منى محمود (في منتصف الصورة) قالت للجنة حماية الصحفيين إنها تحدثت عن سجن زوجها بهاء الدين إبراهيم نعمة الله (في اليمين) في مصر بعد الإفراج عن صحفي بارز آخر في قناة الجزيرة. (الصورة: منى محمود)

خيار مرّ أمام عائلات صحفيي قناة الجزيرة السجناء في مصر

إعداد موظفي قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين

عندما اعتقلت السلطات المصرية الصحفيين محمد سعيد فهمي، وهشام عبد العزيز، وبهاء الدين إبراهيم نعمة الله، بين عامي 2018 و 2020 على خلفية اتهامات بممارسة الإرهاب، قررت عائلاتهم التزام الصمت بشأن احتجازهم. فقد كانت تخشى من أن الاهتمام العام قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مما قد يدفع السلطات المصرية إلى تمديد احتجاز هؤلاء الصحفيين السجناء أو زيادة سوء ظروف احتجازهم.

ولكن في شباط/ فبراير وآذار/ مارس من هذا العام، أعلنت العائلات الثلاث عن هذه الاعتقالات عبر مؤتمر صحفي – مما أتاح للجنة حماية الصحفيين إدراج هؤلاء الصحفيين المصريين الثلاثة في الإحصاء السنوي الذي تصدره حول الصحفيين السجناء.

وثمة قصة تكمن خلف قرار العائلات الثلاث بالتحدث علنا عن احتجاز أحبائها، وهي تسلط الضوء على الخيارات المرّة التي تواجه عائلات الصحفيين السجناء في جميع أنحاء العالم، والتي يتعين عليها أن تقرر ما إذا كان الاهتمام العام سيساعد أحباءها المحتجزين أم سيضر بهم. وفي حالة العائلات المصرية الثلاث، اتُخذ هذا القرار على خلفية العلاقات المتغيرة بين مصر وقطر التي تمول قناة الجزيرة، وحيث يقع مقر القناة.

تُقدِّم قطر الدعم منذ مدة طويلة لحركة الإخوان المسلمين، ووفرت مساعدات ببلايين الدولارات للحكومة المصرية بعد أن أصبح محمد مرسي المنتمي للحركة رئيساً لمصر في عام 2012. وبعد الإطاحة بمرسي في انقلاب عام 2013، حظرت السلطات المصرية حركة الإخوان المسلمين، وسارعت إلى ملاحقة قناة الجزيرة واتهمتها بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلد من خلال الترويج للبرنامج الإسلامي لحركة الإخوان المسلمين.

وفي 3 تموز/ يوليو 2013، وهو اليوم الذي استولى فيه الجيش المصري على السلطة من مرسي، داهمت السلطات المصرية مكاتب قناة الجزيرة مباشر، وهي إحدى قنوات الجزيرة، لقطع التغطية بشأن المتظاهرين المؤيدين لمرسي. وفي الشهر اللاحق، داهمت قوات جهاز أمن الدولة مكاتب قناة الجزيرة العربية وأغلقتها، وهي قناة ثانية تابعة للجزيرة، ومنعت القناة وجميع المرتبطين بها من التغطية الإعلامية في البلد.

وفي عام 2017، حين قطعت مصر وعدة بلدان من الخليج العربي علاقاتها رسمياً مع قطر بزعم دعمها لجماعات إرهابية – وهي تهمة تنفيها قطر – حجبت السلطات المصرية الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة والمواقع الأخرى المرتبطة بها. وما زال بوسع المصريين مشاهدة القنوات التلفزيونية التابعة للجزيرة التي تبث من قطر، ولكن ليس بوسعهم الوصول إلى مواقعها الإلكترونية إلا عبر شبكة افتراضية خاصة.

أما الصحفيون الثلاثة، فهمي وعبد العزيز ونعمة الله، فهم ثلاثة من بين عديدين من صحفيي الجزيرة الذين احتجزوا في مصر على خلفية اتهامهم بالإرهاب ونشر أخبار كاذبة في إطار حملة مستمرة منذ سنوات ضد القناة في البلد. وأفاد أفراد من عائلات الصحفيين، كما أفاد صحفيون محليون للجنة حماية الصحفيين، بأن الصحفيين الثلاثة احتجزوا انتقاماً منهم على عملهم مع قناة الجزيرة.

