مقتل الصحفي الحسيني أبو ضيف

إعداد: شريف منصور

متظاهرون يطالبون بالعدالة للصحفي أبو ضيف. (أسوشيتد برس/ ناصر ناصر)
متظاهرون يطالبون بالعدالة للصحفي أبو ضيف. (أسوشيتد برس/ ناصر ناصر)

تعرض المحرر الصحفى   بجريدة ‘الفجر’ الحسيني أبو ضيف لرصاصة قاتلة خلال مصادمات بين متظاهرين مناهضين للحكومة وبين مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين خارج القصر الرئاسي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وكان يبدو في البداية أن هذه الحادثة تتطابق مع نمط مؤسف ومألوف، إذ يُقتل صحفيون أثناء تغطيتهم للتظاهرات السياسية من جراء رصاص طائش ينطلق دون اكتراث وسط معمعة العنف في الشوارع.

على خط الانقسام
جدول المحتويات
في الطباعة
تحميل التقرير
English

ولكن بدأت الحقائق تتكشف خلال الأشهر التالية، وبدأت التفاصيل تُظهر صورة أكثر تعقيداً، من قبيل أن الحسيني أبو ضيف أبلغ عن تعرضه للملاحقة والتهديد في الأيام التي سبقت مقتله؛ وأن الأدلة الجنائية تشير إلى أنه استُهدف بالاغتيال؛ وأن شاهد عيان أفاد بأن أحد مؤيدي جماعة الأخوان المسلمين وجّه نحو أبو ضيف ضوء ليزر ساطع قبل لحظات من تعرضه للرصاص؛ وأن المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم المتحدث الرسمى  باسم الرئيس، سعوا إلى إضفاء الغموض على الظروف التي جرت بها هذه الحادثة.

وبعد ثمانية أشهر من مقتل أبو ضيف، ما زالت أسرته وزملاؤه يضغطون على النيابة العامة لإجراء تحقيق يقولون بإنه كان ينبغي أن يجري منذ البداية.

وقال سالم أبو ضيف للجنة حماية الصحفيين، “لقد تركتُ بلدتي في الصعيد ولم أقم بأي شيء في القاهرة خلال الأشهر الماضية سوى السعي لمعرفة من قتل شقيقي، الحسيني. وأنا واثق بأن جماعة الإخوان المسلمين استهدفته بالاغتيال بسبب ما كتبه ضد الرئيس”.

وكان الحسيني أبو ضيف قد كتب قبل أربعة أشهر من مقتله مقالاً قال فيه إن الرئيس محمد مرسي شمل شقيق زوجته في عفو رئاسي جماعي عن 572 سجيناً أصدره في يوليو/تموز 2012. وكان شقيق زوجة مرسي، السيد محمود علي، يمضي حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات لإدانته بتهمة الرشوة. ولم يرُد مرسي علناً على هذا التقرير. وبعد ذلك بفترة وجيزة أبلغ الحسيني أبو ضيف شقيقه وعدداً من زملائه أنه يتعرض للملاحقة في الشوارع وأنه تلقى تهديدات عبر صفحته على موقع فيسبوك من أشخاص وصفوا أنفسهم بأنهم مؤيدون لجماعة الإخوان المسلمين، حسب مقابلات أجرتها لجنة حماية الصحفيين مع شقيق الصحفي القتيل وزملائه.

وفي وقت مبكر من اليوم الذي قُتل فيه الحسيني أبو ضيف في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2012، تعرض لإصابة برصاص خرطوش بينما كان يغطي المصادمات العنيفة في الشوارع وتوجّه لتلقي العلاج في مستشفى ميدانى، حسبما أفاد زميله، حسام السويفي للجنة حماية الصحفيين. وفي ذلك الوقت، كان أبو ضيف قد التقط مقاطع فيديو تُظهر مؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين يعتدون على متظاهرين مناهضين للحكومة، وفقاً لما أفاد به حسام السويفي. (ونشر عدد من الصحفيين والمواطنين مقاطع فيديو تُظهر  أعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين يقومون بضرب المتظاهرين وتهديدهم واحتجازهم في ذلك اليوم).

