة حظيت بتغطية صحفية واسعة حول المخرج السينمائي والعضو في مجلس النواب، خالد يوسف. ينتمي خالد يوسف لحزب المصريين الأحرار المُعارض، وكان من بين مجموعة صغيرة من السياسيين الذين أعلنوا عن معارضتهم لتغيير الدستور في الفترة التي سبقت إجراء الاستفتاء، وفقاً للموقع الإلكتروني الإخباري ‘ميديل إيست آي‘. ونشرت صحيفة ‘المشهد’ في 11 مارس/ آذار مقالة أوردت فيها تعليقات أدلى بها خالد يوسف لمحطة ‘بي بي سي‘ اتهم فيها معارضيه بالسعي لتشويه سمعته من خلال الزعم بأنه ظهر في مقاطع إباحية مصورة مع ممثلات.

ولكن أفاد مجدي شندي للجنة حماية الصحفيين بأنه لا يعرف أي صور أو تقارير نشرتها صحيفة ‘المشهد’ يمكن أن تُعتبر إباحية، وأن المجلس الأعلى لم يرد عندما طلب منه توضيح ذلك. ولم يستجب المجلس الأعلى أيضاً لرسالة إلكترونية من لجنة حماية الصحفيين طلباً للتعليق.

وقال شندي إن الرسالة التي وصلت من المجلس الأعلى أتاحت لصحيفة ‘المشهد’ استئناف القرار أمام المحكمة الإدارية في القاهرة في 24 مارس/ آذار. ولم يحضر جلسة المحكمة أي ممثل عن المجلس الأعلى، ولكن في 7 أبريل/ نيسان، قرر المجلس الأعلى تقليص مدة حجب موقع الصحيفة من ستة أشهر إلى شهر واحد، وذلك ابتداءً من تاريخ استئناف القرار، وفقاً لما أفاد به شندي. ومن المقرر أن ينتهي الحجب في 24 أبريل/ نيسان، أي في اليوم التالي ليوم إعلان نتائج الاستفتاء.

وأضاف شندي أن صحيفة ‘المشهد’ استمرت في تغطية الاستفتاء وتوزيع نسختها المطبوعة، إلا أنها واجهت عقبة جديدة بعد فترة وجيزة. فمن أجل دخول مراكز الاقتراع، يتعين على الصحفيين الحصول على تصاريح من الهيئة الوطنية للانتخابات، والتي لم تُصدر أي تصريح إلا في وقت متأخر من يوم 19 أبريل/ نيسان، أي قبل بضع ساعات من بدء عمليات الاقتراع، وفقاً لنقابة الصحفيين المصريين. وقد وافقت الهيئة على إصدار تصاريح لثلاثين صحفياً من صحيفة ‘المشهد’، إلا أنها لم تُصدر هذه التصاريح أبداً، حسبما قال شندي. وقد أبلغت نقابة الصحفيين والمرصد المصري للصحافة والإعلام بصفة منفصلة عن شكاوى قدمها صحفيون آخرون لم يتمكنوا من الحصول على تصاريح.

وكان شندي يعلم بأنه يحق لموظفي صحيفة ‘المشهد’ تغطية الأحداث من محيط مراكز الاقتراع، حتى دون حصولهم على تصاريح. بيد أن صحفيين آخرين أبلغوا عن حدوث ممارسات لإعاقة الصحفيين من قبيل مصادرة الكاميرات التي بحوزتهم أو إجبارهم على حذف المواد المصورة، وفقاً للمرصد المصري.

وأفادت صحفية من صحيفة ‘المصري اليوم’ عبر الهاتف للجنة حماية الصحفيين، وكانت قد حصلت على تصريح رسمي من السلطات لدخول مراكز الاقتراع، “تم إيقافي أمام ثلاث مراكز مختلفة بسبب قيامي بالتصوير أو التحدث مع الناخبين. ولم يكن في هذه المراكز عدد كبير من الناس، وبدا وكأن السلطات لا ترغب بأن تقوم وسائل الإعلام بتغطية هذا الجانب”. وقد طلبت الصحفية عدم الكشف عن هويتها خشية من تعرضها للانتقام. وقالت إن مسؤولي الأمن سمحوا لها بدخول ثلاثة مراكز اقتراع فقط من بين المراكز الثمانية التي زارتها، وطلبوا منها تصريحاً أمنياً إضافياً. وأفاد صحفي محلي آخر يكتب في الصحافة المطبوعة، وطلب عدم الكشف عن اسمه أيضاً، بأن نصف مراكز الاقتراع التي زارها رفضت الاعتراف بالتصريح الصحفي الرسمي الذي كان بحوزته.

وفي نهاية الطاف، طلب مجدي شندي من صحفيي ‘المشهد’ عدم التوجه إلى مراكز الاقتراع وتجنب مواجهة السلطات التي بدا أنها تستهدف الصحيفة، حسبما أفاد للجنة حماية الصحفيين.

ومع ذلك، لا يبدو أن الضغوط التي تمارسها السلطات على الصحيفة تتراجع؛ فعلى الرغم من النجاح الجزئي الذي يبدو أنه نتج عن الاستئناف، ظل موقع صحيفة ‘المشهد’ محجوباً في مصر لغاية يوم 7 مايو/ أيار، حسبما أفاد شندي.

وقال شندي للجنة حماية الصحفيين، “مثل معظم المواقع الإخبارية المحجوبة في مصر، اضطرت صحيفة ‘المشهد’ للاعتماد على شبكات خاصة افتراضية وخوادم وكيلة كي تتمكن من مواصلة عملها، وهو أمر شديد الصعوبة إذ أنها تخضع دائماً للحجب”. وأضاف، “إن صحيفة ‘المشهد’ ليست حتى صحيفة معارضة للحكومة. فهي ببساطة تمارس حقها الدستوري في نشر تغطية موضوعية للأخبار”.