لجنة حماية الصحفيين تحث اسرائيل على مراجعة القيود على غزة والتحقيق في استهداف الصحفيين

2- نيسان/ أبريل- 2009

بنيامين نتنياهو

رئيس وزراء دولة إسرائيل

3 شارع كابلان، هاكيريا

القدس 91950

إسرائيل

عبر الفاكس: 56692452970+

حضرة رئيس الوزراء نتنياهو،

لجنة حماية الصحفيين تناشد حكومتكم أن تنظر في أمر القيود التي فرضت على حرية الصحافة والضربات العسكرية ضد المرافق الإعلامية، والتي أثارت قلقا بالغاً، وذلك أثناء الهجوم الذي شنته الحكومة السابقة على غزة في أواخر 2008 ومطلع 2009، كما تناشد حكومتكم بأن تتخذ إجراءات تصحيحية لضمان انسجام السياسات والممارسات الرسمية مع المعايير الدولية.

ونطلب منكم التعهد بعدم فرض قيود شاملة على وسائل الإعلام في المستقبل. فقد حدَّت هذه القيود بصورة بالغة من التغطية الإعلامية للهجوم على غزة، وهو حدث ذو أهمية عالمية كبرى، وتعارضت مع قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية والمبادئ الدولية المقبولة. كما نحثكم على إجراء تحقيقات فورية ومستفيضة حول استهداف مرافق لوسائل إعلام إخبارية أثناء النزاع، وأن تنشروا النتائج علنا. إن مثل هذا التحقيق يتسم بأهمية خاصة، لا سيما في ضوء ما أذيع مؤخرا من تقارير إخبارية تنقل عن جنود إسرائيليين قولهم بأنهم أطلقوا النار على مدنيين في غزة.

ستجدون مرفقا بهذه الرسالة بحثا أعدته لجنة حماية الصحفيين عن الأحداث والسياسات والظروف في قطاع غزة. وعلى ضوء هذه النتائج، تحثكم لجنة حماية الصحفيين على ما يلي:

·                        انسجاما مع قرار المحكمة العليا الصادر في25 كانون الثاني/ يناير والقاضي بإسقاط الحظر الشامل المفروض على دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة، أن تؤكدوا في إعلان رسمي التزام حكومتكم بضمان التدفق الحر للمعلومات وحرية تنقل الصحفيين في جميع أنحاء المناطق الفلسطينية المحتلة.

·                        إجراء تحقيق مستقل في الضربات العسكرية التي استهدفت في كانون الثاني/ يناير برجي الجوهرة والشروق وكليهما معروف جيدا لدى الجيش الإسرائيلي بأنهما يؤويان مكاتب تابعة لوسائل إعلام دولية. وينبغي إعلان نتائج التحقيق على الملأ، وأن يُحاسب كل من تثبت مسؤوليته في الاعتداء.

·                        التحقيق في تفجير تلفزيون الأقصى التابع لحماس وصحيفة الرسالة التابعة أيضا للحركة فضلا عن المطبعة التجارية التي كانت تستخدمها الصحيفة. وينبغي أن يثبت التحقيق ما إذا كانت هاتان المنشأتان أهدافا عسكرية مشروعة، وهو وحده ما يُبرر اتخاذ تحرك ضدهما. وينبغي للتحقيق أيضا أن يحدد ما إذا كانت هاتان المنشأتان تساهمان بنشاط في الجهد العسكري وكيفية تلك المساهمة، وما إذا كان من الممكن وضع حد لها بواسطة وسائل أخرى، وما إذا اتُخذت كافة التدابير المناسبة لتقليل الضرر على المدنيين وممتلكاتهم. وينبغي نشر كافة النتائج علنا.

·                        تعديل الإجراءات التنفيذية العسكرية بصفة ملائمة بما يقتضي منع استهداف المنشآت الإعلامية في إطار أي عملية عسكرية مستقبلية في المناطق المحتلة.

نشكركم مقدما على اهتمامكم بهذه الأمور الهامة. ونتطلع إلى سماع ردكم.

مع خالص تقديري،

جويل سايمون

المدير التنفيذي

الأعمال الإسرائيلية ضد وسائل الإعلام أثناء الصراع في غزة

استنادا إلى عشرات المقابلات مع الصحفيين في غزة وإسرائيل، واستعراض شامل للوثائق والأخبار، أعدت لجنة حماية الصحفيين هذا التقرير عن القيود التي فرضتها إسرائيل على الصحافة، والضربات العسكرية التي وجهتها ضد مرافق وسائل الإعلام في الفترة ما بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 وشباط/ فبراير 2009.