وبعد أن تلقى أبو ضيف علاجاً في المستشفى، عاد إلى التظاهرة وبدأ يعرض المقاطع التي التقطها سابقاً في ذلك اليوم على زملائه ومتظاهرين آخرين، وفقاً لما أفاد به السيد محمود عبد القادر، وهو صديق للصحفي القتيل وكان مرافقا له  وشاهد الأحداث التي قادت إلى إصابة الصحفي بالرصاص ومقتله.

بعد بضعة لحظات، أصيب أبوضيف برصاصة في رأسه، حسبما قال محمود عبد القادر الذي قدم هذه الإفادة إلى النيابة العامة وللمحقق الذى عينته أسرة الصحفي القتيل. وقال عبد القادر في إفادته الرسمية إلى النيابة العامة في مايو/أيار 2012 والتي نشرتها صحيفة ‘الوطن’، “وأنا واقف على شماله مباشرة، فجأة سمعت صوت طنين يشبه صوت النحلة، واستقر برأس الحسينى من الناحية اليمين، ولقيت الحسينى وقع على النجيلة بعنف من أثر الطلقة اللى خدها فى دماغه”.

نُقل الحسيني أبو ضيف إلى مستشفى محلي، مستشفى الزهراء، ثم تم تحويله إلى مستشفى القصر العيني الذي تتوفر فيه معدات أفضل، ولكنه دخل في غيبوبة وتوفي بعد أسبوع في يوم 12 ديسمبر/كانون الأول. وقال الطبيب المعالج إن الرصاصة القاتلة لا بد وأن تكون أطلقت من مسافة قريبة، حسب ما أفادت به أسرته وتقارير الأنباء. وحمّل الصحفيون مؤيدي الأخوان المسلمين المسؤولية عن إطلاق الرصاصة التي أودت بحياة أبو ضيف.

اتهم العديد من الصحفيين أنصار الأخوان المسلمين بأنهم وراء إطلاق النارعلى أبو ضيف. الناشط حسن شاهين، والذى كان موجودا فى مسرح الجريمة أخبر عائلة أبوضيف أن شخصا يعرفه من قبل كأحد مؤيدي الأخوان المسلمين أشار بقلم ليزر نحو أبو ضيف قبيل إطلاق الرصاص عليه. وقد استُخدم هذا الأسلوب في السابق من قبل أنصار الأخوان المسلمين أثناء المظاهرات لتحديد النشطاء، بغية الاعتداء عليهم أو التعرض لهم، بحسب مصادر إعلامية. وقدم شاهين إفادته لوكيل نيابة حول الواقعة فى وقت لاحق.

وفي يناير/ كانون الثاني، عارض ياسر علي، وهو متحدث باسم مرسي، المزاعم بتورط جماعة الإخوان المسلمين بقتل أبو ضيف، ووجه أصابع الاتهام إلى جهات أخرى. ففي رسالة نشرتها صحيفة ‘واشنطن بوست’ في 16 يناير/ كانون الثاني، قال ياسر علي إن “تقارير الطب الشرعي أكدت أن أبو ضيف قتل برصاصة من النوع ذاته الذي استخدم في قتل سبعة متظاهرين مؤيدين لمرسي في التظاهرة ذاتها”.

إلا أنه لم تكن هناك أية تقارير للطب الشرعي في وقت نشر الرسالة. وقد أصدرت إدارة الطب الشرعي التابعة للحكومة تقريرها بعد أكثر من شهر من ذلك التاريخ، في 22 فبراير/شباط. وحصلت لجنة حماية الصحفيين على موجز التقرير الرسمي من أسرة أبو ضيف.

ويصرح التقرير بأن أبو ضيف قُتل من جراء “تهتك ونزيف في الدماغ يصاحبه تمزق سحائي وكسر في عظام الجمجمة ناشئ عن إصابته برصاصة”. ويشير التقرير بطريقة غامضة فقط إلى المسافة التي أطلقت منها الرصاصة، إذ يقول أن الرصاصة أطلقت من مسافة “تزيد عن متر واحد”. ولا يحدد التقرير نوع السلاح أو الرصاصة المستخدمة، على الرغم من أنه أشار إلى انشطار الرصاصة بعد دخولها في جمجمة أبو ضيف.

