هذه الصورة التقتها صحفي للصوت الديمقراطي في بورما، وكالة انباء الكترونية في المنفى: الرهبان البوذيين يقودون احتجاجات ضد الطغمة العسكرية البورمية (DVB-AP)
هذه الصورة التقتها صحفي للصوت الديمقراطي في بورما، وكالة انباء الكترونية في المنفى: الرهبان البوذيين يقودون احتجاجات ضد الطغمة العسكرية البورمية (DVB-AP)

الكشف عن المعتدين المتوارين الذين يهاجمون عبر شبكة الإنترنت

بقلم: داني أوبراين

 

خلال العقد الماضي، افترض أولئك الذين يستخدمون شبكة الإنترنت لتغطية الأخبار أن التطور التقني يصب في مصلحتهم. بيد أن الصحفيين العاملين عبر الإنترنت يواجهون حالياً ما يتجاوز المخاطر المعتادة التي يواجهها الصحفيون العاملون في ظروف خطرة. فهم يجدون أنفسهم يقعون ضحايا لاعتداءات جديدة تنحصر في هذه الوسائط الجديدة؛ من المراقبة الإلكترونية إلى البرامج الإلكترونية المتطفلة إلى الرقابة التي تحدث “في الوقت المناسب” التي يمكنها مسح المواقع الإخبارية الخلافية من شبكة الإنترنت وفي اللحظات الحرجة، وهكذا فإن وسائل الاعتداء على الصحافة الإلكترونية أخذت تصبح أكثر ذكاء وانتشاراً.

 

 

الاعتداءات على الصحافة في عام 2010
تمهيد
المؤسسات الدولية تتقاعس عن الدفاع عن حرية الصحافة
الكشف عن المعتدين المتوارين الذين يهاجمون عبر شبكة الإنترنت
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:   القمع بذريعة الأمن القومي
مصر
إيران
اليمن
تركيا
تونس
السودان
المغرب
لبنان
إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة
العراق
لقطات سريعة من البلدان

في آذار/مارس، قام مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في بيجين، آندرو جاكوبز، وللمرة الأولى بتفحص الإعدادات قليلة الاستخدام في حساب بريده الإلكتروني عبر موقع ياهو، فوجد ضمن ترتيبات “إعادة إرسال الرسائل” عنوان بريد إلكتروني لم يره من قبل، وكان ذلك العنوان البريدي يتلقى نسخة من رسائله الواردة منذ عدة أشهر، وتبيّن له أنه قد تم التسلل إلى بريده الإلكتروني.

ليست تجربة آندرو جاكوبز كصحفي في الصين تجربة فريدة، فخلال العامين الماضيين وقع أعضاء من نادي المراسلين الصحفييين الأجانب في الصين ضحية لسلسلة من عمليات التسلل التي استهدفت حواسيبهم. ففي عام 2009، تلقى الموظفون المساعدون المحليون العاملون مع  صحيفة “ستريتس تايمز” عبر عناوينهم البريدية الإلكترونية غير المنشورة رسائل إلكترونية مصاغة بدقة من مرسل وهمي باسم “بام بوردون” بزعم أنها المحررة الاقتصادية للصحيفة. وإذا ما قام المساعدون بفتح الوثيقة المرفقة مع الرسالة، فستظهر لهم وثيقة لا تثير الارتياب والتي يشير إليها عنوان الرسالة، وهي تتضمن تواريخ مفصلة التي ستتمكن بها الشخصية الوهمية “بام بوردون” من الالتقاء بهم خلال زيارتها إلى بيجين. وفي الوقت ذاته، تطلق الوثيقة المرفقة برنامجاً مخفياً قادرا على السيطرة على حاسوب المستقبِل والتجسس عليه. كما أن أدوات السيطرة على حواسيب الموظفين المساعدين، وأي شخص يقوم بفتح الوثيقة المرفقة، ترسل إلى خوادم بعيدة تسيطر عليها جهات مجهولة.

