2 – رقابة الجيش

إعداد: شريف منصور

صورة للسيسي تظهر في تظاهرة في ميدان التحرير. (رويترز/ محمد عبد الغني)
صورة للسيسي تظهر في تظاهرة في ميدان التحرير. (رويترز/ محمد عبد الغني)

تدافعت أعداد كبيرة من سيارات الشرطة على مدينة الإنتاج الإعلامي بعد لحظات من قيام الفريق عبد الفتاح السيسي بالإعلان عن الإطاحة بمحمد مرسي في 3 يوليو/تموز. يقع هذا المجمع الإعلامي في ضواحي القاهرة ويضم مقرات جميع المحطات التلفزيونية في مصر تقريباً، ولكن قوات الشرطة كانت تستهدف خمس محطات معينة في ذلك اليوم، وهي: قناة ‘مصر 25’ التي تديرها جماعة الإخوان المسلمين، وأربع محطات إسلامية أخرى مؤيدة لمرسي. وتوقف البث الحي لهذه القنوات واحدةً تلو الأخرى، بينما قام عناصر الشرطة باعتقال قرابة 200 شخص من موظفيها، وصادروا معدات وهواتف محمولة، واقتادوا الموظفين إلى مقرات أمنية وتم التحقيق معهم بشأن ارتباطهم بجماعة الإخوان المسلمين. وتم الإفراج عن معظم الموظفين الإداريين وموظفي الدعم خلال بضعة ساعات، في حين احتُجز 22 صحفياً لمدة تزيد عن يوم بتهمة التآمر للإطاحة بالنظام.

على خط الانقسام
جدول المحتويات
في الطباعة
تحميل التقرير
English

وقال الصحفي محمد جمال، الذي كان يذيع برنامجاً مباشرا على قناة ‘مصر 25’ عندما داهمت الشرطة الاستديو وأوقفت البث، “لم يُتح لي وقت لقول ولو كلمة واحدة حول الانقلاب، لذا فأنا غير متأكد ماذا يعنون بتلك الاتهامات”.

وابتداءً باللحظة التي سيطر فيها الجيش على السلطة، ثم على امتداد الأيام والأسابيع التي تلت ذلك، فرض الجيش المصري رقابة واسعة النطاق ضد وسائل الإعلام المؤيدة لمرسي وأعاقت التغطية الصحفية المؤيدة لموقف جماعة الإخوان المسلمين والرئيس المطاح به. وظل ثلاثة صحفيين على الأقل قيد الاحتجاز بحلول 1 أغسطس/آب. وفي حين أن القمع استهدف فئة محددة من وسائل الإعلام لغاية الآن، إلا أن ثمة علامات مثيرة للقلق للصحافة على امتداد الطيف السياسي. ويقول الجيش والحكومة الانتقالية أنهما يريدان وضع ميثاق شرف إعلامي، واشترطا إقرار هذه الميثاق من أجل رفع الرقابة الحالية. وقد ظلت عملية صياغة هذا الميثاق وإقراره ومدى انهماك الحكومة في فرضه أمراً غامضاً حتى الآن، بيد أن عدة تصريحات رسمية تشير إلى أن السلطات تنوي ممارسة نفوذها خلال العملية برمتها.

وأبرزت الإطاحة بمرسي نزعة الاستقطاب والحزبية المهيمنة على الصحافة المصرية. وظل الانقسام بين وسائل الإعلام المؤيدة لمرسي وتلك المناهضة له (وهما معسكران يمثلان معظم وسائل الإعلام المصرية) يتعاظم خلال الأشهر التي سبقت عملية الإطاحة بمرسي. وبعد ذلك احتدمت المنافسة بين وسائل الإعلام لتحديد الخطاب، وحتى المصطلحات المستخدمة: فهل كان ما جرى انقلاباً أم انتفاضة شعبية، أم شيئاً آخر؟ وامتنع معظم الصحفيين المعارضين لمرسي عن شجب الرقابة التي فرضها الجيش في الأيام الأولى من سيطرته على السلطة، إلا أن بعضهم أخذ ينتقدها على نحو متزايد.