وأرسلت لجنة حماية الصحفيين رسائل إلكترونية إلى وزارة الداخلية، التي تشرف على الشرطة ونظام السجون والنيابة العامة، وذلك لطلب تعليق منها بشأن الإجراءات المتخذة ضد قناة الجزيرة والعاملين فيها، إلا أن الوزارة لم تجب على هذه الرسائل.

وأفاد أحد أقارب الصحفي هشام عبد العزيز الذي يعمل منتجاً في الجزيرة مباشر، للجنة حماية الصحفيين أن اعتقال الصحفي جرى في مطار القاهرة الدولي في 20 حزيران/ يونيو 2019، وقد اتهمته السلطات بالانتماء إلى جماعة إرهابية. وطلب هذا القريب عدم الإفصاح عن اسمه خشية من تعرضه لانتقام من الحكومة.

وقال قريب الصحفي هشام عبد العزيز، “لقد حذّرتنا عائلات الصحفيين المحتجزين الآخرين في مصر بشأن التحدث علنا عن قضيته. وكنا نخشى من أننا إذا فعلنا ذلك، فسيبقون هشام لفترة أطول في السجن، وأنهم سيلاحقون عائلاتنا مثلما فعلوا مع عائلات صحفيين آخرين. إن والدي هشام مسنان، ولا نريد ترك أي مجال لتعريضهما لمضايقات من الدولة”.

وفي بدايات عام 2020، تحدّث أفراد عائلة هشام عبد العزيز بصفة موجزة عن قضيته عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي مقابلات إعلامية بعد أن ألغت السلطات أمراً بالإفراج عن الصحفي، إلا أن العائلة التزمت الصمت من جديد بعد فترة وجيزة خشية من قيام السلطات بالانتقام من الصحفي.

وأعادت العائلة النظر في هذه الاستراتيجية في شباط/ فبراير 2021، عندما أفرجت السلطات بصفة غير متوقعة عن الصحفي المعروف في قناة الجزيرة، محمود حسين جمعة، بعد حبسه احتياطياً لمدة أربع سنوات على خلفية اتهامات بممارسة الإرهاب ونشر أخبار كاذبة. وتحدثت عائلة هشام عبد العزيز عن قضيته علناً وحول وضعه الصحي السيء، وذلك في مقابلة مع الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة مباشر.

وقال قريب هشام عبد العزيز، “بعد الإفراج عن محمود حسين جمعة، شعرنا أنه ربما من الآمن أن نطالب بالإفراج عن هشام من جديد عبر الصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي. وأنه قد آن الأوان لنبلّغ الجميع بأن هشام يفقد بصرة  وسمعه لأن سلطات السجن ترفض تمكينه من إجراء العمليات الجراحية المطلوبة”.

وكان الإفراج عن جمعة أيضاً سبباً دفع أفراد عائلة الصحفي بهاء نعمة الله الذي اعتُقل في عام 2020 وأفراد عائلة الصحفي محمد فهمي الذي اعتُقل في عام 2018 لأن يتحدثوا علناً عن قضيتهما، وفقاً لزوجة الصحفي بهاء نعمة الله، ولأحد مناصري حرية الصحافة الذي يتواصل مع عائلة محمد فهمي. وقد تحدث هذا الشخص مع لجنة حماية الصحفيين بشرط عدم الإفصاح عن اسمه خشية من تعرضه للانتقام.

وكان بهاء نعمة الله منتجاً في قناة الجزيرة مباشر التي تتخذ من الدوحة مقراً لها، واعتقل في مطار مصري في 22 شباط/ فبراير 2020، وأفادت زوجته، منى محمد، للجنة حماية الصحفيين عبر مكالمة هاتفية، بأن الإفراج عن جمعة أدى إلى زيادة الأمل بأن يتمكن زوجها من الخروج من السجن أيضاً، مما دفعها إلى المطالبة بالإفراج عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما شاركت في مقابلة مع الجزيرة مباشرة ومع الموقع الإلكتروني الإخباري المستقل ’درب‘ في آذار/ مارس 2021.