وفي بدايات عام 2010، تعرض آندرو جاكوبز وغيره من أعضاء نادي المراسلين الصحفيين الأجانب في الصين إلى سلسلة أخرى من محاولات التسلل إلى حسابات البريد الإلكتروني الخاصة بهم على موقع ياهو. وبعد الكشف عن تلك الاعتداءات في نيسان/إبريل، تعرض موقع الإنترنت التابع لنادي الصحفيين للتخريب عبر اعتداء إلكتروني تم عبر إغراق الموقع بطلب معلومات من مئات آلاف الحواسيب في وقت واحد، مما يؤدي بوصلة الإنترنت إلى الاختناق بالمعلومات أو إلى انهيار الخادم الإلكتروني. وتكون الحواسيب المعتدية جزءا من أجهزة منزلية عادية يتم السيطرة عليها عن بعد باستخدم برامج تسلل شبيهة بتلك التي تضمنتها الرسالة الإلكترونية الموجهة للموظفين المساعدين الذين تلقوا رسالة “بام بوردون”، ومن ثم يتم السيطرة على الحواسيب عن بعد بصفة جماعية.

وعندما تواصلت لجنة حماية الصحفيين عبر البريد الإلكتروني مع جاكوبز في وقت لاحق من ذلك العام، كان يتفكّر في درجة الرقابة التي يعمل ضمنها هو وزملاؤه في بيجين، وقال “نعم، أنا أشعر بالانكشاف، ولكنني كنت دائما أفترض أن رسائلي الإلكترونية مكشوفة للرقابة وأنه يتم التنصت على هواتفي … إنه أمر مؤسف ويثير الخوف، ولكن بصراحة فإن المرء يعتاد  على ذلك ويأخذ بالتواصل وفقاً لهذه الظروف”.

إن عمليات الرقابة والمراقبة تؤثر على عمل الصحفيين الدوليين، ولكنها تشكل تهديداً مباشراً على حياة الصحفيين المحليين في العالم وحرياتهم. لقد قادت الرقابة الإلكترونية غير الشرعية إلى سجن عشرات الصحفيين المحليين، وأبرزهم المحرر الصحفي الصيني شي تاو، الذي تم استخدام رسائله على بريد ياهو كدليل في عام 2005 من أجل الحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات على خلفية تهمة مناهضة الدولة. إن ما يقارب نصف الصحفيين السجناء الذين يظهرون على إحصاء لجنة حماية الصحفيين للعام 2010 هم ممن يقومون بعملهم على شبكة الإنترنت، إما ككتاب مستقلين أو محررين لمواقع إخبارية إلكترونية.

لقد ظلت الحكومة الصينة تقليدياً تراقب الصحفيين الأجانب مراقبة حثيثة، سواء نشاطاتهم الإلكترونية على شبكة الإنترنت، أو اتصالاتهم الهاتفية، أو تحركاتهم. وتستخدم الدولة أكثر التقنيات تعقيدا في العالم لمراقبة مواطنيها وقمعهم. إلا أن ثمة حكومات لا تتمتع بسمعة كسمعة الصين في استخدام التقنيات الحديثة بدأت حالياً وبصفة متزايدة باستخدام هذه الوسائل المعقدة. فخلال الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات في عام 2009 في إيران، شدد المعلقون الغربيون على مدى مهارة المحتجين في استخدام شبكة الإنترنت، وأشاروا إلى مقارنة ضمنية مع النظام الحاكم. ولكن عندما تم اعتقال مراسل مجلة “نيوزويك”، ميزيار بهاري وتعذيبه في سجن إيفين، سارع المحققون بطلب كلمات المرور إلى حسابه على موقع فيسبوك وبريده الإلكتروني بهدف تفتيشهما للحصول على اسماء الأشخاص الذين يتواصل معهم. وفي كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام، أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن إيران استحدثت وحدة عسكرية مؤلفة من 12 عضوا لتتبع الأشخاص “الذين ينشرون الأكاذيب والإهانات” على الإنترنت ضد النظام.

وأورد صحفيون إيرانيون يعملون في أوروبا عن حصول هجمات للتسلل إلى حواسيبهم شبيهة بالهجمات التي وصفها آندرو جاكوبز ونادي المراسلين الصحفيين الأجانب في الصين. وتحدث صحفي منفي عن تلقيه تهديدات تحتوي تفاصيل ما كان يمكن معرفتها من قبل السلطات دون اعتراض المحادثات الإلكترونية الفورية التي كان يشارك بها. وأفاد منوشهر مونارماند لصحيفة “ناشونال جورنال”، وهو محرر الموقع الإخباري “خاندانيا” ويعيش في المنفى” أنه تم تعطيل موقعه ثلاث مرات من قبل متسللين”. وأفاد أوميد حابيبينا، الذين يعمل للقسم الفارسي في هيئة الإذاعة البريطانية وهيئة إرسال جمهورية إيران الإسلامية التي تديرها الحكومة، أنه تم استحداث حساب وهمي باسمه على موقع فيسبوك، وذلك لخداع مصادر معلوماته بحيث يتواصلوا مع خصومهم.

