الحرب العراقية ووسائل الإعلام: نظرة إلى الخسائر البشرية

بقلم: فرانك سميث/ مستشار متقدم للجنة حماية الصحفيين متخصص بأمن الصحفيين

أدت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق إلى مقتل عدد قياسي من الصحفيين، وغيّرت بعض التصورات الشائعة حول مخاطر التغطية الصحفيية للنزاعات. فعلى سبيل المثال، وصل عدد الصحفيين الذين استُهدفوا بالاغتيال إلى مستوى أعلى بكثير من أولئك الذين قتلوا في ظروف تتصل بالعمليات القتالية. وفيما يلي نظرة إلى البيانات التي جمعتها لجنة حماية الصحفيين ننشرها بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لبداية الحرب.

 

قُتل ما لا يقل عن 150 صحفياً و 54 موظف دعم إعلامي في العراق جراء الاجتياح بقيادة الولايات المتحدة الذي بدأ في آذار/مارس 2003 ولغاية الإعلان عن نهاية الحرب في كانون الأول/ديسمبر 2011، وفقاً للأبحاث التي أجرتها لجنة حماية الصحفيين.

 

وقد تجاوزت الخسائر في الأرواح بين الصحفيين، وإلى حدٍ كبير، مجموع أي خسائر موثّقة في الأرواح في أوقات الحروب. وقد سجلت لجنة حماية الصحفيين، والتي تأسست عام 1981، مقتل 58 صحفياً أثناء الحرب الأهلية الجزائرية منذ عام 1993 وحتى عام 1996، ومقتل 54 صحفياً في النزاع المدني غير المعلن في كولولمبيا والذي بدء في عام 1986، ومقتل 36 صحفياً في نزاع البلقان بين عامي 1991 و 1995.

 

وكانت مؤسسة ‘فريدوم فورم‘ غير الحزبية المكرسة للدفاع عن حرية الصحافة قد جمعت قوائم بأسماء الصحفيين القتلى فيما قبل عام 1981. وتشير قوائم المؤسسة إلى مقتل 89 صحفياً في النزاعات التي جرت في أمريكا الوسطى بين عامي 1979 و 1989؛ كما قُتل 98 صحفياً في النزاع الأرجنتيني خلال الفترة 1976-1983؛ وقتل 68 صحفياً خلال الحرب العالمية الثانية؛ وقُتل 66 صحفياً في فيتنام بين عامي 1955 و 1975.

 

ومؤخراً، وثّقت لجنة حماية الصحفيين مقتل 35 صحفياً يغطون الحرب الأهلية في سوريا، وهذا المجموع يتضمن مقتل صحفي على الجانب اللبناني من الحدود بين البلدين، وصحفي جُرح في سوريا وتوفي لاحقاً في تركيا. كما أدت الحرب في أفغانستان إلى مقتل 21 صحفياً منذ بداية الحرب في عام 2001 وحتى الآن.

 

وفي سوريا، وإلى حدٍ أقل في أفغانستان، كانت النيران المتقاطعة المتصلة بالقتال هي سبب نسبة كبيرة من الوفيات بين الصحفيين. ولكن في العراق، قُتل 92 صحفياً على الأقل، أو ما يعادل اثنين من كل ثلاثة قتلى تقريباً، ليس نتيجة للقصف الجوي أو إطلاق النيران عند نقاط التفيش أو التفجيرات الانتحارية أو رصاص القناصين أو انفجار الشحنات المتفجرة المصنوعة يدوياً، بل كان مقتلهم ناجماً عن الاغتيال المتعمد انتقاماً منهم على تغطيتهم الصحفية. وقد استُهدف صحفيون عديدون بسبب انتمائهم لمنظمات إخبارية أمريكية أو غربية، أو بسبب ارتباطهم بمؤسسات إخبارية يُنظر إليها على أنها مرتبطة بأطراف طائفية.

 

أما مستوى الإفلات من العقاب في العراق – أي مدى نجاة الجناة من الملاحقة القضائية بسبب قتل الصحفيين – فهو أسوأ مستوى في العالم، فقد بلغ مائة بالمائة. وحتى هذا اليوم، ومع تجاوز العراق لمرحلة النزاع، لم تُظهر السلطات أي اهتمام بالتحقيق بتلك الجرائم.