منع الصحفيين الأجانب وتقييد حركة وسائل الإعلام

في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، ودون أي إشعار مسبق للمنظمات الإعلامية، توقفت السلطات العسكرية الإسرائيلية عن السماح بدخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة. وقال مسؤولون حكوميون إن العبور إلى قطاع غزة سيقتصر على أكثر الحالات الإنسانية إلحاحا.

واستجابة للاحتجاجات الدولية والمحلية، رفعت الحكومة الحظر المفروض على دخول المراسلين الأجانب إلى غزة في 4 كانون الأول/ ديسمبر لتعاود في اليوم التالي فرض الحظر. واستنادا للبحث الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين فقد فُتحت المعابر لفترات قصيرة متقطعة على مدى الأسابيع الثلاثة التالية. ولا يُعرف عدد الصحفيين الذين عبروا الحدود إلى المناطق المحتلة خلال هذه الفترات القصيرة وغير المعلنة إن كان هناك صحفيون قد عبروا الحدود أصلا.

تم فرض حظر شامل طوال الهجمة العسكرية على غزة والتي استمرت ثلاثة أسابيع. (تمكن بضعة صحفيين دوليين من الوصول إلى غزة في أواخر أيام الصراع عبر رفح الذي تشرف عليه مصر إداريا).

وعلاوة على ذلك، وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر، فرض مسؤولون من وزارة الدفاع الإسرائيلية “مناطق عسكرية مغلقة” على نطاق واسع داخل غزة وعلى طول شريط يمتد لميلين (3.2 كم) عرضا ويطوّق القطاع. وفي حين تؤكد المعايير الدولية على حق الدول في فرض مناطق مغلقة كهذه، إلا إنها تنص على أن اتخاذ هذا الإجراء يجب أن يكون في حالات محدودة، وضمن أضيق نطاق تتطلبه أهداف عسكرية واقعية ومشروعة.

تجاهل قرار المحكمة العليا

في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، احتج رؤساء العشرات من منظمات الإعلام العالمية الرائدة على الحظر المفروض في رسالة وجهوها إلى رئيس الوزراء حينها إيهود أولمرت. وقدمت رابطة الصحافة الأجنبية في إسرائيل التماسا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر لتحكم في شرعية الحظر المفروض.

وفي اليوم التالي، أمرت المحكمة العليا الحكومة بالرد على استفسار رابطة الصحافة الأجنبية في غضون 15 يوما. ولكن الحكومة لم تفعل. وفي نهاية المطاف استجاب جيش الدفاع الإسرائيلي لرابطة الصحفيين يوم 15 كانون الثاني/ يناير 2009، قائلا إنه “لا يمنع الصحفيين من دخول غزة” وإن “15 صحفيا قد دخلوا قطاع غزة بصحبة جيش الدفاع الإسرائيلي”.

إلا إن هؤلاء الصحفيين قد اختيروا بعناية من قبل الجيش الإسرائيلي وظلوا بصحبة القوات الإسرائيلية. وقد أشارت لجنة حماية الصحفيين وغيرها من الجماعات الصحفية بأن هذا الوضع ليس بديلا عن إعطاء الصحفيين المستقلين حرية الوصول كاملة، وهو ما أكدته المحكمة العليا لاحقا.

وفي 31 كانون الأول/ ديسمبر 2008، قضت المحكمة العليا بأنه يتعين على الحكومة أن تتيح المجال أمام 12 صحفيا لدخول قطاع غزة في كل مرة يفتح فيها معبر إيريز الواقع في الطرف الشمالي للقطاع. إلا إن الحكومة لم تستجب لقرار المحكمة. وفي محاولة للتوصل إلى حل وسط بين الحكومة ورابطة الصحافة الأجنبية، أوصت المحكمة في 2 كانون الثاني/ يناير أن يُسمح لثمانية صحفيين أجانب – اثنان من اختيار وزارة الدفاع وستة يُختارون عن طريق القرعة – الدخول في كل مرة يُفتح فيها معبر إيريز.

إلا إن الحكومة لم تنفذ قرار المحكمة الصادر في 31 كانون الأول/ ديسمبر ولا توصيتها اللاحقة إلا بعد أربعة أيام من إعلانها وقفا أحاديا لإطلاق النار يوم 18 كانون الثاني/ يناير. ففي يوم 22 كانون الثاني/ يناير، سمحت السلطات الإسرائيلية لما مجموعه ثمانية صحفيين – وهو عدد أقل بكثير مما أمرت به المحكمة العليا – بدخول القطاع.