إن اتساع وتنوع الاعتداءات الإلكترونية على الصحفيين خلال عام 2010 تُظهر أنها لا تنحصر على الحكومات الراغبة والقادرة على إنفاق ملايين الدولارات لإنشاء مراكز عسكرية لتكنلوجيا المعلومات. فحتى أفقر الدول الاستبدادية تمكنت من شن هجمات معقدة تعتمد على تقنيات عالية ضد وسائل الإعلام المستقلة، أو على الأقل استفادت تلك الدول من مثل هذه الهجمات.

إن الشكل الأكثر مباشرة للهجمات الإلكترونية هو الرقابة الإلكترونية التي تفرضها الحكومات عبر حجب وسائل الإعلام الإلكترونية. هذه الممارسة التي استهلتها منذ فترة طويلة بلدان مثل إيران والصين انتشرت حالياً إلى بلدان تتسم بأقل معدلات استخدام الإنترنت في العالم. ففي أيار/مايو، قامت الشركتان الرئيسيتان المزودتان لخدمة الإنترنت في رواندا بحجب النسخة الإلكترونية من صحيفة “أوموفوجيزي”، وهي المرة الأولى التي يجري فيها حجب موقع في البلاد، وذلك وفقاً لوكالة الأنباء الرواندية “أر إن آيه”. وقد أصدر المجلس الأعلى للإعلام في رواندا حكما بأن نشر هذه الصحيفة على شبكة الإنترنت هو أمر مخالف للقانون، وكان المجلس قبل ذلك قد حظر النسخة الورقية من الصحيفة، وهي معروفة بتغطيتها الصحفية الناقدة للحكومة. انضمت أفغانستان أيضاً إلى مجموعة الدول التي تفرض رقابة على ربط المواطنين على شبكة الإنترنت حيث أقرت قانوناً بهذا الشأن في حزيران/يونيو؛ وعلى إثر ذلك سارعت السلطات إلى حجب ليس فقط المواقع “اللاأخلاقية” التي يستهدفها القانون، وأنما أيضاً المنابر الإخبارية المستقلة مثل موقع “بيناوا”، وهو موقع ناطق بلغة الباشتو، وقد تم حجبه بعد أن أورد بصفة غير صحيحة أن نائب الرئيس، محمد قاسم فهيم، قد توفى. (وكان الموقع قد أصدر تصحيحاً للخبر خلال نصف ساعة). ووفقاً للاتحاد الدولي للاتصالات، تبلغ نسبة مستخدمي الإنترنت في رواندا 4.1 بالمائة فقط من عدد السكان، في حين تبلغ نسبة مستخدمي الإنترنت في أفغانستان أقل من 3.5 بالمائة.

أما في بورما، فيكاد الاستخدام الفردي للإنترنت يكون معدوما، في حين أن مقاهي الإنترنت رائجة جداً، وتعد بورما أحد أكثر البلدان استخداماً للرقابة في العالم. وقد وجد تقرير أصدرته لجنة حماية الصحفيين في عام 2008 أن مستخدمي مقاهي الإنترنت يقومون بصفة روتينية بالالتفاف على حجب المواقع الذي تفرضه الحكومة من أجل زيارة مواقع إخبارية محظورة يديرها صحفيون منفيون. وحالياً، يبدو أن الحكومة أخذت تصعّد هجماتها عالية التقنية على تلك المواقع الإخبارية القائمة في المنافي، وقد تعرضت ثلاثة من تلك المواقع (وهي “إراوادي” و “وكالة ميزيما للأنباء” و “صوت بورما الديمقراطي”) لهجمات منسقة في أيلول/سبتمبر، وذلك بالتزامن مع الذكرى السنوية لثورة الزعفران التي حدثت في عام 2007، والتي تمثلت في سلسلة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة بقيادة الرهبان البوذيين والتي تم سحقها في آخر المطاف بالقوة العسكرية. وأفاد محرر موقع “إراوادي” للجنة حماية الصحفيين أن الهجمات التي تعرضت لها هذه المواقع الإلكترونية أقوى كثيرا من الهجمات التي تعرضت لها في السابق. ولم يتضح مصدر الهجمات المنسقة على هذه المواقع، ولكن آثارها كانت واضحة جدا، إذ لم يقتصر حجب هذه المواقع على الجمهور في بورما، بل لم يعد من الممكن الوصول إليها من أي مكان في العالم. ويذكر أن هذه المواقع توفر بعض من أفضل المعلومات من شهود العيان في هذا البلد الذي يفرض رقابة شديدة جداً.