 

وكان من بين الصحفيين الذين تعرضوا للاغتيال الصحفية أطوار بهجت، وهي صحفية عراقية كانت تعمل مع قناة العربية الفضائية. فبعد أن غطت تفجير مسجد في سامراء في شباط/فبراير 2006، قام رجال مسلحون باختطافها، وقال شهود عيان إن الخاطفين قالوا إنهم يبحثون عن “المراسلة الصحفية التي تبث على الهواء”. وقد عثر على جثتها في اليوم التالي وعليها أثار تعذيب إضافة إلى جثتي موظفين كانا يعملا معها – المصور خالد محمود الفلاحي ومهندس الصوت عدنان خيرالله. وقد كرّمت لجنة حماية الصحفيين الصحفية أطوار بهجت بعد مقتلها ومنحتها الجائزة العالمية لحرية الصحافة للعام 2006.

 

كان 117 صحفياً من الصحفيين القتلى أثناء الحرب هم من العراقيين، أي ما يشكل 85 بالمائة من المجموع الكلي للصحفيين القتلى. أما موظفو الدعم الإعلامي القتلى والذين بلغ عددهم 54 شخصاً، فكانوا جميعاً من العراقيين إلا واحداً.

 

كان بين الصحفيين القتلى اثنان أمريكيان. أحدهما هو الصحفي مايكل كيلي الذي عمل محرراً جوالاً مع مجلة ‘إتلانتك” وكاتبَ عمود صحفي في صحيفة ‘واشنطن بوست، وكان مرافقاً للقوات الأمريكية، وقد قُتل بعد أسبوعين من الاجتياح وكان برفقة جندي أمريكي وتعرضت السيارة العسكرية التي يستقلانها لإطلاق نيران بالقرب من بغداد مما أدى إلى تدهور السيارة. والصحفي الثاني هو الصحفي المستقل ستيفين فنسينت الذي كان يكتب في صحفية ‘كريستيان ساينس مونيتور’ وصحفية ‘ناشونال ريفيو’ وكان يعمل على إعداد كتاب، وقد اختُطف وقُتل في البصرة في عام 2005. وكان جسده مثقباً بالرصاص ويداه مربوطتان بخيط بلاستيكي.

 

كانت قوات المتمردين على اختلاف انتماءاتها مسؤولة عن مقتل 110 صحفيين و 47 موظف دعم إعلامي. وكانت عمليات القوات الأمريكية، بما في ذلك إطلاق الرصاص عند نقاط التفتيش والقصف الجوي، مسؤولة عن مقتل 16 صحفياً وستة موظفي دعم إعلامي. وكانت قوات الجيش العراقي بقيادة صدام حسين مسؤولة عن مقتل ثلاثة صحفيين. وكانت القوات العراقية في مرحلة ما بعد الاجتياح مسؤولة عن مقتل صحفيين اثنين. وظلت المسؤولية عن باقي الحالات غير محددة.

 

وكان أحد الصحفيين الذي قُتل على يد القوات الأمريكية هو المصور الصحفي مازن دعنا الذي يعمل مع وكالة ‘رويترز’، وهو صحفي مخضرم عمل في مناطق النزاع ومنحته لجنة حماية الصحفيين في عام 2001 الجائزة الدولية لحرية الصحافة، وكان مازن دعنا يصور دبابة أمريكية مقبلة خارج سجن أبو غريب في عام 2003 عندما أطلق عليه جندي أمريكي الرصاص من الدبابة ودون أي تحذير. وأجرى الجيش الأمريكي تحقيقاً توصل لاحقا إلى أن الأمر هو حادث “مؤسف” وأن الجندي “تصرف وفقاً لقواعد الاشتباك”.

 

 

فرانك سميث هو مستشار متقدم للجنة حماية الصحفيين متخصص بأمن الصحفيين. وقد غطى نزاعات مسلحة، والجريمة المنظمة، وحقوق الإنسان من عدة بلدان من بينها السلفادور وغواتيمالا وكولومبيا وكوبا ورواندا وأوغندا وأرتيريا وإثيوبيا والسودان والأردن والعراق. يمكن متابعته على موقع تويتر على العنوان @JournoSecurity.