وبحلول ذلك الوقت، ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، انتفى الأساس المنطقي للقيود المفروضة على الدخول. وهكذا قامت إسرائيل في اليوم التالي بإزالة كافة القيود التي أرستها في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر.

وفي 25 كانون الثاني/ يناير، أصدرت المحكمة العليا حكما نهائيا في هذه المسألة تُسقط فيه الحظر الشامل المفروض على دخول الصحفيين الأجانب، وتنص على السماح بدخول المراسلين إلى غزة “ما لم يتغير الوضع الامني بشكل كبير بما يستوجب إغلاق معبر إيريز إغلاقا تاما لأسباب أمنية، وتفترض المحكمة أن هذا لن يحدث إلا لظروف ملحة تنطوي على خطر حقيقي”.

تضارب مبررات الحكومة

قدمت الحكومة تفسيرات متباينة للقيود التي فرضتها على الدخول إلى غزة.

ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، قال المتحدث باسم منسق الأنشطة الحكومية في المناطق الفلسطينية بإنه لا يوجد حظر على الصحفيين بحد ذاتهم. ووصف المتحدث بيتر ليرنر إغلاق كافة معابر قطاع غزة كإجراء شامل حصل وأنه شمل الصحافة أيضا.

وحالما بدأت العمليات العسكرية بتاريخ 27 كانون الثاني/ ديسمبر، أقر مسؤولون إسرائيليون بوجود قيود مفروضة على وسائل الإعلام، ولكنهم أصدروا تصريحات متباينة ومتعارضة فيما بينها في إطار تفسيرهم لهذا الحظر. حيث وصف داني سيمان، مدير المكتب الصحفى للحكومة الإسرائيلية، وسائل الإعلام الأجنبية بأنها “ورقة التوت” بالنسبة لحماس، وفقا لما أوردته صحيفة نيويورك تايمز. وفي مناسبة أخرى وكما أفادت وكالة أسوشيتد برس، فقد وصف سيمان الصحفيين الأجانب بأنهم “غير مهنيين” واتهمهم بالأخذ “بتقارير مشكوك فيها على عواهنها دون تحقق”. وفي وقت لاحق، قال مسؤولون في الحكومة بأن إبقاء الصحفيين خارج غزة هو من أجل سلامتهم أو سلامة موظفي المعبر الإسرائيليين.

بل حتى إن أحد المسؤولين الإسرائيليين قد وجه اللوم للصحفيين أنفسهم لاستمرار الحظر. حيث ادعى رون بروزر، سفير إسرائيل لدى المملكة المتحدة، في 7 كانون الثاني/ يناير بأن الاختلاف داخل رابطة الصحافة الأجنبية بشأن مجموعة الصحفيين الذين سيدخلون إلى القطاع هو ما كان يحول دون دخول الصحافة إلى غزة. وقد نفت الرابطة هذا الادعاء نفيا قاطعا.

وفي 22 كانون الثاني/ يناير، أفادت صحيفة هاآرتس بوجود انقسام في الحكومة حول دخول الصحافة إلى غزة. وأفادت الصحيفة، نقلا عن مراسلات رسمية، بأن وزارة الدفاع وجيش الدفاع الإسرائيلي قد أسقطا اعتراضاتهما على فتح غزة للصحفيين في منتصف كانون الثاني/ يناير. ومضت الصحيفة مقتبسةً من رسالة موجهة من محام في وزارة الدفاع إلى مكتب رئيس الوزراء كتب فيها: “أمر رئيس الوزراء بمنع الصحفيين الأجانب من دخول القطاع”. وقال إن مكتب رئيس الوزراء أبلغه “بوجود مصلحة تخدم العلاقات العامة في عدم السماح للصحفيين بالدخول، رغم إن ذلك لم يكن سببا مقنعا بدرجة كافية”.

استهداف وسائل الإعلام الفلسطينية والدولية

وبوجود جميع الصحفيين الأجانب خارج غزة ما خلا بضعة منهم، نقل الصحفيون الفلسطينيون العاملون في وكالات الأنباء المحلية والدولية أخبار الهجمة العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي لكافة أقطار العالم بينما كانوا يتعرضون لهجمات متواترة. (وقد كانت ظروف التنقل للعديد من هؤلاء الصحفيين الفلسطينيين مقيدة أصلا بسبب عدم اعتراف إسرائيل بهم كإعلاميين.)