وفي فيتنام، وهو بلد يتسم بارتفاع نسبة الشباب بين سكانه، كان أكثر من ربع السكان يستخدمون الإنترنت في عام 2010، وذلك وفقاً للاتحاد الدولي للاتصالات. وقد جعلت الحكومة الشيوعية أمر السيطرة على الإنترنت أحد أولوياتها، وأصبح التعقيد الذي تتسم فيه الرقابة والهجمات الإلكترونية على الإعلام الإلكتروني في فيتنام ينافس ما تستخدمه أي دولة في العالم، بما في ذلك الصين. وقد تعرضت مواقع الإنترنت التي تغطي أخبار سياسة التعدين التي تتبعها حكومة فيتنام في استخراج البوكسيت إلى هجمات منسقة أدت إلى تعطيلها في بدايات عام 2010، وتعد سياسة التعدين مثيرة للخلاف بسبب الأضرار البيئية المحتملة ومشاركة الشركات الصينية في هذه العملية. وقد استخدمت في هذه الهجمات آلاف الحواسيب التي كانت مخترقة ببرامج متطفلة. وقد كشف باحثون في شركتي جوجل ومكافي، وهما شركتان مختصان بأمن الحواسيب، عن مصدر هذا الاختراق. فقد أورد موضوع كتبه جورج كورتز في مدونة، وهو من مدراء شركة مكافي، أنه تم استخدام برنامج متطفل مخفي في برنامج يستخدمه العديد من سكان فيتنام يتيح لهم استخدام سمات خاصة في كتابة اللغة المحلية عند استخدام الحواسيب التي تستخدم ويندوز.

وفي شباط/فبراير، أوردت لجنة حماية الصحفيين معلومات حول هجوم إلكتروني مباشر أدى إلى تعطيل الموقع الإخباري الفيتنامي “بلوغوسين”. وبعد فترة وجيزة، نشر محرر الموقع، ترونغ هوي سان، المعروف أيضا باسم هوي دوك، رسالة إلكترونية على موقع جديد قال فيها إنه سيتوقف عن نشاط المدونات وسيركز بدلا عن ذلك على شؤونه الشخصية. وقد حدث الهجوم الإلكتروني في اليوم نفسه الذي شهد محاكمة وإدانة الكاتب تران كاي ثانه ثوي، وهو عضو في مجلس تحرير المجلة الإلكترونية “تو كوك”، وقد حكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة. وأوردت منظمة هيومان رايتس ووتش أنه تم في الوقت نفسه التسلل إلى حساب البريد الإلكتروني للمدونين فام ثاي هوار و هوي دوك.

هل يمكن بالفعل لحكومات مثل حكومتي بورما وفيتنام أن تشن وتنسق مثل هذه الأساليب المعقدة لإسكات الأصوات في الإعلام الإلكتروني؟ إن من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، تتبع المصدر الحقيقي لمثل هذه الهجمات الإلكترونية المنسقة، وعمليات التسلل لمواقع إلكترونية مستهدفة، أو حتى المكان الذي ستصله الرسائل الإلكترونية التي تتم إعادة إرسالها باستخدام الاحتيال. وكما تتيح أنظمة الإنترنت اللامركزية والمترابطة للصحفيين أمكانية التحدث دون الكشف عن هوياتهم والحفاظ على سرية مصادرهم، فيمكنها أيضا إخفاء الجهات الخبيثة. وأفضل شيء يمكن للنشطاء فعله لتتبع مصدر الهجمات هو استنتاج هوية من يشنونها من خلال طبيعة المواقع المستهدفة.