 

السعي لتبرير الرقابة

بينما كانت السلطات تقوم بإغلاق قناة ‘مصر 25’ وأربع محطات تلفزيونية إسلامية أخرى (وهي قنوات الحافظ، والناس، والرحمة، والخليجية) قامت أيضاً بمداهمة قناة ‘الجزيرة مباشر’، وأوقفت لفترة وجيزة برنامجاً كان يقدم تعليقات حول التظاهرات المؤيدة لمرسي واحتجزت عدداً من الموظفين. وفي اليوم السابق لذلك، قامت وحدات خاصة من الجيش بالتواجد في غرف الأخبار للقنوات التلفزيونية ، وقام عناصرها بطرد وزير الإعلام في حكومة مرسي، صلاح عبد المقصود، إلى خارج المبنى.

وخلال الأسابيع التالية، اتخذ الجيش عدة إجراءات لتوسيع رقابته على وسائل الإعلام المؤيدة لمرسي. فقد رفضت دار ‘الأهرام’ وهي المطبعة الحكومية، طباعة أعداد صحيفة ‘الحرية والعدالة’ اليومية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، كما قامت المؤسسة المسؤولة عن  القمر الصناعي المصري ‘نايلسات’ بتعطيل بث ثلاث قنوات تلفزيونية فضائية عربية، وهي قناة ‘الأقصى’ وقناة ‘القدس’ التابعتين لحركة حماس، وقناة ‘اليرموك’ الأردنية، وذلك عندما حاولت بث تغطية اعلامية حول التظاهرات المؤيدة لمرسي.

وواجهت قناة ‘الجزيرة مباشر’ ووكالة الأنباء التركية ‘الأناضول’ إجراءات لإعاقتهما عن العمل، وهما من بين وسائل الإعلام القليلة المتبقية التي تعتبر متعاطفة مع مرسي  ومع جماعة الإخوان  المسلمين. وفي بعض الحالات، تم  منع الطواقم  الصحفية العاملة مع هاتين المؤسستين الإعلاميتين من دخول مكان انعقاد مؤتمرات وفعاليات صحفية. وبحلول 1 أغسطس/ آب، كانت السلطات تحتجز أحد العاملين في قناة ‘الجزيرة’، وهو المصور محمد بدر، بتهمة حيازة سلاح.

وثمة صحفيان آخران كانا محتجزين في 1 أغسطس/ آب، وهما محمد العمدة، المعلق في قناة ‘مصر 25’، وخالد عبدالله الذي يستضيف برنامجاً في قناة ‘الناس’، وكلاهما محتجزان بتهمة التحريض على العنف، وكانا يعربان بصفة مستمرة عن وجهات نظر متشددة. فعلى سبيل المثال، قبل أسبوعين من الإطاحة بمرسي، هدد محمد العمدة بإعلان “الجهاد” إذا ما تم اقتحام القصر الرئاسي من قبل المتظاهرين أثناء التظاهرات التي جرت في 30 يونيو/حزيران. أما خالد عبدالله فكثيراً ما أطلق على ناقدي مرسي وصف “كفار” ينفذون خطة الشيطان. وفي 23 يونيو/حزيران، استضاف زعيماً سلفياً سعى لتبرير قتل عدة مواطنين من أتباع المذهب الشيعي.

على الرغم من أن الأمر الصادر بإغلاق القنوات الخمس المؤيدة لمرسي وصف إجراءات الرقابة على نحو غامض بأنها “إجراءات استثنائية”، إلا أن متحدثاً باسم الجيش، ووسائل الإعلام المتعاطفة مع الجيش، وحلفاء للجيش جميعهم أشاروا إلى موضوع التحريض على العنف بوصفه المبرر الذي دفع إلى إغلاق تلك القنوات. وفي السابق، أعربت القنوات الإسلامية عن آراء متطرفة. فعلى سبيل المثل، استضافت قناة ‘الحافظ’ قيادياً سلفياً في ديسمبر/ كانون الأول 2012 تعهّد بأن مؤيديه سيقومون بضرب الصحفي إبراهيم عيسى، وهو مقدم برنامج تلفزيوني حواري وناقد لمرسي. وفي فبراير/شباط، قال شيخ سلفي آخر عبر قناة ‘الحافظ’ إن قادة جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة يجب أن يُقتلوا.