وتعرضت مرافق تابعة لوسائل إعلام محلية ودولية لنيران إسرائيلية أربع مرات أثناء الهجمة العسكرية التي دامت 22 يوما.

وخلال ذلك الوقت، استولى جيش الدفاع الإسرائيلي أيضا على ترددات بث تلفزيون الأقصى وراديو صوت الشعب عدة مرات لنشر دعايته.

وفي 28 كانون الأول/ ديسمبر، قصف جيش الدفاع الإسرائيلي تلفزيون الأقصى التابع لحركة حماس في مدينة غزة مدمرا المبنى الذي يضم مقر المحطة واستوديوهاتها. لكن القصف لم يخلف أي خسائر في الأرواح إذ كانت إدارة المحطة قد أجلت المبنى في اليوم السابق.

وفي 5 كانون الثاني/ يناير، أطلق جيش الدفاع الإسرائيلي صاروخين على مكاتب صحيفة الرسالة التابعة لحركة حماس ما أدى إلى تدمير كافة معداتها تقريبا. ولكن أيا من الموظفين لم يقتل أو يُصب بجراح جراء الهجوم الليلي رغم إن الأضرار الهيكلية في المبنى أجبرت قاطنيه من السكان على إخلائه. وبعد دقائق على الهجوم، قصف جيش الدفاع الإسرائيلي المطبعة التجارية التي تستخدمها صحيفة الرسالة. ولم تقع إصابات في الهجوم. إلا إن الصحيفة لم تصدر منذ 30 كانون الأول/ ديسمبر بسبب الهجوم الإسرائيلي الذي حال دون توجه الموظفين إلى العمل.

وبتاريخ 9 كانون الثاني/ يناير، أصابت غارة جوية إسرائيلية سطح برج الجوهرة، وهو مبنى في مدينة غزة يضم العشرات من وكالات الأنباء ومحطات التلفزة والصحف الدولية. وقد أصيب صحفي واحد على الأقل في الهجوم الذي أتلف معدات البث الفضائي. وفي ذلك اليوم، قال مارك ريجيف المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي لمحطة الجزيرة بأن احتمال استخدام معدات الاتصالات من قبل حركة حماس جعل من الضربة تحركا مشروعا.

وبعد ستة أيام، أطلق جيش الدفاع الإسرائيلي صاروخا واحدا على الأقل على برج الشروق وهو مبنى إعلامي رئيسي آخر كان يضم وكالة رويترز ومحطة فوكس نيوز وقناة العربية وغيرها من وسائل الإعلام. وقد أصيب في الهجوم مدير مكتب تلفزيون أبو ظبي وأحد المصورين العاملين فيه، كما تسبب الهجوم في تدمير مولدات الطاقة وأجبر قاطني المبنى على إخلائه. وقد أفادت العديد من وكالات الأنباء بأنها زودت الجيش الإسرائيلي بإحداثيات مواقع مكاتبها.

عدم الالتزام بالمعايير الدولية

لقد تنافت الإجراءات الإسرائيلية التي فُرضت على دخول وسائل الإعلام إلى غزة مع المبادئ القانونية الدولية، إذ تنص مبادئ جوهانسبرغ للأمن القومي وحرية التعبير والوصول إلى المعلومات لعام 1995، وهي عبارة عن مزيج من المبادئ العامة للقانون الدولي والقانون الدولي العرفي، على أنه “لا يحق للحكومات استبعاد الصحفيين… من المناطق الواقعة تحت العنف أو الصراع المسلح إلا حينما يكون لوجودهم خطر واضح على سلامة الآخرين”. وتضيف إن “عبء إثبات شرعية القيود يقع على عاتق الحكومة”. أما الحظر الشامل الذي فرضته إسرائيل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 وظل ساري المفعول غالبا دون انقطاع حتى 23 كانون الثاني/ يناير 2009 فلم يف بمقتضيات هذا المعيار.

كما إن الهجمات التي تعرض لها الصحفيون ومنشآت وسائل الإعلام أثناء الحملة العسكرية التي امتدت لثلاثة أسابيع تثير التساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل قد استوفت المعايير القانونية الدولية. فقوانين الحرب التي حكمت الهجمة الإسرائيلية الأخيرة على غزة تتطلب اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتجنب إلحاق الأذى بالصحفيين أو قتلهم. إلا إن الهجمات المبينة أعلاه تشير إلى خلاف ذلك.

اعداد محمد عبد الدايم، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بلجنة حماية الصحفيين.