شريف منصور/ منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين
ما أن دنا موعد الانتخابات المصرية التي ستجرى في وقت لاحق من الشهر الجاري، والتي يسعى الرئيس السيسي للفوز فيها بفترة رئاسية ثانية، حتى شرعت حكومة حاكم مصر المستبد بتطبيق مزيد من الإجراءات لتشديد قبضتها على حرية الصحافة، حيث أصدرت تحذيرات لوسائل الإعلام واعتقلت صحفيين ناقدين بتهم نشر “أخبار كاذبة”. ولم تسلم حتى البرامج التلفزيونية الساخرة من إجراءات التضييق هذه، إذ ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن الجهات الرقابية الإعلامية أوقفت الشهر الماضي برنامج “ساتردي نايت لايف بالعربي” الذي تبثه قناة ‘أون تي في’ متهمة البرنامج بانتهاك المعايير الأخلاقية.
كما منع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر- وهو هيئة أُسست عام 2016 بموجب مرسوم أصدره السيسي – الشهر الماضي بث أربعة برامج ترفيهية وساخرة أخرى على أسس أخلاقية، وفقاً لما أوردته تقارير الأنباء.
وفي موازاة إجراءات المنع هذه والتحذيرات التي صدرت في شهر يناير/ كانون الثاني والتي توعدت فيها السلطات بمعاقبة الصحفيين الذين تجد أنهم يخالفون المعايير الأخلاقية ومعايير اللياقة، زادت نبرة العداء للصحافة في خطاب السيسي.
ففي خطاب ألقاه في 1 مارس/ آذار، حذر الرئيس الإعلام من أنه سيتم اعتبار أية تغطية صحفية تنطوي على إساءة إلى الجيش أو الشرطة على أنها خيانة عظمى وليس حرية رأي، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز.
وفي الخطاب ذاته، نبّه الرئيس المسؤولين والمواطنين المصريين إلى ضرورة الحذر من المحاولات التي تبذلها “قوى الشر” لتقويض سلامة البلد وأمنه. وأضاف السيسي “لن أحاسب أحداً على وجهة نظره. لكن لن أسمح بأن يتم عرضه على الناس”، طبقاً لما ذكرته صحيفة الشروق.
ومنذ أن أعلن السيسي في يناير/ كانون الثاني عن عزمه الترشح للانتخابات مرة ثانية، وثقت لجنة حماية الصحفيين أربع حالات اعتقال لصحفيين بسبب حوارات أجروها مع مرشحين معارضين أو بعد انتقادهم للسيسي أو لوجود صلات مزعومة تربطهم بالمعارضة أو جماعات ناشطة، وهؤلاء هم:
- معتز ودنان، مراسل صحيفة هافنغتون بوست العربية التي تتخذ من إسطنبول مقراً لها. وقد جرى اعتقاله في 16 شباط/ فبراير بعد إجرائه حوراً مع هشام جنينة، وكان عضواً في فريق حملة مرشح معارض وهو الآخر رهن الاعتقال الآن، بحسب تقارير محلية. وبتاريخ 5 مارس/ آذار، أمر وكيل نيابة أمن الدولة بتجديد حبس ودنان 15 يوماً، وفقاً لما ذكرته تقارير الأنباء.
- أحمد طارق إبراهيم زيادة، محرر فيلم تسجيلي، تقول السلطات إنه ينتمي لحركة شباب 6 أبريل المعارضة للحكومة. اعتُقل زيادة في 28 شباط/ فبراير بتهم تتعلق بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة محظورة. وترتبط التهم بالفيلم التسجيلي “سالب 1095 يوماً” وهم فيلم ناقد يتهكم في عنوانه على فيلم من إنتاج الدولة بعنوان “1095 يوماً” يتحدث عن منجزات السيسي خلال فترة توليه مهام منصبه. وقد جددت نيابة أمن الدولة في 5 مارس/ آذار توقيف زيادة مدة 15 إضافية، حسب ما أوردته تقارير الأنباء.