بحسب تعريف مبادئ جوهانسبرغ المعترف بها دوليا لمسألة التحريض على العنف في سياق الأمن القومي، فيجب  أن يكون “المقصود بها هو العنف الوشيك”، أو التصرفات التي “من شأنها التحريض على مثل هذا العنف” والتي يكون لها “ارتباط مباشر وفوري بين التعبير وبين احتمالية حدوث مثل هذا العنف”. ويجب أن ينص القانون الوطني على ضمانات ملائمة ضد إساءة استغلال هذه المبادئ بما في ذلك “المراجعة القضائية بصفة سريعة وكاملة وفاعلة” بما يتوافق مع هذه المبادئ، والتي تم إقرارها في عام 1995 من قبل خبراء في القانون الدولي، والأمن الوطني، وحرية التعبير.

وقد رفعت ثلاثة على الأقل من القنوات التي تم إغلاقها قضايا استئناف أمام المحكمة الإدارية، إلا أن المحكمة لم تقم بأي إجراء استجابة لهذه الدعاوى. وقال محمد زارع، مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، والذي ترافع سابقاً في قضايا أمام هذه المحكمة، إنه متفائل بأن القضاة سيتصرفون بصفة مستقلة، ولكنه أوضح بأن صدور الحكم سيستغرق وقتاً طويلاً.

لقد امتنع العديد من الصحفيين والمفكرين الليبراليين عن معارضة الرقابة والقمع اللذين فرضهما الجيش، وفي بعض الحالات أظهر بعضهم تأييداً لتصرفات الجيش. واقترح البعض بأن الرقابة ستكون قصيرة الأجل. وقال مجدي الجلاد، رئيس تحرير صحيفة ‘الوطن’ ومن الأصوات البارزة التي دعت إلى الإطاحة بمرسي، “اعتقد أن هذه الإجراءات ضد القنوات الدينية لم تكن مبررة، ولكنني أصدّق الجيش عندما يقول إنها إجراءات مؤقتة”. وقد ظلت صحيفة ‘الوطن’ توجه انتقادات متواصلة لحكومة مرسي، لذا فقد تعرضت لاعتداءات مادية وقانونية عديدة على يد مؤيدي مرسي.

إلا أن جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، يقول إنه من الواجب رفض الرقابة التي يفرضها الجيش رفضاً صريحاً بوصفها “عقوبة جماعية” تعكس المبادئ التي سادت أثناء حقبة حكم مبارك. وأضاف أن الرقابة واسعة النطاق ضد منظور سياسي معين تمثل عقاباً لمشاهدي القنوات التلفزيونية وتحرم المواطنين من الحق بتلقي المعلومات. ويقول، “قبل أن نتطلع لما يجب أن يحدث لاحقاً، يجب السماح لتلك المحطات التلفزيونية أن تعاود بثها بأسرع وقت ممكن”.

وقال باسم يوسف للجنة حماية الصحفيين، وهو مقدم البرنامج التلفزيوني الساخر “البرنامج” وكان قد وجّه انتقادات لاذعة لمرسي، إنه يشعر بالانشغال من أن مناخ المشاعر الوطنية الملتهبة قد يتحول إلى نسخة مصرية عن المكارثية [التي سادت في الولايات المتحدة الأمريكية في أواسط القرن العشرين واستهدفت قمع المثقفين والفنانيين اليساريين]، حيث كانت الاتهامات المسيسة تُطلق جُزافاً ودون أن تستند إلى أدلة أو إلى القانون. وينوّه باسم يوسف إلى أن الصحافة الليبرالية بصفة عامة تتخذ موقفاً داعماً للجيش، ولم تتعرض حتى الآن لأية قيود. ولكن هذا الأمر قد يتغير بأية لحظة. ويضيف، “علينا أن ننتظر الناس كي ينتقدوا الجيش وأن نرى ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى تبعات سلبية على الصحافة”.

