مَن يُعتبر صحفياً في مصر؟

بقلم جويل سايمون/ المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين

يتفق الصحفيون المصريون الذين يواجهون عدداً كبيراً من الدعاوى القضائية العقابية والتهديدات على أنه في عهد الرئيس محمد مرسي “لا يوجد حرية صحافة، وإنما شجاعة صحفيين فقط” على حد تعبير المحرر الصحفي إبراهيم عيسى. ولكن ما لم يتمكنوا من الاتفاق عليه (في المناخ الإعلامي المنفلش والمتقلب) فهو تحديد من هو الصحفي بالضبط؟

 

أوفدت لجنة حماية الصحفيين بعثة إلى القاهرة في الأسبوع الماضي لتقييم خطة اللجنة وظروف عملها في مناصرة حرية الصحافة، والتقى الوفد مع ما يزيد عن اثني عشر صحفياً، وسألتهم جميعاً أن يعرّفوا الفرق بين العمل في الميدان الصحفي وفي ميدان النشاط السياسي في مناخ يبدو فيه الموقف الموضوعي المحايد أمراً مستحيلاً. وقال معظمهم إن هذا السؤال لا معنى له. شارك الصحفي إبراهيم عيسى بتأسيس أول محطة تلفزيونية بعد الثورة، والتي سُميّت ‘تلفزيون التحرير’ تماشياً مع الأحداث الجارية، ثم باع حصته فيها، وبعد ذلك استقال منها لأنها غيرت خطها في التحرير الصحفي. وهو يعمل الآن في تحرير صحيفة يومية، تدعى ‘التحرير‘ أيضاً، كما أنه معلّق منتظم على القنوات التلفزيونية. وهو يواجه الآن عدة دعاوى قضائية بما في ذلك “ازدراء الدين”.

 

وقال إبراهيم عيسى، “كصحفي، فإن عملك هو السعي للكشف عن الحقيقة والدفاع عن حريتك، وهذا يجعلك ناشطاً سياسياً في هذا المناخ. فسيتعين عليك أن تواجه الحكومة لأنك ببساطة تحاول الدفاع عن حقوقك كصحفي. لذا فإنت لا تغيّر صفتك – وإنما تعمل في وضع مختلف”.

 

وتتفق مع هذا الرأي الصحفية دينا عبد الفتاح التي تستضيف برنامج حوارياً سياسياً في محطة ‘التحرير’ التلفزيونية أيضاً. وهي تواجه حوالي 300 دعوى قضائية واضطرت إلى الاستقاله من عملها بعد أن أجرت مقابلة مع أعضاء في مجموعة شبابية عنيفة تدعى ‘بلاك بلوك’. وقالت، “ربما لا يوجد حدود بين الصحافة والنشاط السياسي. نحن جميعاً مصريون وهذه بلدنا”.

 

أما زميلتها ريم ماجد التي تستضيف برنامجاً تلفزيونياً حوارياً فقد نالت أعجاب الجمهور ومديحه لوقوفها إلى جانب المتظاهرين في ميدان التحرير. وهي تواجه حالياً اتهامات “بنشر معلومات كاذبة حول القضاة عبر وسائل الإعلام”. وهي تبذل أقصى ما في وسعها للتمييز بين شخصيتها الصحفية وبين مشاركتها في الاحتجاجات السياسية. وقالت، “أنا أعتبر نفسي صحفية، ولكن في الشارع فأنا ناشطة ولدي مواقفي. ومن الصعب جداً أن أفصل بين الأمرين”.

 

وفي الوقت نفسه، فإن الصحفي الذي حاز على أكبر قدر من الشعبية في مصر فلم يأتِ من الوسط الصحفي أصلاً. يستضيف بسام يوسف برنامجاً تلفزيونياً حوارياً ساخراً شبيهاً بأسلوب الصحفي الأمريكي جون ستيوارت. وهو يسخر من الرئيس مرسي دون رحمة. ومن خلال تعليقاته والمقاطع الفكاهية الناقدة، أخذ يدفع بحدود حرية التعبير. ولا يمكن أن نجد مفارقة أكثر غرابة من اتهام صحفي سياسي ساخر “بإهانة الرئيس” و “نشر أخبار كاذبة”.

 

ثمة تبعات كبيرة لعدم القدرة على تعريف الحدود بين الصحافة والنشاط السياسي، ليس في مصر فقط وإنما في جميع أنحاء الشرق الأوسط. بعد أن أمضى وفد لجنة حماية الصحفيين وقتاً في القاهرة، توجّه إلى الدوحة لحضور حلقة عمل يستضيفها مركز الدوحة لحرية الإعلام. وشارك في هذا النشاط الذي امتد على مدار ثلاثة أيام جماعات معنية بحرية الصحافة من جميع أنحاء الشرق الأوسط. وكان أحد أكبر التحديات التي واجهناها هو الاتفاق على مَن يجدر بنا أن نساعده وندافع عنه – خصوصاً في سوريا، حيث تُدرج الجماعات المحلية المعنية بحقوق الإنسان “النشطاء الإعلاميين” في إحصاءاتها للصحفيين القتلى.

 

لا تستخدم لجنة حماية الصحفيين تعريفاً جامداً لمن يُعتبر صحفياً. ونحن ننظر إلى كل حالة ضمن سياقها، ونتفحص عمل الشخص المعني، ثم نخرج برأي مستنير بهذا الشأن. وهي عملية ظلت ناجحة لغاية الآن. وإذا ما وصلنا إلى نقطة ما عاد فيها الصحفيون من التيار العام في مصر يفرّقون بين العمل الصحفي والنشاط السياسي، فإن الحدود أخذت تصبح ضبابية على نحو سريع جداً مما قد يجعل من المستحيل قريباً أن نجدها.