السلطات السودانية تستجيب للتغطية الصحفية المناهضة للبشير بفرض الرقابة والاعتقالات

بقلم: شريف منصور/ منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين

“نحن جميعاً صحفيون، لذا فقد قمنا بعملنا. وكتبنا عما حدث لنا في ذلك اليوم”، هذا ما أخبرني به الصحفي أشرف عبد العزيز أثناء مكالمة هاتفية هذا الأسبوع، وهو رئيس تحرير الصحيفة اليومية ‘الجريدة’ المملوكة للقطاع الخاص، وقد سرد لي كيف غطى هو وزملاؤه خبر اعتقالهم بينما كانوا محتجزين.

فبينما كان الصحفيون محاطين بعناصر شرطة يشهرون أسلحتهم ويصروخون عليهم بأن يلازموا أماكن جلوسهم على الأرض في مركز الشرطة الذي اقتيدوا إليه، عكفوا على الكتابة عن اعتقالهم بسبب الاحتجاج الذي نظموه أمام مقر جهاز الأمن والمخابرات الوطني بسبب الرقابة واسعة النطاق التي يفرضها هذا الجهاز. وقد احتجزوا لمدة ست ساعات في مركز شرطة نائي في الخرطوم، حتى تمكن أعضاء من نقابة الصحفيين السودانيين من التفاوض مع السلطات للإفراج عنهم.

وقال عبد العزيز إنه سارع إلى المطبعة حال خروجه، إلا أن الرقيب المكلف من جهاز الأمن والمخابرات الوطني منع صدور الصحيفة مرة أخرى، وكانت تلك هي المرة السابعة عشرة. ثم صحّح عبد العزيز ما أفاد به وقال، “في الواقع كانت المرة السادسة عشرة” مشدداً في طريقة كلامه على الفرق بين الرقمين. “لقد أصدر الرقيب المكلف من جهاز الأمن والمخابرات الوطني أمراً في ست عشرة مرة لمنع طباعة عدد صحيفة ‘الجريدة’، كما أصدر أمراً آخر بمنع توزيع العدد المطبوع”.

بدأت هذه الممارسة الرقابية، والتي يدعوها عبد العزيز “الرقابة المسبقة”، وسط الاحتجاجات واسعة النطاق التي انطلقت بسبب رفض الرئيس عمر البشير الاستقالة قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في عام 2020. وقد اعتُقل مئات المتظاهرين كما قُتل عشرات المدنيين أثناء المصادمات مع قوات الأمن، وفقاً لتقارير الأنباء. وقالت السلطات إن 19 شخصاً لقوا حتفهم على الأقل أثناء المصادمات، بمن فيهم عنصران في قوات الأمن. وتقدّر الجماعة الحقوقية، منظمة العفو الدولية، عدد القتلى بأكثر من 40 شخصاً، وفقاً لتقارير الأنباء.

وفي 20 ديسمبر/ كانون الأول، أصدر جهاز الأمن والمخابرات الوطني أمراً للمطابع بعدم نشر الصحف اليومية التي تغطي الاحتجاجات، إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة. ومنذ ذلك الوقت ظل وضع الصحافة يتدهور، إذ اعتقل عدة صحفيين بمن فيهم صحفيان تحدثتُ معهما سابقاً هذا الأسبوع: الكاتبة شمائل النور، والصحفي المعروف فيصل محمد صالح، وقد كتبا عن الاحتجاجات واعتقلا في 17 يناير/ كانون الثاني.

باتت الصحف مجبرة على تبني الخط الحكومي، وآثر بعضها الابتعاد عن تغطية الاحتجاجات، فيما عمد بعضها الآخر إلى نشر مساحات فارغة في المكان المخصص لتغطية الاحتجاجات ومقالات الصحفيين الذين يدعمونها، حسبما قال صحفيون محليون ممن تحدثتُ معهم.

أما صحيفة ‘الجريدة’ التي يعمل فيها عبد العزيز فهي من الصحف اليومية القليلة التي أصرت على تغطية الاحتجاجات يومياً، حتى لو أدى ذلك إلى نشر أعدادها بصيغة ‘بي دي أف’ على شبكة الإنترنت وليس النسخة المطبوعة.

وأخبرتني الصحفية شمائل النور، الكاتبة في صحيفة ‘التيار’، في 16 يناير/ كانون الثاني قبل اعتقالها واحتجازها طوال الليل، “ثمة ضابط أمن، لم يدرس الصحافة وليس لديه أي خبرة فيها، يتصرف يومياً وكأنه رئيس التحرير المسؤول عني”. وفي 21 ديسمبر/ كانون الأول، أصدرت السلطات أمراً لصحيفة ‘التيار’ الخاصة بإزالة مقال كتبته شمائل النور إضافة إلى عدة موضوعات صحفية تناولت الاحتجاجات، وذلك قبل السماح بتوزيع العدد المطبوع من الصحيفة. ولكن نُشر عدد من الصحفية على شبكة الإنترنت يتضمن مقال الصحفية شمائل النور.

