يجب على السلطات التونسية إيقاف الإجراءات الانتقامية ضد الصحفيين الناقدين

15 تموز/يوليو 2009

سيادة الرئيس زين العابدين بن علي

رئيس الجمهورية التونسية

القصر الرئاسي

قرطاج، تونس

عبر الفاكس: +216-71-744-721

حضرة السيد الرئيس،

إذ يقترب موعد عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تشرين الأول/أكتوبر، تكتب إليكم لجنة حماية الصحفيين للمرة الثانية خلال أربعة أشهر للاحتجاج على الإجراءات الانتقامية ضد الصحفيين الناقدين وعائلاتهم. إنه لمن غير المعقول أن تجري انتخابات حرة ونزيهة في بيئة يجري خلالها مضايقة وسائل الإعلام المستقلة وإسكاتها. نحن نناشدكم الإيفاء بالالتزام الذي أعلنتم عنه أكثر من مرة بتشجيع حرية التعبير، ونطالبكم بتوجيه حكومتكم نحو السماح لزملائنا الصحفيين بأداء عملهم دون إعاقة.

نحن نشعر بقلق متزايد جراء تواصل الإجراءات الانتقامية ضد الصحفيين الناقدين، في حين تكرر حكومتكم المزاعم التي لا أساس لها بأن الوسط الإعلامي التونسي يتسم “بالتحرر والتعددية”. بل أن وضع الوسط الإعلامي يظل بعيدا كل البعد عن التحرر والتعددية، مثلما أشار إليه عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، جون كيري، في الجلسة التي عقدت في 7 تموز/يوليو لبحث أمر تعيين السفير غوردون غراي في منصبه بتونس من قبل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. فقد علق جون كيري بأن تونس “متأخرة كثيرا حتى عن الدول المجاورة فيما يتعلق بحقوق الإنسان”.

تظهر أبحاث لجنة حماية الصحفيين إنه لم يحدث أي تقدم نحو إنهاء القيود الصارمة على الصحافة المستقلة  وإنهاء المضايقات والتهديدات ضد الصحفيين الناقدين وعائلاتهم منذ قامت اللجنة بنشر تقريرها “الظالم المبتسم” في عام 2008. وفي نيسان/إبريل، صنفت لجنة حماية الصحفيين تونس ضمن قائمة أسوأ الدول في العالم من ناحية احترام حرية التعبير على شبكة الإنترنت.

إن مما يزيد الشعور بالأسى أزاء هذا السجل السيء في مجال حرية التعبير هو أن تونس كانت من أولى البلدان في المنطقة التي وقعت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمصادقة عليه، ودون أية تحفظات. كما أن الدستور الذي تم إقراره في عام 1959 يضمن دون أية مواربة حرية الصحافة وحرية التعبير.

وللأسف فإن الفجوة ما بين تعهداتكم المتكررة بالالتزام بالقانون التونسي والالتزامات الدولية وبين الوضع العسير الذي تعاني منه وسائل الإعلام التونسية، ظلت  تزداد اتساعاً على مر الأعوام، وذلك وفقاً لما أوردته جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية. إضافة إلى الأساءات التي عرضتها أمامكم لجنة حماية الصحفيين في عشية الذكرى السنوية الثالثة والخمسين لاستقلال تونس عن فرنسا، نود الإشارة إلى الانتهاكات التالية لحرية الصحافة.

·        مضايقات ضد صحفيين ناقدين وعائلاتهم. في 2 تموز/يوليو، قام أشخاص مجهولو الهوية باقتحام دكان صغير تملكه عفاف بن ناصر، زوجة الصحفي فهيم بو قدوس، وذلك في ضواحي مدينة قفصة في الجنوب. قام المقتحمون، إضافة إلى سلب مال وبضائع، بتخريب بقية البضائع واستولوا على صورة عائلية ليس لها قيمة مالية – وتقول عفاف بن ناصر إن هذه التصرفات تشير إلى أن هدف المقتحمين كان المضايقة والترهيب.