عندما كشفت شركة جوجل في كانون الثاني/يناير 2010 أنها تعرضت لانتهاكات أمنية خطيرة (وفي الوقت نفسه أعلنت أنها ستوقف الرقابة على نتائج البحث على المحركات التابعة لها في الصين)، ألمحت الشركة إلى أن السلطات الصينية كانت مسؤولة عن الانتهاكات. وأتت الأدلة على مصدر الهجمات من طبيعة الجهات المستهدفة. وقالت شركة جوجل أن لديها “أدلة تشير إلى أن الهدف الأساسي للمهاجمين هو الوصول إلى حسابات البريد الإلكتروني التابعة لنشطاء حقوق الإنسان الصينيين”. ودل ذلك على تورط الحكومة الصينية، على الرغم من أن بعض الحواسيب “المستخدمة للقيادة والسيطرة” لتوجيه الهجمات كانت موجودة في تايوان.

هل قام الجيش الصيني أو جهاز الاستخبارات باستهداف شركة جوجل التي تعد أحد أكبر شركات التكنولوجيا، ثم قاموا باستخدام إمكانية وصول مسروقة إلى حواسيب في تايوان من أجل شن الهجوم؟ هل خططت السلطات البورمية لشن هجمات سنوية على الإعلام الإلكتروني في المنفى، ثم قامت بالتسلل إلى حواسيب في الهند بصفة منافية للقانون من أجل شن الهجمات، وذلك بحسب ما تشير سجلات موقع “ميزياما”؟

قام الباحثان رونالد ديبيرت و نارت فيلينيوف من مختبر المواطنين في جامعة تورنتو، وبشراكة مع مستشارين في مجال أمن الحواسيب في مجموعة “سيك ديف”، قاموا بإجراء أبحاث مفصلة بشأن الاعتداءات الإلكترونية على الصحافة، بما في ذلك البرامج المتطفلة التي تم إرسالها إلى المراسلين الصحفيين الصينيين العاملين مع وسائل الإعلام الأجنبية، كما يجري البحث حالياً بشأن الهجوم الإلكتروني المنسق على الإعلام الإلكتروني في بورما. وتؤكد النتائج التي تم التوصل إليها إلى أنه من غير الممكن الربط بصفة مباشرة بين الهجمات وبين الحكومة الصينية أو البورمية. ويقول الباحث ديبيرت إن الدليل الذي تم الكشف عنه يظهر أن الهجمات استخدمت أساليب وإستراتيجيات شائعة بين المجرمين العاديين في المجال الإلكتروني، بما في ذلك “المتسللين” الأفراد ممن يعملون من أجل الإثارة التي يشعرون بها عندما ينجحون بتخريب موقع شهير لجهة مستهدفة ضعيفة الحماية.

ويعتقد فيلينيوف أن الرابطة بين الضالعين في تلك الهجمات وبين الأنظمة الحاكمة التي تستفيد من إسكات أو ترويع الصحافة، لا تحتاج أن تكون رابطة صريحة كي يستفيد منها كلا الطرفين. وقال للجنة حماية الصحفيين “أعتقد أن هذه العمليات الإجرامية ليست معنية دائما بقمع حرية التعبير، وإنما يعتبرها مرتكبوها على أنها تصب في مصلحتهم من حيث أنها تساعد على إبقاء علاقتهم طيبة مع السلطات، فالأمر يشبه القيام بخدمة مقابل خدمة: أنت تهاجم مواقع الإنترنت التابعة لنشطاء التبيت لفترة ما، وربما ستتجاهل أجهزة الأمن قيامك بسرقة البطاقات الائتمانية”.

إن العالم الذي يصفه فيلينيوف مألوف تماما لأي صحفي، سواء بالإعلام الإلكتروني أو التقليدي، ممن يعملون على تغطية الدول الاستبدادية. ولا تضطر الحكومات دائما إلى إسكات وسائل الإعلام بصفة مباشرة؛ فيمكنها أن تتجاهل تصرفات المنظمات الإجرامية أو المؤيدين “من ذوي الحس الوطني” ممن يقومون بالمهمة نيابة عن الدولة، وكلا الطرفين يستفيدان من قمع الصحافة الحرة؛ فدون الصحفيين المستقلين، لا يمكن الكشف عن الفساد والتواطؤ بين السلطات الرسمية والقوى التي تعمل في الظلام.