وقالت شمائل النور، “بوسعهم إسكات قلمي في النسخة المطبوعة، ولكن بوسعي التعبير عن نفسي على شبكة الإنترنت” مشيرةً إلى حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي والجهود التي تقوم بها بعض المواقع الإلكترونية السودانية، بما فيها ‘الراكوبة‘ ومواقع أخرى، لنشر المقالات التي منعت السلطات نشرها، والتي تتضمن نقداً شديداً لاستجابة الحكومة على الاحتجاجات.

وقالت لي شمائل النور بعد الإفراج عنها، “أنا أواصل القيام بعملي لأنني أزداد قناعة مع مرور كل يوم بأنني أقوم بشيء عظيم”.

وفي محاولة واضحة لوقف انتشار التغطية الصحفية المحظورة عبر شبكة الإنترنت، عمدت السلطات السودانية في 21 ديسبمر/ كانون الأول إلى حجب مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل ‘فيسبوك’ و ‘تويتر’ وتطبيق الاتصال ‘واتسآب’، حسبما وثقت لجنة حماية الصحفيين آنذاك.

وقد أثارت صور الاحتجاجات التي نُشرت على شبكة الإنترنت موجة من التأييد في جميع أنحاء البلد. ونشر النشطاء والصحفيون صوراً ومقاطع فيديو على موقعي ‘فيسبوك‘ و ‘تويتر‘، ثم قامت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية بنشرها لاحقاً، وهي تُظهر عدداً كبيراً من المتظاهرين، في حين تستجيب الشرطة للاضطرابات باستخدام القوة الوحشية بما في ذلك الغاز المدمع والرصاص الحي.

وأخبرني الصحفي المحلي المستقل والمناصر لحرية الصحافة، عبد القادر محمد عبد القادر، “الأمر يشبه لعبة القط والفأر إذ نسعى يومياً إلى الوصول إلى شبكة الإنترنت والقيام بعملنا”. وتحسّر عبد القادر على بطء خدمة شبكة الإنترنت الخاضعة للرقابة، وهو يستخدم أدوات رقمية من قبيل الشبكات الشخصية الافتراضية (VPNs)، وكان هذا الصحفي قد كتب سابقاً للجنة حماية الصحفيين حول الرقابة في السودان.

ووفقاً لعبد القادر، يستخدم معظم الصحفيين الذين يغطون التظاهرات هواتفهم المحمولة لالتقاط صور ومقاطع فيديو، ولكن أصبح من الصعب بصفة مطردة التحقق من هذه المواد ونشرها على شبكة الإنترنت بسبب حاجة المستخدم إلى ربط مستقر مع شبكة الإنترنت والعثور على طريقة لتفادي الحجب الذي تفرضه الشركة المزودة لخدمة الإنترنت على مواقع التواصل الاجتماعي.

وإضافة إلى قيام السلطات بقطع خدمة الإنترنت وفرض الرقابة على الصحافة، فقد اعتقلت أكثر من 800 متظاهر، بمن فيهم عدة صحفيين ناقدين، وفق التقارير.

وفي 3 يناير/ كانون الثاني، قام عناصر من جهاز الأمن والمخابرات الوطني باعتقال الصحفي فيصل محمد صالح لمدة يومين بسبب دعمه العلني للتظاهرات، والذي أعرب عنه في مقابلات إعلامية، وبسبب احتجاجه العلني على جهود الرقابة التي تبذلها الحكومة ومساعيها للتقليل من العدد المعلن عنه للمتظاهرين القتلى.

وكانت السلطات قد اعتقلت الصحفيين كمال كرار وقرشي عوض في يناير/ كانون الثاني، ويعمل هذا الصحفيان في صحيفة ‘الميدان’ المملوكة للحزب الشيوعي السوداني، وما زالا قيد الاحتجاز على خلفية اتهامات لم يُعلن عنها، حسبما أوردت شبكة الصحفيين السودانيين، وهي جماعة محلية معنية بحرية الصحافة. ولغاية يوم أمس، استمر احتجاز الصحفي عقيل أحمد ناعم الذي اعتقل من منزله في الخرطوم في 10 يناير/ كانون الثاني، وفقاً لموقع ‘الراكوبةوشبكة الصحفيين السودانيين. كما أوقف جهاز الأمن والمخابرات الوطني توزيع الصحيفة التي يعمل فيها هذا الصحفي، حسبما أوردت شبكة الصحفيين السودانيين.

وأخبرني صالح أنه انتقد في مقابلات أجراها مع وسائل إعلام دولية إنكار الحكومة بشأن عدد القتلى، وقد تحدث مع وسائل الإعلام الدولية لأنه يعلم بأنه بوسع السلطات السيطرة على الصحف والقنوات التلفزيونية المحلية وأنه ليس بوسع الجمهور الوصول إلى شبكة الإنترنت.

وأخبرني صالح يوم أمس، “قبل أن تقوم قوات الأمن باستهداف المتظاهرين، فإنها تستهدف الصحفيين العاملين في القنوات التلفزيونية، وأولهم أولئك الذين يحملون كاميرات، ثم يتبعهم الذين يحملون هواتف محمولة. لقد تعرضت سابقاً للاعتقال بسبب مجاهرتي برأيي، فالمسألة مسألة مبدأ بالنسبة إلي. فمن واجبي نحو زملائي الصحفيين أن أدافع عن حرياتهم الصحفية”. واليوم، اعتقلته السلطات من جديد.