عمد فاهم بو كدوس إلى الاختباء في 5 تموز/يوليو 2008 للفرار من ملاحقة الحكومة بسبب قيامه بتغطية الاضطرابات الاجتماعية التي جرت في جنوب البلاد، وذلك حينما كان يعمل لمحطة الحوار التونسي الفضائية. وفي 4 شباط/فبراير أقرت محكمة الاستئناف في قفصة حكما صدر ضده بالسجن لمدة ست سنوات بتهمة “الانتماء إلى جمعية إجرامية” ونشر مواد “من المرجح أن تضر بالنظام العام”. وقد تعرض مراسلون آخرون لقناة الحوار التونسي، بمن فيهم أيمن الرزقي، لمضايقات أو الاعتقال لفترات قصيرة من قبل الشرطة.


وأوردت مجموعة حقوق الإنسان المحلية “حرية وإنصاف” إن الشرطة قامت في 5 حزيران/يونيو، ودون إبداء أي أسباب، بمحاصرة منزل السيد حمادي جبالي، رئيس تحرير الصحيفة الأسبوعية “الفجر” التي توقفت عن الصدور، وقد قد أمضى في السجن مدة 15 عاما وتم الإفراج عنه في عام 2006. وقال حمادي جبالي للجنة حماية الصحفيين إنه وزوجته ظلا تحت المراقبة اللصيقة للشرطة، كما ظلت حريتهما بالحركة خارج بلدتهما سوسة مقيدة بشدة. وقد قدم كل منها طلباً للحصول على جواز سفر قبل ما يقارب ثمانية أشهر، ولكن لم يتلقيا إجابة على طلبيهما. وقال، “يبدو أنهم مصممون على مواصلة تضييق الخناق علي ببطء. فأنا لا يمكنني التنقل وكسب عيشي، ولكنني لا أفهم لماذا يستهدفون زوجتي”.

أودع حمادي جبالي في السجن للمرة الأولى عام 1991 لقيامة بنشر مقال طالب فيه بإلغاء المحاكم العسكرية في تونس. وقد جرت محاكمته من قبل محكمة عسكرية في عام 1992 إلى جانب 279 شخصاً آخرين متهمين بالانتماء لحركة النهضة، وهي جماعة إسلامية محظورة، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة ستة عشر عاماً. وقد استنتجت جماعات حقوق الإنسان الدولية التي راقبت المحاكمة الجماعية إن أجراءات المحكمة كانت أدنى بكثير من المعايير الدولية للعدالة.

أما المحنة التي يتعرض لها عبدالله زواري، وهو مراسل صحفي سابق لصحيفة الفجر، فما زالت على حالها: فقد أجبر على العيش تحت “سيطرة إدارية” ومراقبة حثيثة من قبل الشرطة على مسافة مئات الأميال من عائلته منذ أن أفرج عنه من السجن في عام 2002 بعد أن أمضى فيه أحد عشر عاماً. وفي هذا الشهر، قال للجنة حماية الصحفيين إنه يأمل بأن يتم السماح له بالعيش مع زوجته وأبنائه في تونس عند نهاية هذه “السيطرة الإدارية” في أوائل آب/أغسطس. وفي آذار/مارس، تم احتجازة لمدة خمس ساعات تقريباً في مركز للشرطة في ضواحي مدينة جرزيس في الجنوب. ولا يسمح لزواري بمغادرة القرية إلا بترخيص من الشرطة.