وأضافت منى محمد، “لم نعتقد بأن محمود حسين جمعة سيخرج من السجن، لذا حالما أفرج عنه بات علينا أن نجاهر بما حدث لزوجي، أملاً بأن ذلك سيفضي إلى الإفراج عنه قريباً”.

وفي الفترة نفسها، شاركت عائلة محمد فهمي بمقابلة مع موقع ’درب‘ لتسليط الضوء على الاحتجاز الاحتياطي للصحفي والمطالبة بالإفراج عنه.

وتعزو عائلة محمود جمعة الفضل في الإفراج عنه جزئياً إلى استعادة العلاقات بين مصر وقطر. ففي كانون الثاني/ يناير 2021، استأنفت مصر وعدة دول في منطقة الخليج العربي العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة بعد أن دفعت الولايات المتحدة نحو تشكيل كتلة موحدة لمواجهة إيران.

وعلمت لجنة حماية الصحفيين عبر مكالمة هاتفية مع قطب العربي، وهو مدير الجماعة الحقوقية الإقليمية التي تتخذ من لبنان مقراً لها، المرصد العربي لحرية الإعلام، أنه من المعقول لأقارب الصحفيين المحتجزين أن ينتهزوا فرصة استعادة العلاقات الدبلوماسية للسعي للإفراج عن أفراد عائلاتهم المحتجزين.

ولكنه أعرب عن اعتقاده بأن السلطات المصرية تريد الاستمرار في احتجاز الصحفيين الثلاثة وغيرهم من الصحفيين العاملين مع الجزيرة – ومن بينهم صحفيون ظلت عائلاتهم تطالب علناً بالإفراج عنهم منذ سنوات – وذلك لاستخدامهم كأداة ضغط في التعامل مع قطر، وقال “إنهم يحتجزون الصحفيين كرهائن”.

وفي الواقع، ظلت مصر ترسل رسائل مختلطة حول موقفها من قناة الجزيرة. ففي تموز/ يوليو، سمحت لمذيع من القناة بالظهر في بث حي من القاهرة، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2013. ولكن في الشهر التالي، احتجزت السلطات المصرية صحفياً آخر يعمل مع قناة الجزيرة مباشر، وهو المنتج ربيع الشيخ، وذلك في مطار القاهرة. وبعد يوم من ذلك، وجهت إليه السلطات تهمة نشر أخبار كاذبة.

وقال قطب العربي، “هناك علامات متناقضة بشأن العلاقات الجديدة بين مصر وقطر، وهي لا تدلنا على الكثير بشأن ما سيحدث لهؤلاء الصحفيين”.

وإضافة إلى الصحفيين فهمي وعبد العزيز ونعمة الله، أدرجت لجنة حماية الصحفيين في إحصائها صحفيين اثنين آخرين من قناة الجزيرة سُجنا قبل عام 2021، ولكن لم يشملهما الإحصاء السابق لأن اللجنة لم تعلم بشأن احتجازهما إلا في هذه السنة.

فقد اعتُقل أحد مراسلي الجزيرة مباشر، وهو بدر محمد بدر، بتهمة ممارسة الإرهاب في عام 2017. أما الآخر فهو أحمد النجدي، وهو منتج مخضرم في قناة الجزيرة، واعتُقل في أيلول/سبتمبر 2020.

وأعرب قطب العربي للجنة حماية الصحفيين عن اعتقاده بأنه يوجد على الأرجح عدد أكبر من الصحفيين السجناء في مصر، والذين تشعر عائلاتهم بالخوف من الإعلان عن اعتقالهم. أما العائلات الأخرى التي اتخذت القرار الصعب بالتحدث علناً عن هذه القضية، فليس أمامها مجال إلى العودة عن هذا القرار.

وقال قريب الصحفي هشام عبد العزيز، “الشيء الوحيد الذي بوسعنا القيام به هو أن نرفع أصواتنا أكثر، وهذا لا يضمن أن السلطات ستفرج عن هشام، ولكنه الشيء الوحيد الذي بوسعنا فعله”.