إن الإنترنت هي وسيلة مؤثرة إلى درجة عظيمة بالنسبة للصحفيين العاملين ضمن أنظمة قمعية، ولكن لا يمكن لهذه الوسيلة وحدها أن تنقذ الصحافة من الرقابة والمراقبة والإساءات. إن الجهات التي تريد إنهاء الصحافة الحرة تكتسب على نحو مضطرد الموارد والحلفاء التي تحتاجها كي تشن حربها على الصحافة في الميدان الإلكتروني. ومن دون الثقل الموازن للدعم التقني واللوجستي للصحفيين المستقلين، فيمكن للإنترنت أن تصبح أداة داعمة لخصومهم.

ولكن يمكن لمناصري حرية الصحافة أن يعملوا على تخفيف المخاطر وإيقاف الأطراف الثالثة من الانخراط في الإساءات الموجهة ضد الصحافة.

يوجد في أثيوبيا عدد صغير من مستخدمي الإنترنت، ولكن الحكومة تتميز بأحد أسوأ السجلات في قمع الصحافة. وقد قامت الأجهزة الأمنية بإجبار الصحفيين العاملين في الصحيفة المستقلة “أديس نيجير” على الفرار من البلاد قبل الانتخابات الوطنية التي جرت في أيار/مايو 2010. وقد أتاحت الإنترنت لصحفيي “أديس نيجير” فرصة مواصلة النشر والتواصل مع وطنهم، حالهم حال مئات الصحفيين المنفيين الآخرين. ولكن قبل أن يتمكن محرر صحيفة “أديس نيجير”، ميسفين نيقاش، من استحداث موقع جديد على الإنترنت، تعرض لانتكاسة تثير الاستغراب. فقد قام موظفو الدعم التقني في شركة موقع فيسبوك بإلغاء صفحته لديها، وهي تحتوي جميع عناوين الاتصال الخاصة به التي تم تجميعها من قبل صحيفة “أديس نيجير”. ولم يتم أبدا توضيح أسباب هذا الإجراء، ولكن يمكن الاستنتاج بأنها تتعلق بشكاوى منسقة قام بها خصوم الصحيفة وتغطيتها الناقدة للحكومة. وهكذا قام موقع فيسبوك بإزالة جميع الروابط الموجودة في الصفحة والتي تربطه بثلاثة آلاف قارئ في اثيوبيا والشتات.

قامت لجنة حماية الصحفيين بالاتصال مع موقع فيسبوك للتأكيد على أهمية عمل صحيفة “أديس نيجير” وشرعيته، فقامت الشركة بإعادة الاتصال بين ميسفين نيقاش وبين مناصريه. ولم تفسر شركة فيسبوك قيامها بحذف الصحفة واكتفت بالقول أن الأمر نجم عن “غلطة”. وفي غضون بضعة أيام، تمكن نيقاش من إرسال رسالة إلى القراء يعلمهم بإطلاق صحيفته الإلكترونية من المنفى (addisnegeronline.com)، وقد ظهرت الصحيفة في الوقت المناسب لتغطية الانتخابات التي جرت في أيار/مايو.

غالباً ما تكون وقائع المعركة من أجل حرية الصحافة الإلكترونية غير مرئية، حتى بالنسبة للمنهمكين في النزاع. فلم يكن لدى آندرو جاكوبز أية فكرة بأن رسائله الإلكترونية خاضعة للمراقبة حتى قام بتفحص الترتيبات على حاسوبه. ولم تكن شركة فيسبوك تعلم بالدور الحيوي الذي تؤديه بنيتها التحتية في المعركة الجارية حول حرية الصحافة في أثيوبيا. وعلى المنوال ذاته، فإن العديد من الصحفيين والمدونين الذين يدخلون في ميدان الإنترنت قد لا تكون لديهم أية فكرة عن التهديدات التي تواجههم. وينبغي على لجنة حماية الصحفيين والمناصرين الآخرين أن يكفلوا أن الصحفيين مطلعون على هذا الجيل الجديد من الاعتداءات – وأن الجميع يعلمون ما يمكنهم القيام به لتقديم المساعدة.

داني أوبراين هو منسق نشاطات المناصرة على الإنترنت في لجنة حماية الصحفيين، ويعمل من مدينة سان فرانسيسكو. ويساهم في مدونة على موقع لجنة حماية الصحفيين: cpj.org/internet.