ويقول مؤيدو مرسي إن الرقابة التي تُفرض مؤقتاً لا بد وأن تصبح دائمة. وقال وائل هدارة، المستشار السابق لمرسي لشؤون الاتصال، إنه يتوقع أن الأصوات المستقلة سيتم “إسكاتها وكتمها أو إضعافها من خلال استخدام ما يُسمى أسلوب ‘صمام الأمان’ الذي استخدمه نظام حسني مبارك، حيث كان يُسمح لأصوات معينة بإبداء معارضتها لإيهام العالم الخارجي بأن الصحافة حرة في مصر”.

لم يسعَ الجيش لغاية الآن إلى فرض قيود على وسائل التواصل الاجتماعي. فمن شأن فرض الرقابة على شبكة الإنترنت أن يجلب انتقادات دولية، ولكن حسابات السياسة الداخلية تدخل في الاعتبار أيضاً. وتستخدم جماعة الإخوان المسلمين وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها ظلت تقليدياً تعتمد اعتماداً أكبر على التلفزيون والدعوات المباشرة للعمل التي يوجهها الشيوخ. وفي المقابل، يتمتع معارضو مرسي بتواجد أكبر بكثير على وسائل التواصل الاجتماعي.

على الرغم من إغلاق وسائل الإعلام المؤيدة لمرسي، إلا أن البلاد عانت من موجة من العنف. ففي الأسابيع التي تلت الإطاحة بمرسي، لقي مئات الأشخاص حتفهم كما أُصيب آلاف آخرون بجراح من جراء المصادمات في جميع أنحاء مصر. ففي 8 يوليو/تموز، وبعد مقتل أكثر من 60 شخصاً من المتظاهرين المؤيدين لمرسي برصاص أطلقه الجيش عندما أحاطوا بمقر الحرس الجمهوري، لم تتمكن  جماعة الإخوان المسلمين من إثارة أسئلة بشأن هذه الأحداث ولم تتمكن من التعبير عن رؤيتها عبر الصحافة. وعمدت معظم القنوات التلفزيونية المصرية إلى بث رواية الجيش بشأن الأحداث – وهي أن مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا معتصمين خارج مقر الحرس الجمهوري قُتلوا عندما حاولوا اقتحام المبنى. إلا أن وسائل الإعلام الدولية وجماعات حقوق الإنسان مثل منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية استنتجت بعد أن تفحصت مقاطع فيديو سجلت الأحداث وبعد أن قابلت شهود عيان بأن الجيش شن هجوماً مدبّراً ضد المتظاهرين. وطالبت جماعات حقوق الإنسان بإجراء تحقيق بشأن الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين. وكان من بين القتلى برصاص الجيش في ذلك اليوم المصور الصحفي المصري أحمد عاصم الذي يعمل مع صحيفة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. وبعد ثلاثة أسابيع من ذلك، في 27 يوليو/تموز، شن الجيش حملة قمع قاسية ضد المتظاهرين المؤيدين لمرسي مما أدى إلى مقتل 80 شخصاً على الأقل.

 

مناخ من الاستقطاب

كتب الباحث والبروفيسور في جامعة جورجتاون، عادل إسكندر، على مدونة لجنة حماية الصحفيين أن وسائل الإعلام الخاصة انقسمت إلى معسكرين متصلبين على نحو متزايد (معسكر مؤيد لمرسي وآخر معارض له) في الأشهر التي سبقت قيام الجيش بالإطاحة بمرسي، وخصوصاً بعد إقرار صيغة للدستور تحتوي على قيود عديدة في عام 2012  بدعم من جماعة الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من النقد الشديد لصيغة هذا الدستور. وقال الباحث، “عمدت القنوات الخاصة العابرة للقوميات، مثل ‘الجزيرة’ الناطقة بالعربية، و ‘الجزيرة مباشر’، و ‘العربية’ إلى تأييد طرف ضد الآخر، إذ أيدت قناة ‘الجزيرة’ مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في حين أيدت قناة ‘العربية’ التابعة للسعودية معارضي الرئيس آنذاك. وفي هذه البيئة التي يهيمن عليها الاستقطاب، تمت التضحية بالمبادئ المهنية للصحافة إذ اندفع كل معسكر إلى دعم الطرف الذي يؤيده والتعريض بالطرف الآخر”.