وقالت إدارة الطب الشرعي إنها لم تستلم مذكرة تحقيقات النيابة، وهي وثيقة رسمية عادة ما تتضمن إفادة الشهود وتفاصيل أخرى من مسرح الجريمة. وعادة ما يكون لزاماً على المحققين إرسال مذكرة تحقيق في مثل هذه الحالات، وتستخدمها إدارة الطب الشرعي لتحديد الجهة والمسافة التي أطلقت منها الرصاصة وأية ظروف رئيسية أخرى تساعد النيابة العامة في توجيه الاتهام.

ونتيجة للإفادة التي أدلى بها الشهود وللضغوط التي مارستها نقابة الصحفيين المصريين، استدعت السلطات في أبريل/نيسان ثلاثة شباب قياديين من جماعة الإخوان المسلمين وحققت معهم لمدة ست ساعات ثم أفرجت عنهم لنقص الأدلة. وقد تم نشر أسماء هؤلاء المشتبه بهم، وهم أحمد سبيع، وعبد الرحمن عز، وأحمد المغير. ويعمل أحمد سبيع مديراً لمكتب القاهرة التابع لتلفزيون ‘الأقصى’ المرتبط بحركة حماس. وقد أنكر الأشخاص الثلاثة تورطهم بمقتل أبو ضيف وقالوا إنهم تلقوا تهديدات بالقتل من نشطاء المعارضة، وفقاً لتقارير الأنباء.

في ذلك الشهر، تعاقدت عائلة أبو ضيف مع فخري صالح، الرئيس السابق لإدارة الطب الشرعي، لإجراء تحقيق مستقل. وقام صالح باستخدام التقرير الطبي الرسمي، وشهادات شهود العيان، ليستنتج أن القاتل أطلق طلقة واحدة من مسافة قريبة باستخدام رصاص من نوع “دمدم” والتى تهدف إلى الانشطار داخل الجسد عند الارتطام به لتقوي من تأثير وعمق الإصابة.

واستجابةً إلى النتائج التي توصلت إليها الأسرة، أعادت النيابة العامة فتح التحقيق في أواخر مايو/أيار، إلا أنها أقفلت التحقيق بعد شهر واحد فقط وقدمت تفسيراً غامضاً بأنها لم تتمكن من تحديد “القاتل الفعلي”. وأحالت النيابة أحمد المغير إلى المحكمة بتهمة  الاعتداء على المتظاهرين كما أحالت القيادى الإخوانى علاء حمزة إلى المحكمة بتهمة تعذيب واحتجاز متظاهرين معارضين خلال المصادمات نفسها التي قُتل فيها الحسيني أبو ضيف. وشهدت القضية تطوراً جديداً بعد الإطاحة بمرسي في يوليو/تموز، إذ طلب مكتب النائب العام الذي يشرف على جميع مكاتب النيابة العامة، من قاضي في القاهرة إجراء تحقيق مستقل في القضية، مما يمثل خطوة مشجعة لأسرة أبو ضيف والمحامين في قضيته، الذين قالوا إنه على الرغم من الاضطرابات السياسية يجب على السلطات ألا تتخلى عن هذه القضية.

وقال نجاد البرعي، وهو محامي أسرة أبو ضيف، للجنة حماية الصحفيين “نحن نعتقد بأننا قدمنا أدلة كافية لتظهر أن مقتل أبو ضيف لم يكن نتيجة لتبادل إطلاق النيران، وإنما جريمة قتل مدبرة. ونحن نأمل الآن بعد وجود قيادة جديدة في مصر أن توافق على طلبنا لإجراء تحقيقات جادة فى القضية”.

 

شريف منصور هو منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين. مستشارة اللجنة شيماء أبو الخير ساهمت فى كتابة التقرير من القاهرة.