- مي الصباغ وأحمد مصطفي، من الموقع الإخباري المحلي ‘رصيف 22’، حيث اعتُقلا في الإسكندرية يوم 28 شباط/ فبراير واتُّهما بحيازة “وسائل فوتوغرافية” بقصد إذاعة أخبار كاذبة، إلى جانب تهم أمن دولة أخرى بما فيها أنهما عضوان في حركة شباب 6 أبريل المحظورة. وقد أمر نائب عام الإسكندرية بتمديد اعتقالهما مدة 15 يوماً إضافية، وفقاً لما صرح به محامي الصباغ، محمد رمضان، للجنة حماية الصحفيين.
وتشدد السلطات المصرية أيضاً الخناق على التقارير الناقدة وتعتبرها “أخباراً كاذبة”، إذ أصدر النائب العام بياناً بتاريخ 28 شباط/ فبراير يوجه فيه وكلاء النيابة في الدولة إلى متابعة التقارير الإعلامية واتخاذ إجراءات بحق أية وسيلة إعلامية تنشر “أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة”، طبقاً لما ذكرته وكالتا أسيوشيتد برس ورويترز. ويأتي هذا البيان بُعيد انتقاد السلطات المصرية لمحطة ‘بي بي سي’ على خلفية قصة حول حقوق الإنسان زعمت مصر أنها مفبركة.
وتعلم لجنة حماية الصحفيين بوجود صحفييّن اثنين على الأقل متواريين عن الأنظار خشية التعرض للاعتقال بعد اتهامهما بنشر “أخبار كاذبة”. فالصحفي أحمد الخطيب الذي كان يعمل في جريدة الوطن الموالية للحكومة مختبئ بعد أن تمت إدانته والحكم عليه غيابياً بالسجن أربع سنوات بتاريخ 7 مارس/ آذار، حسب ما جاء في التقارير وعلى لسان زملاء له. كما لجأت الصحفية سلمى علاء الدين، التي عملت أيضاً في فيلم “سالب 1095 يوماً”، للاختباء خوفاً من تعرضها للاعتقال، بحسب ما ذكره أحد زملائها في صناعة الفيلم للجنة حماية الصحفيين، وقد طلب عدم ذكر اسمه لاعتبارات تتعلق بأمنه.
واعتُقل صحفي ثالث -وهو خيري رمضان مقدم أحد البرنامج التلفزيونية – لليلتين خلال الشهر الجاري حيث اتُّهم بالإساءة ونشر أخبار كاذبة إثر بثه تقريراً عن الاحتياجات المادية للشرطة ضمن برنامجه الذي يُبث على تلفزيون الدولة “مصر اليوم“. وقد تم إخلاء سبيل رمضان بالكفالة.
ويُنظر إلى بيان النائب العام من قبل الكثير من النشطاء الحقوقيين وزملاء الصحفيين القابعين في السجون على أنه مؤشر على أن لا صحفياً في مأمن من السجن.
وفي تغريدة له على تويتر في 8 مارس/ آذار، كتب محامي حقوق الإنسان نجاد البرعي الذي دافع عن صحفي الجزيرة محمد فهمي عندما كان حبيس السجن في مصر عام 2015، يقول “إن حرية التعبير في مصر تحتضر”. وقد انتقدت التغريدة بشدة اعتقال الصحفية الصباغ.
وترددت أصداء وجه نظره هذه عند أسرة الصباغ وزملائها ولدى أنصار حرية الصحافة الذين أشاروا إلى أن الصباغ لم تكن حتى تغطي قضية حساسة في الوقت الذي اعتُقلت فيه.
وقال محامي الصباغ، محمد رمضان إنه “لا يوجد تعريف قانوني للشر”، مشيراً إلى بيان النائب العام. وأضاف المحامي الذي كان يتحدث للجنة حماية الصحفيين في 8 مارس/ آذار، وهو اليوم ذاته الذي مثّل فيه الصباغ في جلسة تحقيق معها، “إنهم يشعرون بالقلق من أي صحفي يكتب عن أي موضوع في الشارع”.