انعكست الانقسامات الحادة في الصحافة على شكل روايات متنافسة بشأن المرحلة الانتقالية المدعومة من الجيش وتأثيرها على الصحافة. وأفاد عماد الدين حسين للجنة حماية الصحفيين، وهو رئيس تحرير صحيفة ‘الشروق’ اليومية المستقلة، بأن الانقسام السياسي تسبب بأضرار للصحافة. وقال، “لقد غدا من المستحيل تقريباً أن تعمل وسائل الإعلام بحرية وأن تقدّم تغطية مهنية إذ أخذت القوى الدينية والقوى الوطنية بإنتاج روايات قائمة على الاستقطاب ترفض الطرف الآخر وتعمل على تعميق الانقسام وتثير احتمال حدوث مواجهات مسلحة”.

وقالت محررة صحفية أخرى إنها لاحظت نزعة مختلفة في التغطية الصحفية بعد سيطرة الجيش على السلطة. فقد أفادت لينا عطا الله للجنة حماية الصحفيين، وهي رئيسة تحرير الموقع الإلكتروني الإخباري ‘مدى مصر’ وشاركت في تأسيسه، بأن معظم التغطية الإخبارية تبدو بأنها تتبع خط الحكومة الانتقالية على نحو وثيق. وقالت إن من غير الواضح ما إذا كان ذلك ناجماً عن ضغوط تمارسها إدارات وسائل الإعلام أو الجيش، أم أن ذلك نتيجة لرقابة ذاتية أوسع انتشاراً. وقالت، “في كلتا الحالتين فهذه مشكلة”.

وفي البداية على الأقل، أعرب العديد من مؤيدي عملية الإطاحة بمرسي عن قناعتهم بأن قمع وسائل الإعلام المؤيدة لمرسي سوف يتوقف حالما تنهمك جماعة الإخوان المسلمين في حوار مع الحكومة الانتقالية. ووجه الرئيس الانتقالي عدلي منصور، والذي وعد بإجراء انتخابات نيابية وانتخابات رئاسية خلال ستة أشهر، دعوة إلى جماعة الإخوان المسلمين للانضمام إلى المصالحة الوطنية.

إلا أن السلطات كانت في الوقت نفسه تحتجز مرسي وعشرات من كبار مساعديه منذ عدة أسابيع وتعزلهم عن العالم الخارجي في مواقع لم تعلن عنها. ووجهت السلطات في أواخر يوليو/تموز إلى مرسي تهمة التخابر مع جهات أجنبية، كما وجّهت لكبار مساعديه تهمة التحريض على العنف. وأفاد مراد محمد علي للجنة حماية الصحفيين، وهو الناطق باسم حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، أنه لا يوجد مستقبل لحرية الصحافة تحت حكم الحكومة المدعومة من الجيش. وقال، “إذا كان بوسع الجيش منحنا الحرية، فبوسعه أيضاً حرماننا منها. إن المرض الحقيقي هو الانقلاب العسكري، أما قمع الصحافة فهو أحد أعراض المرض. يجب علينا إبطال الانقلاب أولاً كي نعالج المرض”.

إن سِجل حرية الصحافة خلال حكم المجلس الأعلى للقوات الملسحة الذي حكم مصر خلال الفترة ما بين الإطاحة بحسني مبارك في عام 2011  وانتخاب مرسي في عام 2012، يُبرز العديد من الأسباب للشعور بالقلق. وتُظهر أبحاث لجنة حماية الصحفيين أن السلطات قامت خلال تلك الفترة بمداهمة مقرات وسائل الإعلام، وفرضت رقابة على الصحف، واعتقلت مدونين ناقدين، كما أجرت محاكمات وتحقيقات مسيسة لترهيب المراسلين الصحفيين، واحتجزت عدة صحفيين، بما في ذلك ارتكاب اعتداءات شديدة ضد صحفيين اثنين بينما كانا محتجزين. وجرت مواجهات في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 بين الجيش والمدنيين أمام اتحاد الإذاعة والتلفزيون أدت إلى مقتل عشرات المواطنين، بمن فيهم صحفي.

