بقلم: عبد القادر محمد عبد القادر
ثمة تاريخ طويل للسلطات السودانية في إغلاق الصحف وإسكات الصحفيين، ولكن قوات الأمن السودانية التي تفرض الرقابة الرسمية دشنت استراتيجية جديدة في هذا العام تركز على الإفقار الاقتصادي للصحف – مما يترك الصحف في موقف ضعيف أكثر من أي وقت مضى.
يقوم عناصر جهاز الأمن والمخابرات الوطني حالياً بمداهمة مطابع الصحف ويصادرون نسخها على خلفية أنها تغطي موضوعات حظرتها الأجهزة الأمنية. وتتسم هذه الخطوط الحمراء بأنها عديدة ودائمة التغيّر ولا يحكمها قانون أو أي أمر قضائي. وعلى سبيل المثال، يطالب جهاز الأمن والمخابرات الصحف أن تمتنع عن تغطية موضوعات مثل المحكمة الجنائية الدولية، والفساد الحكومي، وانتهاكات حقوق الإنسان، والمشكلة في دارفور، والحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، والحركات المسلحة، وغيرها الكثير.
في السابق، كان جهاز الأمن والمخابرات يقوم بالرقابة المسبقة على النشر عن طريق إرسال عناصر من الأمن إلي مكاتب الصحف، ويطلبون من رؤساء التحرير أو مديري التحرير أن يقدموا لهم مواد الصحيفة كاملة قبل مثولها للطبع. ويقوم ضباط جهاز الأمن بقراءة الصحيفة كاملة وينزعون منها مواد صحفية معدة للنشر، و يأمرون باستبدالها بمواد أخري بديلة. وفي أغلب الأحيان يرفض ضباط الأمن المواد البديلة، ويعملون علي تعطيل الصحف ومنعها من الصدور. و يُلزِم ضباط الأمن رؤساء أو مدراء تحرير الصحف بالتوقيع علي تَعهُد تقتضي صيغته عدم نشر أي مادة صحفية تنزعها الرقابة في أي مكان آخر، خصوصاً المواقع الإلكترونية.
أما الهدف الجديد لهذه الممارسات فهو فرض الرقابة على الصحف وإجبارها على تكبد خسائر مالية فادحة. فعلى سبيل المثال، قام عناصر الأمن بمصادرة نسخ صحيفة ‘الميدان’ مرات عديدة، من بينها في 21 شباط/فبراير وفي 13 و 15 و 17 و 18 آذار/مارس. وتقول إدارة الصحيفة إنها تخسر آلاف الجنيهات في كل مرة تُصادَر فيها نسخ الصحيفة. وقالت مديحة عبدالله رئيسة تحرير صحيفة ‘الميدان’ إن الصحيفة تدفع مستحقات الطباعة مقدماً على أمل أن يتم تعويض هذه المبالغ عندما بيع الصحيفة. ولكن نسخ الصحيفة تذهب إلى مكاتب الأمن ولا ترى النور أبداً.
وفي يوم 20 شباط/فبراير تمت مصادرة صحيفتي ‘الأحداث’ و ‘التيار’ من المطبعة وبعد الفراغ من طباعتهما، وتكبدت الصحيفتان خسائر مالية كبيرة. وفي يومي 27 و 29 آذار/مارس صادر جهاز الأمن والمخابرات صحيفة ‘الجريدة’ من المطبعة بعد الفراغ من طباعتها، وذلك بعد أن رفضت الصحيفة منع الكاتب الصحفي زهير السراج من الكتابة بصفحاتها. وقالت إدارة الصحيفة في بيان لها إنها تلقت مكالمة من جهاز الأمن والمخابرات يخبرها برغبته في تعليق كتابات الدكتور زهير السراج الذي كتب مقالاً ينتقد فيه الحكومة السودانية، وعندما طلبت إدارة صحيفة ‘الجريدة’ إبلاغها بقرار وقف الصحفي كتابياً، رفض الجهاز توفير أمر كتابي.
وفي يوم 22 شباط/فبراير أصدر المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني قراراً بتعليق صدور صحيفة ‘التيار’ إلي أجل غير مسمى، واعتقل الجهاز في اليوم نفسه أحد الكتاب المشاركين بالصحيفة. وقد عادت صحيفة ‘التيار’ للصدور مجدداُ بعد صفقة مع جهاز الأمن والقبول بالشروط التي اشترطها جهاز الأمن.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، وهو هيئة حكومية تقوم بالإشراف على الصحف، قال في حوار مع صحيفة محلية إن جهاز الأمن يسيطر على كل شيء يتعلق بالعمل الصحفي، وإن المجلس القومي للصحافة والمطبوعات أصبح هيئة بلا صلاحيات، بسبب تغول جهاز الأمن على كل ما يتعلق بالتعامل مع الصحافة.
وتحدث جميع هذه الممارسات في الوقت الذي يوجّه فيه المسؤولون الحكوميون اتهاماتهم جزافاً للصحفيين بالخيانة والتخابر مع القوى الأجنبية، وتقوم الصحف الموالية للنظام بنشر هذه الاتهامات علي الملأ. إن هذه الاعتداءات المتكررة وسيطرة جهاز الأمن على ما يمكن للصحف أن تنشرة تضع الصحافة المستقلة في السودان في خطر كبير.