·        التدخل بشؤون النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. في 4 أيار/مايو، قامت مجموعة من الصحفيين المؤيدين للحكومة بمنع ناجي البغوري، رئيس نقابة الصحفيين التونسيين من التحدث خلال مؤتمر صحفي عقد في تونس، تخلله تهديدات وإهانات. وكان البغوري يهم إلى إصدار تقرير حول الاعتداءات ضد الصحافة، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة. ويبدو أن هذا التقرير الناقد، والخط المستقل الذي أقره أعضاء بارزون في مجلس النقابة المنتخب ديمقراطيا، وخصوصا القرار بالامتناع عن تأييد أي مرشح للرئاسة في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر، هي الأسباب الرئيسية وراء حملة الترهيب التي تدعمها الحكومة.

وقال صحفيون للجنة حماية الصحفيين إن العديد من الصحفيين، وخشية من فقدانهم لعملهم، قاموا بالتوقيع على التماس تؤيده وزارة الاتصالات يعرب عن عدم الثقة بمجلس النقابة ويسعى إلى إجراء اجتماع طارئ لانتخاب أعضاء جدد. وقد أيدت الصحف التي تسيطر عليها الحكومة موقف الصحفيين المؤيدين للحكومة الذين أعلنوا إنهم سيعقدون اجتماعاً في 15 آب/أغسطس من أجل السيطرة على النقابة.

·         إعاقات بيروقراطية تستهدف الصحفيين الناقدين. يجد الصحفيون الناقدون أنفسهم مضطرين بصفة روتينية للانتظار لعدة أشهر للحصول على جواز سفر. ففي آب/أغسطس 2008، وجهت لجنة حماية الصحفيين رسالة إليكم للاحتجاج على رفض الحكومة منذ عام 2003 إصدار جواز سفر للصحفي سليم بوخذير. ولغاية الآن، لم تقدم السلطات أي تبرير لهذا الانتهاك الجسيم لحقوق بوخذير؛ الحق بحرية الحركة داخل وخارج بلده، والذي يضمنه الدستور التونسي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. بوخذير هو صحفي يكتب لعدة صحف عربية ومواقع على شبكة الإنترنت، وقد أمضى في السجن ما يقارب عاماً كاملاً استنادا إلى اتهامات لا أساس لها بأنه أهان موظف عمومي وانتهك “الأداب العامة”، ورفض إظهار بطاقة إثبات الشخصية للشرطة. وقد وقع اعتقاله في تشرين الثاني/نوفمبر 2007، بعد فترة وجيزة من قيامه بالإضراب عن الطعام احتجاجاً على رفض الحكومة منحه جواز سفر.

وقال رشيد خشانة للجنة حماية الصحفيين، وهو محرر الصحيفة الأسبوعية المعارضة “الموقف” ومراسل صحيفة “الحياة” التي تتخذ من لندن مقراً لها، إنه قدم في 7 نيسان/إبريل طلباً للحصول على جواز سفر بدلاً عن جوازه المفقود، ولكنه علم من السلطات إنه سيتعين عليه الانتظار لمدة عام قبل أن يحصل على جواز سفر جديد. وأعرب محامون متخصصون بحقوق الإنسان إن رفض السلطات إصدار جواز سفر لرشيد خشانة وزميله في صحيفة الموقف، محمد الحمروني، يعتبر رداً منافياً للقانون لمعاقبتهما على كتابتهما الناقدة. وكان الحمروني الذي يعمل مراسلا صحفيا للصحيفة اليومية “العرب” القطرية قد قدم طلباً للحصول على جواز سفر في أيار/مايو. وخلال السنوات الماضية، أضطر حتى الصحفيون التونسيون المقيمون في المنفى إلى الانتظار لمدة أشهر كي يتمكنوا من تجديد جوازات سفرهم.

نحن نناشدكم أن تتخذوا إجراءات فورية وحازمة لإنهاء المضايقات ضد الصحفيين المستقلين، ولخلق الانسجام بين ممارسات حكومتكم وبين المعايير الدولية لحرية التعبير.

شكراً لكم على اهتمامكم بهذه القضايا المهمة. ونحن نتطلع لتلقي ردكم.

مع خالص التقدير،

جويل سايمون

المدير التنفيذي