 

العلامات المقبلة

تعتبر مسألة كيفية وتوقيت معاودة المحطات المؤيدة لمرسي لبثها (أو ما إذا ستتمكن من ذلك) إشارة مهمة بشأن نوايا السلطات. وقد أبلغ الجيش عدة زعماء سياسيين بأن عودة المحطات التلفزيونية مرتبط بإقرار ميثاق الشرف الإعلامي لمنع التحريض على العنف. وفي الخطاب الذي ألقاه السيسي وأعلن فيه عن الإطاحة بمرسي، اقترح كجزء من خريطة الطريق الانتقالية “وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن”. ويبدو هذا الاقتراح متوائما مع اقتراحات أطلقها مؤيدو جماعة الإخوان المسلمين في فبراير/شباط عندما كان مرسي في السلطة، إذ اقترحوا تنظيم وسائل الإعلام الخاصة وإطلاق “حوار” حول أخلاقيات الإعلام. وقد دار النقاش دورة كاملة ليبرز قضية أساسية لمناخ حرية الصحافة في مصر، وهي أن الأخلاقيات الصحفية والقمع الحكومي يُنظر إليهما عبر منظار السياسة.

وتحدّث مسؤولون حكوميون بصفة عامة حول إعادة تنظيم المجلس الأعلى للصحافة كي يتعامل مع جميع قضايا الصحافة، وأشاروا إلى إمكانية تكليف هذه الهيئة بالأشراف على الحوار المعني بميثاق الشرف الإعلامي. وأعلن رئيس الوزراء المؤقت، حازم الببلاوي، في أواخر يوليو/تموز بأن أعضاء المجلس الذين يبلغ عددهم 15 عضواً سيتم تعيينهم مباشرة من قبل الرئيس المؤقت؛ وفي السابق كان مجلس الشورى، وهو الغرفة الثانية من البرلمان، هو الجهة المخولة بتعيين أعضاء المجلس. ولم يحدد الببلاوي ما إذا كان المجلس سيقود الحوار بشأن مثياق الشرف الإعلامي، ولكنه قال إن المجلس سيتعامل مع كافة المسائل المرتبطة بالصحافة.

إن أي هيئة يتم تعيين أعضائها من قبل الحكومة ستفتقر للاستقلال الذي يطالب به العديد من الصحفيين. وطالبت نقابة الصحفيين المصريين التي التقت مع الرئيس المؤقت عدلي منصور في 10 يوليو/تموز بأن يتولى ممثلون عن المجتمع المدني مهمة تطوير ميثاق الشرف الإعلامي والآلية التنظيمية للإعلام، وأن يتم هذا الأمر بعيداً عن سيطرة الحكومة.

وقالت المحررة الصحفية لينا عطا الله للجنة حماية الصحفيين، “حالما يقوم القائمون على السلطة بتصميم ميثاق الشرف، فإنه يصبح تلقائياً وسيلة للرقابة”.

ووعدت الحكومة المؤقتة بإجراء تغييرات نحو الأفضل. ففي أواخر يوليو/تموز، أعلنت الحكومة المؤقتة أنها ستلغي عقوبة السجن عن جريمة إهانة الرئيس. ولكن هذا القدر الضئيل من الأخبار الإيجابية، يضاهيه خبر سلبي بشأن قرار الرئيس المؤقت بالإبقاء على منصب وزير الإعلام. وظل هذا المنصب منذ حقبة مبارك وحتى رئاسة مرسي يُعتبر وسيلة رئيسية للسيطرة على تدفق المعلومات، خصوصاً من خلال السيطرة الحازمة على السياسة التحريرية لوسائل الإعلام الحكومية. وعلى الرغم من أن الرئيس المؤقت عدلي منصور لن يلغي منصب وزير الإعلام بصفة فورية، إلا أن الناطق باسمه، أحمد المسلماني، قال إن الحكومة المؤقتة ستتشاور مع خبراء إعلاميين بشأن إمكانية استبدال الوزارة في نهاية المطاف بهيئة تتمتع باستقلال أكبر.

كما وعد الناطق باسم الرئيس المؤقت بإجراء تعديلات دستورية لتحسين حرية الصحافة، إذ قال “نحن لن نستبدل الفاشية الإسلامية بفاشية مدنية”.

 

شريف منصور هو منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين. مستشارة اللجنة شيماء أبو الخير ساهمت فى كتابة التقرير من القاهرة.